الأستاذ محمود دعا إلى السلام العادل ولم يدعو إلى التطبيع المجاني
بصفتي مطلع على أفكار الأستاذ المفكر، محمود محمد طه، وما كتبه عن حل الصراع العربي الاسرائيلي أقول إنه لم يدعو قط إلى التسليم بسياسة الأمر الواقع التي تفرضها اسرائيل وأمريكا وإنما دعا إلى الحل السياسي في سبيل إقامة السلام العادل لكل الأطراف عن طريق التفاوض المباشر استناداً إلى قرارت الشرعية الدولية الصادرة من الأمم المتحدة.
وأنا هنا معنى فقط بالحل السياسي الذي يطرحه ويصفه بـ(الحل العاجل) ولست معنيا بالحل الديني الذي يصفه بـ(الحل الآجل) وهو الدعوة إلى الفهم الصحيح للإسلام وفق منظوره.
أترك كلمات الأستاذ محمود تتحدث على النحو الوارد بكتابه (مشكلة الشرق الأوسط) الصادر سنة 1967.
الحل السياسي:
يقول الأستاذ محمود: "على العرب أن يعلنوا للعالم على الفور أنهم، إيثارا منهم لعافية الدول، وتضحية منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة، ورعاية منهم لصالحهم هم أنفسهم:
"يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل، تحت اشراف الأمم المتحدة، (ومجلس الامن بشكل خاص) وعلى ان يكون التفاوض على أساس قراري الامم المتحدة، المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 (قرار التقسيم)، وفي الحادي عشر من ديسمبر عام 1948 (قرار إعادة اللاجئين). وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدى دخولها هيئة الامم، وقد وردت الى ذلك الالتزام الاشارة في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في الحادي عشر من شهر مايو عام 1949، وهو القرار الذي يقضي بقبولها في الهيئة، وينص ((في ديباجته على ان اسرائيل قد تعهدت باحترام التزاماتها تجاه ميثاق الامم المتحدة منذ قيامها، أي في الرابع عشر من آيار (مايو) عـام 1948، كمـا ينـص على التذكيـر بقـراري 29 تشـرين الثـاني (نوفمبر) عـام 1947 (قرار التقسيم)، والحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1948 (قرار إعادة اللاجـئيـن).)) عن كتاب ((قضايانا في الأمم المتحدة))..
وسيكون هدف المفاوضة المباشرة مع اسرائيل تحت اشراف مجلس الأمن، الآتى:-
1- انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل، والاعتراف لاسرائيل بحق البقاء في سلام، وامن. واحترام لسيادتها على أراضيها.
2- احترام حق اسرائيل في المرور البريء بالممرات المائية - خليج العقبة، وقناة السويس.
3- انسحاب القوات الاسرائيلية، والسلطات الاسرائيلية، من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل على التوالى: في حروب15 مايو عام 1948، و29 أكتوبر عام 1956، و5 يونيو عام 1967.
4- ارجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم، أثناء هذه الحروب، أو بعدها، وتعويضهم عن جميع ما تعرضوا له من خسائر. وتوطين من لا يرغبون منهم في العودة الى داخل الحدود الإسرائيلية، في الأرض الفلسطينية، التي خصصها مشروع التقسيم الأصلي للعرب، مع تعويضهم أيضا.. وهذا يعني تنفيذ مشروع التقسيم الأصلي.
5- ضمان مجلس الأمن (الامم المتحدة) لحدود الدولة العربية الجديدة، التي تنشأ نتيجة لتنفيذ مشروع التقسيم الاصلي، ولتأكيد هذا الضمان توقف، على الفور، الهجرة اليهودية الى دولة اسرائيل، وذلك لان زيادة السكان الناتجة عن استمرار الهجرة ستجعل اسرائيل مضطرة الى التوسع، وقد تصبح مهددة بذلك لامن جيرانها، وسلامة اراضيهم.
6- تأخذ هيئة الامم على دولة اسرائيل تعهدا بألا تحاول أي توسع في أرض أي من الدول العربية المجاورة لها. فاذا جرت منها أية محاولة فان مسئولية ايقافها عند حدها تقع على عاتق المنظمة الدولية، مجلس الامن والجمعية العامة.
فاذا ملك الزعماء العرب هذه الشجاعة، وهي شجاعة سيحتاجونها لمواجهة شعوبهم، (وذلك، على كل حال، أفضل من التضليل الذي يمارسونه الآن) فان موقف اسرائيل سيصبح ضعيفا.. ولكنها امام اغراء اعتراف العرب بها، وامام الرأي العام العالمي، في المنظمة وخارجها، لن تجد بدا من الموافقة". انتهى.
الاعتراف باسرائيل:
إذا قبلت اسرائيل بالحل السياسي كما سبق، فعلي العرب الاعتراف بها، يقول:
"كان، ولا يزال، اعتراف العرب باسرائيل، بالنسبة لاسرائيل أعز أمانيها، لأنه يوفر عليها حالة الخوف، والتوتر، والقلق ـ التي ارقت لياليها، وشغلت أيامها، كما يوفر عليها الجهد والمال، وهى في سبيل هذا الاعتراف يمكن أن تساوم الى حدود بعيدة لا تقف عند حد إعادة اللاجئين الى ديارهم، وتعويضهم عن ممتلكاتهم، ولا عند حد الجلاء عن الاراضى العربية التي احتلتها في 5 يونيو، وانما تذهب الى الرجوع الى الحدود التي بينها قرار التقسيم الاصلى الذي اتخذته الامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947. وهى حدود قد تخطتها اسرائيل، وتوسعت عليها عقب كل معركة من المعارك التي نشبت بينها وبين العرب منذ 15 مايو عام 1948. ولكن العرب يرفضون هذا الاعتراف بدولة اسرائيل". انتهى.
من كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) الصادر اكتوبر 1967
الكتاب متوفر بموقع (الفكرة) الإلكتروني.
abusara21@gmail.com