قد نعلم ان تاريخ السودان الحديث بحدوده الجغرافية منذ ١٨٢٠ م قد ارتبط بالنزاع ومن بعد العنف الموجه والموءجج حول مصادر الثروة الطبيعية المتجددة وهى المياه والأرض - من المعادن المختلفة - والبشر - من الرجال تحديدا- للجندية والعبودية . وظللنا طوال قرون اسرى هذه الحالة ولا نزال بل وتصاعدت وتيرة الصراع والعنف ليس بين أطراف المكونات الداخلية فحسب بل الأطراف الخارجية كما فى الماضي و هده المرة ايضا كما وقع قبلا مع اختلافات يسيرة بسبب صعود قوى إقليمية شديدة الجدة كما هو حال المملكة العربية السعودية المسكونة بالهاجس الفارسي او دولة الإمارات العربية المتحدة التى تبحث عن أسواق ربما او هى تخشى (ود امبعلو) الإيراني ايضا ؟ ومن الواضح فان كل الرقعة الجغرافية من حولنا والتى تقع فيها بلادنا ظلت منذ فترة طويلة تتعرض لحالة احتقان انفجارى على كل الأصعدة وصلت الى ذروتها وستبدأ مرحلة تفريغ الضغط فى المنطقة الأضعف والأكثر سخونة Hot Spot وهى السودان . وعلى نحو متطابق كما وقع فى لبنان فى السبعينيات من القرن الماضي وسوريا حتى تاريخه . وتواجه بلادنا خطر ان تكون بمثابة الأرض الخراب التى تصفى فيها قوى إقليمية حساباتها وخصوماتها التاريخية - الدينية والسياسية . ومن اسف فقد بدانا المشاركة طوعا او كرها فى حراثة الأرض ورمى البذور وقريبا ربما نحصد الثمر المر إذا لم نتدارك امرنا.
الثالثة ثابتة كما يقرر القول المأثور وكما فى اكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥ فقد جرى تسليم وتسلم السلطة الى نفس النظام مع اختلاف المسميات والوجوه . الحبكة هذه المرة مختلفة وجرى الإعداد لها جيدا ومنذ وقت طويل وخلافا لما يعتقد البعض فان اكبر الرابحين من الثورة السودانية ٢٠١٩م هو الحركة الإسلامية السودانية فبضربة واحدة جرى التخلص من الرئيس عمر البشير الدى تحول مع قضية المحكمة الجنائية الدولية والفشل فى الحكم وغياب الكفاءة واستشراء الفساد الى عبء لا يمكن التعامل معه الى درجة ان تكلفة بقاءه افدح بكثير من رحيله . وتبدت من بعد سقوط البشير سواءة الأحزاب السياسية التقليدية التى لا تمتلك اى روءية او برنامج تمضى بهما نحو المستقبل . والأهم نزع فتيل قنبلة قوات الدعم السريع التى تحولت الى قوة ضاربة تتفوق على الجيش الرسمي -عدا أسلحة الطيران والمدفعية والمدرعات-مع تشكيلات قوات هيئة الإمدادات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات واهم من ذلك كله بداية تدارك الإسلاميين الملتزمين حركيا خاصة لعطب المرجعية الفكرية المركزية التى أوصلتهم الى هذا الطريق المسدود ( انظر لقاء صحافى مع القيادي الإسلامي أحمد عبد الرحمن محمد نشرته الجريدة فى مارس من هذه السنة وتكفى العناوين البارزة فيه لترسم ملامح إفادته : ( * القصة باظت وأوصي الإسلاميين (يسردبو بس)!!
* التظاهر رسالة صادقة من الشارع والشباب!!
* اشتغلنا بتفكيك الجبهة الداخلية وفرتقنا الأحزاب بقصر نظر عجيب!!
* تعاملنا بالولاء القبلي والجهوي وهو عدم مسؤولية للقضايا الوطنية!!
* حتى لو ما في احتجاجات فأي نظام يستمر لـ30 سنة لازم يقيف ويسأل نفسو!!
* الحكومة لم تكن موفقة في خطابها وهذا أسوأ خطاب لسياسي إنقاذي!!) انتهى
وانظر ايضا مقال على عبد الرحيم على فى الشرق القطرية فبراير ٢٠١٩م ( المفارقة المزعجة في تجربة حكم الاسلاميين في السودان أن شناعة حاصل حكمهم صرفت الأنظار عن الاشكالات الجذرية في الفكرة المؤسِسة. ما هو نموذج المجتمع المسلم الذي يسعى الإسلاميون الى تحقيقه في هذا الزمن؟ ما هو تصورهم للمجتمع المسلم المثالي في عصر الدولة المدنية ما بعد الصناعة والعولمة وغزو الفضاء وهندسة الجينات واقتصاد التطبيقات والعملات الرقمية؟ ما هي الشريعة الإسلامية، والتي طالما نادى بها الإسلاميون، التي ستضبط العلاقات داخل هذا المجتمع؟ لم يزل الإسلاميون يلتفتون الى دولة المدينة بحثا عن نموذج سياسي، ولم تزل مذاهب الفقه الخمسة هي مرجع التشريع حتى الآن، ومنع الربا هو الركن الأساس لأي نظرية للاقتصاد الاسلامي، فأين هي مساهمات الاسلاميين في تطوير هذه المنظومات الفكرية لإحداث نهضة شاملة للإنسانية في القرن الحادي والعشرين؟ وفيم السعي الى الحكم ان لم يملكوا نموذجا لمجتمع بديل، الا إن كان الحكم في ذاته غاية!) انتهى
وهناك موءشرات قوية بان الإسلاميين قد استقر رأيهم على إراحة البشير لكن ذلك لم يكن ليقع من دون مواجهة أكيدة بالسلاح بين مؤيديه ومن يعارضونه. ولم يبق حينئذ سوى السيناريو ألدى شهدنا رغم انفساح أفق سماء خياراته بسبب سيولة مشهده البائنة ورغم ذلك فهو خيار الشعب ولذا فهو الأنسب والأكمل والسياسة كما يقال هى فن الممكن. وكما يقال ايضا فان الثورة هى مقارفة الماضي والقطيعة معه ولكن التغيير هو رفض الحاضر ووصل المستقبل الى وعد نحن السودانيين أهله وأحق به .
husselto@yahoo.com
//////////////////