حبل الكذب قصير يا كيزان: لم يعلن تجمع المهنيين عن قيادته!
يبدو أنّ صناعة الكذب وتبريره من صميم ثقافة تربية الأخ المسلم. فالدولة قامت على كذبة بلقاء حين قال مؤسس جبهة الميثاق الإسلامي (مؤخراً المؤتمر الوطني ثم الشعبي)- حين قال الدكتور الترابي لرئيس زمن الحيرة حيث أفصح عبر تسجيلاته الأخيرة بأنه قابله لأول مرة- حين قال له : سأذهب أنا إلى السجن حبيساً وتذهب أنت إلى القصر رئيساً ..وكان ذلك قبل 24 ساعة من إنقلابهم المشئوم في 30 يونيو 1989!! بمعنى آخر دعنا نكذب على شعب بأكمله حتى تمر العاصفة ! ويأتي ضابط غرب النوير ليقرأ بيانه الإنقلابي الأول على نظام ديموقراطي وليقول لشعب السودان بأنهم – أي الضباط الذين قاموا بالإنقلاب العسكري – لا ينتمون لأي حزب سياسي. وأنّ مهمتهم فقط إنقاذ البلاد من الخطر الماحق بها سياسياً وأمنياً. وأنهم جاءوا ليقيموا علاقات حسن جوار وعلاقات خارجية متوازنة تخدم مصلحة البلاد والشعب!! هكذا يكذبون وبمنتهى البساطة!
لن أمضي أكثر من هذا في تلخيص بيان الإنقلابي عمر البشير – الوجه العسكري لحركة الأخوان المسلمين في السودان والتي تريد التنصل منه اليوم. بل إنّ التنظيم العالمي للأخوان المسلمين اليوم يعيش حالة من الحيرة يصعب وصفها فيما يتعلق "بالمجابدة" في بقاء شيء من نظام غرسوه بقوة السلاح في تربة السودان لمدى ثلاثين سنة ، وإما هبت رياح ثورة 19 ديسمبر المباركة لتقتلعه من جذوره ، أعطوا عسكر التنظيم ظهر المجن . يبدو ذلك واضحاً في الصراع بين بعض فضائياتهم ومحاولة إلتفافها تارة على الشارع السوداني بالتقليل من خطورته على اقتلاع النظام وبين تعرية "النظام العسكري" وفضحه. وكأنّ هذا النظام العسكري لا يمت لهم بصلة.. وكأنهم ليسوا صانعي لعبة (عسكر وحرامية) التي مكنوا لها في السودان لثلاثين سنة حتى يزرعوا دولتهم غصباً عن شعب تربوا في حضنه ونعموا من خيراته ، ثم انقضوا عليه ليذيقوه الأمرّين وليشعلوا بين بنيه الحروب والدمار حتى صار الموت والإغتصاب والمعتقلات التي أوقعوها بالأحرار والحرائر في بلادنا خبراً لا يلفت الإنتباه.
كل هذا الذي ذكرت أعلاه تقدمة طويلة لمقال أرجو صادقاً أن يكون قصيراً. ومقالي يتعلق بالصداع النصفي الذي أصيب به النظام الإسلاموي المنهار جراء النجاح الكبير الذي حققه بصفة خاصة "تجمع المهنيين السودانيين" وحلفاؤه من الأحزاب الوطنية السودانية ومنظمات المجتمع المدني والحركات المسلحة السودانية وهم يقودون الشارع الثائر سلمياً منذ نهاية ديسمبر 2018 حتى لحظة كتابة هذه السطور. وإذا كانت الأحزاب الوطنية رغم بلائها والنقابات الوطنية قد تعرضت لبطش النظام الفاشي طيلة الثلاثين سنة الماضية، وقد عمل النظام بكل السبل على تفتيتها وخلق كيانات وأحزاب كرتونية مكانها ، ليفعل بها ما يشاء في تزوير أرادة شعبنا وسرقة مقدراته وثرواته ، نقول إذا كان النظام قد نجح في كسر شوكة الأحزاب الوطنية بحبس كوادرها ومصادرة حقها المشروع في بناء هذا الوطن ، فقد طلع له من وسط زحام الشارع الثائر (عفريت) إحتار في أن يرى هيئته ويشم رائحته .. فقط سمع ويسمع كل يوم باسمه ..الإسم الذي خلق الرعب الحقيقي في جوف نظام كان يحسب أنه وحده يلبس طاقية الإخفاء. أما غيره فلا معرفة لهم بحيل الإخفاء ولعبة صناعة ثورات الشعوب في عصر صار بفعل ثورة تقنية المعلومات قرية يسهل عبورها من أدناها إلى أقصاها في جزء من الثانية. العفريت الذي حار نظام الأخوان المسلمين في رؤية شكله رغم سماعهم صوته وتوجعهم من ضرباته المؤلمة كل يوم هو (تجمع المهنيين السودانيين) الذي قاد مع شبابنا ثورة 19 ديسمبر المباركة – ثورة تحرير المدن بل وتحرير وطننا من هذا الكابوس الذي جثم على صدورنا ثلاثين عاماً وفعل من الخراب والدمار بوطننا ما فعل.
حاول النظام وأعوانه أن يقولوا للناس حين يقومون بالتمويه وصناعة الأخبار الكاذبة، بأن تجمع المهنيين كشف أخيرا عن قيادته. ومنذ البارحة كان هناك خبر حائم في واتساب بأن تجمع المهنيين السودانيين أخيرا قد قام بتسمية المرحوم (عبد الله محمد جبارة ) - وهوسفير سابق توفي قبل أكثر من عشر سنوات - رئيساً لتجمع المهنيين السودانيين. ولكي تنطلي الكذبة على الناس جاءوا بسيرة العالم الإقتصادي النظيف عبد الله حمدوك ونسبوها بحذافيرها للسفير المرحوم " عبد الله محمد جبارة"، الذي قضى جل حياته دبلوماسياً شريفاً يرتقي سلم الوظيفة بكفاءة حتى أقالوه في آخر سنوات حياته وهو بدرجة سفير.
قلت في صدر مقالي هذا بأن صناعة الكذب تحت فرية (فقه التقية) أو (فقه الضرورة) جزء أصيل في ثقافة الأخ المسلم ، يمارسها حتى وهو مشرف على الموت – كما يحدث لنظامهم الآن! وقلت في صدر مقالي أنني لن أطيل .
يود كاتب هذه السطور أن يقول الآتي لأبناء وبنات شعبنا:
* أنْ لا قوة في الأرض تعيد خطوات ثورة شعبنا العملاقة إلى الخلف. وأنّ سقوط هذا النظام صار حقيقة لا يشك في حدوثها إلا موهوم.
* أما أن يكشف تجمع المهنيين السودانيين عن قيادته أو أن يخبِّئها وراء حيله وخططه الناجحة فذاك أمر يعود للقيادة ولثورة الشباب التي حيرت دولاً وأمماً من حولنا. فالثورات الكبرى مثل العاصفة التي يعرف الناس أولها لكن يصعب التكهن بانقضاء أجلها. لكنها - أي العاصفة – تقوم بعملها تماماً دون إذن من أحد. وربان السفينة الماهر يعرف كيف يقود السفينة وسط العواصف والأنواء بكل ثقة.
* وأخيرا فإن من زعموا بأنه رئيس تجمع المهنيين وهو السفير المرحوم عبد الله محمد جبارة ، ونسبوا له دون حياء السيرة الذاتية للدكتور عبد الله حمدوك.. هذه الفبركة تتسق مع خيالهم المريض. وقد ضحكت وأنا أستوثق من الدكتور حمدوك إن كان هنالك شخص بنفس هذه السيرة الذاتية ، فجاءني رد حمدوك هادئا وساخرا كشخصيته الدبلوماسية الوقور – وأستأذنه في نقله: (صباح الخير عزيزي فضيلي، وأتمنى أن تكونوا بخير . دا شغل جداد الكتروني. تحياتي)!
هل غريب إذن أن تقوم جماعة بتدمير هذا الوطن أكثر مما شهدنا وهي تتقن فن صناعة الكذب كجزء
أصيل من فكرها وتربية عضويتها؟
لكن حبل الكذب دائماً قصير كما يقول مثلنا السوداني !
لندن في 6/3/2019
fjamma16@yahoo.com