نحو مفهوم شامل وجديد للأمن الوطنى
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
9 December, 2011
9 December, 2011
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤن القارة الإفريقية
asimfathi@inbox.com
بسم الله الرحمن الرحيم
لإيلف قريش(1) إلفهم رحلة الشتاء والصيف(2) فليعبدوا رب هذا البيت(3) الذى أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف(4)
(صدق الله العظيم)
نحو مفهوم شامل وجديد للأمن الوطنى
مقدمة:
إن مفهوم الأمن فى الإسلام أقره الله سبحانه وتعالى فى سورة قريش حيث توضح السورة أن مفهوم الأمن فى الإسلام يرتكز حول تأمين حاجة الناس من الغذاء والإحتياجات الأساسية لهم وتوفير الطمأنينة والسكينة فى نفوس المجتمع الإسلامى , وبالتالى نخلص أن كلمة أمن المقصود بها توفير الطمأنينة والسكينة والغذاء والإحتياجات الأساسية للمجتمع , وينسحب على ذلك أن كلمة رجل أمن من المفترض أن تشير إلى الشخص المسؤول عن توفير الطمأنينة والسكينة للمجتمع وأن الجهاز القائم على أمن مواطنى الدولة هو الجهاز الذى يقف على توفير الطمأنينة والسكينة وإحتياجات المواطن من الغذاء والإحتياجات الضرورية الأخرى , وفى عالمنا المعاصر لقد إنعكست الصورة تماماً حول مفهوم المجتمع للأمن ورجل الأمن والجهاز المناط به حفظ الأمن حيث أصبح المجتمع يتخوف وينفر من رجل الأمن والجهاز المسؤول عن الأمن بدلاً من الإحتماء بهم والتعاون معهم , ولعل ذلك التخوف نتج لأسباب عديدة وعوامل كثيرة أسهمت فى توسيع الفجوة والهوة بين أفراد المجتمع والأجهزة الأمنية ومن هذه العوامل نزع الأجهزة الأمنية فى دول عديدة نحو ممارسة أساليب قمعية إتجاه مواطنيهم مما أدى إلى تشويه مفهوم الأمن الذى أقره الإسلام , وتحول هذ المفهوم الذى يعنى الطمأنينة والسكينة إلى مفهوم يعنى القمع والإستبداد , ولذلك وجب علينا أن نعمل على تصحيح هذا المفهوم لكى نعكس الوجه الإسلامى لمفهوم الأمن ويصبح مفهوم الأمن يعنى بالفعل عند أفراد المجتمع الطمأنينة والسكينة وبالتالى يتم إبعاد الصورة النمطية التى رسمت للأجهزة الأمنية بأنها أداة للقمع والتخويف , كما إننى إتجه فى هذ المقال إلى محاولة لإعادة تعريف مصطلح الأمن الوطنى والأهداف التى يسعى لتحقيقها.
مفهوم الأمن الوطنى:
يهدف الأمن الوطني للدولة إلى تأمينها من الداخل و دفع التهديد الخارجي عنها , وأن يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له استغلال أقصى طاقاته للنهوض والتقدم والازدهار كما يعبر مفهوم الأمن الوطنى عن المفاهيم الأخرى التالية:
1. مفهوم المصلحة القومية : المصلحة القومية هى المرتكزات التى تبنى عليها صياغة الاستراتيجية القومية للدولة وسياستها الخارجية وسياستها الدفاعية لتحقيق الغايات والأهداف القومية للدولة.
2. مفهوم الاستراتيجية القومية : الإستراتيجية القومية هى إسلوب ومنهج عمل و علم وفن استخدام كل قوى الدولة فى حالة السلم والحرب من أجل تحقيق الأهداف القومية للدولة المحددة فى الغاية القومية للدولة.
3. مفهوم الهدف القومى: الهدف القومى هو ذلك الهدف الذى ينبثق من الغاية القومية للدولة التى تشتمل على قيم الرفاهية والإذدهار والمحافظة على الذات والحرية ويرتبط الهدف القومى بالأهداف الإستراتيجة للدولة وينبع من المصلحة القومية للدولة , وقد ينفذ الهدف القومى للدولة فى مرحلة أو قد يقسم إلى عدة مراحل يحدد لكل مرحلة منها فترة زمنية لتحقيقه.
تعريف الأمن الوطنى :
الأمن الوطنى يعنى الإجراءات التى تتبعها أجهزة الدولة المختصة بالحفاظ على أمن وسلامة البلاد عبر توفير الطمأنينة والسكينة لمجتمع الدولة وتوطيد تماسك الجبهة الداخلية للدولة عبر عمل كل ما فى الوسع من أجل توثيق العلاقة بين المجتمع و الدولة وحماية كل ما يتعلق بمحاولة إفساد سير العمل فى مؤسسات الدولة الداخلية, ومتابعة ما يتصل بعلاقة الدولة بالدول الخارجية فى علاقاتها الدولية والثنائية من أجل إستباق إنتقال أى تأثيرات خارجية تضر بالبلاد على المستوى الإقليمى والعالمى ,والعمل على إيجاد الفرص على المستوى الداخلى والإقليمى والعالمى التى من شأنها أن تحقق أهداف الدولة على المستوى العالمى,ودعم فرص التعاون المشترك مع الدول الأخرى لتحقيق إستقرار فى علاقات الدولة مع محيطها الإقليمى والعالمى الذى تتفاعل معه.
مهددات الأمن الوطنى:
يهدد الأمن الوطنى للدولة مهددات عديدة,منها ما يقع داخل حدودها ومنها ما يقع خارج حدودها , و هنالك مهددات داخلية للأمن الوطنى لكنها ترتبط بعوامل خارجية مما يستدعى تدخل الدولة فى دول أخرى لحماية أمنها الوطنى , والجديد فى إعادة التعريف لمفهوم الأمن الوطنى أن دولاً أصبحت تعتبر الأمن الوطنى لدول أخرى هو امتداداً لها , و لقد برز تعبير الأمن الوطنى على المستوى السياسي فى العقود السابقة ليشير للأحداث العسكرية على وجه الخصوص والتوازنات الاستراتيجية وصراعات القوى , غير أن فى عصرنا هذا أصبح الأمن الوطنى يشمل تلك التهديدات الجديدة لحياة الإنسان وهي تهديدات ترتبط بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة ذاتها , و على سبيل المثال نجد أن الدول النامية يشكل زحف الصحراء على بعض مناطقها خطرا كبيرا على أمنها الوطنى اعظم من الخطر الذى يشكله الغزو العسكرى على أرضها , كما يشكل الانفجار السكانى هواجز للحكومات لأنه قد يصل إلى مرحلة تدمير العلاقة بين الإنسان والبيئة التي يسكنها ويمزق هيكلها ونسيجها الاجتماعي , أما بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة فيشكل النضوب السريع المتوقع لاحتياطيات البترول تهديدا للأمن الوطنى أخطر من التهديدات العسكرية التقليدية التى تتعرض لها , و من الطبيعي أن تتكون هذه التهديدات الجديدة نتيجة الضغط البشري المتزايد على طبيــعة الأرض التى نعيش عليها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مثل نقص المواد الغذائية ومصادر الطاقة وتغيرات الأحوال الجوية و كلها تترجم إلى ضغوط اقتصادية على اﻟﻤﺠتمعات البشريـــة مثل التضخم والبطالة ونقص رأس المال , الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى قلق واضطراب اجتماعي يعقبه توتر سياسـي وعدم استقرار عسكرى , وفي مواجهة مثل هذا التهديد الحديث فإن الخيارات العسكرية الحديثة لا تستطيع أن تحل بمفردها هذه المآزق الاجتماعية والسياسية ولا تستطيع أن تعمل على حل إشكاليات أزمات نقص الغذاءالحاد والوقود أو الحد من تزايد أزمة البطالة , والذي يهمنا في هذا اﻟﻤﺠال هو أن نعى أن تصاعد عمليات استنزاف البترول أصبح يشكل تهديدا مباشرا للأمن الوطنى للدول المنتجة له من ناحية , كما أن النضوب النهائي لهذا البترول أو توقفه لفترة محدودة يشكل تهديدا للأمن الوطنى للدول المستهلكة له من ناحية أخرى , ولذلك فإن على الدول المنتجة للبترول والدول المستهلكة له الاستعداد و التأهب من الآن لمواجهة حالات النضوب السريع أو الخطر المؤقت حتى لا يقع تهديد صريح للأمن الوطنى لها قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية و سياسية تعقبها تدخلات أو مصادمات عسكرية طاحنة , أن النقص الحالي في مصادر الطاقة هو الذى يشكل التهديد الأكبر فى السنوات القادمة على الأمن الوطنى لكل الدول المنتجة و المصدرة للبترول وكذلك على امن حلفائها , عليه نجد أن إشكالية تصاعد استنزاف البترول والتعقيدات التى تقف عائقا أمام استخدام الوقود النووي لإنتاج الطاقة ونقص الفحم فى عالمنا المعاصر يحتم على أن تعمل كل وحدات المنتظم الدولى للتغلب على تنامى أزمةالطاقة التى بدأت تسبب تهديدات عسكرية مباشرة للأمن الوطنى للعديد من دول العالم المنتجة والمصدرة والمتوقع أن توجد بها إحتياطات نفطية فى المستقبل القريب والبعيد , مما يحتم على الجميع العمل على الإنتقال إلى عصر جديد يتم فيه إنتاج بدائل و مصادر جديدة للطاقة غير البترول الذي يشكل المصدر الرئيسي للطاقة فى عالم اليوم , حتى لا تؤدي الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية الناشئة عن هذه الأزمات إلى تعريض الأمن الوطنى للدول للخطر , هذا بالإضافة إلى نقص الغذاء الواضح في عالم اليوم والأزمات الإقتصادية الدولية التى اثرت على الحالة الإقتصادية الدولية و خلقت حالة من التدهور الحاد فى الإقتصاد العالمى مما أدى إلى تسجيل أعلى نسبة بطالة خلال الخمس أعوام الأخيرة فى العالم وأعلى نسبة تضخم مضاعف في تاريخ الإقتصاد العالمى , وصاحب تلك الأزمة الإقتصادية انعكاسات اجتماعية وقلق سياسي وتوتر عسكري أصبح يشكل عامل خطرا يهدد العالم بأجمعه , و لا شك أن هذه الأزمات الاقتصادية سوف تهدد الأمن الوطنى للدول الكونة للمنتظم الدولى إذا استمرت على حالها في المستقبل بنفس نسبة الأعوام السابقة , حيث إن اﻟﻤﺠتمعات البشرية الحالية حتما سوف تواجه خلال العقد القادم مأزقا ضاغطا ومتفجرا , فالضغوط الاقتصادية المتصاعدة ستعجل بزيادة حدة الانشقاق والتمزق الاجتماعي و بالتالي زيادة التوترات السياسية والعسكرية , عليه نجد أن التهديدات الجديدة للأمن الوطنى للدول أصبحت معقدة بشكل كبير مما يحتم على النظم السياسية المندفعة نحو التركيز على التهديدت العسكرية الخارجية أن تنزع إلى عدم إستنزاف كل ميزانياتها وطاقتها البشرية فقط فى المجهود العسكرى بل يجب تخصيص جزء كبير من هذه الميزانيات من أجل مجابهة الأخطار التى تم طرحها أعلاه والتى تمثل تهديدا أشد خطورة من التهديدات العسكرية الخارجية والداخلية على أمن الدولة الوطنى,لذلك فإن معالجة قضية الأمن الوطنى للدول فى عالمنا المعاصر لا تتطلب من الدول التركيز فقط على العمل العسكري وإعطاء الأسبقية للإنفاق العسكري فقط , بل يجب أن تعمل الدول للحفاظ على أمنها الوطنى عبر إتباع سياسة الإنفاق على الإصلاح الاقتصادي و الإستقرار الاجتماعي و تلبية احتياجات شعوبها ومحاربة الفقر وإعادة توزيع الدخول بشكل يضمن النمو ويضمن العدالة , و عليه فى مفهوم الأمن الوطنى الحديث أصبحت القوة العسكرية وحدها لا تضمن إستقرار الأمن الوطنى للدولة ما دام شعبها يعاني من التخلف والفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي و لا يجد النظم التي تلبي متطلباته الأساسية.
مكونات الأمن الوطنى :
ان الأمن الوطنى يعنى استخدام كافة موارد الدولة لتحقيق أهدافها والتى تتمثل فى :
1.الأمن السياسى: و يتمثل فى الحفاظ على الكيان السياسى الداخلى للدولة والمحافظة على تطور العملية السياسية عبر أسس الإحتكام للشعب عبر ممارسة ديمقراطية سليمة تفضى لوصول أنظمة حكم تلبى تطلعات شعبها.
2.الأمن الاقتصادى: وهو يتمثل فى قدرة الدولة على توفير كافة الإحتياجات والخدمات الضرورية لمواطنيها بأسعار مناسبة لضمان إستقرار أمنها الوطنى عبر زيادة قدرات الدولة فى مجال الإنتاج المحلى وتفعيل التجارة العالمية لتحقيق عائد يسهم فى زيادة الدخل القومى وتحقيق رفاهية شعبها.
3.الأمن الاجتماعى: ويهدف إلى تنمية الشعور بالإنتماء والولاء للوطن.
4.الأمن العسكرى: وهو يعمل على حماية و تأمين مصالح الدولة والدفاع عنها , والجدير بالذكر إن التغير فى طبيعة النزاعات المسلحة بين دول العالم نتيجة لإنتهاء عهد الأحادية الثنائية القطبية ، وإنفراد الولايات المتحدة بالسيطرة على الأوضاع فى عالمنا المعاصر وانتهاء التوازن الذى فرضته الحرب الباردة , هذا الوضع الجديد زاد من احتمالات نشوب نزاعات مسلحة بين الدول الصغرى وتفكك هذه الدول إلى كيانات بعد أن كانت متماسكة فى ظل الاستقطاب الدولى القديم, ذلك المناخ الأمنى الجديد صار مشجعاً على نشوب حروب كثيرة وانتشار الإرهاب والصراعات الطائفية والدينية الداخلية ، حيث يشهد العالم كثيراً من العمليات العسكرية التى لا تصل إلى مستوى الحروب الشاملة , كما أنه طرأت موضوعات جديدة على الأمن العسكرى لم تكن مطروحة من قبل نتيجة للتطور التكنولوجى الهائل و ظهور أسلحة جديدة لحرب المعلومات وحرب الشبكات لها تأثير مدمر ليس فقط على أسلحة العدو ونظم معلوماته العسكرية ولكن أيضاً على بنيته التحتية المدنية والاقتصادية والمالية ,عليه يجب أن يتكيف الأمن العسكرى لكل الدول مع هذه الأوضاع الجديدة.
5.الأمن المعنوى: ويهدف للمحافظة على الأفكار والمعتقدات و العادات والتقاليد والقيم لمجتمع الدولة وحمايتها من الإستلاب الثقافى.
6.الأمن البيئى: وهو يشمل كافة الإجراءات التى تتخذها الدولة لمجابهة الأخطار البئية أخطار البيئة التى قد تهدد سلامة الدولة عبر تشكيل غرف عمليات لرصد هذه الأخطار ودعم البحوث العلمية التى تعمل على دراسة حالة الظواهر التى يمكن أن تشكل خطر بئيى للدولة مع رصد ميزانيات لمجابهة الكوارث البئية.
الخاتمة:
الأمن الوطنى يهدف فى مجمل أنشطته وأعماله لحماية الوطن ومواطنيه من الداخل والخارج من أى مهددات تهدد وجوده أو سلامته كالإرهاب والتطرف والمخدرات التى تدمر البنية البشرية للدولة ويضاف إلى ذلك الهجرة غير المشروعة التى ينتج عنها فى أغلب الأحيان اختلال فى التركيبة الديموغرافية للدولة , كما أنه يهدف للحفاظ على الكيان السياسى الداخلى للدولة والمحافظة على تطور العملية السياسية فيه, وزيادة قدرة الدولة على توفير كافة الإحتياجات والخدمات الضرورية لمواطنيها بأسعار مناسبة لضمان إستقرار البلاد , كما يهدف إلى رفع شعور المواطنين بالإنتماء للوطن و حماية و تأمين مصالح الدولة والدفاع عنها , ويهدف أيضا للمحافظة على الأفكار والمعتقدات و العادات والتقاليد والقيم لمجتمع الدولة والقيام بكافة الإجراءات التى تتبناها الدولة لمجابهة الأخطار البئية التى قد تهدد سلامة الدولة.
والله ولى التوفيق