من أسوسا

 


 

 




.............
قادم لتوي من سد اانهضة الاثيوبي الى  مدينة أسوسا خفيفة الظل و المحببة لدى أهلنا في النيل الأزرق، ومن أسوسا نتوجه بالطيران ضمن رحلة مراسلي شرق أفريقيا و المقيمين في أديس، تذكرت مجموعة شبابنا الثلاثين الذين ذهبوا بالبر من الخرطوم إلى سد النهضة في رحلة طويلة وشاقة و لكنها الاولى من نوعها اقليميا ولذلك حرصت على تكريمهم وقد تم ذلك في المنظمة السودانية للحريات الصحفية بحضور وزير الدولة بوزارة الاعلام ياسر يوسف وسعادة السفير الاثيوبي بالخرطوم ابادي زامو.
لقد وصفت رحلتهم بالتاريخية والمهنية وتشرفت بإهدائهم هدايا رمزية لكنني بعد رحلة أسوسا - السد أعتقد أنهم يستحقون التكريم مرة أخرى ... فالطريق كان قرابة خمس ساعات وكان وعرا ومتعرجا و هو جزء يسير من المشقة التي تعرضوا لها. كنت اظن الحال في سد النهضة سيكون مشابها لأخيه سد مروي "ملك المشاريع المصاحبة" حيث ولد ومعه مطار وكوبري وشبكة طرق حديثة، ومستشفى وإستراحة "خمسة نجوم" أذكر أنني زرتها وكنت مصابا بالصداع .. فما أن استلقيت على فراشها الوثير ارتحت وغفوت وفي يدي البندول ولم ابلع منه ولا حبة.
الإثيوبيون لم يهتموا بالمشاريع المصاحبة بعد ... بالتأكيد الفرق كبير لأن تشييد طريق في هذه الجبال الوعرة ليس بذات تكلفة الطرق في سهول السودان المنبسطة. العمل في السد 24 ساعة .. سبعة أيام .. طوال الشهر و السنة .. ونسبة التشييد بلغت 42 % ... قبل وقت وجيز ونحن نتحدث عن مفاوضات اللجنة الثلاثية كانت 40 % ... تم توقيع الإتفاقية و العمل متواصل .. ولذلك يجب على اطراف الاتفاقية الإلتزام بالجدول الزمني للمباحثات حول التعاون والدراسات الفنية الملزمة .. يجب تمكين الإرادة السياسية في الرئاسة ووزارات الكهرباء والري (في مصر و السودان تحديدا) من القيام بكل أعبائها وهذه نصيحة واضحة للإعلام و للخبراء هنا وهناك ... لان المزايدات و الضغط على الحكومات لإيقاف التعاون "توجه غبي وساذج"، لا تنسوا انه من قبل كان هنالك عرض إثيوبي بالشراكة في التمويل والإدارة بنسبة 50 % لإثيوبيا و 30 % للسودان و 20 % للمصر .. لم تتجاوب مصر و كان السودان يريد ألا يخسر جيرانه ويوفق بينهما .. فلم يتجاوب .. ثم انتهى العرض ﻷن الشعب الإثيوبي دخل ممولا بتبرعات من جيوبه ومن إفطار تلاميذ المدارس .. وكما قال لي مدير مكتب إنترو في أديس المهندس فكي أحمد نجاشي أي تغيير لم يعد في يد الحكومة الإثيوبية إلا من خلال إستفتاء شعبي عام.
مسألة أمان السد ومسألة ملأ البحيرة هموم مصرية وسودانية ومطالب لا يمكن التراجع عنها و لكن الفيصل هو الدراسات الفنية المتفق عليها بغرض التنفيذ .. وهي مسائل علمية فنية بحتة لديها مرجعيات ومراكز معتمدة ومعروفة تستطيع أن تقدر .. كيف تمتليء البحيرة دون التأثير على تدفق المياه اللازم للسودان ومصر .. وحتى هذه الخطوات قابلة للتعديل حسب التوقعات فقد تتدفق المياه أكثر من اللازم فتقصر المدة .. أو أقل فتطول المدة وهذا يستدعي التعاون الكامل في إعتماد الدراسات و في تنفيذها.
أرقام السد و طاقته معروفة جدا وصارت من المعلومات المتوفرة للقاريء الكريم ولكن الذي لفت نظري هذه المرة هو رقم العمالة الإثيوبية في مشروع السد ... 4 آلاف و خمسمائة إثيوبي مقابل 400 أجنبي من 25 جنسية قدموا حسب الحاجة بالنسبة للشركة الإيطالية المنفذة وحكومة إثيوبيا. إذن بعد إكتمال سد النهضة وربما قبل ذلك ستصبح إثيوبيا دولة ذات قدرة على تنفيذ سدود في دول أخرى تخطيط وعمالة. بالنسبة لنا في السودان ما أن تسمع بكلمة سد أو كوبري أو طريق إلا ويتبادر إلى ذهنك صورة العشرات والمئات من الصينيين يدفعون بعربات مواد البناء ويقودون الحفارات و الكراكات وهم يرتدون زيهم الموحد وقبعاتهم البيضاء ... وتسمعهم يتحدثون .. نياهي شونهوا جاو جاو جاو ..!
هذه الصورة غير موجودة في إثيوبيا ... انها أمة تبني نفسها بنفسها ولا تستعين بالعمالة الأجنية ... ماهرة أو غير ماهرة إلا مضطرة.
makkimag@gmail.com

 

آراء