تعليم ذوي الإعاقة (١٠) : نحو خطة استراتيجية للتعليم الدامج
صحيفة الديمقراطي ٣١/١٢/٢٠٢٠
نختتم اليوم هذه المقالات التي استمرت على مدى شهر ديسمبر، الذي يصادف اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، متناولة قضية تعليم ذوي الإعاقة بولاية القضارف عبر المعاهد المتخصصة والتعليم الدامج.
إن القضية ليست قضية ولاية القضارف وإنما قضية كل السودان.إن التعليم هو مفتاح تغيير الدول، ولكن لو لم تصعد هذه الحقيقة إلى قمة تفكيرنا، فلن تظهر في سياساتنا التعليمية.
إن التعليم الحديث في السودان منذ نشأته في عهد الاستعمار ظل متحيزا للعاصمة الخرطوم وللمدن عموما ومهملاً الأرياف.
وإن التعليم بولاية القضارف، على سبيل المثال، ظل متحيزا لحاضرة الولاية، وإن كانت مدينة القضارف نفسها، تعاني من فوارق بين أحيائها المختلفة. ويكاد المرء يجزم أن هذا هو الواقع في كل ولايات السودان.
كما أن السياسات التعليمية ظلت على الدوام متحيزة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، وهذه هي القضية التي لا تجد اهتماما يذكر لدى المسئولين على مستوى السودان في الحكومة كانوا او المعارضة . بالرغم من أن التعليم هو حق للأشخاص ذوي الإعاقة، وهو أحد أهم طرق دمجهم، وإزالة الحواجز من أمامهم.
تبلغ نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة (4.8%) من إجمالي عدد سكان السودان حسب التعداد السكاني ٢٠٠٨. وبناء على هذه النسبة فإن عددهم الآن في السودان حوالي ٢ مليون نسمة.
والعدد في حقيقة الأمر أكثر من ذلك، إذا وضعنا في الاعتبار أن الأمم المتحدة ترى أن ما يقرب من ١٥٪ من نسبة سكان العالم يعانون من شكل من أشكال الإعاقة. وتتواجد نسبة ٨٠٪ منهم في البلدان النامية.
وإذا وضعنا في الاعتبار الحرب الأهلية التي دارت رحاها في السودان طوال عهدنا الوطني، لجزمنا أن عدد ذوي الإعاقة في السودان يفوق ال٢ مليون بكثير.
إذا افترضنا أن نسبة ذوي الإعاقة ٤.٨ ٪ من سكان السودان، فلنا أن نتوقع أن نسبة الأطفال في سن التمدرس ٤.٨ ٪ أيضا، وهؤلاء ينبغي أن يكونوا داخل المدارس إذا كانت فرص التعليم عادلة.
لكن نسبة ذوي الإعاقة في المدارس الدامجة بولاية القضارف التي بُذلت جهود وتوعية لجذب ذوي الإعاقة إليها، وأجريت فيها تدخلات لتكون أفضل، بلغت نسبتهم ٣٪ فقط، فما بالك بكل المدارس الأخرى التي لم ينادى إليها أحد، ولم تُجرى فيها أي تدخلات لتحسينها. هذا يعني أن نسبة من هم خارج التعليم من ذوي الإعاقة أكثر بكثير من نسبة غير ذوي الإعاقة.
تتضمن المادة ٣ من الوثيقة الدستورية على أن دولة السودان تقوم على المواطنة بدون تمييز على أساس الإعاقة. كما أن السودان قد صادق على الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة. فضلا عن أن الثورة رفعت شعار حرية سلام وعدالة عاليا؛ كل هذا يتطلب وضع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في سلم الأولويات. ولا شك أن التعليم هو أحد أهم هذه الأولويات.
توجد بولاية القضارف معاهد متخصصة لتعليم ذوي الإعاقة، أو مراكز عزلية، مثلها مثل كثير من المدن، كما توجد تجربة حديثة للتعليم الدامج الذي لم يجد حظا بعد في السودان، رغم أن العالم بأسره يتجه نحو التعليم الدامج.
عرفت اليونسكو التعليم الدامج بأنه تأمين وضمان حق جميع الأطفال ذوي الإعاقة في الوصول والحضور والمشاركة والنجاح في مدرستهم النظامية المحلية.
ولا شك أن التعليم الدامج هو السبيل الأمثل لحل مشكلة تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ أن مدارس التعليم العام تنتشر في معظم أنحاء الوطن ، وينتشر ذوي الإعاقة في كل الأنحاء، وعليه فالمدرسة هي أقرب مكان لتعليم ذوي الإعاقة، وستكون أنسب مكان إذا راعت وجودهم.
ومن ناحية أخرى فإن وجود ذوي الإعاقة في المدرسة يساعد على إدماجهم وترسيخ حقيقة أنهم جزء من التنوع البشري.
كانت تجربة القضارف في التعليم الدامج ممولة من الاتحاد الأوروبي بمبلغ ١٥٠ ألف دولار. عملنا على تقييمها في المقالات السابقة، ولا زلنا نسعى للتعرف على تقييم الاتحاد الأوروبي نفسه للتجربة، وتقييمها وفقا لبنود صرف منظمة تنمية المعوقين العالمية ADD ، لنعرف هل حجم التدخلات التي أجريت كان بحجم التمويل؟ هنالك شك في ذلك، إذ أن بيئة المدارس الدامجة لا تزال شديدة الرداءة.
إن الأولوية الآن هي أن يكون التعليم الدامج هو هم الدولة، قبل أن يكون هم المنظمات العالمية، وهذا يقتضي أن تضع الدولة استراتيجية واضحة للتعليم الدامج وتلتزم بها.
إن التأكيد على التعليم الدامج لا يعني إلغاء المعاهد المتخصصة، فستظل هذه المعاهد هي الخيار المفضل للكثيرين على المدى القريب. لكن انتشار المدارس الدامجة التي تراعي الأشخاص ذوي الإعاقة سيجعل الأخيرة خيارا مفضلا على المدى البعيد وربما المتوسط خاصة إذا دخلت فكرة التعليم الدامج في مركز تفكير المسئولين وتحولت إلى خطة استراتيجية.
ولا يتناقض هذا مع ضرورة الاهتمام بالمراكز المتخصصة (أو العزلية) ويمكن اتباع بعض الطرق التي تجعلها دامجة بدرجة من الدرجات. بل ينبغي تطويرها وتزويدها بالسكن الداخلي لتستوعب جزء من تلاميذ وتلميذات الأرياف.
ويجب تهيئة البيئة المدرسية لتكون دامجة وأن يتساوق ذلك مع عناصر العملية التعليمية كلها بتطوير المناهج بحيث تستوعب فكرة الدمج، وتأهيل المعلمين، وتهيئة التلاميذ عبر توعية مجتمعاتهم؛ ولن يتم كل ذلك إلا في إطار خطة استراتيجية للتعليم الدامج تلتزم بها الدولة. فهلا شرعنا في وضع هذه الخطة اليوم قبل الغد!!
gafar.khidir70@gmail.com