الحيطة العالية (١٣)

 


 

 

تطلعات البرجوازية الصغيرة الدرافورية الإنتهازية الجديدة المتجددة .. أسألوا أهل الهامش إن كنتم لا تصدقون .. أسألوهمعن حوجتهم للحيطة العالية حتى يجدوا خصوصيتهم وأمانهم .. فلسفة الحيطة العالية تكمن في أنها كفيلة بخلق الأمان الداخلي الخصوصي والجار الممتاز .. في كل الدنيا توجد حيطة بين كل بيتين والحيطة العالية تعنى ضمان الحرمة والخصوصية بصورة متساوية للجارين أي بمعنى أنها لن تفيد جار وتضر بالآخر، ولذا نجد الغباء يكمن في ذلك الجار الذي يرفض الحيطة العالية .. ونعود لتلك الهجمة العارمة من تلك البرجوازية الصغيرة المتطلعة لنعيم المناصب والمكاسب على حساب أهلهم في الهامش .. إسمعوا وأعوا أيها الناس، هؤلاء الذين ينادون بضرورة المشاركة في الثروة والسلطة هم فئة تسعى لنيل الممكن لشخوصهم بحجة أنهم هم المدافعون عن حقوق أهل الهامش في دارفور .. دعونا نفكر بعقلانية وبعيداً عن العواطف ونقبل بإتفاقية جوبا الفاشلة المعيبة ونقر بأن يتم تخصيص ٤٠٪؜ من الوظائف الدستورية والاتحادية والإقليمية للمتطلعين من أهل دارفور ولنقدرها بستة آلاف وظيفة ثم نضيف لها التعينات العسكرية حيث ٣ ألف وظيفة ضابط في الجيش، ٣ ألف وظيفة ضابط في الشرطة، ٣ ألف وظيفة ضابط في الأمن والمخابرات، على سبيل المثال .. فيكون المجموع الكلي ١٥ ألف وظيفة وهي بالطبع تتمركز في العاصمة وفي ولايات ومناطق أُخر، أغلبيتها خارج دارفور

ولكن لماذا كل هذا؟ فهذا فقط لإشباع رغبات المتطلعين من أهل الهامش الدارفوري والذين يعتبرون أنهم مستحقين لتلك القسمة، لا لسبب إلا لأنهم تفوقوا على أهلهم في دارفور بشيء من العلم والإستنارة ولذلك يجب تمكينهم من الحقوق المستردة لأهل دارفور وأن تمنح لهم نيابة عن أهل دارفور وبذلك يكون العدل قد غطى كل دارفور .. فقط ١٥ ألف هم المعنيين بعدالة تقسيم الثروة والسلطة وهم فقط المستحقون ولا عزاء للملايين الباقية من أهلهم، ولكن ماذا سيقدم هؤلاء لدارفور؟ الإجابة: لاشيء .. حقيقة الذي يريد أن يقدم لأهله يجب أن يبقى معهم بينهم ولكن حتماً ستجد الساذجين العاطفيين يعتقدون جازمين أن تقسيم الثروة والسلطة لهذه الثلة البرجوازية الضاغطة هي العدالة بعينها وهي الفعل الذي يرسخ لقومية ووحدة السودان ويزيل الغبن والمظالم وينهي الحروب ويبيد كل المعوقات التي تقف في طريق السلام بل سيخلق السلام نفسه ويحقق النماء والرخاء، وكأن أهل دارفور يكفيهم فخراً أن يتوظف فلذات أكبادهم بعيد عنهم فيكون لهم الفرح الذي يعينهم على نكاءة العيش في الأرض المحروقة .. الحذر ثم الحذر من هؤلاء لأنهم، وإن تفجرت الأوضاع في أي منطقة في دارفور، ستجدونهم يعيدون توجيه أصابع الإتهام للجلابة وستجدونهم أشد الناقدين للسلطة المركزية التي هم شركاء فيها وهكذا تتكرر السيناريوهات المحزنة

إسألوا أهل الهامش وخيروهم ما بين أن يحكمون أنفسهم بأنفسهم وبواسطة المستنيرين من أبنائهم وبناتهم، أم يتم تغريب المستنيرين من أولادهم وبناتهم في العاصمة وبقية السودان؟ وتبقى السلطة متراكمة في المركز؟ بالطبع ومن المنظور العقلاني والمنطقي سيكون خيارهم هو الأول إسترداد سيادتهم وأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم .. تلك الثلة المتطلعة الضاغطة تحتاج لأنتُلقن الدروس الواجبة والقيم الكبرى إبتداء بالإنتماء الحقيقي للمنشأ والغيرة على الأهل والتعايش معهم وتذوق معاناتهم والعمل على ترسيخ السلام المجتمعي ونزع السلاح وترتق النسيج المجتمعي ما بين كل مكونات دارفور كافة، وخاصة عربوزرقة .. المخجل المحزن أنه، وحتى اليوم، لم نسمع عن الدعوة لمؤتمر تأسيسي دارفوري خالص وجامع، تشهده البشرية جمعاء، تشارك فيه كل القوى الدارفورية السياسية والإدارات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والدعم السريع والحركات المسلحة والنقابات والإتحادات الطلابية والشبابية ليعقدوا العزم ويشحذوا الهمم على إسترداد السيادة المطلقة لجعل دارفور رواندا الثانية في أفريقيا، وهي جديرة بذلك من حيث الثروات، وحتى لايكون هناك هامش ولا تهميش وينعم أهل دارفور بالسيادة والفخر .. وبذلك لابد أن نعي أن السعي لإصطفاء ثلة، بحجة إنتمائهم للهامش، ومنحهم نسبة معتبرة من الجاه والسلطة في المركز، أو حتى كلها، هو مزيد من التهميش والإذلال لأهل الهامش ليبقوا في فقرهم وضياع سيادتهم على أراضيهم وثرواتهم .. الكارثة الكبرى هي التنصل عن الإنتماء الحقيقي للأرض ودرع الفشل على عاتق الآخرين وتهجير القضية من موطنها إلى مناطق الآخرين، وهو أمر لن يحلها بل سيزيدها تعقيداً ويسهم في إبعاد أهل الهامش من مناطقهم ويزيد شتاتهم وعجزهم عن بناء ذاتهم وبقائهم مواطنين يشعرون بالدونية ويعيشون الفقر المدقع والتهميش الحقيقي في مناطق الآخرين، والمخجل المحزن أنه في حين نجد بشر يتحلون بالإنسانية والأخلاقية يتطوعون من بقاع العالم أجمع ويحضرون لدارفور للعمل الإغاثي والعون الإنساني، يتشبث قادة الحركات المسلحة والدعم السريع بنعيم العاصمة .. أمر مخجل بحقو حقيقة .. هل فكر هؤلاء في حجم الثروات الطبيعة التي تتميز بها دارفور؟ هل فكروا في إمكانية الإزدهار المهول واللّامحدود لدارفور إن عادوا إليها وعملوا على ترسيخ السلام؟ لا ولم ولن يفكروا فيها طالما كانت عقولهم وجوارحهم مشغولة فقط بالجلابة وبلاد الجلابة .. دعكم من شماعة العنصرية وراجعوا بموضوعية وعقلانية

sfmtaha@msn.com

٢٩ يوليو ٢٠٢١

 

آراء