نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى إن الحياة بسحرها نغمٌ ونحن لها صدى منْ مات فيه جمالها فمقامه فيها سدى
إدريس جمّاع
(1) يعاني الشباب من الجنسين كافة أشكال العنت والسجن والتعذيب والقتل بدم بارد ،ولا إحساس لدى أصحاب السلطان عندما بأنهم ينتزعون حقاً، وفّرته الشرائع والعرف الإنساني الذي تطورت البشرية وهي تنتهجه في مسلكها وقوانينها، وفي رحابه وصار القتل والتعذيب والاغتصاب، فعل مستهجن ، يستوجب محاكمة أصحابه. لم يعد حتى الإزراء بالآخرين إلا فعل يستوجب التجريم ومن ثمة المحاكمة. فما بالك بسفح دماء من يتظاهرون وسحلهم بالسيارات الأمنية، والجميع ينكر أن الفعل من أجهزة التنظيم، السرية التي لها إمكانات وتسليح ، تغير به ملبسها ، وتبدو كالقوات النظامية. فمنْ يوقف هذه الفوضى، وهذا الهرج؟
إنه من المُضحك المُبكي أن يتذرع رئيس النظام الشيطاني ، بأنه سيحتكم إلى الانتخابات!؟
ألم يقود انقلاباً عسكرياُ ضد الديمقراطية والدستور في 30 يونيو 1989.
ألم يؤيد الانقلاب ضد "غرباتشوف" في الاتحاد السوفيتي ؟. ثم انقلب الأمر، وباءوا بعارهم، وابتلعوا في تاريخهم: أمريكا روسيا قد دنا عذابهم!!
(2) ألا يوجد من القوات النظامية منْ يقول رأياً واضحاً في الظلم؟ أليس هنالك جهة واحدة توقف بطش الشياطين البشرية؟ لم يعد رفض الأوامر بالقتل تُجدي، ولم تعد الاستقالات تخلّص النفس من أوزارها. عرفنا أن تنظيم الإخوان المسلمين، لم يختار خلال أعوام حكمه الثلاثين، إلا المنضوية تحت لوائهم أو الذين مروا عبر ترشيحات التنظيم. ونحن نعلم أن الضمائر بعضها، حي يلتهب ولا يرضى الظلم. إن عجلة إدارة الدولة بتمكين أهل التنظيم وأبنائهم وبناتهم، لن تمنع أن يكون للحق نصراء، وأن الباطل وإن طال إلا وعلى آلة حدباء محمول.
(3) إن التجربة أثبتت أن تنظيم الشياطين البشرية، يحتاج لقوة تنتزع القرار من الباطل، وتقف مع الحق الظاهر للعيان. لا يحتاج الأمر إلى نزاع نفس أو التباس حق، فقد تبين عُهر النظام وأن رجالاته قد فقدوا الاحساس بالبشرية، فهم بحق لا ينتمون للشعب السوداني. لقد انتشر التنظيم وبسط سلطته على الأذهان، وحوّل جيناتها بعامل المتابعة الأمنية، وغياب الفعل الناقد، إلى إضرار بالجينات الوراثية. وخلق أفراداً لا يعرفون إلا عبادة التنظيم، ولا ينتهجون إلا السيطرة وإقصاء الآخرين ، والقضاء عليهم. أرادوا أن يمحوا الأجيال كلها، ويعيدون هيكلة أبناء وبنات الشعب السوداني من جديد. يريدون أن ينشأ الشعب على أسسهم. وصلوا إلى سدة الحكم، وظنوا أن الأمر هينٌ : ( رب ..رب .. رب )، كما قال أحد جهلائهم.
(4) نعلم أنهم قد اشتروا الانتهازيين بالمال، وهم يظنون أن المال كل شيء. فهم يقتسمون الأموال بلا وجه حق ، ويقسمونه مناصفة بين أتباعهم والتنظيم الجهنمي. فصار التنظيم أغني بالفساد والرشوة، علاوة على البترول والذهب، ونقلوا مال السرقة لجزر في العالم بعيدة، كي يفروا به ، ويتركون الشعب لديونه! أليس من رجل يتمتع بذرة من رشد وعقلانية، ويعلم أن لكل ظلم نهاية، وأن المجرمين الذين لم يظلمهم هذا الشعب، قد أذاقوه طعام الحنظل ،وأن هذا يكفي؟ لقد جرب التنظيم كل ما جربته الجهالة العمياء، في إدارة الدولة لمصلحتهم، دون إحساس بالذنب، ويقتلون ببشاعة أبناء وبنات الشعب السوداني، بل يسحلونهم في الطرقات، بدون إحساس إنساني بأنهم فعلوا شيئاً. أليس غريباً على تاريخ الذين يتحدثون باسم السودان، أن يصبحوا ورقة الاستخبارات الأجنبية الرابحة، يعرضون عليهم النجاة من المقصلة، مقابل دفع الثمن، ولما يزالوا يدفعون الأثمان الغالية، بما فيها توسيط الإسرائيليين لفك الحصار الذي تسببوا هم فيه عام 1997! لما يزالوا يجهرون بأنهم مستهدفون لتمسكهم بدينهم. وهم يعلمون أن ورقة الدين قد حرقوها في سعيهم إلى السلطة، وباعوا آخرتهم ببيع بخس. في عزّ سلطانهم الجائر، جاءوا بشعار : (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع). عجبت لمنْ هو عالم باللسان، جاهل بالقلب، وعجبت لمنْ يشتغل بعيوب الناس، وهو غافل عن عيوب نفسه. ثم صاروا يأكلون أموال اليتامى ويأكلون إدرار السلطان ويأخذون الرشى والأموال بالباطل. وهدموا كل صناعة ومحقوا كل زراعة، وصاروا يستجدون صحن التسول على كل ما يمتد إليه بصرهم. بعد أن باعوا الأرض وما عليها ، من أجل مغانم السُحت، التي لا تروي ظمأ ولا تمنع جرف هار، أن يسقطوا فيه. وأفلت نجوم السلطان، ونُزع عنهم الملك أو كاد.
(5) تناسل فئران السلطة وداعميها، ورأيتهم يقفزون عن السفينة الغارقة، ينكرون قتل الشباب أول أمرهم، ثم الاقرار بالفشل والظلم. وحال التنظيم بثنيهم بالقوة والمال. وهم يرجفون من سوء المصير، ووضوح الحق اللجلاج، وأفول الباطل وانزوائه إلى المصير المحتوم. قل لمنْ اغتنى بمال السرقة، إنه لن يُشفى من مرض الضعة والخور، إلا النهوض على الجرائم بالحق. من اشترى دنياه بآخرته، فقد باء بحمل ثقيل. لن تقدر على الباطل نفسه، وقد أجلت نظرها في مرواد الصلابة، فرأت الحق أنصع.