في أصل كلمة corona ولماذا يجب أن تكتب كرونة وليست كورونا
كلمة corona إغريقية (يونانية) قديمة وتعني التاج أو الإكليل، وقد دخلت الكلمة اللغات الأوربية الأخرى وجاءت منها كلمة crown الإنجليزية. وينسب إليها فيقال coronary أي تاجي إذا كان يشبه في صورته وشكله التاج. ومنها الاسم أو المصدر coronation بمعنى تتويج أو تنصيب الملك وإلباسه التاج.
ثم استعيرت الكلمة في عدد من العلوم وضروب المعرفة للتعبير مجازياً عن أشياء تشبه في شكلها التاج وذلك في علم الفلك وعلم التشريح وعلم النبات وعلم الأمراض. ففي علم الفلك corona هي الهالة أو الدارة الضوئية التي تحيط بالشمس والقمر وبقية الأفلاك. وكل ظرف أو وعاء دائري يحتوي أجزاء مثل عظام الجمجة أو (كرونة) العربية (السيارة) يسمى كذلك.
وفي علم التشريح هناك الشريان التاجي coronal artery وفي علم النبات هناك إكليل الزهرة أي شكلها الداخلي المتفتح الذي يشبه الإكليل وينبت فيه البرعم. وفي علم الأمراض هناك فصيلة من الفيروسات تسمى coronavirus كون الفيروس يشبه في صورته المجهرية التاج أو الإكليل وهو الذي تسبب نوع منه covid-19 في الجائحة التي تجتاح العالم هذه الأيام.
مع ملاحظة أن المصطلح coronavirus قديم ومعروف قبل ظهور هذا المرض فقد وجدته مثلا بطبعة معجم إكسفورد للغة الإنجليزية لسنة 1999 غير أن الاسم لم يعرف خارج دوائر الاختصاص إلا بعد انتشار الوباء هذا العام.
ولأن نقل الأخبار والمعلومات العالمية إلى اللغة العربية يجري سريعا ومتزامنا مع الأحداث من غير تدبر ومراعاة لقواعد تعريب الكلمات الأجنبية arabization، فقد كتب الاسم الأجنبي للفيروس corona في الصحف ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي العربية هكذا: "كورونا". ثم شاعت هذه الصيغة حتى صارت صيغة الهجاء والكتابة السائدة الآن في العربية. وهذا خطأ مزدوج: فهو أولاً خطأ من حيث التهجئة والنطق السليم للكلمة الأجنبية ذاتها، وهو ثانياً خطأ من حيث الطريقة الصحيحة لتعريب وتصريف الكلمات الأجنبية وتوطينها في العربية.
فالحرف الثاني في الكلمة وهو الحرف o لا ينطق واواً في اللسان الأوربي (الإنجليزي)، وإنما يلفظ حركة مد قصيرة وهي التي تسمى في اللغة العربية الفتحة. ولذا فإن المقطع الأول من الكلمة co ينطق (كَ) كافاً مفتوحة من غير حرف الواو لأن الفتحة قامت مقامه.
أما الحرف a في آخر الكلمة فهو علامة التأنيث في اللغة الإغريقية. وهو يقابل تاء التأنيث في العربية. ومن الأمثلة على ذلك في الإغريقية الاسم المؤنث Athena فأثينا (أثينة) هي إلهة goddess الحرب والحكمة عند قدماء الإغريق. وكذلك كلمات مثل: victima ضحية، poema قصيدة، problema مشكلة إلخ.. (مع ملاحظة أن بعض الكلمات الدالة على المذكر في العربية واللغات الأخرى، نجدها مؤنثة في الإغريقية مثل كلمة corona تاج).
هذا، وصوت الحرف a في آخر الكلمة مماثل لنطق صوت تاء التانيث العربية حينما تنطق بها هاءً. فالمعروف أن تاء التأنيث في العربية تنطق هاءً إذا وقفتَ عليها ولم تصل أي سكتَّ ولم تنطق بعدها حرفاً أو كلمة. ولكن إذا وصلتها بما يليها فإنك تنطقها تاءً. وذلك في مثل كلمتي: رحمة ونعمة، حيث أنه إذا نطقت كل كلمة لوحدها وسكت، لفظت تاء التأنيث فيهما هاءً (رحمه ونعمه) ولذلك سميت هذه الهاء (هاء السكت)، ولكنك إذا قلت مثلا: رحمة ربك أو نعمة ربك، فإن الهاء تنطق تاءً. ولذلك تجد في المصحف (رحمت ربك) مثلاً بالتاء المفتوحة.
وهكذا يتبين لنا أن تاء التأنيث في العربية أصلها هاء (وهذه الهاء هي ضمير المؤنث). والجدير بالملاحظة والتأمل هنا أن صوت هذه الهاء والحرف a في نهاية الكلمات الإغريقية والدال على التأنيث، متماثلان في النطق، فمخرجهما واحد، وهو الحلق.
وعليه فإن الحرف الأخير في كلمة corona يجب أن يكتب في العربية تاء أو هاء تأنيث (نة) وليس ألف مد (نا) لتأتي الكتابة الصحيحة للكلمة (كرونة) وليست (كورونا).
وهذا ينطبق على كل الكلمات الإفرنجية التي تنتهي بحرف a لأن جلها إن لم يكن كلها من أصل إغريقي وذلك تطبيقا لأصول التعريب وقواعد الصرف في اللغة العربية. فالاسم المؤنث Athena مثلاً كان ينبغي أن يكتب (أثينة) بتاء التأنيث وليس بألف المد، وقس على ذلك.
abusara21@gmail.com