هل ينتهي مارس المقبل بانفراجة اقتصادية في السودان؟

 


 

 

كنت قد كتبت مقاليَّ الأخيرين بالإنجليزية في The Gulf Times نهاية شهر فبراير الذي مضى https://www.gulf-times.com/article/656394/opinion/will-this-spring-lessen-sudans-economic-woes ثم الثلث الأول من شهر مارس الجاري https://www.gulf-times.com/article/656985/opinion/will-ldc5-help-sudan عن ضرورة الانتباه للحاق بالتاريخ المحدد لاستئناف النقاش حول إعفاء السودان من ديون الخارجية. وإنه لعمري، لأمر رأيته ولم أزل أراه، النقطة التي يجب أن ننطلق نحوها جميعا. بيد أن تشكيل سلطة مدنية تعثر ثم لم يزل يتعثر. تشكيل سلطة مدنية هو الشرط الأساس لاستئناف المفاوضات مع السودان. وقد كان من المتوقع أن تسير الأمور بوتيرة أسرع لولا تعقد الانقسامات ثم المواجهات المعلنة وغير المعلنة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. نعم أعيد هنا إنَّ الحادي والثلاثين من مارس المقبل هو ما ينبغي أن تركز عليه كافة القوى السياسية والعسكرية، ذلك أنه قد يكون التاريخ الأهم في التاريخ الاقتصادي للسودان المعاصر. الدين الخارجي للسودان كبير، وقد تراكم في مجمله من المتأخرات، فهو يصل إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي كما يساوي عشرة أضعاف واردات صادرات البلاد. وإنه لدين لا يطاق.11% من مجمل الدين لما يعرف بالدائنين متعددي الأطراف multilateral creditors42% لنادي باريس 36% لدائنين من غير نادي باريس و11% لدائنين تجاريين. ديون السودان المستحقة لنادي باريس، تشمل دائنين رئيسيين، فرنسا، النمسا، الولايات المتحدة.
وقع السودان في شهر مايو من العام 2021م مع البنك الدولي ونادي باريس، إلى جانب عدد من الدول المنضوية تحت مظلة أصدقاء السودان، اتفاقيات قضت بإعفاء ديون السودان 60- 50 مليار دولار، مع تقديم مساعدات اقتصادية ضخمة لدعم الانتقال المدني الديمقراطي، والاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون Heavily Indebted Poor Countries (HIPC) . في أبريل من العام من2021م قرر البنك وصندوق النقد الدوليان أن السودان قد بات مؤهلا للإعفاء من الديون الخارجية. بالفعل حصل السودان على موافقة لإعفاء 23.5 مليار دولار من ديونه ليصبح الدولة رقم 38 التي تحصل على إعفاء الديون في إطار (HIPC) ؛ بيد أن تلك القرارات جرى تعليقها، بل اشترطت الأطراف الدولية استعادة الانتقال المدني الديمقراطي لاستئناف وتقديم المساعدات.
إذا استطاع السودان أن يمضي قدما في إكمال عملية إعفاء الديون فإنه يستطيع بذلك أن يحصل على هبات إسعافية وقروض بدون فوائد أو بفوائد منخفضة عبر فتح قنوات تمويل والاعتماد مع الدول والمنظمات والمؤسسات المالية. في مارس 2021م سدد السودان متأخرات البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي. متأخرات بنك التنمية الأفريقي التي تراكمت إلى 425 مليون دولار تم تسديدها عبر قرض تجسيري قدمته السويد بريطانيا وأيرلندا بينما تم تسديد متأخرات المؤسسة الدولية للتنمية International Development Association (IDA) التي انتهت إلى 1.1 مليار دولار بقرض تجسيري من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي يونيو 2021م تم تسديد متأخرات صندوق النقد التي انتهت إلى 1.4 مليار دولار. مع مطلع العملية Decision Point كانت التوقعات بأن ينخفض عبء الدين الخارجي من 56 مليار دولار إلى 28 مليار دولار. وقد كان من المؤمل أن يصل السودان إلى نقطة الإكمال Completion Point في شهر يونيو 2024م التي من شأنها تخفيض الدين الخارجي ب 50 مليار دولار ليقف عند 6 مليار دولار، وذلك مرتبط أشد الارتباط باستراتيجية الحد من الفقر ورفع مستوى المعيشة للمواطن السوداني.
الدعم الاسعافي التي كان من المفترض أن يصل للسودان حدد بملياري ونصف المليار دولار يدفع منها صندوق النقد الدولي ملياري دولار، بجانب الدعم من الشركاء (مؤتمر برلين) لدعم أنشطة الحكومة الانتقالية بمبلغ مليار دولار منها 400 مليون دولار من البنك الدولي، وما تبقى من الشراكات الثنائية لتمويل برنامج دعم الأسر والتحول الرقمي.
بحسب صندوق النقد الدولي فإن ديون السودان الخارجية بنهاية ديسمبر 2019م حددت بنحو 50 مليار دولار، 56 مليار دولار بنهاية العام 2020م؛ بيد أنها تقترب اليوم من حاجز الـ60 مليار دولار ... ذلك أنها تتزايد بمعدل 1 إلى 2 مليار دولار سنويا جراء فوائد الديون مع الرسوم العقابية لتأخير مدفوعات الأقساط المستحقة. الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش السوداني في أكتوبر 2021م انتهى إلى تجميد إعفاء الديون وإحجام المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات الموعودة. غير أن قائد الجيش طلب من البنك الدولي والصناديق المالية الدولية مهلة لـ3 أشهر قبل إصدار قرار إلغاء إعفاء ديون السودان الذي كان مقررا صدوره في 31 ديسمبر 2022 وذلك للوصول لاتفاق مع المدنيين يستعيدون بموجبه العملية الانتقالية وتشكيل حكومة مدنية.
شملت شروط البنك وصندوق النقد الدولي لإعفاء الديون جملة من البنود. نصت الفقرة 26 من الإصلاحات الهيكلية الواجب تنفيذها في إعفاء الديون وإعادة توفير الصرف التنموي على بسط الحوكمة وتطهير الفساد، مع ضرورة إنشاء لجنة مستقلة لمكافحته تستند على قانون جديد. إضافة للتطبيق الكامل للقانون الذي تمت إجازته في العام 2020م القاضي بالتفكيك الكامل لمؤسسات نظام الثلاثين من ينيو1989م وتقديم الأفراد المتهمين بالاعتداء على المال العام للمحاكم، كذلك نشر قائمة بالشركات المملوكة للدولة، الجيش وسلطات الأمن.
هل ينجح السودان، بعد العزلة الراهنة، في استئناف تعاونه مع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية تفاديا لمخاطر ارتفاع كلفة الديون، واضعين في الاعتبار التصاعد الراهن لنقاط الفائدة ؟ ثمة مخاوف وشكوك بعد تصريحات للجيش تشي بالنية في عدم المضي قدما في العملية السياسية التي تحظى برعاية كل من الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية وتتوسط فيها لجنة رباعية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات. من ناحية أخرى ثمة تأييد للعملية السياسية من قوات الدعم السريع ما يكشف عن صدع في المكون العسكري. ولا يخفى الصدع الضارب في أكثر من جهة من المكون المدني ... إذ تكفي الإشارة إلى ما أورده البيان الختامي لمبادرة القاهرة - الثلاثاء 07 فبراير 2023م - من أن عدد المشاركين في ورشتها وصل إلى 35 تنظيما! كم من تنظيم إذن في السودان؟ هذا العدد المفزع لا يمكن أن يكون قد استند على خلافات أساسية! فما من نقاط للاختلاف بهذا العدد! لكنه اللغو والإرجاف والتهم الغلاظ. المبرر الوحيد لاستشراء التشرذم الأميبي هذا هو الاستناد للمصالح الضيقة مع النزعات الإثنية والقبلية إضافة للهوس والغلواء؛ وكلها نذر شر مستطير. عليه، يخشى عدد من المراقبين، في الداخل وفي الخارج، أن يذهب السودان مزقا نتيجة لهذا الواقع المهيمن المتسم بالعجز السياسي وعدم الأمانة الوطنية وانتفاء صفة المعقولية في التعامل مع القضايا الجوهرية.
بنهاية مارس 2023م تنتهي المهلة الممنوحة من البنك الدولي بتأجيل إلغاء تنفيذ برامج إعفاء ديون السودان لـ3 أشهر، ورفع تجميدها حال توصل الأطراف السودانية لاستعادة المسار الانتقالي وتكوين حكومة مدنية ديمقراطية .فهل ثمة فرص للنجاح؟

 

mohsulieman@gmail.com

 

آراء