هل نحن بحاجة إلى عدسة مكبرة لنعرف المستفيد من إطالة أمد الحرب؟
محمد سليمان عبدالرحيم
14 January, 2024
14 January, 2024
إذا أردنا هزيمة الإسلاميين فعلينا إخراجهم من دواخلنا وتنظيماتنا أولاً.
*محمد سليمان عبدالرحيم
* “ إنهم يفوقون سوء الظن العريض، وكلما أسأت الظن بالإخوان المسلمين تجد نفسك أنك كنت تحسن الظن بهم!"
الشهيد الأستاذ محمود محمد طه
* "لقد جاءت دولة الإنقاذ، الدولة الدينية الأصولية، كخلاصة مركزة لا تشوبها شائبة لكل النقائص والتشوهات التي صاحبت مسيرتنا الوطنية منذ الاستقلال. جاءت تجسيداً لنزعات الاستعلاء الديني والعرقي التي تصور للبعض أنهم فوق البشر، وتتويجاً لغرائز الأنانية والطمع التي تبرر لهم الاستيلاء على كل الثروات، وصيغة متطرفة لأهواء الانفراد بالسلطة، وإخضاع الشعب إخضاعاً كلياً وتسييره بالحديد والنار، وبالتعذيب الوحشي، والدم المراق، والإبادة الجماعية. لذلك، ليس من المنظور أن تنتهي الحروب في بلادنا وهذه الحركة في السلطة أو في موقع يمكنها من الوثوب عليها"
المفكر الراحل الخاتم عدلان
بتلك العبارة الرشيقة للأستاذ محمود محمد طه، وبتلك الفقرة المبينة للأستاذ الخاتم عدلان، وضع المفكران المعيار الذهبي والثابت لفهم وتقييم الحركة الإسلامية في أي وقت من الأوقات. إن أي فهم للحركة الإسلامية وأي تقييم لممارساتها وقدراتها يقل عن أو لا يتسق مع رؤية الأستاذ محمود محمد طه وتحليل الأستاذ الخاتم عدلان في الاقتباسين أعلاه، هو، في نظري، فهم قاصر وتقييم معيب. بالرغم من هذا، فإن طائفة من المثقفين، المحسوبين تاريخياً على معسكر اليسار والقوى الديمقراطية والليبرالية، لازالت تسعى بكل قوة لتبرئة ساحة الإسلاميين من وزر إشعال هذه الحرب اللعينة، بل وتتهم من يؤكدون مسؤولية الإسلاميين عنها بأنهم مصابون بلوثة العداء للكيزان أو "الكيزانوفوبيا". الغريب هو أن بعض هؤلاء المثقفين كانوا هم أنفسهم ضحايا لممارسات الكيزان، فماهو الذي يدفعهم إلى هذا الموقف المماليء لجلاديهم على حساب الحقيقة، الحقيقة التي تنطق بها أجسادهم وتجاربهم الشخصية حتى وإن سكتت عنها أفواهم وأقلامهم؟! هؤلاء المثقفين يهدفون إلى إقناعنا، كما يمكننا أن نستخلص من كتاباتهم وتصريحاتهم، أن الحركة الإسلامية قد ضربت ضربة قاصمة في ثورة ديسمبر أو، على الأقل، أنه قد تم تقليم أظفارها بحيث لم تعد لديها القدرة على تدبير مؤامرات بهذا الحجم، أو أنها، في كل الأحوال، أصبحت مجرد حركة سياسية وليست بذلك القدر من الشر، وهذه خدعة خبيثة ليس إلا.
لقد نشأت الحركة الإسلامية في السودان في نهاية أربعينات القرن المنصرم بعد ميلاد الحزب الشيوعي السوداني وكرد فعل له. في انتخابات سنة 1965 أحرزت الحركة الإسلامية مقعداً واحداً من مقاعد الخريجين بينما كسب الحزب الشيوعي 11 مقعداً، ومع ذلك في نهاية تلك السنة تمكنت الحركة الإسلامية من حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية. وحينما انقلب اليسار على الإسلاميين في مايو 1969، عادوا في 1978 ليشاركوا النميري الحكم، فوضعوا الأساس لدولتهم الدينية وبنوا إمبراطوريتهم المالية. وحينما تم إسقاط النميري في 1985، كانوا هم على رأس المجلس العسكري الانتقالي فعرقلوا تحقيق أهداف الانتفاضة وصمموا الانتخابات ليحرزوا 58 مقعداً في البرلمان، وحينما توحدت القوى الديمقراطية والوطنية ضدهم قاموا بانقلابهم المشؤوم في 1989 لينفردوا بالسلطة طيلة ثلاثين عاماً. هذه الحركة التي تمكنت من الانقلاب على ثلاث ثورات شعبية وأجهاضها وتمرير أجندتها فوق رؤوس الجميع من قبل، هي ذات الحركة التي يطلب منا الآن أن نصدق أنها قد أصبحت حملاً وديعاً بلا أظفار ولا أنياب وأنه لا خطر منها على الإطلاق، وأن تخوفاتنا منها هي مجرد كيزانوفوبيا!
الحركة الإسلامية لم تستطع تحقيق كل تلك (الإنجازات) صدفة أو بالحظ، وإنما بتخطيط محكم تميز بالدهاء وبكثير من الخبث. لقد استفادت الحركة الإسلامية من واقع التخلف المزري والجهل الفاضح والدجل والخرافة الذي يعم بلادنا وعرفت كيف تستثمره لصالحها. ثانياً، انتبهت الحركة الإسلامية إلى هشاشة وضعف الأحزاب السياسية السودانية، وخاصة الحزبين الكبيرين تاريخياً، فعرفت كيف تخترقها وتمرر أجندتها من خلالها. ثالثاً، قامت الحركة الإسلامية بتأهيل كوادرها في مختلف المجالات تأهيلاً عالياً في الوقت الذي حجبت فيه فرص التعليم والتأهيل عن الآخرين، ورابعاً، امتلكت المال والصلات التي تمكنها من شراء الذمم وفتح الأبواب المغلقة. الأهم من هذا كله هو أن الحركة الإسلامية قد استطاعت من خلال كل تلك العوامل أن تخلق البيئة الصالحة (Ecosystem) لنموها وتمددها واستدامتها. هذه البيئة الصالحة، في جانبها البشري، تتكون من طبقة واسعة من ضحايا الجهل والخرافة، وفئة كبيرة من أصحاب المصالح الفاسدة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح وبوجود الحركة الإسلامية، كما تشمل أيضاً عدداً من المثقفين الذين لا يمكن اعتبارهم إسلاميين بحال من الأحوال. الحركة الإسلامية لا تريد من هؤلاء المثقفين أن ينضموا لها تنظيمياً أو أن يكتبوا مقرظين لها أو مشيدين بها. إنها تدرك أنهم سيكونون أكثر فائدة لها من موقعهم "المستقل والمحايد" هذا، بل والذي يبدو تاريخياً مناهضاً للإسلاميين. الحركة الإسلامية تدرك أنه يمكن لهؤلاء المثقفين من هذا الموقع أن يحققوا لها أهدافاً، مثل تضليل الجماهير وتغبيش وعيها وإلغاء ذاكرتها، أفضل بكثير مما تستطيع هي أن تحققه بنفسها.
لقد تمرست الحركة الإسلامية، في خلال مسيرتها الطويلة، في تحقيق أهدافها عن طريق الآخرين. لقد حلت الحزب الشيوعي في 1965 بواسطة الحزبين الكبيرين، وطبقت الشريعة الإسلامية وأقامت دولتها الدينية بواسطة جعفر النميري، وفصلت الجنوب في سنة 2011 بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان، هذا على سبيل المثال لا الحصر. الآن، ومنذ أن اندلعت هذه الحرب اللعينة، فإن الجميع يعلمون أنه ما من سبيل لإيقافها إلا بوحدة واسعة للقوى المدنية والشعبية، بل وجميعهم يدعون إلى بناء جبهة مدنية واسعة أو عريضة أو سمها ما شئت. لكن، ها نحن الآن على أبواب الشهر العاشر من الحرب، وما يزال أمر بناء هذه الجبهة وتحقيق الوحدة المطلوبة حلماً بعيد المنال، فمن هو المستفيد النهائي من هذا الوضع؟ من هو الطرف الذي يعمل لدعم وتشجيع الاتجاهات الأنانية والنرجسية التي تجعل من قوانا السياسية والمدنية جزراً منعزلة، ضعيفة الفعالية، محدودة القاعدة، وممنوعة من التواصل مع بعضها البعض، تغذ السير في طريق الانتحار؟ وبعد، هل نحن بحاجة إلى عدسة مكبرة لنعرف من هو المستفيد النهائي من هذا الشقاق ومن إطالة أمد الحرب؟
abuhisham51@outlook.com
*محمد سليمان عبدالرحيم
* “ إنهم يفوقون سوء الظن العريض، وكلما أسأت الظن بالإخوان المسلمين تجد نفسك أنك كنت تحسن الظن بهم!"
الشهيد الأستاذ محمود محمد طه
* "لقد جاءت دولة الإنقاذ، الدولة الدينية الأصولية، كخلاصة مركزة لا تشوبها شائبة لكل النقائص والتشوهات التي صاحبت مسيرتنا الوطنية منذ الاستقلال. جاءت تجسيداً لنزعات الاستعلاء الديني والعرقي التي تصور للبعض أنهم فوق البشر، وتتويجاً لغرائز الأنانية والطمع التي تبرر لهم الاستيلاء على كل الثروات، وصيغة متطرفة لأهواء الانفراد بالسلطة، وإخضاع الشعب إخضاعاً كلياً وتسييره بالحديد والنار، وبالتعذيب الوحشي، والدم المراق، والإبادة الجماعية. لذلك، ليس من المنظور أن تنتهي الحروب في بلادنا وهذه الحركة في السلطة أو في موقع يمكنها من الوثوب عليها"
المفكر الراحل الخاتم عدلان
بتلك العبارة الرشيقة للأستاذ محمود محمد طه، وبتلك الفقرة المبينة للأستاذ الخاتم عدلان، وضع المفكران المعيار الذهبي والثابت لفهم وتقييم الحركة الإسلامية في أي وقت من الأوقات. إن أي فهم للحركة الإسلامية وأي تقييم لممارساتها وقدراتها يقل عن أو لا يتسق مع رؤية الأستاذ محمود محمد طه وتحليل الأستاذ الخاتم عدلان في الاقتباسين أعلاه، هو، في نظري، فهم قاصر وتقييم معيب. بالرغم من هذا، فإن طائفة من المثقفين، المحسوبين تاريخياً على معسكر اليسار والقوى الديمقراطية والليبرالية، لازالت تسعى بكل قوة لتبرئة ساحة الإسلاميين من وزر إشعال هذه الحرب اللعينة، بل وتتهم من يؤكدون مسؤولية الإسلاميين عنها بأنهم مصابون بلوثة العداء للكيزان أو "الكيزانوفوبيا". الغريب هو أن بعض هؤلاء المثقفين كانوا هم أنفسهم ضحايا لممارسات الكيزان، فماهو الذي يدفعهم إلى هذا الموقف المماليء لجلاديهم على حساب الحقيقة، الحقيقة التي تنطق بها أجسادهم وتجاربهم الشخصية حتى وإن سكتت عنها أفواهم وأقلامهم؟! هؤلاء المثقفين يهدفون إلى إقناعنا، كما يمكننا أن نستخلص من كتاباتهم وتصريحاتهم، أن الحركة الإسلامية قد ضربت ضربة قاصمة في ثورة ديسمبر أو، على الأقل، أنه قد تم تقليم أظفارها بحيث لم تعد لديها القدرة على تدبير مؤامرات بهذا الحجم، أو أنها، في كل الأحوال، أصبحت مجرد حركة سياسية وليست بذلك القدر من الشر، وهذه خدعة خبيثة ليس إلا.
لقد نشأت الحركة الإسلامية في السودان في نهاية أربعينات القرن المنصرم بعد ميلاد الحزب الشيوعي السوداني وكرد فعل له. في انتخابات سنة 1965 أحرزت الحركة الإسلامية مقعداً واحداً من مقاعد الخريجين بينما كسب الحزب الشيوعي 11 مقعداً، ومع ذلك في نهاية تلك السنة تمكنت الحركة الإسلامية من حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية. وحينما انقلب اليسار على الإسلاميين في مايو 1969، عادوا في 1978 ليشاركوا النميري الحكم، فوضعوا الأساس لدولتهم الدينية وبنوا إمبراطوريتهم المالية. وحينما تم إسقاط النميري في 1985، كانوا هم على رأس المجلس العسكري الانتقالي فعرقلوا تحقيق أهداف الانتفاضة وصمموا الانتخابات ليحرزوا 58 مقعداً في البرلمان، وحينما توحدت القوى الديمقراطية والوطنية ضدهم قاموا بانقلابهم المشؤوم في 1989 لينفردوا بالسلطة طيلة ثلاثين عاماً. هذه الحركة التي تمكنت من الانقلاب على ثلاث ثورات شعبية وأجهاضها وتمرير أجندتها فوق رؤوس الجميع من قبل، هي ذات الحركة التي يطلب منا الآن أن نصدق أنها قد أصبحت حملاً وديعاً بلا أظفار ولا أنياب وأنه لا خطر منها على الإطلاق، وأن تخوفاتنا منها هي مجرد كيزانوفوبيا!
الحركة الإسلامية لم تستطع تحقيق كل تلك (الإنجازات) صدفة أو بالحظ، وإنما بتخطيط محكم تميز بالدهاء وبكثير من الخبث. لقد استفادت الحركة الإسلامية من واقع التخلف المزري والجهل الفاضح والدجل والخرافة الذي يعم بلادنا وعرفت كيف تستثمره لصالحها. ثانياً، انتبهت الحركة الإسلامية إلى هشاشة وضعف الأحزاب السياسية السودانية، وخاصة الحزبين الكبيرين تاريخياً، فعرفت كيف تخترقها وتمرر أجندتها من خلالها. ثالثاً، قامت الحركة الإسلامية بتأهيل كوادرها في مختلف المجالات تأهيلاً عالياً في الوقت الذي حجبت فيه فرص التعليم والتأهيل عن الآخرين، ورابعاً، امتلكت المال والصلات التي تمكنها من شراء الذمم وفتح الأبواب المغلقة. الأهم من هذا كله هو أن الحركة الإسلامية قد استطاعت من خلال كل تلك العوامل أن تخلق البيئة الصالحة (Ecosystem) لنموها وتمددها واستدامتها. هذه البيئة الصالحة، في جانبها البشري، تتكون من طبقة واسعة من ضحايا الجهل والخرافة، وفئة كبيرة من أصحاب المصالح الفاسدة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح وبوجود الحركة الإسلامية، كما تشمل أيضاً عدداً من المثقفين الذين لا يمكن اعتبارهم إسلاميين بحال من الأحوال. الحركة الإسلامية لا تريد من هؤلاء المثقفين أن ينضموا لها تنظيمياً أو أن يكتبوا مقرظين لها أو مشيدين بها. إنها تدرك أنهم سيكونون أكثر فائدة لها من موقعهم "المستقل والمحايد" هذا، بل والذي يبدو تاريخياً مناهضاً للإسلاميين. الحركة الإسلامية تدرك أنه يمكن لهؤلاء المثقفين من هذا الموقع أن يحققوا لها أهدافاً، مثل تضليل الجماهير وتغبيش وعيها وإلغاء ذاكرتها، أفضل بكثير مما تستطيع هي أن تحققه بنفسها.
لقد تمرست الحركة الإسلامية، في خلال مسيرتها الطويلة، في تحقيق أهدافها عن طريق الآخرين. لقد حلت الحزب الشيوعي في 1965 بواسطة الحزبين الكبيرين، وطبقت الشريعة الإسلامية وأقامت دولتها الدينية بواسطة جعفر النميري، وفصلت الجنوب في سنة 2011 بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان، هذا على سبيل المثال لا الحصر. الآن، ومنذ أن اندلعت هذه الحرب اللعينة، فإن الجميع يعلمون أنه ما من سبيل لإيقافها إلا بوحدة واسعة للقوى المدنية والشعبية، بل وجميعهم يدعون إلى بناء جبهة مدنية واسعة أو عريضة أو سمها ما شئت. لكن، ها نحن الآن على أبواب الشهر العاشر من الحرب، وما يزال أمر بناء هذه الجبهة وتحقيق الوحدة المطلوبة حلماً بعيد المنال، فمن هو المستفيد النهائي من هذا الوضع؟ من هو الطرف الذي يعمل لدعم وتشجيع الاتجاهات الأنانية والنرجسية التي تجعل من قوانا السياسية والمدنية جزراً منعزلة، ضعيفة الفعالية، محدودة القاعدة، وممنوعة من التواصل مع بعضها البعض، تغذ السير في طريق الانتحار؟ وبعد، هل نحن بحاجة إلى عدسة مكبرة لنعرف من هو المستفيد النهائي من هذا الشقاق ومن إطالة أمد الحرب؟
abuhisham51@outlook.com