البروفسير هو أحمد عبدالمجيد و الكتيب (50 صفحة) بعنوان (يوسف بدري أسطورة القرن العشرين : أو رحلة حياتي مع الأسطورة ) (2017) مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي. هذا كُتيب يمكن قراءته في جلسة واحدة ، ليس لصغر حجمه و إنما للمتعة بمعرفة كيف أنشأت كلية الأحفاد الجامعية للبنات "من مافي" ، وكيف استعاض العميد يوسف بدري برأسماله الإجتماعي عن رأس المال المادي الذي لم يتوفر له. بفراسة غير عادية "نقر" العميد يوسف بدري الطالب أحمد عبدالمجيد عام 1957 وهو يقوم بدور هارون الرشيد في مسرحية "زواج السَّمَر" للدكتور (حينها) عبدالله الطيب ، فسأله عن من هو و عن أهله فعرفهم. طلب منه العميد إخراج مسرحية يمثلها طلاب الأحفاد الثانوية عند زيارته للأحفاد في اليوم التالي بناءً على طلب الاخير. بعدها إستثمر العميد يوسف بدري في الطالب أحمد عبدالمجيد بمداومة زيارته في الجامعة و التحدث معه و مع أصدقائه ، و في الستة الثالثة لأحمد بالجامعة طلب منه العميد تدريس بعض المواد بالأحفاد الثانوية ومن "ديك و عيك". من يومها و حتى وفاة يوسف بدري في عام 1995 ، ظل العميد يعامل أحمد كإبن وصديق اصغر و كمستشار، وظل البروفسير أحمد عبد المجيد هو ذلك الطالب في 1957 لا يرفض للعميد طلباً. نمت بينها ما يشبه الثقة المطلقة للدرجة التي يفترض فيها العميد أن أحمد موافق مسبقاً و يبدأ في الإجراء و الاخير لا يعلم، و يمكن لمن هم مثلى و مثلك ان يعتبر ذلك "إستغلالاً" للثقة. في أحد الأيام من عام 1965 و أحمد عبد المجيد يومها محاضر جديد بكلية العلوم بجامعة الخرطوم و يشرف على أحد الفصول في المعمل زاره يوسف بدري وطلب منه مرافقته إلى عميد كلية العلوم البروفسير مصطفى حسن، فذهب معه وهو لا يدري الغرض. أمام العميد طلب يوسف بدري من مصطفى حسن أن يوافق على إعارة أحمد عبدالمجيد للأحفاد لمدة عام لأن السلطات قد صدقت له بقيام كلية جامعية للبنات. البروفسير مصطفى حسن "دفن رجلينو في الرملة" و قال له الإعارة من حق المدير فقط، و قد كان حينها المرحوم النذيردفع الله. فقال يوسف بدري "كدى إنت وافق و النذيرده خليه على" و أخد ورقة بيضاء من امام عميد الكليه و كتب عليها صيغة الموافقة للبروفسير مصطفى حسن الذى ما كان له سوى أن يوقع. خرجا من عنده و يوسف بدري (الأسطورة) في تعبير البروفسير أحمد عبدالمجيد لا يفتح الموضوع مع احمد حتى وصلا مكتب مدير الجامعة. المهم، خرجا من مكتب مدير الجامعة النذيردفع الله ليس فقط بالموافقة على الإعارة و إنما "على أن تتكفل جامعة الخرطوم بدفع راتبه طيلة فترة الإعارة".مش قلنا "من مافي". رأس المال الإجتماعي موجود و مؤثر في كل العالم. سألت أحد أبناء اصدقائي في كندا عن أين يفضل أن يكون مكان دراسته للماجستير في إدارة الأعمال فذكر لي أن يفضل جامعة محددة في أميركا وعندما استغسرت عن السبب قال: إن المهم ليس الماجستير في حد زاته وإنما (النت ورك) network التي يجد نفسه فيها لأن الفصل يضم في الغالب أبناء "الكبار" في أميركا . ومن المعلوم أن رأس المال الإجتماعي في السودان له مردود إجتماعي ضخم إذا إستخدم في "صالح الأعمال" و ليس لسلب حقوق الغير، وهو للاسف ما سار عليه الحال في الغالب. مقابل الثقة التي منحها العميد للبروفسيرأحمد عبدالمجيد فتح الاخير قلبه للعميد والأحفاد و قابل ذلك بوفاء مدهش . فلمدة ربع قرن 1968-1993 كان أحمد عبدالمجيد يقوم بالتدريس في الاحفاد دون مقابل ، و على وجه الدقة كان قد وجه بالتبرع بمرتبه لمساعدة طالبات المناطق الطرفية من الجنوب و دارفور و الشرق شريطة عدم ذكرإسمه ، و ذلك نبل منه قليل المثال، جزاه الله كل الخير على ما قدم "من سكات". ومنذ عام 1993 ظل البرفسير أحمد عبد المجيد يقوم بالتدريس في كلية ثم جامعة الاحفاد للبنات حتي الان 2020 ولذلك قصة صغيرة. في ذلك العام استقال البروفسير عبدالمجيد من جامعة الخرطوم بسبب فصل اربعة من الاستاذة وبسبب تدخل قوات الامن داخل الحرم الجامعي ومعاملة الطلاب بفظاظة غير مسبوقة. سمع العميد بالاستقالة فاستدعاه في اليوم التالي وقال له لقد تم تعيينك مند الامس في الاحفاد بمرتبك وامتيازاتك في جامعة الخرطوم بما فيها المنزل. نعود الي موضوع "من مافي" . عندما قابل أحمد عبدالمجيد العميد يوسف بدري أول مرة عام 1957في مكتبه ، وجد مقابل كرسي الخيزران الذي يجلس عليه كراسي الضيوف في الجزء المقابل عبارة عن صندوقين (للشاي الفلت) مقلوبات – عادةً يستقبل بها اصحاب الدكاكين بعض زبائنهم. و عندما طلب إعارته من جامعة الخرطوم بعد عدة سنوات وجد نفس الصناديق في إنتظاره للجلوس عليها ، ثم سأل عن مكتبه قأقتاده العميد من يده إلى أحد فصول المدرسة الثانوية بأدراجها الخضراء و قال له "إختار ما تشاء و إبتسم". طوبة طوبة تم إنشاء كلية الأحفاد الجامعية للبنات بمدرسة العلوم الأسرية بثلاثة طالبات في أول سنة و في السنة الثانية لم يتقدم أحد و رغم ذلك لم يجد اليأس طريقه إلى نفس العميد. "حام الخرطوم و مدني "وأتى بعدد من الطالبات إحداهن أبنة أخته و أخرى إبنة صديقه تماماً كما بدأ بابكر بدري ببناته في رفاعة قبل أكثر من نصف قرن. تطورت الكلية إلى جامعة بها كل الكليات على وجه التقريب و "خرّجت" آلاف الطالبات من الطب حتى علم النفس ومن الإدارة حتي التنمية الريفية.بالمثابرة والنجاح انهال الدعم النوعي للكلية و الجامعة ربما لأن الداعمين لم يرو أن يوسف بدري و أبناءه قد إبتنوا العمارات الفاخرة او قاموا بتغيير منازلهم أو أثروا من الأحفاد التى كما علمت أن أرضها مسجلة بإسم الشعب السوداني. لله در العميد و البروفسير أحمد عبدالمجيد و أمثاله الذين أسهموا دون مقابل و شاركوا في بناء صرح جامعة الأحفاد للبنات العتيد. الكتيب قصة وفاء متبادل بين البروفسير أحمد عبدالمجيد والعميد يوسف بدري أفاض الأستاذ كمال الجزولي في تحليلها في مقدمته الرائعة للكتيب بما أسماه "كتابة الوفاء و وفاء الكتابة" و فيها ما فيها من كلام مثقفين (كبار كبار) مما أغناني و سهل على مهمة هذا العرض. قصة البروفسير مع العميد(الأسطورة) كما أسماه،هي نظرة من زاوية شخص واحد لمؤسسة الأحفاد. و بهذه المناسبة أرجو من الأخ البروفسير قاسم بدري مدير الجامعة الحالي أن يسعى في كتابة تاريخ إنشائها لأنها قصة تستحق أن تروى عرفاناً بدور كل من ساهم في بناء هذا الصرح . كما أتمنى أن يقبل أولئك المساهمة بالكتابة عن تجاربهم كما ساهموا بالعمل في الاحفاد وهي في طور الانشاء دون شعور بالمن عليها أو على الشعب السوداني. من ناحية أخرى أهمية كتابة تاريخ جامعة الأحفاد للبنات تأتي من أنها تختلف عن أي جامعة أخري معاصرة خاصة الجامعات "البروس" التي قامت في فترة الإنقاذ.