عبد الله بن المقفـع إمام الأدباء والبلغـاء

 


 

صلاح محمد علي
26 December, 2019

 

 


من إرشيفي:

إبن المقفع هو أبو محمد عبد الله ( 724 م - 759 م ) مؤلف وكاتب من البصرة تقول بعض المصادر أن والده كان من أصل فارسي درس الفارسية و تعلم العربية و اشتهر بالبلاغة و حسن العبارة في كتابة رسائل النثر . كان ذا علم واسع و عرف الثقافة الفارسية و اليونانية و الهندية . في ظل الدولة العباسية اتصل بعيسى بن علي عم المنصور وظل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة . قتل إبن المقفع و هو في مقتبل العمر لم يتجاوز السادسة و الثلاثين في الأوج وبيده لواء البلاغة و الفصاحة إلاّ أنه ترك من الآثار ما يشهد على سعة عقله و عبقريته و أنه صاحب المدرسة الرائدة في النثر . اشتهر إبن المقفع بكتابه ( كليلة و دمنة ) الذي أتى به من بلاد الهند برزويه الطبيب بطلب من ملك الفرس كسرى أنوشروان الذي كان مهتماً بالعلم و الأدب و النظر في أخبـار الأوائـل فتلطف برزويه حتى أخرجه من بلاد الهنـد وأقـره في خزائـن فارس بعد ترجمته للفارسية .

نظر إبن المقفع في كتاب ( كليلة و دمنة ) الذي ألفه بيدبا الفيلسوف لملك الهند دبشليم وأجرى فيه المواعظ و الحكم على ألسنة البهائم و الطير في حكايات قصيرة مسليّة تتصل واحدتها بالأخرى فأعجبه فقام بترجمته من الفارسية للعربية.
سمعت بكتاب ( كليلة و دمنة ) و قرأت بعضاً منه أيام الطلب.. إلاّ أنني لم أقف على كتاباته الأخرى حتى وقع في يدي كتاب ( آثار ابن المقفع ) الذي ضم أنفـس آثاره : كتابيْ ( الأدب الكبير ) و ( الأدب الصغير ) الأول عن السلطان و علاقته بالرعيّة و الثاني حول تهذيب النفس و ترويضها على الأعمال الصالحة – فضلاً عن رسالته في الصحابة ، و الدرة اليتيمة ( التي هي قريبـة الشبه ببتـراء زياد بن أبيه من حيث البلاغـة و حسن السبك ) .
ومما قيل في الدرة أنها:( من الرسائل المفردات اللواتي لا نظير لها وهي من أركان البلاغة ومنها استقى البلغاء لأنها نهاية في المختار من الكلام و حسن التأليف و النظام والناس جميعاً مجمعون أنه لم يعبر أحد عن مثلها و لا تقدمها من الكلام شئ قبلها ) .
و تضم آثاره كذلك رسائله لإخوانه في مناسبات مختلفة ، أكثرها في التعزية في فقد الأبناء و البنات و الأقارب ، ضمّنها اقتباسات من القرآن و الأحاديث النبويّة بجانب مآثر العرب و ما عنّ له من أقوال ذات أثر في النفس البشرية من حِـكم فلاسفة الفرس و اليونان.
الأرجح في أسباب مقتله هو المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ليوقع عليه أبو جعفر المنصور أماناً لعمه عبد الله بن علي و يقال أن إبن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده .. فممّا جاء في كتاب الأمان :
( إذا أخل المنصور بشرط من شروط الأمان كانت نساؤه طوالق وكان الناس في حلّ من بيعته ) !
من ومضـات إبن المقفـع :-
• من ورع الرجل ألاّ يقول ما لا يعلم ومن الإرب أن يتثبت فيما يعلم .
• من أفضل أعمال البر الصدق في الغضب و الجود في العسرة والعفو عند المقدرة و رأس الذنوب الكذب .
• لا يعجبنّك إكرام من يكرمك لمنزلة أو سلطان فإن السلطان أوشك أمور الدنيّا زوالاً - ولا يعجبنّك إكرامهم إيّاك للنسب فإن الأنساب أقل مناقب الخير غِناءاً عن أهلها في الدين و الدنيا .
• الدين أفضل المواهب التي وصلت من الله تعالى إلى خلقه و أعظمها منفعة و أحمدها حكمة - فقد بلغ فضل الدين و الحكمة أن مُدحا على ألسنة الجُهال على جهالتهم بهما و عماهم عنهما .
• ليس في الدنيا سرور يعدل صحبة الإخوان و لا فيها غم يعدل غم فقدهم .
• لا يستخف ذو العقل بأحد . وأحق من لا يستخف به ثلاثة الأتقياء والولاة والإخوان : فإنه من استخف بالأتقياء أهلك دينه ، و من استخف بالولاة أهلك دنياه ، و من استخف بالإخوان أهلك مرؤته
• . خمسة أشياء ليس لها ثبات ولا بقاء : ظل الغمامة ، وخلة الأشرار( أي صداقتهم ) ، و عشق النساء ، و النبأ الكاذب ، و المال الكثيـر .
• ستة أشياء إذا كن في المرأة كانت أهلاً أن يُحزن عليها : إذا كانت عفيفة ، كريمة الحسب و النسب ، عاقلة ، جميلة ، موافقة لزوجها محبة له .
• ليس خلة هي للغني مدح إلا و هي للفقير عيب : فإن كان شجاعاً سُمّي أهوج ، و إن كان جواداً سُمّي مفسداً ، و إن كان حليماً سُمّي ضعيفاً ، و إن كان وقوراً سُمّي بليداً ، و إن كان لسِناً سُمّي مهذاراً ، و إن كان صموتاً سُمّي عيّياً .
• على العاقل أن يذكر الموت في كل يوم و ليلة ذكراً يباشر به القلوب و يقذع الطماح : فإن كثرة ذكر الموت عصمة من الشر و أماناً من الهلع .

من أطرف ما وجدت في أقاصيص كليلة و دِمنة :-

زعموا أنه بأرض كذا تاجر أراد الخروج لبعض الوجوه و كان عنده مائة رطل من الحديد فأودعها رجلاً من إخوانه . ثم قدِم بعد مدة و التمس الحديد فقال له الرجل قد أكلته الجرذان .
قال التاجر : قد سمعت أن لا شئ أقطع من أنيابها للحديد . ففرح الرجل بتصديقه على ما ادعى .
ثم أن التاجر خرج فوجد إبناً للرجل فأخذه و ذهب به إلى داره . ثم رجع له الرجل من الغد يسأله : هل عندك علم من إبني ؟
فقال له التاجر إني لما خرجت من عندك بالأمس رأيت بازياً قد اختطف صبياً صفته كذا و كذا و لعله إبنك .
فلطم الرجل رأسه و قال : يا قوم هل سمعتم أن البزاة تختطف الصبيان ؟! فقال : نعم . و إن أرضاً تأكل جرذانها مائة رطل من الحديد ليس بمستنكر أن تختطف بزاتها الفيلة !

*******


abasalah45@gmail.com

 

آراء