مناهضة العنصرية .. واجبات فى عمق المشروع التحرري الاجتماعي في السودان (4/5)
عصام على عبد الحليم
7 August, 2022
7 August, 2022
isamabd.halim@gmail.com
الخطاب العنصري :
يرتبط الخطاب ( اى خطاب ) بقضايا عملية ، وهى قضايا المصالح الاقتصادية – الاجتماعية ، اى قضايا السيطرة والقوة ، قضايا السيادة الطبقية ، وهو بالتالى فى مستوى ما – اساسى وعميق - ايديولوجيا . والخطاب العنصرى ايدولوجيا يتجاوز خطرها مرامى تعبيرات عامة الناس . فهو يصدر من نخب قيادية ، متنفّذة تتحرك فى بنية سائدة ومهجمنة ، تحدد السياسات وتصدر القرارات فى مجالات السياسة والتعليم والتنمية والثقافة والاعلام ..الخ (تضم قيادة الطائفة ، قيادة الحزب ، المسئول حكومى ، الى جانب قائدة الراى العام كالفنان ، امام الجامع ، الصحفى ، حكيمباشى القرية ، الضابط الادارى ، الضابط العسكرى، رئيس اللجنة الشعبية ...الخ) يترتب على قولهم انتاج واعادة انتاج وترتيب بعض جوانب الحياة داخل مدى ومجال تأثيرهم . وينطلق الخطاب ويبنى اهدافه على المصطلحات والمفاهيم ( والاساطير ) التى تقدم القيم السياسية والاجتماعية والثقافية للمتحدث الناطق باسم مجموعته الطبقية و"الاثنية" .. الخ حسب مقام الكلام والمصالح . والخطاب العنصرى القائم على "العرق" يحدد خصائص " متصورة " لمجموعة من الناس ، ترتبط بسحنهم ، لغاتهم او اصلهم الجغرافى/التاريخى ؛ تقسمهم الى اعراق متمايزة ومختلفة وفقا لهذه المراجع والتى تحظى بقدر من الاستمرار والديمومة . وتترتب على هذه الاختلافات تصانيف تتضمن احكاما قيمية ترتب الناس بين العلو والدناءة، السمؤ والانحطاط ، تماما مثلما يترتب عليها اعادة انتاج العنصرية كشكل من اشكال السيطرة الاثنية يكرس لايديولوجيا الطبقات السائدة .
يتم توجيه الخطاب العنصرى نحو المجموعة " المختلفة " او احد افرادها ( يا عبد ) ، او ’يتداول عنها ( العبيد ديل ...) داخل المجموعة العنصرية . ويعمل الخطاب هنا على ابراز- والتركيز على - نقائص مفترضة لضحايا الخطاب العنصرى ، مرتبطا بمقارنة ضمنية او صريحة تثّبت خصائص ممتازة ، متعالية لمطلق الخطاب العنصرى .
ويختلف خطاب الصفوة العنصرية عن عامتهم ولكنه مرجعها . فالعامة تردد خطابا يعبر عن قناعات اثنية تقوم على تفسيرات تعتبر مقبولة بشكل عام ، لوقائع ( او احداث ) اثنية يتم تداولها اليومى فى العائلة وفى المجال العام ( المدرسة ، وسائل المواصلات ، دار الرياضة ..الخ) . ولكن معظم هذه القناعات/ التفسيرات هى قناعات يتم تشكيلها بمجموعة من مؤسسات الصفوة التى تمتلك مفاتيح الابواب لغرف الانتاج الايديولوجى وادواته وتتحكم فيها ( كليا او جزئيا ) ؛ وبالتالى تؤثر بدرجة او باخرى فى صناعة الرضا والقبول والاجماع الاثنى ، اى فى صناعة الهجمنة وتسييد المصالح الطبقية الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية والثقافية للقوى المسيطرة . وياتى ترديد العامة للخطاب العنصرى وتداوله كنوع من الدعم لهذه المصالح ودليل على تحقق الهجمنة . والخطاب العنصري فى كلام العامة من الناس لايستهدف الزرقة المحلية فقط وانما كذلك المهاجرين من فقراء افريقيا الذين دفعتهم الحروب والمجاعات داخل حدودنا ؛ فال"عبيد ديل .." تحمل نفس قيمة الخطاب الذى يقول " التكارين ديل .." او الحبش ديل .." او " البلد اتملت ب ..." .. الخ .
للعنصرية عند عامة الناس جذورها فى التاريخ . تحملها الذاكرة الاجتماعية العامة ويتداولها الكلام .تستخدمها الصفوة كإرث تعيد انتاجه فى اللغة والخطاب الايديولوجى والسياسى والثقافى ، يطرق الابواب ، يلح على الاذهان من خلال الميديا والمدرسة ، فى الادب والاساطير والاغنيات ، وكل ماتيسر من مؤسسات ووسائل ، تعيد انتاج غياب المساواة الاثنية ، تركّز من بنية السيطرة الاثنية وبنية الخضوع ، كبنية مؤسسية تحتل مكانها فى كامل بنية السيطرة والسيادة الاثنية . ويقبل د. عبدالله بولا تحفظ البعض بصدد " أن شعبنا , وأعني بسطاء الناس الذين لا صالح لهم في أيدلوجية الخيلاء العرقية الثقافية , ومؤسساتها , وقد تعلموا الكثير , في معتركات دفاعهم عن حقوقهم الأساسية المعتدي عليها هي الأخرى , الكثير من أدب التضامن واحترام حقوق الغير . وقد تجسدت هذه القيم بصفة خاصة في مجري انتفاضة مارس 1985م. وترسخت (...) في غمار معارك تجربة حكم الجبهة المريرة . ألا أن شعبنا لا يخرج علي سنن البشر من الانطواء علي لا وعي جمعي عميق من مواريث العصبية والحزازات , ولا علي سنن تأثير الأيدلوجية السائدة وفعل آلياتها الإعلامية " (بولا ، المصدر السابق)
ومن امثلة الخطاب العنصرى البذئ اورد ما ذكرته جريدة الاحداث في أول رد فعل على المسيرة المناصرة للشيخ (حاج الشيخ عمر) الذي تمت محاكمته إثر أول مظاهرة سياسية بأمدرمان في 19/6/1924 وإلقاء علي عبداللطيف خطابه السياسي المثير، كتبت جريدة الحضارة «إن البلاد أهينت لما تظاهر أصغر وأوضع الناس دون أن يكون لهم مركز في المجتمع .. وإن الزوبعة التي أثارها الدهماء قد أزعجت طبقة التجار ورجال المال»، ودعا كاتب المقال «إلى استئصال شأفة أولاد الشوارع» وذكر «إنها لأمة وضيعة تلك التي يقودها أمثال علي عبد اللطيف، وذلك أن الشعب ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر، ولكل منها رئيس أو زعيم أو شيخ، وهؤلاء هم أصحاب الحق في الحديث عن البلاد..» ثم يتساءل مستنكراً «من هو علي عبداللطيف الذي أصبح مشهوراً حديثاً، وإلى أي قبيلة ينتسب؟" (جريدة الاحداث فى عددها بتاريخ 4-سبتمبر-2011 ). اقول انه نموذج بذئ لانه جاء مكتوباً وعارياً على صفحة جريدة اسمها الحضارة دون ان يستحى كاتبه حسين شريف (أول صحفى سوداني!!) مما يوحى بان العنصرية كانت مفخرة تسلس لقائلها وممارسها فى سياق العشرينات والسودان خارج توّه من عار الاسترقاق .
اعاد " المشروع الحضارى المسلم " الضارى انتاج العنصرية فى علامات ورموز ايديولوجية علّمت مثلث عبدالرحيم حمدى الشهير، والذى يعبر عن نوع من العنصرية مجردة بلقاء ، تنطرح كنوع من الاخلاقية الدينية المتعالية ، تعتبر من هم خارجه من الاعراق غير العربية نوعا من الخطر يهدد انسجامه الثقافى العربي الاسلامى المثالى . فالسيد حمدى يرى انسجاما فيما اسماه محور دنقلا سنار كردفان . وهو- فى تقديره - انسجام كان وراءه التطبيق العملى التاريخى لفكرة السودان العربى الاسلامى ، الذى يمكن استمراره كدولة فاعلة بعد تخلصها من الاطراف خارج المثلث. ويدعو حمدى لتنمية ثروات الاسلاميين وتركيزها فى هذا المثلث " لتمكينهم" من حكمه بلا انقطاع . ويعبر رئيس السلطة الفاشية الاسلامية البشير فى خطابه المعروف بمدينة القضارف عن توافقه ولسان حاله يقول : جدا .. لن يكون هناك اى مجال للكلام عن التنوع الثقافى واللغوى فى السودان ، فاللغة هى اللغة العربية الوحيدة والرسمية ، والدين هو الدين الاسلامى الوحيد و الرسمى للدولة ومصدر التشريع الوحيد . ولا يوجد شئ اخر .. ومن هنا ولى قدام مافى دغمسة ( او كما قال).
وكثيرا ما ينحدر الخطاب العنصرى عن ما يبدو تعاليه الاخلاقى ، ليصبح خطابا وتعبيرا عنصريا مباشرا وفجا . وكما اشرت سابقا فهو يرد فى حالته الاخيرة ويتردد فى كلام عامة الناس فى مجرى الحياة اليومية ، كما يرد فى كلام الصفوة بدون ندرة ، وكمثال اشير الى ماورد فى تعليق احدهم شارك فى نقاش خبر اوردته "حريات" عن فصل جريدة " اجراس الحرية " لفائز السليك – نائب رئيس التحرير - فكتب ردا على اخر : " ما دام قلت انا ما مأدب ارجى الجاييك عاد يا عب عندنا في الشمال الما عندو ادب دا بيشرب العرقي الربنك بيهو أماتك وبيبيت في الانداية البيديرنها اماتك الخدم وبيسكر مع الفروخ من جنسك دا وفي الجزيرة السفيه بيدخل الكنابي محل اماتك بيربن الزيك دا بالمريسة والعرقي بيطلع حاقد على العرب الاسلام ونحن بنقول ارجا سفيه ولا ترجى باطل اما السليك ولا … دا فموضوعو انتهى ورقة واتحرقت كان كلب العبيد وانتهو منو زيو وزي غيرو الكلام انتو العبيد وكلاب العبيد بتطيرو ولا بتجرو ؟ "
http://www.hurriyatsudan.com/?p=23117
. وفى مثال اخر اشير الى صورة من خطاب ارسله محمد فيصل الخليفة نائب رئيس المؤتمر الوطنى بملبورن - استراليا ، الى السيد الهادى عباس ممثل حزب الامة ، على اثر فشل ندوة اقامها حزب المؤتمر الوطنى . فى الخطاب وصف محمد الفيصل ممثل حزب الامة الهادى عباس بحفيد الحظاير الزبيرية الذى تطاول على اسياده . وحدد ان معظم عضوية المؤتمر الوطنى ينتسبون وينحدرون من " الاسياد والنبلاء واحفاد مالكى الحظائر الزبيرية " ، ووصف نفسه بانه حفيد " سيد التجار لتلك التجارة الرابحة التي لايمارسها الا النبلاء وعِلية القوم " و التجارة المعنية هى تجارة الرقيق . ثم وصف نفسه بانه سيّد الهادى عباس ، ووقع بذلك خطابه العنصري المبين . (ياسين جودة ، منبر الحوار الديمقراطى موقع سودان فور اول:
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?p=41032&highlight=&sid=98d07527bd71486622d3a3644c94483f#4103 )2
كان ذلك شأن الاسلامى فى استراليا ، اما فى الخرطوم فقد حذر د. حسن مكى دولته من خطر الزرقة عندما التفوا حولها فى حزام اسود(!) ، وذلك فى محاضرة بجامعة الازهرى . وقد عرّف الحزام الاسود بانه يعنى او يتكون من الوافدين القادمين من جنوب وغرب السودان . وفى مقابلة مع تلفزيون الجزيرة ، فى رده على سؤال حول الاجئين الى اسرائيل حدد انهم مواطنون من الدرجة الرابعة وهو يعرف - كامل المعرفة -الظروف الماحقة التى دفعتهم الى هجر الوطن الى لجوء ، فقد كانوا ايضا قادمون من جنوب وغرب السودان فى اغلبهم ، الى جانب جبال النوبة التى تحترق الان وسابقا بالحرب ، تشنها دولة تعتبره احد مفكريها الاستراتيجيين . وفكرة المثلث فكرة رائجة فى العقل العربى الاسلامى ، فهاهو د. حسن مكى فى إحدى مقالاته بعنوان "المكوِّن الإسلامي في السياسة والثقافة السُّودانيَّة" يكتب: "لم يقدِّر الكثير من الباحثين القدرات الذاتيَّة التي يتحرَّك بها المكون الإسلامي في الحياة السُّودانيَّة، وهو المكوِّن الضابط للحياة في السُّودان الوسيط، على مستوى العائلة والمجتمع في الدولة (...)، ويسمي (السُّوداني) المولود كامتداد للمسمَّيات الإسلاميَّة العربيَّة: آمنة وعائشة وفاطمة ومحمد وأبو بكر ...إلخ" (د. عمر مصطفى شركيان " نقد كتاب الحركة الإسلاميَّة في السُّودان (1969-1985م) للدكتور حسن مكي الفرق بين الزائف والواقع " )
http://www.darfurna.com/Darfur_1/Evidence/Sudanese_Islamic_Movement.htm
العنصرية فى نقد خطابات الهوية :
تطور منفجرا خطاب نقد الهوية فى مواجهةٍ ومنازعة لمشروع الاسلام السياسى والذى سُمّي بالمشروع الحضارى . وهو المشروع الذى يقوم على الدين الاسلامى والعروبة ( لغة واثنية) وامتيازِهما ، إمتشق عنفا ضاريا غير مسبوق لفرضه ، حتى ولو على مثلث ضئيل اخترعه عبدالرحيم حمدى . ويسعى مشروع نقد خطاب الهوية - وهو فى ذاته خطاب /خطابات هوية مغاير – بين رفض الاسلام والعروبة كأحد مكونات الهوية القومية ، واعتبارها استعمارا استيطانيا ، وبين قبولها كاحد متعددات الثقافة والاديان فى السودان . وبين القطبين تعددت واختلفت مدارس التفكير بصدد اشكال الهوية/الهويات فى البلد . ولست بصدد تقديم معالجة نقدية لخطابات الهوية فى ابعادها المتعددة – فهو مما يقع خارج نطاق الورقة – ولكنى مهتم بالبعد السياسى والنظرى المرتبط به . وابدأ بالاشارة للاثر الايجابى لتلك الخطابات النقدية على الخطابات السياسية السودانية ، فهى لا تستقيم الان بدون ان تدخل الهوية بعدا مكونا للمشاريع السياسية المطروحة .
وقد انفجرت ايضا سياسة الهوية (او السياسة التى تقوم على الهوية) على مستوى العالم ، على اثر تطور البنية الرأسمالية المعاصرة الى بنية يتسيّدها ويقودها راسال مال النقدى المستودع فى البنوك وشركات التأمين وغيرها . وهو التطور الذى تواقت مع سقوط مجموعة " دول المعسكر الاشتراكى " ، فانبعثت ايديولوجيا الاثنية وقادت الى حروب التطهير الاثنى وولادة اقطار عديدة فى يوغسلافيا وبلاد التشيك ، كما انفجرت الحروب فى جورجيا والشيشان ن وغيرها .
وقد شملت التطورات فى مجال التفكير النظرى الفلسفى ، ظهورا لتيارات مابعد الحداثة التى نقدت مفاهيم التنوير رافضةً لفلسفات ومشاريع السرديات الكبرى ( من ليبرالية واشتراكية وغيرها ) تنظر الى التاريخ فقط فى محتويات/مكونات وازمنة محددة ونسبية تُنتَج المعرفة بها ووبنى القوة الموجودة ، من خلال اللغة ووقائع الاختلاف والخصوصيات وتعدد الهويات والصراع . وتقوم سياسة الهوية على تحديد ان الافراد يحددون هويتهم بناء على انتماءاتهم المختارة على اساس "العرق" او الثقافة او اللغة او الجندر او الدين ..الخ . وقد تتعدد انتماءات الفرد الى جزء من ( اوكل) هذه المكونات ولكن هويته تُحدد بما يختاره من انتماء دون الانتماءات الاخرى .
وتحاول خطابات الهوية فى السودان ( والتى تأثر بعضها بتيارات مابعد الحداثة) تجاوز الانتمائية الثنائية بين شمال وجنوب وتدفع بمقولات المركز والهامش وتنويعاتها ، فى محاولة لتجاوز ابعاد الجغرافيا والمكان الى مجال الصراع الاثنى الثقافى الاوسع والذى يستوعب كامل الوطن ؛ وفى محاولة لاعادة انتاج وقائع الاختلاف والخصوصيات وتعدد الهويات والصراع . والعنصرية ترد - عندما ترد فى هذه الخطابات - كإختيارات او نتائج تلقائية لسيطرة الايديولوجيا المبنية من مكونين هو الاسلام والعروبة لتتعدد اسماؤها ، كما ترد كنتائج لوظائف جهاز الدولة . وفى تحديد الانتماءات الهويوية ، يضم المركز الهوية العروبية/العربية الاسلامية ، بينما يحتوى الهامش الانتماء للهوية الافريقية . ويبدو انه داخل كل انتماء تختفى الممارسة العنصرية او توجد موجهة ضد الاخر الخارجى المتواجد داخل حيّزها . لا تتأهل الاختلافات داخل اى من الكيانات او فيما بينها بفحص نظرى وفكرى ممكن متوفر فى ضفّات العلم الاجتماعى ، فالاحزاب – مثلا - يمكن تصنيفها حسب موقعها فى المركز او الهامش لتصبح مثلا كلها احزابا يمينية بغض النظر عن مراجعها الفلسفية وخطابها الايديولوجى وبرامجها السياسية وتاريخها السياسى ( ومنه حصيلتها من نقاش مسالة الهوية ) والطبقات الاجتماعية التى تمثلها ، فيصبح الحزب الشيوعى يمينيا تماما كما كاحزاب الاسلام السياسى ( الوطنى والشعبى وغيرها) ! اما احزاب الهامش ومنظماته السياسية والاجتماعية الاخرى فهى منظمات يسارية او منظمات الوسط ، ايضا بغض النظر عن مراجعها الفلسفية ..الخ ..الخ!(ورد فى فيصل محمدصالح ، "الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول زز وجدا الهوية") او حتى مراجع هويتها ، والتى هى متكآت قبلية – تحاول الخروج عن مطبها بدون نجاح كبير. تغيب – وبشكل ملحوظ - عن خطابات نقد الهوية ( او فى سياسة الهوية ) مفاهيم مفصلية فى خطابات النقد المعاصر( والعلم الاجتماعى ) مثل الطبقة ، و البنية الاقتصادية –الاجتماعية الراسمالية ، والامبريالية وايديولوجيتها النيوليبرالية والاثنية والقومية والجندر ..الخ . لاتصادف مفاهيم ومقولات اساسية فى نصوص خطابات نقد الهوية مثل الايديولوجيا والمصطلحات المشتقة من ثنائية عروبة/اسلام من تأهيل نظرى مناسب . فتتطابق – احيانا – الايديولوجيا العروبواسلامية مع الاثنية العربية-الاسلامية ، فلا نعرف ماهو مصدر العنصرية ( وممارسات القهر الاخرى ) هل هو الايديولوجيا ام الاثنية . التاريخ ايضا لايرد فيها الا كمجرى زمنى تتراتب فيه الاحداث وتجرى الى مستقر لها ، فبروز الحركة الوطنية للتحرر والصراعات المرتبطة بها ضد الاستعمار بدت كاحلال للاستعمار نالته القوى التى تعاونت معه ( الاثنية العربية- الاسلامية) فوُصِف الاستقلال ب"هجمة البدو" على قلم ابكر ادم اسماعيل .
اختصارا ، وفى حدود اغراض هذه الكتابة ضد العنصرية لا يعلمنا الخطاب الناقد لخطابات الهوية كثيرا لنوفر لانفسنا مقاومة ابسل لمناهضة وهزيمة العنصرية ، بالرغم من فائدته الملحوظة فى مشروع مقاومة نظام الجبهة الاسلامية المجرم .
الخطاب العنصري :
يرتبط الخطاب ( اى خطاب ) بقضايا عملية ، وهى قضايا المصالح الاقتصادية – الاجتماعية ، اى قضايا السيطرة والقوة ، قضايا السيادة الطبقية ، وهو بالتالى فى مستوى ما – اساسى وعميق - ايديولوجيا . والخطاب العنصرى ايدولوجيا يتجاوز خطرها مرامى تعبيرات عامة الناس . فهو يصدر من نخب قيادية ، متنفّذة تتحرك فى بنية سائدة ومهجمنة ، تحدد السياسات وتصدر القرارات فى مجالات السياسة والتعليم والتنمية والثقافة والاعلام ..الخ (تضم قيادة الطائفة ، قيادة الحزب ، المسئول حكومى ، الى جانب قائدة الراى العام كالفنان ، امام الجامع ، الصحفى ، حكيمباشى القرية ، الضابط الادارى ، الضابط العسكرى، رئيس اللجنة الشعبية ...الخ) يترتب على قولهم انتاج واعادة انتاج وترتيب بعض جوانب الحياة داخل مدى ومجال تأثيرهم . وينطلق الخطاب ويبنى اهدافه على المصطلحات والمفاهيم ( والاساطير ) التى تقدم القيم السياسية والاجتماعية والثقافية للمتحدث الناطق باسم مجموعته الطبقية و"الاثنية" .. الخ حسب مقام الكلام والمصالح . والخطاب العنصرى القائم على "العرق" يحدد خصائص " متصورة " لمجموعة من الناس ، ترتبط بسحنهم ، لغاتهم او اصلهم الجغرافى/التاريخى ؛ تقسمهم الى اعراق متمايزة ومختلفة وفقا لهذه المراجع والتى تحظى بقدر من الاستمرار والديمومة . وتترتب على هذه الاختلافات تصانيف تتضمن احكاما قيمية ترتب الناس بين العلو والدناءة، السمؤ والانحطاط ، تماما مثلما يترتب عليها اعادة انتاج العنصرية كشكل من اشكال السيطرة الاثنية يكرس لايديولوجيا الطبقات السائدة .
يتم توجيه الخطاب العنصرى نحو المجموعة " المختلفة " او احد افرادها ( يا عبد ) ، او ’يتداول عنها ( العبيد ديل ...) داخل المجموعة العنصرية . ويعمل الخطاب هنا على ابراز- والتركيز على - نقائص مفترضة لضحايا الخطاب العنصرى ، مرتبطا بمقارنة ضمنية او صريحة تثّبت خصائص ممتازة ، متعالية لمطلق الخطاب العنصرى .
ويختلف خطاب الصفوة العنصرية عن عامتهم ولكنه مرجعها . فالعامة تردد خطابا يعبر عن قناعات اثنية تقوم على تفسيرات تعتبر مقبولة بشكل عام ، لوقائع ( او احداث ) اثنية يتم تداولها اليومى فى العائلة وفى المجال العام ( المدرسة ، وسائل المواصلات ، دار الرياضة ..الخ) . ولكن معظم هذه القناعات/ التفسيرات هى قناعات يتم تشكيلها بمجموعة من مؤسسات الصفوة التى تمتلك مفاتيح الابواب لغرف الانتاج الايديولوجى وادواته وتتحكم فيها ( كليا او جزئيا ) ؛ وبالتالى تؤثر بدرجة او باخرى فى صناعة الرضا والقبول والاجماع الاثنى ، اى فى صناعة الهجمنة وتسييد المصالح الطبقية الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية والثقافية للقوى المسيطرة . وياتى ترديد العامة للخطاب العنصرى وتداوله كنوع من الدعم لهذه المصالح ودليل على تحقق الهجمنة . والخطاب العنصري فى كلام العامة من الناس لايستهدف الزرقة المحلية فقط وانما كذلك المهاجرين من فقراء افريقيا الذين دفعتهم الحروب والمجاعات داخل حدودنا ؛ فال"عبيد ديل .." تحمل نفس قيمة الخطاب الذى يقول " التكارين ديل .." او الحبش ديل .." او " البلد اتملت ب ..." .. الخ .
للعنصرية عند عامة الناس جذورها فى التاريخ . تحملها الذاكرة الاجتماعية العامة ويتداولها الكلام .تستخدمها الصفوة كإرث تعيد انتاجه فى اللغة والخطاب الايديولوجى والسياسى والثقافى ، يطرق الابواب ، يلح على الاذهان من خلال الميديا والمدرسة ، فى الادب والاساطير والاغنيات ، وكل ماتيسر من مؤسسات ووسائل ، تعيد انتاج غياب المساواة الاثنية ، تركّز من بنية السيطرة الاثنية وبنية الخضوع ، كبنية مؤسسية تحتل مكانها فى كامل بنية السيطرة والسيادة الاثنية . ويقبل د. عبدالله بولا تحفظ البعض بصدد " أن شعبنا , وأعني بسطاء الناس الذين لا صالح لهم في أيدلوجية الخيلاء العرقية الثقافية , ومؤسساتها , وقد تعلموا الكثير , في معتركات دفاعهم عن حقوقهم الأساسية المعتدي عليها هي الأخرى , الكثير من أدب التضامن واحترام حقوق الغير . وقد تجسدت هذه القيم بصفة خاصة في مجري انتفاضة مارس 1985م. وترسخت (...) في غمار معارك تجربة حكم الجبهة المريرة . ألا أن شعبنا لا يخرج علي سنن البشر من الانطواء علي لا وعي جمعي عميق من مواريث العصبية والحزازات , ولا علي سنن تأثير الأيدلوجية السائدة وفعل آلياتها الإعلامية " (بولا ، المصدر السابق)
ومن امثلة الخطاب العنصرى البذئ اورد ما ذكرته جريدة الاحداث في أول رد فعل على المسيرة المناصرة للشيخ (حاج الشيخ عمر) الذي تمت محاكمته إثر أول مظاهرة سياسية بأمدرمان في 19/6/1924 وإلقاء علي عبداللطيف خطابه السياسي المثير، كتبت جريدة الحضارة «إن البلاد أهينت لما تظاهر أصغر وأوضع الناس دون أن يكون لهم مركز في المجتمع .. وإن الزوبعة التي أثارها الدهماء قد أزعجت طبقة التجار ورجال المال»، ودعا كاتب المقال «إلى استئصال شأفة أولاد الشوارع» وذكر «إنها لأمة وضيعة تلك التي يقودها أمثال علي عبد اللطيف، وذلك أن الشعب ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر، ولكل منها رئيس أو زعيم أو شيخ، وهؤلاء هم أصحاب الحق في الحديث عن البلاد..» ثم يتساءل مستنكراً «من هو علي عبداللطيف الذي أصبح مشهوراً حديثاً، وإلى أي قبيلة ينتسب؟" (جريدة الاحداث فى عددها بتاريخ 4-سبتمبر-2011 ). اقول انه نموذج بذئ لانه جاء مكتوباً وعارياً على صفحة جريدة اسمها الحضارة دون ان يستحى كاتبه حسين شريف (أول صحفى سوداني!!) مما يوحى بان العنصرية كانت مفخرة تسلس لقائلها وممارسها فى سياق العشرينات والسودان خارج توّه من عار الاسترقاق .
اعاد " المشروع الحضارى المسلم " الضارى انتاج العنصرية فى علامات ورموز ايديولوجية علّمت مثلث عبدالرحيم حمدى الشهير، والذى يعبر عن نوع من العنصرية مجردة بلقاء ، تنطرح كنوع من الاخلاقية الدينية المتعالية ، تعتبر من هم خارجه من الاعراق غير العربية نوعا من الخطر يهدد انسجامه الثقافى العربي الاسلامى المثالى . فالسيد حمدى يرى انسجاما فيما اسماه محور دنقلا سنار كردفان . وهو- فى تقديره - انسجام كان وراءه التطبيق العملى التاريخى لفكرة السودان العربى الاسلامى ، الذى يمكن استمراره كدولة فاعلة بعد تخلصها من الاطراف خارج المثلث. ويدعو حمدى لتنمية ثروات الاسلاميين وتركيزها فى هذا المثلث " لتمكينهم" من حكمه بلا انقطاع . ويعبر رئيس السلطة الفاشية الاسلامية البشير فى خطابه المعروف بمدينة القضارف عن توافقه ولسان حاله يقول : جدا .. لن يكون هناك اى مجال للكلام عن التنوع الثقافى واللغوى فى السودان ، فاللغة هى اللغة العربية الوحيدة والرسمية ، والدين هو الدين الاسلامى الوحيد و الرسمى للدولة ومصدر التشريع الوحيد . ولا يوجد شئ اخر .. ومن هنا ولى قدام مافى دغمسة ( او كما قال).
وكثيرا ما ينحدر الخطاب العنصرى عن ما يبدو تعاليه الاخلاقى ، ليصبح خطابا وتعبيرا عنصريا مباشرا وفجا . وكما اشرت سابقا فهو يرد فى حالته الاخيرة ويتردد فى كلام عامة الناس فى مجرى الحياة اليومية ، كما يرد فى كلام الصفوة بدون ندرة ، وكمثال اشير الى ماورد فى تعليق احدهم شارك فى نقاش خبر اوردته "حريات" عن فصل جريدة " اجراس الحرية " لفائز السليك – نائب رئيس التحرير - فكتب ردا على اخر : " ما دام قلت انا ما مأدب ارجى الجاييك عاد يا عب عندنا في الشمال الما عندو ادب دا بيشرب العرقي الربنك بيهو أماتك وبيبيت في الانداية البيديرنها اماتك الخدم وبيسكر مع الفروخ من جنسك دا وفي الجزيرة السفيه بيدخل الكنابي محل اماتك بيربن الزيك دا بالمريسة والعرقي بيطلع حاقد على العرب الاسلام ونحن بنقول ارجا سفيه ولا ترجى باطل اما السليك ولا … دا فموضوعو انتهى ورقة واتحرقت كان كلب العبيد وانتهو منو زيو وزي غيرو الكلام انتو العبيد وكلاب العبيد بتطيرو ولا بتجرو ؟ "
http://www.hurriyatsudan.com/?p=23117
. وفى مثال اخر اشير الى صورة من خطاب ارسله محمد فيصل الخليفة نائب رئيس المؤتمر الوطنى بملبورن - استراليا ، الى السيد الهادى عباس ممثل حزب الامة ، على اثر فشل ندوة اقامها حزب المؤتمر الوطنى . فى الخطاب وصف محمد الفيصل ممثل حزب الامة الهادى عباس بحفيد الحظاير الزبيرية الذى تطاول على اسياده . وحدد ان معظم عضوية المؤتمر الوطنى ينتسبون وينحدرون من " الاسياد والنبلاء واحفاد مالكى الحظائر الزبيرية " ، ووصف نفسه بانه حفيد " سيد التجار لتلك التجارة الرابحة التي لايمارسها الا النبلاء وعِلية القوم " و التجارة المعنية هى تجارة الرقيق . ثم وصف نفسه بانه سيّد الهادى عباس ، ووقع بذلك خطابه العنصري المبين . (ياسين جودة ، منبر الحوار الديمقراطى موقع سودان فور اول:
http://sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?p=41032&highlight=&sid=98d07527bd71486622d3a3644c94483f#4103 )2
كان ذلك شأن الاسلامى فى استراليا ، اما فى الخرطوم فقد حذر د. حسن مكى دولته من خطر الزرقة عندما التفوا حولها فى حزام اسود(!) ، وذلك فى محاضرة بجامعة الازهرى . وقد عرّف الحزام الاسود بانه يعنى او يتكون من الوافدين القادمين من جنوب وغرب السودان . وفى مقابلة مع تلفزيون الجزيرة ، فى رده على سؤال حول الاجئين الى اسرائيل حدد انهم مواطنون من الدرجة الرابعة وهو يعرف - كامل المعرفة -الظروف الماحقة التى دفعتهم الى هجر الوطن الى لجوء ، فقد كانوا ايضا قادمون من جنوب وغرب السودان فى اغلبهم ، الى جانب جبال النوبة التى تحترق الان وسابقا بالحرب ، تشنها دولة تعتبره احد مفكريها الاستراتيجيين . وفكرة المثلث فكرة رائجة فى العقل العربى الاسلامى ، فهاهو د. حسن مكى فى إحدى مقالاته بعنوان "المكوِّن الإسلامي في السياسة والثقافة السُّودانيَّة" يكتب: "لم يقدِّر الكثير من الباحثين القدرات الذاتيَّة التي يتحرَّك بها المكون الإسلامي في الحياة السُّودانيَّة، وهو المكوِّن الضابط للحياة في السُّودان الوسيط، على مستوى العائلة والمجتمع في الدولة (...)، ويسمي (السُّوداني) المولود كامتداد للمسمَّيات الإسلاميَّة العربيَّة: آمنة وعائشة وفاطمة ومحمد وأبو بكر ...إلخ" (د. عمر مصطفى شركيان " نقد كتاب الحركة الإسلاميَّة في السُّودان (1969-1985م) للدكتور حسن مكي الفرق بين الزائف والواقع " )
http://www.darfurna.com/Darfur_1/Evidence/Sudanese_Islamic_Movement.htm
العنصرية فى نقد خطابات الهوية :
تطور منفجرا خطاب نقد الهوية فى مواجهةٍ ومنازعة لمشروع الاسلام السياسى والذى سُمّي بالمشروع الحضارى . وهو المشروع الذى يقوم على الدين الاسلامى والعروبة ( لغة واثنية) وامتيازِهما ، إمتشق عنفا ضاريا غير مسبوق لفرضه ، حتى ولو على مثلث ضئيل اخترعه عبدالرحيم حمدى . ويسعى مشروع نقد خطاب الهوية - وهو فى ذاته خطاب /خطابات هوية مغاير – بين رفض الاسلام والعروبة كأحد مكونات الهوية القومية ، واعتبارها استعمارا استيطانيا ، وبين قبولها كاحد متعددات الثقافة والاديان فى السودان . وبين القطبين تعددت واختلفت مدارس التفكير بصدد اشكال الهوية/الهويات فى البلد . ولست بصدد تقديم معالجة نقدية لخطابات الهوية فى ابعادها المتعددة – فهو مما يقع خارج نطاق الورقة – ولكنى مهتم بالبعد السياسى والنظرى المرتبط به . وابدأ بالاشارة للاثر الايجابى لتلك الخطابات النقدية على الخطابات السياسية السودانية ، فهى لا تستقيم الان بدون ان تدخل الهوية بعدا مكونا للمشاريع السياسية المطروحة .
وقد انفجرت ايضا سياسة الهوية (او السياسة التى تقوم على الهوية) على مستوى العالم ، على اثر تطور البنية الرأسمالية المعاصرة الى بنية يتسيّدها ويقودها راسال مال النقدى المستودع فى البنوك وشركات التأمين وغيرها . وهو التطور الذى تواقت مع سقوط مجموعة " دول المعسكر الاشتراكى " ، فانبعثت ايديولوجيا الاثنية وقادت الى حروب التطهير الاثنى وولادة اقطار عديدة فى يوغسلافيا وبلاد التشيك ، كما انفجرت الحروب فى جورجيا والشيشان ن وغيرها .
وقد شملت التطورات فى مجال التفكير النظرى الفلسفى ، ظهورا لتيارات مابعد الحداثة التى نقدت مفاهيم التنوير رافضةً لفلسفات ومشاريع السرديات الكبرى ( من ليبرالية واشتراكية وغيرها ) تنظر الى التاريخ فقط فى محتويات/مكونات وازمنة محددة ونسبية تُنتَج المعرفة بها ووبنى القوة الموجودة ، من خلال اللغة ووقائع الاختلاف والخصوصيات وتعدد الهويات والصراع . وتقوم سياسة الهوية على تحديد ان الافراد يحددون هويتهم بناء على انتماءاتهم المختارة على اساس "العرق" او الثقافة او اللغة او الجندر او الدين ..الخ . وقد تتعدد انتماءات الفرد الى جزء من ( اوكل) هذه المكونات ولكن هويته تُحدد بما يختاره من انتماء دون الانتماءات الاخرى .
وتحاول خطابات الهوية فى السودان ( والتى تأثر بعضها بتيارات مابعد الحداثة) تجاوز الانتمائية الثنائية بين شمال وجنوب وتدفع بمقولات المركز والهامش وتنويعاتها ، فى محاولة لتجاوز ابعاد الجغرافيا والمكان الى مجال الصراع الاثنى الثقافى الاوسع والذى يستوعب كامل الوطن ؛ وفى محاولة لاعادة انتاج وقائع الاختلاف والخصوصيات وتعدد الهويات والصراع . والعنصرية ترد - عندما ترد فى هذه الخطابات - كإختيارات او نتائج تلقائية لسيطرة الايديولوجيا المبنية من مكونين هو الاسلام والعروبة لتتعدد اسماؤها ، كما ترد كنتائج لوظائف جهاز الدولة . وفى تحديد الانتماءات الهويوية ، يضم المركز الهوية العروبية/العربية الاسلامية ، بينما يحتوى الهامش الانتماء للهوية الافريقية . ويبدو انه داخل كل انتماء تختفى الممارسة العنصرية او توجد موجهة ضد الاخر الخارجى المتواجد داخل حيّزها . لا تتأهل الاختلافات داخل اى من الكيانات او فيما بينها بفحص نظرى وفكرى ممكن متوفر فى ضفّات العلم الاجتماعى ، فالاحزاب – مثلا - يمكن تصنيفها حسب موقعها فى المركز او الهامش لتصبح مثلا كلها احزابا يمينية بغض النظر عن مراجعها الفلسفية وخطابها الايديولوجى وبرامجها السياسية وتاريخها السياسى ( ومنه حصيلتها من نقاش مسالة الهوية ) والطبقات الاجتماعية التى تمثلها ، فيصبح الحزب الشيوعى يمينيا تماما كما كاحزاب الاسلام السياسى ( الوطنى والشعبى وغيرها) ! اما احزاب الهامش ومنظماته السياسية والاجتماعية الاخرى فهى منظمات يسارية او منظمات الوسط ، ايضا بغض النظر عن مراجعها الفلسفية ..الخ ..الخ!(ورد فى فيصل محمدصالح ، "الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول زز وجدا الهوية") او حتى مراجع هويتها ، والتى هى متكآت قبلية – تحاول الخروج عن مطبها بدون نجاح كبير. تغيب – وبشكل ملحوظ - عن خطابات نقد الهوية ( او فى سياسة الهوية ) مفاهيم مفصلية فى خطابات النقد المعاصر( والعلم الاجتماعى ) مثل الطبقة ، و البنية الاقتصادية –الاجتماعية الراسمالية ، والامبريالية وايديولوجيتها النيوليبرالية والاثنية والقومية والجندر ..الخ . لاتصادف مفاهيم ومقولات اساسية فى نصوص خطابات نقد الهوية مثل الايديولوجيا والمصطلحات المشتقة من ثنائية عروبة/اسلام من تأهيل نظرى مناسب . فتتطابق – احيانا – الايديولوجيا العروبواسلامية مع الاثنية العربية-الاسلامية ، فلا نعرف ماهو مصدر العنصرية ( وممارسات القهر الاخرى ) هل هو الايديولوجيا ام الاثنية . التاريخ ايضا لايرد فيها الا كمجرى زمنى تتراتب فيه الاحداث وتجرى الى مستقر لها ، فبروز الحركة الوطنية للتحرر والصراعات المرتبطة بها ضد الاستعمار بدت كاحلال للاستعمار نالته القوى التى تعاونت معه ( الاثنية العربية- الاسلامية) فوُصِف الاستقلال ب"هجمة البدو" على قلم ابكر ادم اسماعيل .
اختصارا ، وفى حدود اغراض هذه الكتابة ضد العنصرية لا يعلمنا الخطاب الناقد لخطابات الهوية كثيرا لنوفر لانفسنا مقاومة ابسل لمناهضة وهزيمة العنصرية ، بالرغم من فائدته الملحوظة فى مشروع مقاومة نظام الجبهة الاسلامية المجرم .