يا أهل الفتوى خذوا العبره من مالك
بسم الله الرحمن الرحيم
ظهرت في هذا الزمان فتاوى وصلت بأصحابها حد التكفير وهذا أمر بالغ الخطورة ينبغي أن نقف عنده طويلاً ، لأننا في زمن لانعرف من الذى حقت له الفتاوى وهل أى عالم من علماء الاسلام تحق له الفتوى أم للذى يفتي شروط علمية يجب أن تنطبق على المفتي وهذا بالطبع دور العلماء الذين كان من المفترض ان يضعوا حداً للذى يحدث الآن وهذا من صميم عملهم في توجية دفة الأمه ، أما أن يلزموا الصمت حيال ما يحدث فهذا وضع غير طبيعي ، وأنا أطالع احدى الكتب التى تحمل بين ثناياها عبر ودروس أخذت منها درساً حدث لمالك بن أنس صاحب الموطأ وجميعنا نعرفه جيداً تمعن معي ما حدث . في ابتداء خلافة أبي جعفر المنصور حصلت فتنة في المدينة، فبعث إليها ابن عمه جعفر بن سليمان بن العباس ليسكن هيجتها ويجدِّد بيعة أهلها، فقدمها، وهو عازم على أخذ المخالفين بالشدة، وكان الإمام مالك بن أنس قد بلغ من العلم والوجاهة والنُّبْل ما أثار حفيظة ذوي الحسد وسعيهم للنيل منه.فدسُّوا إلى جعفر بن سليمان مَن قال له: إن مالكًا يفتي الناس بأن أيمان البيعة لا تحل ولا تلزمهم؛ لمخالفتك واستكراهك إياهم عليها، وزعموا أنه يفتي بذلك أهل المدينة أجمعين؛ لحديث رواه عن النبي قال: ((رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه)) ، فعظُم ذلك على جعفر واشتدَّ عليه، وخاف أن ينحل عليه ما أبرم من بيعة أهل المدينة، فأراد أن يبطش به، فحذَّره بعض الناس من ذلك؛ نظرًا لمنزلة مالك عند أمير المؤمنين وكرامته عنده، فدسَّ إليه جعفر بعض مَن لم يكن مالك يخشى أن يؤتَى من قِبَلِه، فسأله عن الأيمان في البيعة فأفتاه مالك بذلك، فلم يشعر مالك إلا ورسول جعفر بن سليمان قد جاءه لإحضاره لدى جعفر فأتوا به إليه بعد إهانته، فأمر به فضُرِب سبعين سوطًا سببت له آلامًا بليغة، حتى صار لا يقوى على رفع يديه في الصلاة ويسدِلها، ولما علم أبو جعفر بذلك أبدى استنكاره وعزل جعفر بن سليمان، وأمر أن يؤتَى به إلى بغداد على قتب، وولى مكانه رجلاً من قريش من بني مخزوم فيه عقل ودين وحزم وذكاء.وكتب أبو جعفر إلى مالك بن أنس ليقدم عليه في بغداد فاعتذر مالك من ذلك، فكتب إليه أبو جعفر أن وافني بالموسم القابل - إن شاء الله - فإني خارج إلى الموسم.وفي سنة ثلاث وستين ومائة التقى مالكٌ بأبي جعفر فأكرمه إكرامًا شديدًا وأجلسه إلى جانبه ملاصقًا له، واعتذر له عمَّا فعل به جعفر بن سليمان، وأقسم بالله أنه لم يأمر بذلك ولا رضيه، وأنه منذ أن بلغه ما صنعه جعفر عزله وأهانه، وسيعاقبه أضعاف ما نال مالكًا منه وقال أبو جعفر لمالك: يا أبا عبدالله لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، وقال مالك: إنه قد عفا عن جعفر؛ لقرابته من رسول الله ومن أمير المؤمنين، فقال أبو جعفر: وأنت فعفا الله عنك ووصلك، وطلب منه أن يكتب كتابًا يدوِّن فيه العلم قصدًا بين شدائد عبدالله بن عمر ورخص ابن عباس، وليتحرَّ ما اجتمع عليه الأئمة والصحابة؛ ليحمل الناس عليها ويبثها في الأمصار، وتحدَّثا طويلاً ثم استأذن مالك في الانصراف فأمر له المنصور بألف دينار عينًا ذهبًا وكسوة عظيمة، وأمر لابن الإمام مالك بألف دينار ،وقال مالك بن أنس: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه فحدثته، وسألني فأجبته فقال: إني قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها - يعني: "الموطأ" - فتنسخ نسخًا، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمُرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدوها إلى غيرها، ويدعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحدَث، فإني رأيت أصل هذا العمل رواية أهل المدينة وعلمهم، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخَذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به، من اختلاف الناس أصحاب رسول الله وإنَّ ردَّهم عمَّا اعتقدوه شديد، فدعِ الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم، فقال: لعمري لو طاوعني على ذلك لأمرت به. انظروا ماذا فعل مالك وهو صاحب الفتوى وصلها بعلمه ، أيها العلماء أفتوا بعلم واقفوا من الحق واسعوا لنشر العدل هذا أوفي وأحق بكم عمله وأن لم تستطيعوا ذلك اتركوا العباد لخالقها له وحده يعلم سرها وجهرها ، والله المستعان.
Elfatih Eidris [eidris2008@gmail.com]