رسالة إلى الفريق عبد الفتاح البرهان في عليائه الافتراضية
بورفيسور مهدي أمين التوم
21 November, 2021
21 November, 2021
بسم الله الرحمن الرحيم
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨م المجيدة تتطاول فيه أعناق العسكر لإخضاع حكم السودان مرة أخرى لمشيئتهم و عنجهيتهم ،و كأن ما يزيد عن نصف قرن من مجموع حكمهم للبلاد لم يكف لنزع نزوة الحقد علي الشعب السوداني من نفوسهم ، بل و كأن ما جَرُّوه من خزي و دمار علي البلاد قد نَسِيَته ،أو تناسته، ذاكرتهم ، و عميت عيونهم عن رؤيته يمشي بين المواطنين بؤساً ،و جوعاً، و مرضاً ،و هجرةً كادت تُخلي البلاد من الشباب ركائز نهضتها و مستقبلها و حفظة تراثها..
لقد جاءت ثورة ديسمبر المجيدة أيها العسكري العنيد بعد مخاضٍ عَسِيرٍ و إثْر تضحيات جِسام إمتدت لعقود طويلة فقدنا خلالها ما فقدنا من أرواح عزيزة، و من فرص تنمية ضاعت بالتقاعس أو بالفساد و الإفساد، بل فقدنا فيها مساحات شاسعة من أرض وطننا الحبيب، فلم يَعُد السودان بعدها أرض المليون ميل مربع ،كما اشتهر بين العالمين ،و حُرِمنا فيها من الإستمتاع بالحرية و الديمقراطية التي أنجزها الآباء المؤسسون ، و حلمت أجيال ما بعد الإستقلال بالعيش الكريم تحت ظلالها..
صحيح أن البلاد بعد ثورة ديسمبر قد تعثرت كثيراً لكنكم لم تكونوا يا لجنة الإنقاذ الأمنية، كمكوِّن عسكري، بعيدين عن كبحٍ مُتَعَمَّدٍ لعجلات التغيير الذي نشده شهداء للثورة صعدت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها تلعنكم و تشتكيكم إلى رب العباد. ليس هذا فحسب، بل إن وجهة النظر الشعبية تُحَمِّلكم الجزء الأكبر من مسؤولية ما حدث بعد الثورة من إخفاقاتٍ ، و من تعطيلٍ لمسيرة التحوُّل الديمقراطي و التقدُّم النهضوي الذي كان منشوداً ، يتطلع اليه أهل السودان ، و يؤاذره الأشقاء في المحيط الإقليمي، و الأصدقاء في بلاد الدنيا كافة..فهؤلاء و أولئك هَزَّتهم وقفة أهل السودان السلمية و الشجاعة في وجهكم كعسكريين إنقاذيين تلطَّخَت أياديكم بدماء الشعب لسنوات طويلة..لكن هؤلاء و أولئك من الأصدقاء و الأشقاء أكبروا لكم وقفتكم المتأخرة بجانب الشعب ، و لم ينسوا بل تناسوا مجزرة القيادة و ما سبقها أو لحقها من خياناتكم و إعمال آليات قمعكم، فوضعوا أيديهم فوق أياديكم لتمضوا سوياً بالبلاد و العباد لتحقيق أهداف الثورة المجيدة... لكن صَدَق من قال إن الخيانة داء لا شفاء له ، و إن الثعبان طبعه العض !!.و هل من خيانة أعظم و أقذر مما فاجأتم به أهل السودان و العالم في فجر الخامس و العشرين من شهر أكتوبر ٢٠٢١م في محاولة يائسة منكم، عسكريين و ميليشيا ، لإيقاف مسيرة سلمية للإنتقال الديمقراطي نظمتها وثيقة دستورية توافق عليها أهل السودان مدنيين و عسكريين، لكنكن ضربتم بها عرض الحائط في ليلة كالحة، متجاهلين ما أقسمتم عليه يوم زَيَّنَت أولى الدبابير كتوفكم مُقسِمِين أمام الله و الناس علي الحفاظ علي الدستور، و علي حماية البلاد أرضاً و شعباً..لكن يبدو و كأن قَسَمَكُم كان يومئذٍ في حقيقته موجهاً نحو إستئسادكم علي شعبكم، و علي كل مؤسساته الدستورية و السياسية و الإقتصادية و المجتمعية.. لقد فعلتم ذلك مراراً منذ إستقلال السودان ، لكن هذه المرة أضفتم وجهاً قبيحاً آخر وهو خيانة مَن ،بِنَص الوثيقة الدستورية، يقاسمونكم المسؤولية كتفاً بكتف، بل هم في ميزان الحكم التنفيذي أعلى منكم درجة و مقدرة و فهماً.. نعترف أنهم تهاونوا و سكتوا علي زحفكم غير المقدَّس ،و غير المسنود دستورياً، و علي تعديكم علي الكثير من أوجه الحكم التي ليست من شأنكم و أضحت بسببكم وبالاً علي البلاد، و أعاقت الكثير مما كان من المتوقع أن ينعكس خيراً آنياً و مستقبلياً علي أهل السودان.. و هم في ذلك من الملومين.. و لكن بدل أن ترعووا و تعودوا إلي رشدكم لتوطيد نظام الحكم الإنتقالي المشترك بين المدنيين و العسكريين في ما عُرِّف عالمياً بالنموذج السوداني و إعتُبِر نموذجاً يُحتذى ، لكن ها أنتم تزيدون الطين بللاً و البلاد وبالاً بالإستيلاء عنوةً علي الحُكم عبر إنقلاب عسكري كامل الدسم ،تخجلون من وصفه بالإنقلاب، لكنه إنقلاب بكل ما تحمل الكلمة من معاني، خططتم له خيانة للثورة منذ حين ليس بالقصير ، و نفذتموه بآليات الشعب العسكرية، و بمعاونة الفلول الذين ثار الشعب ضدهم في ثورة ديسمبر المجيدة ، و بمؤازرة مَن كانوا حملة للسلاح و فَقَد العديد من شباب العاصمة و المدن الأخرى أرواحهم دفاعاً عنهم، هاتفين و صدورهم مفتوحة للرصاص : يا عنصري و مغرور ، كل الوطن دار فور !!
كلكم خونة و قَتَلة ، و كأنكم ليسوا من طين هذه الأرض، و لم ترضعكم كنداكاتها، و لم تبني أجسادكم حبات عرق آباءِ صِدقٍ لا آباء أوهام منامية يبدو أنك صَدَّقتها في صحوِّك فقررت تحقيقها عبر خيانة الشعب و الثورة فَنَصَّبت نفسك رئيساً و عبثت بمؤسسات الدولة كما تشاء.
لقد إخترت مركباً صعباً أيها العسكري الحانث لقَسَمِه ،و الخائن لرفقاء دربه ، مفضلاً رفقة ميليشيات منبوذة ، و إحتضان فلول ضالين و مُضِلِّين، خَبِر الشعب بؤسهم و فسادهم ، و تلطخت أياديهم مثلكم بدماء بريئة عبر ثلاثة عقود كئيبة، و ها أنت مجتهد في إعادتهم بسرعة ملحوظة إلى مفاصل الدولة من جديد، إستبعاداً لشرفاء ثوريين أتت بهم الثورة و الخبرة و آثر بعضهم خدمة وطنهم علي دنياوات الدولار و اليورو و الدرهم !!!
إنك أيها الفريق الإنقاذي و مَن يسير في رَكْبِك من فرقاء الخلاء و الولاء، قد سعيتم لحتفكم بظلفكم. فشباب الثورة الذين يملؤون الساحات اليوم شيء مختلف عن ما عَهِدت الأنظمة العسكرية التي إبتُلي بها السودان سابقاً. لقد ألبستهم ثورة ديسمبر روحاً وطنية عالية، و مزاجاً ديمقراطياً قوياً، و شجاعة فردية و جماعية لا تُجارى، و بأس لا يعرف الكلل و الملل ، و لا تخلو جعبته من إبتكار الخطط، وليس قابلاً لنسيان شهدائه وجرحاه ومفقوديه .. قسماً لن يترككم شباب الثورة تنعمون بما خططتم له بليل، متناسين أنكم أمام شباب (غير) و أجيال (غير) !!
ليتكم تستحوا علي عرضكم و تستفتوا ضمائركم في ما أحدثتم من عَوَج، و ما طمعتم فيه من تَحَكُّم في مقدرات وطنٍ عظيمٍ لا يستحق منكم ما أدخلتموه فيه من هرج و هوان.. و لتعلموا أيها العسكريون الإنقاذيون أن لا بديل للحكم المدني الديمقراطي ، و لا بديل لعودة العسكر للثكنات ، و لا بديل لمطلب الإنتهاء إلى الأبد من ظاهرة الميليشيات، و لا بد من التنفيذ الفوري للمحاكمات دون مجاملة و دون ركون لبدعة العدالة الإنتقالية ..
لا عفو عن ما سلف.. ولا بد من صنعاء وإن طال السفر، والثورة جاءت لتبقى وستبقى بإذن الله وعزم الشباب فتية وكنداكات.
بروفيسور
مهدي أمين التوم
mahditom1941@yahoo.com
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨م المجيدة تتطاول فيه أعناق العسكر لإخضاع حكم السودان مرة أخرى لمشيئتهم و عنجهيتهم ،و كأن ما يزيد عن نصف قرن من مجموع حكمهم للبلاد لم يكف لنزع نزوة الحقد علي الشعب السوداني من نفوسهم ، بل و كأن ما جَرُّوه من خزي و دمار علي البلاد قد نَسِيَته ،أو تناسته، ذاكرتهم ، و عميت عيونهم عن رؤيته يمشي بين المواطنين بؤساً ،و جوعاً، و مرضاً ،و هجرةً كادت تُخلي البلاد من الشباب ركائز نهضتها و مستقبلها و حفظة تراثها..
لقد جاءت ثورة ديسمبر المجيدة أيها العسكري العنيد بعد مخاضٍ عَسِيرٍ و إثْر تضحيات جِسام إمتدت لعقود طويلة فقدنا خلالها ما فقدنا من أرواح عزيزة، و من فرص تنمية ضاعت بالتقاعس أو بالفساد و الإفساد، بل فقدنا فيها مساحات شاسعة من أرض وطننا الحبيب، فلم يَعُد السودان بعدها أرض المليون ميل مربع ،كما اشتهر بين العالمين ،و حُرِمنا فيها من الإستمتاع بالحرية و الديمقراطية التي أنجزها الآباء المؤسسون ، و حلمت أجيال ما بعد الإستقلال بالعيش الكريم تحت ظلالها..
صحيح أن البلاد بعد ثورة ديسمبر قد تعثرت كثيراً لكنكم لم تكونوا يا لجنة الإنقاذ الأمنية، كمكوِّن عسكري، بعيدين عن كبحٍ مُتَعَمَّدٍ لعجلات التغيير الذي نشده شهداء للثورة صعدت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها تلعنكم و تشتكيكم إلى رب العباد. ليس هذا فحسب، بل إن وجهة النظر الشعبية تُحَمِّلكم الجزء الأكبر من مسؤولية ما حدث بعد الثورة من إخفاقاتٍ ، و من تعطيلٍ لمسيرة التحوُّل الديمقراطي و التقدُّم النهضوي الذي كان منشوداً ، يتطلع اليه أهل السودان ، و يؤاذره الأشقاء في المحيط الإقليمي، و الأصدقاء في بلاد الدنيا كافة..فهؤلاء و أولئك هَزَّتهم وقفة أهل السودان السلمية و الشجاعة في وجهكم كعسكريين إنقاذيين تلطَّخَت أياديكم بدماء الشعب لسنوات طويلة..لكن هؤلاء و أولئك من الأصدقاء و الأشقاء أكبروا لكم وقفتكم المتأخرة بجانب الشعب ، و لم ينسوا بل تناسوا مجزرة القيادة و ما سبقها أو لحقها من خياناتكم و إعمال آليات قمعكم، فوضعوا أيديهم فوق أياديكم لتمضوا سوياً بالبلاد و العباد لتحقيق أهداف الثورة المجيدة... لكن صَدَق من قال إن الخيانة داء لا شفاء له ، و إن الثعبان طبعه العض !!.و هل من خيانة أعظم و أقذر مما فاجأتم به أهل السودان و العالم في فجر الخامس و العشرين من شهر أكتوبر ٢٠٢١م في محاولة يائسة منكم، عسكريين و ميليشيا ، لإيقاف مسيرة سلمية للإنتقال الديمقراطي نظمتها وثيقة دستورية توافق عليها أهل السودان مدنيين و عسكريين، لكنكن ضربتم بها عرض الحائط في ليلة كالحة، متجاهلين ما أقسمتم عليه يوم زَيَّنَت أولى الدبابير كتوفكم مُقسِمِين أمام الله و الناس علي الحفاظ علي الدستور، و علي حماية البلاد أرضاً و شعباً..لكن يبدو و كأن قَسَمَكُم كان يومئذٍ في حقيقته موجهاً نحو إستئسادكم علي شعبكم، و علي كل مؤسساته الدستورية و السياسية و الإقتصادية و المجتمعية.. لقد فعلتم ذلك مراراً منذ إستقلال السودان ، لكن هذه المرة أضفتم وجهاً قبيحاً آخر وهو خيانة مَن ،بِنَص الوثيقة الدستورية، يقاسمونكم المسؤولية كتفاً بكتف، بل هم في ميزان الحكم التنفيذي أعلى منكم درجة و مقدرة و فهماً.. نعترف أنهم تهاونوا و سكتوا علي زحفكم غير المقدَّس ،و غير المسنود دستورياً، و علي تعديكم علي الكثير من أوجه الحكم التي ليست من شأنكم و أضحت بسببكم وبالاً علي البلاد، و أعاقت الكثير مما كان من المتوقع أن ينعكس خيراً آنياً و مستقبلياً علي أهل السودان.. و هم في ذلك من الملومين.. و لكن بدل أن ترعووا و تعودوا إلي رشدكم لتوطيد نظام الحكم الإنتقالي المشترك بين المدنيين و العسكريين في ما عُرِّف عالمياً بالنموذج السوداني و إعتُبِر نموذجاً يُحتذى ، لكن ها أنتم تزيدون الطين بللاً و البلاد وبالاً بالإستيلاء عنوةً علي الحُكم عبر إنقلاب عسكري كامل الدسم ،تخجلون من وصفه بالإنقلاب، لكنه إنقلاب بكل ما تحمل الكلمة من معاني، خططتم له خيانة للثورة منذ حين ليس بالقصير ، و نفذتموه بآليات الشعب العسكرية، و بمعاونة الفلول الذين ثار الشعب ضدهم في ثورة ديسمبر المجيدة ، و بمؤازرة مَن كانوا حملة للسلاح و فَقَد العديد من شباب العاصمة و المدن الأخرى أرواحهم دفاعاً عنهم، هاتفين و صدورهم مفتوحة للرصاص : يا عنصري و مغرور ، كل الوطن دار فور !!
كلكم خونة و قَتَلة ، و كأنكم ليسوا من طين هذه الأرض، و لم ترضعكم كنداكاتها، و لم تبني أجسادكم حبات عرق آباءِ صِدقٍ لا آباء أوهام منامية يبدو أنك صَدَّقتها في صحوِّك فقررت تحقيقها عبر خيانة الشعب و الثورة فَنَصَّبت نفسك رئيساً و عبثت بمؤسسات الدولة كما تشاء.
لقد إخترت مركباً صعباً أيها العسكري الحانث لقَسَمِه ،و الخائن لرفقاء دربه ، مفضلاً رفقة ميليشيات منبوذة ، و إحتضان فلول ضالين و مُضِلِّين، خَبِر الشعب بؤسهم و فسادهم ، و تلطخت أياديهم مثلكم بدماء بريئة عبر ثلاثة عقود كئيبة، و ها أنت مجتهد في إعادتهم بسرعة ملحوظة إلى مفاصل الدولة من جديد، إستبعاداً لشرفاء ثوريين أتت بهم الثورة و الخبرة و آثر بعضهم خدمة وطنهم علي دنياوات الدولار و اليورو و الدرهم !!!
إنك أيها الفريق الإنقاذي و مَن يسير في رَكْبِك من فرقاء الخلاء و الولاء، قد سعيتم لحتفكم بظلفكم. فشباب الثورة الذين يملؤون الساحات اليوم شيء مختلف عن ما عَهِدت الأنظمة العسكرية التي إبتُلي بها السودان سابقاً. لقد ألبستهم ثورة ديسمبر روحاً وطنية عالية، و مزاجاً ديمقراطياً قوياً، و شجاعة فردية و جماعية لا تُجارى، و بأس لا يعرف الكلل و الملل ، و لا تخلو جعبته من إبتكار الخطط، وليس قابلاً لنسيان شهدائه وجرحاه ومفقوديه .. قسماً لن يترككم شباب الثورة تنعمون بما خططتم له بليل، متناسين أنكم أمام شباب (غير) و أجيال (غير) !!
ليتكم تستحوا علي عرضكم و تستفتوا ضمائركم في ما أحدثتم من عَوَج، و ما طمعتم فيه من تَحَكُّم في مقدرات وطنٍ عظيمٍ لا يستحق منكم ما أدخلتموه فيه من هرج و هوان.. و لتعلموا أيها العسكريون الإنقاذيون أن لا بديل للحكم المدني الديمقراطي ، و لا بديل لعودة العسكر للثكنات ، و لا بديل لمطلب الإنتهاء إلى الأبد من ظاهرة الميليشيات، و لا بد من التنفيذ الفوري للمحاكمات دون مجاملة و دون ركون لبدعة العدالة الإنتقالية ..
لا عفو عن ما سلف.. ولا بد من صنعاء وإن طال السفر، والثورة جاءت لتبقى وستبقى بإذن الله وعزم الشباب فتية وكنداكات.
بروفيسور
مهدي أمين التوم
mahditom1941@yahoo.com