وسوم وأشعار!
رئيس التحرير: طارق الجزولي
6 September, 2022
6 September, 2022
بين يدي الآن سفر نادر ومؤلف فريد من حيث نوعه وموضوعه، إذ لم يسبق لأحد أن تناول هذا الموضوع، على أقل تقدير في المكتبة السودانية، حسب علمي. ذلكم هو كتاب هو "وسوم الإبل المستخدمة في كردفان"، من تأليف السير هارولد مكمايكل، وتعريب السفير الدكتور خالد محمد فرح، هذا الأديب صاحب الذوق الرفيع في اختياراته وانتقاء عباراته. وأنا إذ استعرض هذا الكتاب أزجي من الشكر أزجله للأخ الشريف إبراهيم الدلال الذي أوصل إلي هذا العمل القيّم. ومن عادة هذا الرجل أن يلتقيك دوما بوجه طلق كما الربيع تماماً، وهو إما أن يتحفك بشذرات من ثقافته الثرة أو يسمعك من جيد الشعر ما تلذ له الأذن. ومؤلف الكتاب هو ذلكم الإداري البريطاني، إبان فترة الاستعمار، السير هارولد مكمايكل، الذي رفد المكتبة السودانية بعدد من المؤلفات منها على سبيل المثال لا الحصر "العرب في السودان" و"قبائل شمال كردفان ووسطها"، من ترجمتي وترجمة الأستاذ سيف الدين عبد الحميد، ومؤلف آخر بعنوان "الخيران" وهو من ترجمتي أيضاً ويتحدث فيه عن تلك الواحات التي تمتد من بارا شمالا حت شرشار والفيلية وتعرف محلياً بالخيران أو السواقي. هذا الكتاب كما قال عنه المترجم لا يقتصر فقط على وسم الإبل بل يحتوي على معلومات ثرة عن قبائل المنطقة وفروعها وتداخلاتها، سيما وأن الكاتب هو مؤلف تلك المراجع العلمية القيمة التي أشرنا إليها آنفاً وهي تتناول التاريخ والجغرافية والأنثروبولوجيا والنشاط البشري لإنسان كردفان بشكل عام. ونشكر الأخ السفير الدكتور خالد محمد فرح ونهنئه على جهده المقدر الذي بذله في ترجمة هذا السفر الذي يعد إضافة نوعية للمكتبة السودانية، خاصة وأنه مذيل برسوم توضح الوسوم التي تحدث عنها المؤلف، بالإضافة لمسرد يشرح بعض المفردات ذات الصلة بالإبل في أنحاء السودان كافة، علماً بأن جميع المفردات والعبارات المستخدمة فيما يتعلق برعي الإبل في السودان هي مفردات عربية فصيحة تماماً. هذه الترجمة تقع في مائة وأربعة صفحات من القطع الصغير وهي من منشورات دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع بالخرطوم. وكثيراً ما يذكر شعراء الدوبيت وسوم الإبل في قصائدهم وقد يكون الوسم هو اسم علم لبعيره كما في قول الشاعر: يا أبو كريت ضراعك خف لي خبيبا أنطر الفجة والدرب البِلوّم سيبا كايس رضوة الما بتهموه بي ريبا عركوس بكرة من عد القرض بنجيبا والشاعر هنا يتحدث عن جمل بعينه ويسميه بوسمه وهو" الكريت". وقد يستخدم الوسم عن طريق الكناية للدلالة على ديار القبيلة التي تستخدم ذلك الوسم كما يتضح لنا من قول أحدهم: دايرلي قربين ودايرلي مية طلقة ودايرلي في بلد أم عميد مرقة نكتل فوق غليان كتلا ضحى ما سرقة قصدي نهدد الخلبة أم وضيبة زرقة ووجه الدلالة في كلمة "العميد" وهو وسم "فرع غليان" من الكبابيش وتقول الحامدية: مطر بلا رعد ماشي بلا وعد أب كشمة علا الشد دَمَرنا دار أم خد والخد هو الوسم الذي يستخدمه أولاد عقبة من قبيلة الكبابيش والشاعرة تشير بقولها "دار أم خد" إلى منطقة الجمامة، التي تقع بين دار حامد والكبابيش وهي من مناطق "الدمر" المعروفة في دار الريح حيث يتوفر بها الماء. والوسم يستخدم كما تستخدم العلامة التجارية التي تدل على جودة المنتج كما أنه يدل على سلالة البعير وأصالته في كثير الأشعار مثل قولهم: ود إبل الشروق الوسمه يوسف عارجو أمسى الليلة كفاي البراريب فارجو الكور المضاير وسره والقد دارجو خلاه يعيط عجمياً خصيمو مهارجو ووجه الدلالة هنا في الشطر الأول من المربعة إذ يشير الشاعر إلى وسم "العرج" الذي يستخدمه الشريف يوسف ود الهندي وهو بلا منازع صاحب أفضل سلالة من الإبل البشارية في السودان. ويقول ميرغني ود قيناوي عن جمله "أبو قريبيب": أمهاتك من زمان الصحابة أحرار عليك قريبيب بني عمار يمين وشمال دي المِن تبا ما قالبني بي بطال عليْ هجيمو دومك فوق وريدك سال ويقول أيضاً عن ذات البعير: ما بشوقني الركوب من غير أبو قريبيب وكان فكيتو لي سعاية الصهابة نسيب وهيطاً سيلي وأيضاً في السراعة عجيب والبلد البعيدة عنده هو قريب والإشارة هنا إلى وسم "القريبيب" المستخدم عند قبيلة بني عامر في شرق السودان وإبلهم معروفة بأنها من الهجن الأصيلة. وبشكل عام ورد ذكر الناقة والإبل البجاوية حتى في شعر أبي الطيب المتنبي الذي يقول: وَكُلِّ نَجاةٍ بجاوِيَّةٍ . . . خَنوفٍ وَما بِيَ حُسنُ المِشَى والنجاة هي الناقة السريعة، وهي الناجية أيضاً، وسميت هكذا لأن راكبها ينجو بها. ويكثر ذكر الإبل ووسمها في شعر الهمباتة ويقول أحدهم: وحدين عليْ حرومهم ضاقو ووحدين عليْ ضهر أب قلايد ساقو الخلاهم فوق لب الجبل يتلاقو بكوسو النقدي لأب حجلا مِعقّر ساقو ويشير الشاعر في هذه المربوعة لوسم "القلايد" الذي تستخدمه قبيلة الهواوير. وختاماً نقول إن هذا الكتاب سِفرٌ قيّم.
gush1981@hotmail.com
gush1981@hotmail.com