هل تقود مطامع مصر في السودان الى طلاق بائن بين الدولتين الجارتين؟

 


 

 

عبدالله خليل أول رئيس وزراء سوداني بعد الاستقلال بعد ان قام بإجبار جمال عبد الناصر أن يسحب الجيش المصري من حلايب، شعر بأنّ المصريين يبتون أمرا بعد ان قاموا باستدعاء زعماء الحزبين الاتحاديين المنشقين الى مصر، عرف عبدالله خليل إن مصر تخطط لإزاحة حكومته بتوحيد الاتحاديين الذين يأتمرون بأمرها ، فقام بتسليم السلطة لقيادة الجيش على ان تجرى خلال فترة محددة انتخابات جديدة.
عبدالله خليل كان كالمستجير من الرمضاء بالنار، فما فعله عبود من تسليم وادي حلفا للمصريين وما استتبع ذلك من تدمير وغمر لمناطق شاسعة تحوي تاريخ آلاف السنين،، ربما لم يكن اتحاديو السودان يجرؤون على فعله. ورغم تنازل السودان عن وادي حلفا، لكن ذلك لم يشفع لهم في نزاع حلايب التي ضمتها مصر بالقوة وسط صمت وتواطؤ حكومة عمر البشير.
ساسة مصر وبعض مثقفيها لديهم وهم تبعية السودان لمصر، رغم ان التاريخ يثبت العكس، وحتى التاريخ القريب حين شاركت مصر إنجلترا في حكم السودان، كانت مصر نفسها تحت الاحتلال الإنجليزي، وحتى ملكها كان ينتمي لأسرة محمد علي التي حكمت مصر باسم الجناب العالي بعد القضاء على حكم المماليك، وكل هذه الحقب التي مرت على مصر لا يمكن وصفها بالعهود الوطنية، بدليل الثورات التي قامت هناك مثل ثورة عرابي..
الثورة المهدية محفوظ في اضابير التاريخ انها قامت على الإدارة التركية ولم يقل احد انها قامت ضد المصريين، ببساطة لأن المصريين لم يحكموا السودان في تلك الحقبة، رغم ذلك يحقد المصريون على الثورة المهدية باعتبار انها اخرجتهم من (ديارهم)! ويحتفون بأية عمل فكري أو بحثي يقدح في الثورة المهدية والتي كانت ثورة تحرر وطني وان تلبست لبوس الدين في مواجهة احتلال مرجعيته في الخلافة الإسلامية في الآستانة.
مطامع مصر في السودان لا تتوقف، السودان عندهم مجرد حديقة خلفية تحفظ حقوقهم في مياه النيل وتكون موردا رخيصا للمواد الخام والمنتجات الزراعية والحيوانية التي يعاد تصديرها كمنتج مصري اصيل. لقد كشف اغلاق شارع شريان الشمال الذي يربط بين مصر والسودان، في الفترة السابقة عن النهب الرهيب للموارد وسط تواطؤ كامل من حكومة الانقلاب وفلول النظام السابق الذين اقطع بعضهم الجيش المصري أراض شاسعة، اما نظام عمر البشير فقد دعمته مصر في الفترة التي تلت محاولة اغتيال حسني مبارك، بعد ان وجدت فيه نظاما ضعيفا مستعدا لتقديم اية شيء مقابل رضا الجارة الشمالية عنه وعدم تصعيد قضية محاولة اغتيال حسني مبارك ودعمه في المحافل الدولية وفي مواجهة قرارات المحكمة الجنائية الدولية.
حكومة عمر البشير وفق ايديولوجيتها العروبية الاسلاموية وجدت في التكامل وربما مشروع الوحدة المستقبلية مع مصر حلا لمشكلة المد القادم من غرب افريقيا والذي يهدد في نظرهم (بأفرقة) السودان، وتلك الفكرة هي التي قادت الإنقاذ للتسليم بفكرة فصل الجنوب، رغم ان مصر حاولت مقاومة فصل الجنوب، وللمفارقة فإن خوف مصر من أنّ ميل السودان الى محيطه الطبيعي الإفريقي قد يهدد مصالحها لذلك سعت لربطه بالمحيط العربي، الأمر الذي اسهم بصورة او بأخرى في فصل الجنوب عكس ما تريد مصر.
رضا مصر عن الإسلاميين السودانيين باعتبارهم ربما أكثر تعطشا للتقارب معها من الاتحاديين السودانيين، يبدو واضحا في المبادرة الأخيرة التي تدعم الكتلة الديمقراطية الأقرب للنظام البائد، والحظوة التي يتمتع بها مدير مخابرات عمر البشير صلاح قوش المقيم في مصر وكذلك ايلا آخر رئيس وزراء لعمر البشير والذي اخلته بعد مرضه طائرة إسعاف تابعة للجيش المصري!
مصر وضعت خطا أحمر على استمرار حكومة حمدوك، وضوءا أخضر للبرهان ليمضي في انقلابه، وربما ضوءا أخضر لفض الاعتصام قبل تشكيل حكومة حمدوك، هل صدفة ان يحدث ذلك ثم يبادر الأثيوبيون أعداء مصر لحل المشكلة السودانية ويكون نتاج مبادرتهم حكومة حمدوك التي رفضتها مصر باعتبارها أقرب للإثيوبيين!
محاولة مصر تقريب السودان منها باستخدام الانتماء للعرب كبديل للانتماء للمحيط الإفريقي الطبيعي، وتبني ساسة السودان لذلك الاتجاه قاد لتوسعة الهوة مع الجنوب وادى لانفصاله في النهاية، حرص مصر الشديد على مصالحها في السودان دون اعتبار لمصالح شعبه الذي يعاني الأمرين فيما تُسرق كل موارد ومنتجات البلاد، سيؤدي أيضا في نهاية المطاف لوضع حواجز يستحيل عبورها بين البلدين أو قد تقود هذه البلاد الى مزيد من التفكك..
المشكلة ليست في مصر بقدر ماهي في ساسة هذه البلاد، وخاصة العسكر، الذين يبحثون عن الشرعية في الانبطاح لأجندة دول لا تخفي مطامعها في بلادنا، اعتقد انّ الحل في مشكلتنا مع مصر يكمن في حكومة ديمقراطية تراعي فقط مصالح شعبها، وجيش موحد يحمي حدود هذه البلاد وعلاقات دولية متوازنة تراعي المصلحة العامة.
محمد زبير أبو شوك

zebaira219@gmail.com

 

آراء