بسم الله الرحمن الرحيم
alkanzali@gmail.com
إن هذا لشيءٌ عجابٌ
اعجبُ ما في كتابات الاستاذ عبدالغني كرم الله أنها تَأخُذُ قارئها بسحر الكلمة والواقع وتجعله يُبْحرُ في وسطها وكأنها شمس مغيب تأخذ مُتَأمِلُها بسحر غروبها ويبقى في تأمله مبحراً بدون شراع حتى يداهمه الليل فيرتاح الجسد من وطأة يوم عظمت فيه المشقة والموانع، وانهك فيه الجسد النحيل بالتعب في طلب الرزق. وأخذ الهم منه مأخذاً عظيماً لأن ما عاد به لأهله لا يسد جوعه، ولا يقضي ديناً، فينوم مهموماً حزيناً،فإذا بعبد الغني يأذن له بتوسد كلماته.
ذكرتُ أكثر من مرة في عام مضى للأخ الأستاذ سعيد أنني اقرأ اخبار المدينة مع قهوة الصباح، وعادت اخبار المدينة لعهدها وعدتُ لعادتي.
ربما نشأتي الريفية جعلتني أكثر التصاقاً بكتابات الاستاذ عبدالغني لأنها عن القرية والريف وأهله ومشايخه. ففي الريف يصحو انسانه عند صياح الديك فيصلي الفجر حاضراً. ولأنني ريفي اصبحت لي عادة منذ الصبى بل قل الطفولة أن اصحو باكراً ومبكراً حتى في أيام العطلات لا اعرف النوم بعد الفجر إلا لعلة في الجسد.
قرأت اليوم اخبار المدينة بعد صلاة الفجر بساعة، وقرأت قصة الاستاذ عبدالغني كرم الله (الرسول في قريتي) فإذا بي اتأمل مغيب الشمس البديع، بل قل هنا شروقها، لأن شمس الله لا تغيب، ومحمدٌ شمسٌ نور. وتعجبتُ وعجبتُ لقدرة الكاتب في رواية قصة نبينا الكريم بأسلوب منحني غفوة ما كنت مدركها ولو بوصفة طبية من طبيب نفسي لتنام العين المؤرقة وتغمد من الهم والغم.
نمتُ بل قل غفوتُ، فإذا بعالم عجيب يتجسد في غفوتي ومنامي، وهذا من تأثير الكاتب واثره في نفس قارئه، فإذا بي أخرج من حجرة طينية لا نوافذ لها، وبابها يفتح شمالاً، وإذا بي انحو غرباً، اي في اتجاه سباحة الكون الذي لا نهاية له فالكون يسبح ويدور في أفلاكه ضد إتجاه عقارب الساعة. فإذا بي أشاهد جمعاً من الناس (جميعهم وجمعهم أصحاب سحنة ومظهر سوداني) وفي وقت كأن ضوءه مثل ضوء الفجر أو قبل الغروب، ولا شمس هناك،والجالسون تحفهم الطمأنينة وهدوء، كانوا متفرقين ومتقاربين في ساحة واسعة، على كراسي متواضعة كما كنا نفعل في سابق زماننا، في افراحنا واتراحنا، ولكن الآن طلقنا البساطة والتبسط، وأتجنها نحو الكلفة والتكلف، فكانت صالات الأفراح وصيونات المأتم ذات الدفع الرباعي، اي المكيفة بتبريد الهواء من الجهات الأربعة.
ذلك الخروج من الغرفة الطينية كان كانه لإيفاء وعد،بل قل تفاؤلاً بلقاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسط هذا الجمع، ولكني لم القاه ولم أراه ولو من بعيد. كان الحديث القائم بين الناس عن رؤية الله، فقاطعتهم أن الله لا يرى وقلتُ لهم: ( الم يقل المصطفى لعائشة وهي تسأله هل رأيت ربك في معراجك؟ فأجاب: " نور أرى يا عائشة"). والحقت حديثي بقول ربي في سورة الأعراف آية ١٤٣: " ... قال ربي أرني أنظر إليك قال لن تران ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ..." وختمتُ قولي: "لهذا رؤية الله من المحال في الدنيا والأخرة".
قاطعني أحد الجالسين بقوله، الم يقل الله: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة" سورة القيامة آية ٢٣ و٢٤ فعجلته بالاجابة بأن النظر غير الرؤيا، فالرؤيا يسبقها النظر، وليس كل من نظر رأي ولكن كل من رأى نظر. فربما تنظر نحو الهلال ولا تراه. وايأت موسى تقول بذلك والله أعلم. ثم اردفتُ قائلاً: " من نحن في ضيافتهم لا يقولون برؤيا الله". وفي منامي كنتُ أظن بأنني في ضيافة الحبيب ولكني لم اره وتيقنت أنني في ضيافة أهل الله والدروايش الذين تحدث عنهم الاستاذ عبدالرزاق،وجمعهم في انتظار الحبيب.
صحوت من غفوتي وتمنيت لو أنها امتدت قليلاً، فربما رأيت بشراً سوياً كان يُهْونُ على من يرهبه ويهاب رؤيته بقوله: " هون عليك ما أنا إلا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد".
كان لا يعيب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإن لم يشتهه يقول إني صائم. وهو القائل: " من أذى لي ذمياً كنتُ خصمه يوم القيامة". وقتها لم يكن يعلم العالم أن للإنسان حرمة وكرامة. ونبينا يتحدث عن الأذى، قد يكون اذىً جسدياً أو معنوياً.
إنها طفرات وعروج لعوالم لم نرتق نحنُ المسلمون لسمائها وإن كانت هي أرثنا ولكن لم ننشغل، او نشتغل، أونشغل بها أنفسنا لأن طموحنا في شواهق الأبراج وليس شواهق الأرواح.
فأنظر لأدبه وانظر لرحمته وانظر لاحساسه بمشاعر الإنسان الأخر وهو ينبه اصحابه قائلاً: " يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت".
ما ألين قولك، وما أعظم خلقك، وما أطيب لقاك. ما أعظمك من نبي وصفه ربه أنه بالمؤمنين رءوف رحيم. ألم تقل في حق نفسك يا حبيبي يا رسول الله، بأنك الرحمة المهداة! مهداة ممن؟ من رب هو أرحم بالعبد من الأم على رضيعها! أليس هو ربنا الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات؟ هو هو، هو الأحد، هو الصمد، هو الله هو الحي القيوم.
لعبدالغني كرم الله الذي أعادني يا رسول الله، لعلوك وسموك وساحاتك الإنسانية التوحيدية الرفيعة التي تقودنا إلىالله إلا من أبى، منى له المحبة والسلام والشكر وصالح الدعاء وليتها غفوة طالت ولم تقصر، وليتني لم انتبه بعدها أبداً.
/