من هو طارق البِشري ؟ …. بقلم: د. محمد وقيع الله

 


 

 


(1 من 3)

التقيت المستشار الجليل طارق البِشري بداره بمصر قبل نحو ربع قرن.
ولا أذكر أني التقيت بمصر من هو مثله في تواضعه وصدقه ورقة قلبه وكثافة علمه.
وأذكر أني أخبرت بذلك صديقي السابق الأستاذ المحبوب عبد السلام عندما سالني كيف وجدت البشري، فأمن على ما قلته له بالحرف، وقد كانت له معرفة وثيقة به.
وقد عرف الناس الأستاذ طارق البشري، واحدا  من أعلام القانونيين العرب ، وهذه هي الصفة التي اختبر بها أخيرا ليرأس اللجنة التي نيط بها تعديل الدستور المصري.
وقد قوبل هذا الاختيار بالترحيب الغامر من جل أقطاب المجتمع المصري وأطيافه.
فأكثر هؤلاء يقدرون للبشري اعتداله واتساع أفقه واستيعابه لكل ما صح من المنقول والمعقول.
وإجابات البشري على الحوار الذي أجريته معه يوم كان نائبا لرئيس مجلس الدولة المصري هو مما يقدم  البشري بهذا الوجه المعرفي القومي اإسلامي النضالي الجامع، لذا آثرت أن أعيد نشره في هذا الحين.
الإسلاميون والقوميون :
•    أستاذ طارق ما هي دواعي الصراع بين حملة الفكر الإسلامي وحملة الفكر القومي ؟ أم يمكن التوفيق بين فكرة كل من الفريقين ؟
** يعتمل في واقعنا اليوم تياران أساسيان ، من حيث الجامعة السياسية التي ينتمي إليها المواطن أو يدعي الانتماء إليها : الجامعة الإسلامية ، والجامعة العربية . وقد فهمت من سؤالك أنه يتعلق بأسباب التعارض بين هاتين الجامعتين ، وأتصور أنه ليس هناك تنافٍ قائم بالضرورة بين الجامعتين . إنما الأمر يرجع للسياق التاريخي ، وإلى طريقة سعينا ونظرتنا إلى كل منهما . فقد تعارضت الفكرة القومية العربية ، مع الجامعة الإسلامية ، في تجربة أهل الشام في أوائل القرن العشرين . إذ قامت الفكرة العربية هناك كانسلاخ عن الجامعة الإسلامية ، عن صورتها العثمانية ، وقامت كرد فعل لحركة التتريك التي اتخذتها ، ودعت إليها جمعية الإتحاد والترقي  بعد إنقلابها على السلطان عبد الحميد .
    وبالمخالفة لهذا التوجه كان التوجه العربي في مصر ، وشمال إفريقيا ، متواكباً مع التوجه الإسلامي . نجد ذلك عند ابن باديس في الجزائر ، والشابي في تونس ، ونجده في توجهات  مصر الفتاة  والحركة الإسلامية في مصر في الثلاثينيات . لأن التوجه العربي في هذه الديار كان يحمل الشوق إلى التوحيد والانتماء للدائرة الأعم ولم يكن انسلاخا من دائرة أعم كحركة أهل الشام . يظهر لي من ذلك أن الخلاف بين الجامعتين وظيفي أكثر منه خلافا طبيعيا . ونحن  - في ظني  - لا نملك القدرة على التنسيق بينهما ، ووضعهما في وضع المواكبة ، وأن تغذي كل منهما الأخرى ، ولا تتطاحن معها ، ليصير الفارق بينهما بين عموم الإسلام وخصوص العروبة .
    ولكن يبقى الفارق الأساسي بينهما في المفهوم العلماني ، الذي اصطبغت به الفكرة العربية بأرض الشام وفقا للظروف التاريخية التي مرت بها هناك ، ثم امتدت منها إلى غيرها من بلدان العرب وخاصة في الخمسينيات والستينيات . هذا هو الفارق الذي يتعين مداولته ، وهو ما يقوم حجر عثرة في وجه التقريب بين الدعوتين ، ويحتاج إلى جهد المجتهدين في هذا المجال .
    وبالتحديد ، فالمشكلة في ظني ليست بين العروبة والإسلام ، ولكنها بين العلمانية والإسلام . وإذا كانت العروبة تنبني على الفكرة القومية التي وفدت إلينا من الغرب ، إلا أنها في انطباقها على واقعنا تنبني على مواد وعناصر محلية صرف : بالأرض وهي أرضنا ، والتاريخ وهو تاريخنا ، واللغة العربية وهي لغتنا . أما العلمانية فهي نبت وافد وغريب ، وهي متعارضة بذاتها مع الإسلام بحسبانه نظاماً شاملاً للحياة.
القوميون المحليون :
•    وهل يمكن إجراء لقاء بين الإسلاميين والقوميين من جهة ، مع القوميين المحليين الذين يؤمنون بالوحدات الوطنية الإقليمية الضيقة ، من جهة أخرى ؟
** هذا السؤال يرتبط بالسؤال الأول ويستكمله ، وهنا أيضاً نستطرد بالحديث السريع عن التاريخ ، فهو خبرة ماضينا ودروسه . حتى القرن التاسع عشر كان الجامع السياسي يتمثل في الوعاء الإسلامي الشامل العام ، الذي يمثل رابطة الانتماء لنا جميعاً ، وكانت حركاتنا السياسية والاجتماعية ، ومواجهة استبداد الحاكمين ، ومقاومة الغزو الأجنبي الاستعماري الأوربي . وجرت سياسة الاستعمار منذ القرن التاسع عشر ، على تفتيت الجامعة الإسلامية إلى العديد من الجامعات السياسية القومية : تركية وعربية ثم مصرية سودانية وتونسية .. إلخ .
    ثم مع هذا التفتيت ، ومع الاحتلال البريطاني لمصر والسودان ثم للعراق وفلسطين ، ومع الاحتلال الفرنسي للمغرب وتونس ثم لسوريا ولبنان ، ومن قبلهم جميعا الجزائر ، مع كل هذا بدأ يجري التفتيت على أساس ديني ، بإزكاء روح التفرقة بين غير المسلمين والمسلمين ، وأمثلة ذلك واضحة في سوريا ولبنان على يد الفرنسيين ، ومثاله الفذ في فلسطين ، ومحاولات ذلك واضحة في مصر والسودان .
    الاستعمار الغربي هنا لم يصدر لنا جامعة سياسية  تحل محل جامعة سياسية أخرى أصلح أو أفسد  ، ولكنه صدر إلينا تفتيتا بعده تفتيت . ونحن عندما نقاومه نسعى بالضرورة إلى التجمع ، ونستخدم الأبنية الجامعية التي لدينا لمقاومة ما يراد لنا من تناثر . كثيرا ما وقعنا في الفخاخ التي نصبت لنا ، ولكن يشفع لأجيال من الآباء الوطنيين لدينا أنهم كانوا يبتغون الخير لجماعتهم ، تحريرا لأرضهم ونهوضا بمجتمعاتهم . فقاوموا الاستعمار بحركاتهم الإسلامية وحركاتهم القومية ، سواء كانت حركة عربية عامة أم حركات قطرية مصرية وسودانية وتونسية وعراقية وسورية .. إلخ .
    أقصد من هذا الاستطراد ، أنه في إطار التوجه التحريري والتوحيدي ، يمكن التنسيق ويجب التنسيق . وأعود من جديد لأقول أن مشكلتنا هنا ليست بين الحركة العربية والحركة الإسلامية ، ولكنها تقوم بين أبناء الفكر الوافد وأبناء الفكر الموروث ، وهي لا تقوم مع الوعاء العربي بحسبانه كذلك ، ولكنها تقوم مع النزعة التغريبية ، التي تبنتها وأقامتها المؤسسات التعليمية والتثقيفية ، الآخذة عن الغرب . وأفرخت انفصاماً فكرياً وعقائدياً وحضارياً بين أبناء الوطن الواحد.


-2-

التقيت المستشار الجليل طارق البِشري بداره بمصر قبل نحو ربع قرن.
ولا أذكر أني التقيت بمصر من هو مثله في تواضعه وصدقه ورقة قلبه وكثافة علمه.
وأذكر أني أخبرت بذلك صديقي السابق الأستاذ المحبوب عبد السلام عندما سالني كيف وجدت البشري، فأمن على ما قلته له بالحرف، وقد كانت له معرفة وثيقة به.
وقد عرف الناس الأستاذ طارق البشري، واحدا  من أعلام القانونيين العرب ، وهذه هي الصفة التي اختبر بها أخيرا ليرأس اللجنة التي نيط بها تعديل الدستور المصري.
وقد قوبل هذا الاختيار بالترحيب الغامر من جل أقطاب المجتمع المصري وأطيافه.
فأكثر هؤلاء يقدرون للبشري اعتداله واتساع أفقه واستيعابه لكل ما صح من المنقول والمعقول.
وإجابات البشري على الحوار الذي أجريته معه يوم كان نائبا لرئيس مجلس الدولة المصري هو مما البشري بهذا الوجه المعرفي القومي اإسلامي النضالي الجامع، لذا آثرت أن أعيد نشره في هذا الحين.

جنسية المسلم :
•    كيف يمكن أن يوفق المسلم بين ولائه للإسلام ، والولاءات الأخرى التي تتحكم عليه من جهات ومؤسسات أخرى ؟
** الجنسية في ظني وضع قانوني يتعلق بتبعية الفرد لدولة ما . وهي تتعدد وتتنوع بتعدد الدول وتنوعها ، سواء كانت الدولة شاملة لجماعة سياسية قومية أو دينية ، أو لم تكن محيطة بهذه الجماعة كلها ، والمهم عندنا هو تحديد الهوية السياسية ، أي الشعور بالانتماء لجماعة سياسية متميزة .
    وفي ظني أن الإسلام بحسبانه جامع لنظام الحياة ، فهو يشكل وعاء للهوية ، وللشعور بالانتماء للجماعة الإسلامية ، التي تتصل بنظام للعقائد والقيم ، وبالأصول الحاكمة لشرعية السلوك الفردي ، والتنظيم الجماعي ، أي بمصادر الشرعية وأسس الاحتكام . والإسلام وإن نزل في البداية بالعربية وبين العرب ، فقد كان منذ البداية أيضاً دعوة موجهة للناس كافة . وقد استجاب له ويستجيب ناس من المشارق والمغارب ، ناس من الناس كافة . وهذا رابط أممي ووثاق جامع وهو رابط محدد ومميز للهوية والانتماء للجماعة الإسلامية عامة .
    وفي هذا الإطار الفسيح ، لا أجد ما يمنع أن تتدرج الجماعات الإسلامية وتندرج في دوائر أخص قربا وبعدا . بدءا من الأسرة ، ثم المدينة ، ، والقرية . ثم جامع اللغة والرباط التاريخي ، الذي تتشكل به الرابطة القومية ، تشكلاً لا أراه يخل بحقيقة الانتماء العام للجماعة الإسلامية . ما دام هذا التشكل قد استبعد ما يتعارض مع أصول الشريعة الإسلامية الحاكمة ، وما ينفي الترابط الإسلامي العام .
    وبعد ذلك يرد الجانب التنظيمي للدولة ، ونظام الحكم لكل جماعة بعينها ، وهي تنظيمات تندرج من الدولة الموحدة ، إلى الدولة الإتحادية ، إلى جماعة الدول ، أو جماعة الشعوب ، إلى ما يشبه عصبة الأمم ، التي يمكن أن تجمع كل القاصي والداني من شعوب الإسلام . الترجيح من هذه الأشكال يستند إلى الظروف الواقعية ، والتاريخية والاجتماعية ، في الإطار العام الفسيح .



الإسلام وأصول الحكم :
•    في تحليلك لكتاب (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرازق ، الذي ما يني العلمانيون يشيدون به ، قمت بتبيان الآثار الفكرية الخطيرة الممتدة للكتاب ، في تأسيس دعائم الدعوة العلمانية التي أثارت الإشكال . ترى هل كان المؤلف يرمي فعلا لرسم هذه الآثار ؟ أم كان يكتب في ظرف تاريخي محدد ، من أجل محاربة الخلافة الإسلامية في تركيا ، لمصلحة الإنجليز ، الذين تحالف معهم علي عبد الرازق وحزبه ؟
** كتاب الشيخ علي عبد الرازق ، الذي صدر سنة 1925 ، كان من الكتب القليلة جدا ، التي عرفها مطلع القرن العشرين ، تدعو إلى العلمانية جهارا ، وتحاول أن تقرر لذلك أساسا من الإسلام : عقيدة وتاريخا .
    إن غالب العلمانيين من جيل علي عبد الرازق مارس العلمانية ، وخاصة في فروعها التطبيقية ، وصدر عنها ، دون أن يدعو إليها دعوة فكرية أو سياسية صريحة ، ودون أن يضع السياسات الفكرية والنظرية لها . بل لعل الغالبية تفادت هذا الأمر تفاديا ، وهربت منه هروبا . ومع سريان العلمانية ونموها لا يجد الباحث  تراثاً  فكريا نظريا يدعو إليها ، ويصوغها كأمل كلي ويحدد علاقتها بالإسلام ، لا يجد ذلك إلا في أقل القليل من الأعمال الفكرية ، وعلى رأسها في ظني كتاب (الإسلام وأصول الحكم) . وهو كتاب طبع طبعتين في سنة صدوره ، ثم لم يطبع بعد ذلك قط حتى نشرته كاملا مجلة (الطليعة) القاهرية في أوائل السبعينيات حسبما أتذكر . ومع ذلك صار هذا الكتاب حتى بالنسبة لمن لم يقرأه ولم يره قط ، صار درعا يتحصن وراءه كل من يدعو للعلمانية . وهذا هو الأثر الفكري الخطير الذي قصدت الإشارة إليه فيما كتبته عنه . وهذا الأثر الممتد للكتاب لا ينفي الأثر الوقتي له ، في إطار خلاف حزب الأحرار الدستوريين مع الملك ، ومحاولتهم إفساد سعيه لتولي الخلافة في مصر ، بعد إلغائها في اسطمبول سنة 1924 م.
    وفي كتابتي عن هذا الأمر ميزت بين هذا الموقف وبين موقف آخر ، لم يطعن فكرة الخلافة ، وإن كان نفي شرعية إسنادها للملك فؤاد ، باعتباره ملكاً لبلد يحتله الإنجليز ، من هؤلاء الشيخ ماضي أبو العزائم ، الذي شكل لجانا للخلافة تعارض ما عمل الملك على تشكيله من لجان تدعو له . أما أنه كان من أغراض الكتاب طعن الخلافة بالتعاون مع الإنجليز . فأنا لم أجد عند كتابتي ما كتبت ، دليلا ملموسا يعلم المؤلف بذلك . وإن كنت أعرف أن الأحرار الدستوريين ، عامة كانوا قريبين من الإنجليز ، وأنهم ومن قبلهم حزب الأمة كانوا ضد الخلافة العثمانية ، وإن غلب على مثقفيهم طابع العلمانية السياسية .



3-3

التقيت المستشار الجليل طارق البِشري بداره بمصر قبل نحو ربع قرن.
ولا أذكر أني التقيت بمصر من هو مثله في تواضعه وصدقه ورقة قلبه وكثافة علمه.
وأذكر أني أخبرت بذلك صديقي السابق الأستاذ المحبوب عبد السلام عندما سالني كيف وجدت البشري، فأمن على ما قلته له بالحرف، وقد كانت له معرفة وثيقة به.
وقد عرف الناس الأستاذ طارق البشري، واحدا  من أعلام القانونيين العرب ، وهذه هي الصفة التي اختبر بها أخيرا ليرأس اللجنة التي نيط بها تعديل الدستور المصري.
وقد قوبل هذا الاختيار بالترحيب الغامر من جل أقطاب المجتمع المصري وأطيافه.
فأكثر هؤلاء يقدرون للبشري اعتداله واتساع أفقه واستيعابه لكل ما صح من المنقول والمعقول.
وإجابات البشري على الحوار الذي أجريته معه يوم كان نائبا لرئيس مجلس الدولة المصري هو مما البشري بهذا الوجه المعرفي القومي اإسلامي النضالي الجامع، لذا آثرت أن أعيد نشره في هذا الحين.



حقوق الأقليات كذريعة :
•    كانت المعارضة السابقة في وجه إنفاذ الشريعة أنها لا تصلح للعصر . والآن رفعوا ذريعة أنها تتناقض مع مصالح وإمتيازات الأقليات غير المسلمة . وبوصفكم من المتخصصين في هذه الشؤون الدستورية : ما وزن هذه الذريعة التي يرفعها بعض المثقفين اليوم ؟
** لا أظن أن تطبيق الشريعة الإسلامية ، يتضمن في ذاته تناقضا مع حقوق غير المسلمين فلا أظن أن فكرة (الإمتياز) هذه يجوز أن ترد . والمواطن تكفل له المساواة في الحقوق والواجبات ، مع غيره من المواطنين . أما الإمتياز فلا يطلبه مواطن بوصفه مواطنا ، ولا يستطيع أن يكفله مواطن لمواطنيه أو يضمن كفالته .
    المواطنة هي المساواة لا تزيد ولا تنقص ، والعدل في التعامل . ونموذج التعايش بين مكونات الجماعة الوطنية ، هو في المساواة في الحقوق والواجبات ، وفي المشاركة بين المواطنين في الأعباء والمزايا ، وفي الجهد المطلوب لفداء الوطن ونهضته .
    أما أن الشريعة لا تتضمن تناقضاً يقوم مع حقوق غير المسلمين ، فنحن لا نجد في أصول الشريعة ما يقوم به هذا التناقض . بل نجد من الأحاديث النبوية الشريفة أن للذميين ما للمسلمين وعليهم ما عليهم . وكلمة ( أهل الذمة) لا تعني وضعا مفصولا ، بل تعني أنهم في عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم ،  وفي ذمته . تظل نقطة الولاية هي ما يثور بشأن المساواة والمشاركة .
وقد كان لي محاولة متواضعة في خصوص هذه المسألة ، أثبتها في نهايات كتابي (المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية) ومجملها أنه يمكن بالتنظيمات الجماعية والديموقراطية الشائعة بيننا الآن ، كفالة المساواة بين المواطنين ، وذلك بإحلال سلطة الهيئات الجماعية محل سلطة الأفراد ، سواء في التقرير أو التنفيذ أو في القضاء . ولا أرى الوقت الآن متسعاً للتفصيل في هذه النقطة .
•    وبالنسبة لهؤلاء المواطنين غير المسلمين : هل يمكن أن يجدوا في الإسلام تراثا حضاريا عاما أو قوميا لهم ، أو كيف يمكن أن تكون صلتهم بالإسلام ؟
** النظرة السياسية للإسلام في تقديري تعتمد على أساسين اثنين : الجامعة الإسلامية ، أي الانتماء للجماعة الإسلامية العامة ، والصدور عن الإسلام كنظام شامل للحياة ، أي الشريعة الإسلامية .
وأما بالنسبة لغير المسلم ، فإن لقاءه بالإسلام لقاء قومي ، إذ يجد في الإسلام ، كفكرة وحضارة ، معنى من معاني قوميته ، وهذه فكرة أتذكر أن أحد شيوخ الإسلام ، وهو الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن الساعاتي قالها من قبل .
إن إقرار الإسلام للأديان السماوية السابقة عليه كلها ، يشكل في الإطار ظرفا مواتيا بالنسبة لغير المسلمين ، في تقبلهم لهذه النقطة من الإسلام . ولكن يظل ثمة خلاف على المستوى الديني والعقائدي ، لا أتصور أن الاقتراب منه مما يفيد تقريبا دينيا أو عقائديا ، بل أخشى أن يكون هذا الأمر مجلبة للنزاع ، لأن العقائد الدينية عقائد مطلقة ، والنقاش لا يجري ولا يجدي تقارباً إن كان بين مطلقات . إنما الصلة والحوار والتقارب يجري بين أهل الأديان بين المواطنين ، وليس الأديان نفسها .
هذا تقديري ولعلي أكون مخطئا ، ولكني أجد محاولات الحوار الديني مثيرة للنزاع ، أكثر منها جسورا للتقارب . المهم أن يصدر كل منا عن دينه وعقيدته ، في توثيق روح المساواة والتعايش الودود مع الآخرين ، وفي تنظيم شؤون هذه الحياة الدنيا .
الندية والتبعية :
•    أستاذ طارق . هل ترى أننا نعيش مع الغرب في عصر واحد ؟ وإلا فكيف يمكن أن يحور الغرب مفهوم القومية والجامعة إلى أشكال اقتصادية مثل السوق المشتركة ، وإلى شكل أحلاف ، بينما لا نزال نحن نحمل مفهوم القومية بالشكل العاطفي والرومانسي الحالم بالوحدة الفورية الكاملة ؟
** بالنسبة لنا هذا عصر التحرير والتوحيد . إن التواكب الزمني بيننا وبين الغرب لا أراه مما يعني أننا نعيش مع الغرب في عصر واحد ، إذا فهمنا العصر بأنه مجمل الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية ، التي نحيا في سياقها .
وإذا كان الغرب يرى أنه في عصر التجمعات السياسية والاقتصادية الكبرى ، وإذا كنا نحن نرى أننا في عصر يوجب علينا التجمع ، فإن المضمون يظل مختلفاً : هم يتحدون للمزيد من السيطرة على العالم ، ونحن نتحد للتحرر من هذه السيطرة .  
والمطلوب لدينا إنعاش كل ممكنات الانتماء ، وقوى الفداء لدينا : أفرادا ومجموعات .
•    وما قدرة تلاميذ الغرب العلمانيين في حل إشكال الطائفية ؟
** أتصور أن الفكر العلماني فشل في تقديم الحلول لمشاكلنا السياسية الحضارية .
لقد قامت العلمانية وفق النموذج الغربي ، بزعم أنها علاج للطائفية وللمعاصرة ، وبدت فيها في البداية نتائج إيجابية ، ولكنها ما لبثت أن قسمت المجتمع إلى مجتمع أبناء الوافد ، ومجتمع أبناء الموروث . وقامت في تعارض مع الشريعة الإسلامية ، التي تدين بها الغالبية ، وأقامت مجتمعا من العلمانيين صار أشبه بالطائفية الجديدة الآن .
وأضعفت قوة انتماء الفرد إلى الجماعة ، واستعداده للبذل لها والعطاء ، وأقامت عازلا وسدا بين أصحابها ، وبين ماضي أمتهم ، وغذت الشعور بالتبعية للغرب المسيطر في نظمه وعادات أهله وسلوكياتهم .
وقامت بهذه الازدواجية في كل شأن من شؤون حياتنا ، ونظمنا القضائية ، والقانونية ، والتعليمية ، ومؤسساتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
وإلى الذين يرجعون انتكاساتنا إلى أننا لم نتجرع من العلمانية ، القدر الكافي اللازم للنهضة في تصورهم ، أليس أمامهم مثل  تركيا  التي شربت من العلمانية حتى الثمالة  ، ماذا جرى لها خلال أكثر من خمس وسبعين سنة ؟ !

•    ما مدى تقويمك للمكتبة الإسلامية الآن ؟ هل تتطور أم تتدهور ؟
** أراها تزدهر أو تنمو نموا واعدا . قارن بين انتاج المكتبة الإسلامية منذ ثلاثين عاما ، وبينه الآن . تجد نمواً في العدد ونمواً في  الكيف . وتجد مواجهة أكثر واقعية للمشاكل .
لم يصل كل ذلك إلى الوضع المأمول ، ولكنه يمثل درجة من التنامي ، أظنها واعدة بالمزيد .
وهذا لا يخل بطبيعة الحال بأن هذا المزيد المطلوب كبير جدا وهام جدا .
الحياء الإيماني :
•    أستاذ طارق . لاحظ القارئ العربي ، عمق النقلة التي قمتم بها مؤخرا من أعماق اليسار والعلمانية إلى قلب الالتزام بالأصالة والفكر العربي الإسلامي . هل سيعرف شباب الجيل مراحل هذه النقلة من خلال سيرة ذاتية ، تقدمونها عن ذلك يوما ما ؟
** لقد أشرت في مقدمة كتاب (الحركة السياسية في مصر 1945 / 1972 م) إلى جانب من هذه التجربة . وإن ما يعوقني عن المزيد من الحديث عن هذه التجربة الثقافية ، عامل ذاتي ونفسي بحت .
فأنا لم أعتد أن أتحدث مع القارئ عن نفسي ، وإذا حاولت ركبني الحياء ، وصرفني عن ذلك .
وأياً ما كان الأمر ، وكيفما يكون ، أدعو الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى الصواب ، وأن يمكننا أن نساهم في نفع أمتنا ، وأن يجعل أعمالنا ، كل أعمالنا ، عبادة له سبحانه .

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء