نُصّتْ نهار: التاء للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف
نشر الأستاذ هاشم محمد صالح بمنبر الحوار الديمقراطي بموقع سودان فوراول بتاريح 7/6 2017 مقالا بعنوان:( نصت نهار: ألف لام التعريف في عامية المركز) استهله بقوله:
"لماذا نقول في عامية المركز العربية السودانية: نص الليل.. ولكنا نقول: نصت نهار..، فأين ذهبت ألف لام التعريف في (نصت نهار) ومن أين جاءت التاء". انتهى.
وبعد شروحات مطولة في علم الأصوات وظاهرة التماثل أو التجانس assimilation بخاصة، يخلص الأستاذ هاشم إلى القول: "الأصل في تاء (نصت نهار) هي ألف لام التعريف فيقتضي مركب الإضافة الذي احتجنا له أن تكون كلمة النهار معرفة بأل. وهكذا فإن سلسلة من القواعد الصرفية- الصوتية في عامية المركز العربية السودانية تكالبت على ألف لام التعريف في هذه الحالة، وانتهت بها لأن تصبح تاء". انتهى.
وردا على الأستاذ هاشم فيما ذهب إليه نقول إن المسألة أيسر مما يظن وهي أن التاء في عبارة: "نصت نهار" للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف.
لكن الأستاذ هاشم انطلق من فرضية خاطئة فانتهى إلى نتيجة خاطئة. وذلك أنه افترض أن المضاف إليه في العربية لا يأتي إلا معرفا بأل، بدليل أن كل الأمثلة التي أوردها في مقاله للمضاف إليه جاءت معرفة بألف لام التعريف حيث جاء:" باب البيت، دكان الحلة، عين الشمس، صوت الصفارة، نص الليل". وفات عليه إدارك أن المضاف إليه في العربية لا يأتي معرفا بأل وحسب بل يأتي أيضا نكرة بدون ألف لام التعريف. مثال ذلك: قلم حبر، كتاب تاريخ، ديوان شعر، كوز ماء، كباية شاي إلخ..
جاء المضاف إليه في كل هذه الأمثلة نكرة بدون أداة تعريف، ولكنه يجوز أن يأتي بأداة التعريف فتقول: قلم الحبر، كتاب التاريخ، ديوان الشعر، كوز الماء، كباية الشاي وهكذا.
والفرق بين قولك: قلم حبر وقولك: قلم الحبر، هو أنه في الأولى لا تتحدث عن قلم حبر بعينه أما في الثانية فإنك تقصد قلم حبر بعينه. الجملة الأولى تدل على نكرة أما الثانية فتدل عل معرفة.
ولذلك نقول في اللهجة السودانية العربية: نص يوم ونص اليوم، نص ساعة ونص الساعة، نص رطل ونص الرطل، نص كباية ونص الكباية إلخ.. هنالك فرق بين قولك: نص كباية وقولك: نص الكباية. فحينما تقول: أديني نص كباية شاي، فأنت لا تتحدث عن نص كباية محدد بل أي نص، ولكنك حينما تقول: شربت نص الكباية، فأنت تقصد نص كباية بعينه.
وقياسا على ذلك فإنه يجوز أن تقول: نص النهار ونص نهار، في الأولى تقول مثلا: "ماشي وين في نص النهار الحار دا". وفي الثانية: نص نهار، جرى العرف اللغوي السوداني على تأنيث كلمة "نص" فصارت "نصت نهار". تقول مثلا: بجيك نصت نهار، فلا يفهم السامع أي نهار تقصد.
إذن التاء في عبارة: "نصت نهار" للتأنيث وليست بديلا عن لام التعريف كما ذهب إلى ذلك الأستاذ هاشم لأنه لا توجد هنا أصلا أداة تعريف لأن المضاف إليه "نهار" جاء نكرة: نص نهار وليس نص النهار. وكل ما هنالك أننا أحلنا لفظ "نص" المذكر إلى المؤنث فقلنا: نصت نهار، بالوقف على التاء.
وليس هذا هو المثال الوحيد في اللهجة السودانية العربية الذي نحيل فيه المضاف إليه المذكر إلى مؤنث حال إضافته إلى نكرة.
فهنالك أمثلة كثيرة ولعل أبرزها تعبير: "قولة خير" للدلالة على قبول خطبة الفتاة. فالتاء في قولة/قولت ليست بديلا عن لام تعريف لأن المضاف إليه "خير" جاء نكرة وأصل الجملة: "قول خير" على وزن "عمل خير" فأدخلت تاء التأنيث على "قول" فصارت "قولة" لأسباب تتعلق بالعرف اللغوي.
هذا، ومن السياقات التي تؤنث فيها كلمة "نص" قولهم: قزازة (زجاجة) نصية. وهذا مؤشر على أن تأنيث كلمة "نص" أمر مألوف في العرف السوداني اللغوي.
ولما كان ذلك فإن كل حديث الأستاذ هاشم والذي بذل فيه جهدا مقدرأ عن اللام الشمسية وظاهرة التماثل في محاولته التدليل على أن التاء في "نصت نهار" منقلبة عن ألف لام التعريف، حديث في غير محلهirrelevant .
النقطة الثانية التي أود أن أقف عندها في مقال هاشم، كلمة "المركز" الواردة في العنوان، إلى ماذا تشير؟ هل تشير إلى العاصمة المثلثة مثلا؟ أم إلى أي بقعة جغرافية؟ وهل نعتبر كردفان ودارفور مركزا إذا علمنا أن عبارة "نصت نهار" تجرى على ألسنة القبائل الناطقة بالعربية هنالك؟
لقد لفت نظري ان كثيرا من الدارسين يجهلون الأطلس اللغوي للهجة السودانية العربية وتصوراتهم عنه يغذيها التوهم والتنميط المخل غاية الإخلال.
abdfaya@yahoo.com