في اختبار الشرعية، لم ينجح أحد (1): المكون العسكري وخيانة المؤسسة
عز الدين صغيرون
17 December, 2021
17 December, 2021
أكتب هذا وأنا أفترض حسن نية وتجرد كل الأطراف اللاعبة سياسياً واجتماعياً – عسكرية، مدنية، ومسلحة – في هذا الظرف الحرج والدقيق من تاريخ الدولة السودانية. وبالتالي فإنها ستقرأه بعقل مفتوح قراءة موضوعية، تستبعد من متنها وحواشيها كل ما هو ذاتي وأناني وشخصي، وتُحكم قبضتها على ما فيه مصلحة الوطن والدولة.
ونبدأ بالتأكيد على أن: كل ما هو مقترح ومطروح للنقاش من مسارات للخروج من عنق الزجاجة لن يقود إلى أي مكان.
وأعتقد أن هذا الإلحاح والإصرار على أنجاز كل الملفات الكبيرة في ما تبقى من زمن المرحلة الانتقالية – الذي يبدو وكأنه أنزل من السماء ملزماً – جعلهم في حالة من الركض العبثي المحموم. وهو من أهم مسببات هذه الربكة و"اللهوجة" التي نشهدها في مواقف مختلف القوى السياسية اللاعبة، ما جعل رسائلهم غير واضحة المضامين، ومجهولة عناوين الجهات المرسلة إليها، وكثيراً ما تخطيء العناوين، وجعل خطاباتهم متناقضة تقول الشيء ونقيضه.
فالمسؤولية ضخمة والمهام كبيرة وكثيرة ... والزمن ضيِّق.
وفوق هذا وذاك إرادة الفعل غير متوحدة، فكل فريق يريد أن ينجز كل الأشياء بنفسه، ووحده لا شريك له.
وما يمكنك أن تخلص إليه دون أن يتطرق إليك الشك وبضمير مرتاح:
إن القول بغير استحالة تحقيق شيء، في ظل هذه المعطيات، ضرب من الجنون.
ودعنا نستعرض حيثيات ما تطرحه مختلف القوى "المتكاجرة" الآن في الساحة من حلول ومدى ما يمكن أن تحققه من نجاح للخروج، بشكل نهائي، من الأزمة التي تهدد كيان الدولة السودانية بالزوال، في نهاية المطاف.
(2)
المكون العسكري لم يخفي رغبته للاستحواذ على السلطة منفرداً منذ ما قبل فض اعتصام القيادة، أي قبل أن يوقع مع الحرية والتغيير واتحاد المهنيين على الوثيقة الدستورية، وإلى أن نفذ انقلابه في 25 أكتوبر بعد محاولات عدة وعلى مراحل متقرقة، طيلة الفترة الانتقالية التي كانت فيها رئاسة مجلس السيادة بعهدته.
حل أزمة الدولة السودانية في رؤية المكون العسكري تكمن عقدتها في الانقلاب على الوثيقة الدستورية، وتمزيق الوثيقة ذاتها وكأنها لم تكن، وفض الشراكة مع الحاضنة السياسية،.
ثم ماذا بعد؟.
انتقاء حاضنة بديلة تتكون من الحركات المسلحة التي وقعت معه اتفاقية جوبا، ومن فلول المؤتمر الوطني، ومن يرغب من أحزاب الحرية والتغيير، وزعماء الإدارة الأهلية وبعض الطوائف والطرق الصوفية. "يؤسس بها تأسيس حقيقي للمرحلة الانتقالية" كما قال البرهان، ويشكِّل منهم حكومة "على كيفه" – مثلما فعل في مجلس سيادته – ، تخضع له. يشرعن بها سلطته، وينفِّذ من خلالها ما يريد تنفيذه.
ينجح المكون العسكري في تنفيذ مخططه أو لا ينجح، ليس هو القضية.
وإنما السؤال هو: في حال نجح – وقد قطع بالفعل نصف المشوار – في إزاحته أحزاب قوى الحرية والتغيير من الحكم، واستبدلها بحاضنة أخرى، فهل سيحقق هذا خروج السودان من أزمته، وينقذ الدولة من خطر التفكك، ويضعها في طريق الاستقرار والقوة والاستدامة ؟.
بالتأكيد ما من عاقل يمكن أن يقول بذلك. لماذا؟.
أولاً: لأن كل القوى التي تتصدر المشهد الآن تفتقر إلى شرعية من تدعي تمثيلهم والتحدث باسمهم، وعلى رأس هذه القوى المكون العسكري.
(3)
وإذا ابتدرنا الحديث بالمكون العسكري قإن هذا الأمر يشمل جميع القوى الأخرى (قوى الحرية والتغيير، تجمع المهنيين، الحركات المسلحة، ويشمل ذلك أي قوى على هامشها).
ولو أردنا أن نتحدث بمزيد من الوضوح والشفافية فإننا نجرؤ على القول بأن هذه القوى مجرد مجموعات جد صغيرة، اختطفت صوت من تدعي تمثيلهم، وانتحلت هذه الصفة.
ولو أننا عدنا بالزمن إلى الوراء، إلى لحظة سقوط البشير ونظام المؤتمر الوطني الإسلاموي. سنجد أن هذه القوى التي تتصارع في كبينة قيادة الدولة لا تتمتع بأية شرعية تؤهلها للقيادة أو تمنحها هذا الحق. ولا يستثني من ذلك المكون العسكري – ومن وراءه لجنة البشير الأمنية – وما تحت قبضته من الأجهزة الشرطية والأمنية. فهو لا يمثل أية واحدة من هذه المؤسسات التي يدعي/ انتحالاً تمثيلها، بما يعطيه الحق في تحديد مسارات ما بعد الثورة.
- وإلا من الذي حاول إجهاض الثورة على النظام البائد بمجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، وأغلق بوابتها في وجه من حاولوا الاحتماء بها من القتلة، لإعادة عقارب الساعة للوراء؟.
دعنا ندعي الغباء والبلاهة لنصدق بأن قواتً مجهولة ما هبطت من كوكب آخر وقامت بتنفيذ مجزرتها تحت سمع وبصر كل هذه القوى الأمنية، من جيش ودعم سريع وأمن استخباراتي وشرطة. لنسأل: وأين كانت لحظتها كل القوى والحشود الأمنية ؟. بل أن التساؤل يتجاوز ذلك ليدور حول طبيعة هذه الأجهزة التي تنال الحصة الأكبر من ميزانية الدولة، وحول دورها وجدواها من الأساس !.
فإذا كانت هذه الأجهزة بكل حشودها، وعدتها وعتادها وترسانة أسلحتها المتنوعة عاجزة عن حراسة بوابات قيادتها، ولا تستطيع حماية من يلوذ ويستجير بها من المدنيين العزل من القتل. فكيف يمكن أن تؤتمن على حراسة وحماية حدود بلد مترامي الأطراف مثل السودان تتهدده الاضطرابات والأطماع من دول الجوار.
(4)
دع كل أولئك، ولتسأل مرة أخرى: هل المكون العسكري يمثل الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية حقيقة، أم أنه ينتحل هذه الصفة زيفاً وادعاءً، ويحق له بالتالي قيادة المرحلة الانتقالية لسلطة الثورة ؟.
وإذا كانت الإجابة إنه يمثل هذه الأجهزة: إذن أين الضباط الذين أعلنوا انحيازهم للثورة والثوار، ولماذا بدل التكريم لأنهم أدوا واجبهم بحماية المدنيين، تم طردهم من الجيش، وهم الذين عبّروا بنبل عن روح العقيدة العسكرية الحقيقية ؟!.
ولا عبرة في الإجابة على هذا السؤال بما ساقه الجنرال شمس الدين كباشي متكئاً على القانون العسكري الذي يجرِّم العمل السياسي لمنتسبي المؤسسة العسكرية. ففض الاعتصام والجرائم الشنيعة والبشعة التي ارتكبت فيه، كانت عملاً سياسياً. لا تخالف القانون العسكري وحده، بل وتجرمها كل القوانين السماوية، والقوانين الوضعية العدلية المحلية منها والدولية، وقوانين الأخلاق العرفية.
ويبقى أخيراً السؤال المركزي الذي تستند إليه قيادة المؤسسة العسكرية – سواء كانت ممثلة في لجنة البشير الأمنية أو مجلس السيادة – وهو: ما علاقة الجيش والأمن والشرطة بالسياسة والحكم؟. هل الحكم من ضمن مهامه ؟.
هل ثمة نص دستوري في العالم كله اليوم يشرعن حكم العسكر؟.
حسناً.
فلنكن من التسامح والتفهم وسعة القلب والعقل لنقبل بحجة "استثنائية" الظرف الحرج والدقيق، وحالة السيولة والفراغ في مؤسسات الدولة كمبرر لشراكة العسكر في الحكم. ولكن هل هذا يعني انفراد الشريك العسكري بالحكم وحده؟.
الإجابة بالطبع: لا.
ولكن هذا ما حدث بالفعل، ويحدث اليوم، وسيتكرر حدوثه في المستقبل، في حال مضي العسكر في تنفيذ مسارهم الجديد ما بعد انقلاب 25 أكتوبر.
(5)
ما نخلص إليه فيما يختص بالمسار الذي يتخذه العسكر خياراً للخروج من الأزمة التي تهدد بتفكيك الدولة، وتجاوزها من ثم إلى ما يفتح الأفق لتحقيق استقرارها واستدامتها، عن طريق "مكاوشته" على سلطات الدولة، والتصرف كما يحلو له، وبما يثبت سلطته، بتغيير وإقصاء وتثبيت وتبديل مواقع الحواضن السياسية على النحو الذي يحقق أهدافه ويخدم مصالحه، لن يساهم سوى بعدم استقرار الدولة، بل وبتفكيكها. وأنه سيكون مجرد تكرار لنفس المسار الذي سبقه ونعيش تبعاته الآن الكارثية، ونحصد ثمار نتائجه المُرة اليوم.
وها نحن اليوم بالكاد ندعي بأن لنا دولة.
وعد البرهان (شعبه !) صبيحة الانقلاب، بأنه (وبالطبع وحده !) سيكمل بعد أسبوعين بناء مؤسسات الدولة، التي فشلت حكومة حمدوك (الذي أعاد تعيينه!) في إكمالها. وها شهران انقضيا، والسودان ليس لم يكمل المفوضيات فحسب، بل وصار الدولة الوحيدة في العالم التي ليس بها حكومة وجهاز تنفيذي.
إنه مسار يقود إلى طريق مغلق؟..
فهل تمتلك الحواضن السياسية الشاخصة في واجهة المشهد هذه الشرعية التي تجعلها تفتي في شأن مستقبل ما بعد الثورة منفردة وعلى كيفها؟.
izzeddin9@gmail.com
////////////////////////
ونبدأ بالتأكيد على أن: كل ما هو مقترح ومطروح للنقاش من مسارات للخروج من عنق الزجاجة لن يقود إلى أي مكان.
وأعتقد أن هذا الإلحاح والإصرار على أنجاز كل الملفات الكبيرة في ما تبقى من زمن المرحلة الانتقالية – الذي يبدو وكأنه أنزل من السماء ملزماً – جعلهم في حالة من الركض العبثي المحموم. وهو من أهم مسببات هذه الربكة و"اللهوجة" التي نشهدها في مواقف مختلف القوى السياسية اللاعبة، ما جعل رسائلهم غير واضحة المضامين، ومجهولة عناوين الجهات المرسلة إليها، وكثيراً ما تخطيء العناوين، وجعل خطاباتهم متناقضة تقول الشيء ونقيضه.
فالمسؤولية ضخمة والمهام كبيرة وكثيرة ... والزمن ضيِّق.
وفوق هذا وذاك إرادة الفعل غير متوحدة، فكل فريق يريد أن ينجز كل الأشياء بنفسه، ووحده لا شريك له.
وما يمكنك أن تخلص إليه دون أن يتطرق إليك الشك وبضمير مرتاح:
إن القول بغير استحالة تحقيق شيء، في ظل هذه المعطيات، ضرب من الجنون.
ودعنا نستعرض حيثيات ما تطرحه مختلف القوى "المتكاجرة" الآن في الساحة من حلول ومدى ما يمكن أن تحققه من نجاح للخروج، بشكل نهائي، من الأزمة التي تهدد كيان الدولة السودانية بالزوال، في نهاية المطاف.
(2)
المكون العسكري لم يخفي رغبته للاستحواذ على السلطة منفرداً منذ ما قبل فض اعتصام القيادة، أي قبل أن يوقع مع الحرية والتغيير واتحاد المهنيين على الوثيقة الدستورية، وإلى أن نفذ انقلابه في 25 أكتوبر بعد محاولات عدة وعلى مراحل متقرقة، طيلة الفترة الانتقالية التي كانت فيها رئاسة مجلس السيادة بعهدته.
حل أزمة الدولة السودانية في رؤية المكون العسكري تكمن عقدتها في الانقلاب على الوثيقة الدستورية، وتمزيق الوثيقة ذاتها وكأنها لم تكن، وفض الشراكة مع الحاضنة السياسية،.
ثم ماذا بعد؟.
انتقاء حاضنة بديلة تتكون من الحركات المسلحة التي وقعت معه اتفاقية جوبا، ومن فلول المؤتمر الوطني، ومن يرغب من أحزاب الحرية والتغيير، وزعماء الإدارة الأهلية وبعض الطوائف والطرق الصوفية. "يؤسس بها تأسيس حقيقي للمرحلة الانتقالية" كما قال البرهان، ويشكِّل منهم حكومة "على كيفه" – مثلما فعل في مجلس سيادته – ، تخضع له. يشرعن بها سلطته، وينفِّذ من خلالها ما يريد تنفيذه.
ينجح المكون العسكري في تنفيذ مخططه أو لا ينجح، ليس هو القضية.
وإنما السؤال هو: في حال نجح – وقد قطع بالفعل نصف المشوار – في إزاحته أحزاب قوى الحرية والتغيير من الحكم، واستبدلها بحاضنة أخرى، فهل سيحقق هذا خروج السودان من أزمته، وينقذ الدولة من خطر التفكك، ويضعها في طريق الاستقرار والقوة والاستدامة ؟.
بالتأكيد ما من عاقل يمكن أن يقول بذلك. لماذا؟.
أولاً: لأن كل القوى التي تتصدر المشهد الآن تفتقر إلى شرعية من تدعي تمثيلهم والتحدث باسمهم، وعلى رأس هذه القوى المكون العسكري.
(3)
وإذا ابتدرنا الحديث بالمكون العسكري قإن هذا الأمر يشمل جميع القوى الأخرى (قوى الحرية والتغيير، تجمع المهنيين، الحركات المسلحة، ويشمل ذلك أي قوى على هامشها).
ولو أردنا أن نتحدث بمزيد من الوضوح والشفافية فإننا نجرؤ على القول بأن هذه القوى مجرد مجموعات جد صغيرة، اختطفت صوت من تدعي تمثيلهم، وانتحلت هذه الصفة.
ولو أننا عدنا بالزمن إلى الوراء، إلى لحظة سقوط البشير ونظام المؤتمر الوطني الإسلاموي. سنجد أن هذه القوى التي تتصارع في كبينة قيادة الدولة لا تتمتع بأية شرعية تؤهلها للقيادة أو تمنحها هذا الحق. ولا يستثني من ذلك المكون العسكري – ومن وراءه لجنة البشير الأمنية – وما تحت قبضته من الأجهزة الشرطية والأمنية. فهو لا يمثل أية واحدة من هذه المؤسسات التي يدعي/ انتحالاً تمثيلها، بما يعطيه الحق في تحديد مسارات ما بعد الثورة.
- وإلا من الذي حاول إجهاض الثورة على النظام البائد بمجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، وأغلق بوابتها في وجه من حاولوا الاحتماء بها من القتلة، لإعادة عقارب الساعة للوراء؟.
دعنا ندعي الغباء والبلاهة لنصدق بأن قواتً مجهولة ما هبطت من كوكب آخر وقامت بتنفيذ مجزرتها تحت سمع وبصر كل هذه القوى الأمنية، من جيش ودعم سريع وأمن استخباراتي وشرطة. لنسأل: وأين كانت لحظتها كل القوى والحشود الأمنية ؟. بل أن التساؤل يتجاوز ذلك ليدور حول طبيعة هذه الأجهزة التي تنال الحصة الأكبر من ميزانية الدولة، وحول دورها وجدواها من الأساس !.
فإذا كانت هذه الأجهزة بكل حشودها، وعدتها وعتادها وترسانة أسلحتها المتنوعة عاجزة عن حراسة بوابات قيادتها، ولا تستطيع حماية من يلوذ ويستجير بها من المدنيين العزل من القتل. فكيف يمكن أن تؤتمن على حراسة وحماية حدود بلد مترامي الأطراف مثل السودان تتهدده الاضطرابات والأطماع من دول الجوار.
(4)
دع كل أولئك، ولتسأل مرة أخرى: هل المكون العسكري يمثل الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية حقيقة، أم أنه ينتحل هذه الصفة زيفاً وادعاءً، ويحق له بالتالي قيادة المرحلة الانتقالية لسلطة الثورة ؟.
وإذا كانت الإجابة إنه يمثل هذه الأجهزة: إذن أين الضباط الذين أعلنوا انحيازهم للثورة والثوار، ولماذا بدل التكريم لأنهم أدوا واجبهم بحماية المدنيين، تم طردهم من الجيش، وهم الذين عبّروا بنبل عن روح العقيدة العسكرية الحقيقية ؟!.
ولا عبرة في الإجابة على هذا السؤال بما ساقه الجنرال شمس الدين كباشي متكئاً على القانون العسكري الذي يجرِّم العمل السياسي لمنتسبي المؤسسة العسكرية. ففض الاعتصام والجرائم الشنيعة والبشعة التي ارتكبت فيه، كانت عملاً سياسياً. لا تخالف القانون العسكري وحده، بل وتجرمها كل القوانين السماوية، والقوانين الوضعية العدلية المحلية منها والدولية، وقوانين الأخلاق العرفية.
ويبقى أخيراً السؤال المركزي الذي تستند إليه قيادة المؤسسة العسكرية – سواء كانت ممثلة في لجنة البشير الأمنية أو مجلس السيادة – وهو: ما علاقة الجيش والأمن والشرطة بالسياسة والحكم؟. هل الحكم من ضمن مهامه ؟.
هل ثمة نص دستوري في العالم كله اليوم يشرعن حكم العسكر؟.
حسناً.
فلنكن من التسامح والتفهم وسعة القلب والعقل لنقبل بحجة "استثنائية" الظرف الحرج والدقيق، وحالة السيولة والفراغ في مؤسسات الدولة كمبرر لشراكة العسكر في الحكم. ولكن هل هذا يعني انفراد الشريك العسكري بالحكم وحده؟.
الإجابة بالطبع: لا.
ولكن هذا ما حدث بالفعل، ويحدث اليوم، وسيتكرر حدوثه في المستقبل، في حال مضي العسكر في تنفيذ مسارهم الجديد ما بعد انقلاب 25 أكتوبر.
(5)
ما نخلص إليه فيما يختص بالمسار الذي يتخذه العسكر خياراً للخروج من الأزمة التي تهدد بتفكيك الدولة، وتجاوزها من ثم إلى ما يفتح الأفق لتحقيق استقرارها واستدامتها، عن طريق "مكاوشته" على سلطات الدولة، والتصرف كما يحلو له، وبما يثبت سلطته، بتغيير وإقصاء وتثبيت وتبديل مواقع الحواضن السياسية على النحو الذي يحقق أهدافه ويخدم مصالحه، لن يساهم سوى بعدم استقرار الدولة، بل وبتفكيكها. وأنه سيكون مجرد تكرار لنفس المسار الذي سبقه ونعيش تبعاته الآن الكارثية، ونحصد ثمار نتائجه المُرة اليوم.
وها نحن اليوم بالكاد ندعي بأن لنا دولة.
وعد البرهان (شعبه !) صبيحة الانقلاب، بأنه (وبالطبع وحده !) سيكمل بعد أسبوعين بناء مؤسسات الدولة، التي فشلت حكومة حمدوك (الذي أعاد تعيينه!) في إكمالها. وها شهران انقضيا، والسودان ليس لم يكمل المفوضيات فحسب، بل وصار الدولة الوحيدة في العالم التي ليس بها حكومة وجهاز تنفيذي.
إنه مسار يقود إلى طريق مغلق؟..
فهل تمتلك الحواضن السياسية الشاخصة في واجهة المشهد هذه الشرعية التي تجعلها تفتي في شأن مستقبل ما بعد الثورة منفردة وعلى كيفها؟.
izzeddin9@gmail.com
////////////////////////