فى آلية وحدة قوى الثورة
عبدالرحمن حسين دوسة
12 July, 2022
12 July, 2022
الإستبداد ومقاومة الإستبداد ظاهرة متأصلة فى تاريخ السودان قديمه وحديثه وآخر مقاومة ناجحة لنا كانت فى ديسمبر 2019 حينما ثار الشعب ضد مستبد كان هو الأسوء والأظلم.
طوال الأشهر الخمس الأولي لثورة ديسمبر إنتظمت القوى المؤيدة للثورة في تحالف عرف بقوى الحرية والتغيير (قحت) الذى قاد بنجاح الفعل الثورى بينما لعب مكون المهنيين من داخل قحت دوراً طليعياً فى تنظيم الحراك الميداني لفعاليات الثورة حتى سقوط الطاغية فى أبريل 2020.
مع الأسف لم يكن أداء قحت وهي علي رأس السلطة التنفيذية في مستوى مهامها التاريخية. إذ إنحسرت تطلعاتها الثورية فتلكأت فى تجديد صياغة نفسها وفق متطلبات المرحلة ومن ثم عجزت عن حماية نفسها في أول تحرك للعسكر فجر يوم 25 أكتوبر 2021 فخسرنا فى لمحة بصر كل المكاسب الثورية التي حققها شباب إعتصام القيادة لحساب ولصالح قوى إنتهازية لم تكن تؤمن في الأصل بمبادئ وشعارات الثورة.
رغم هذه الإنتكاسة ولأن الأرض تنبت ألف ثائر كما يقولون، لم يستسلم شباب المقاومة لأرادة العسكر ومحبى طعم الموز. لقد كان إيمانهم بإرادة الشعب قوياً وثقتهم عالية فى أن الشارع هو من يصنع التاريخ ولكن فى هذه المرة أدركوا أن الشارع المقصود هو الشارع الذى ينظمونه هم بإنفسهم ويحقنون فى أزقته دماءهم.
إنطلاقاَ من هذا الإيمان طفقوا فى بناء وتنظيم أنفسهم بهدوء وثبات وباسلوب مبتكر – قاعديا – بعيدا عن النخبوية الحزبية أو الصفوية المهنية التى وسمت تنظيمات قحت فإنبثقت لجان المقاومة التى إنتزعت من شريحة المهنيين الدور الطليعى فى قيادة وتوجيه الشارع وأعتقد أن هذا التحول ظاهرة طبيعية ترافق معظم التجارب الثورية والتحولات السياسية الكبرى.
هذا لا يعني بأى حال من الآحوال أن مكونات قحت خاصة الحزبية منها بعيدة عن الشارع، إذ أن شبابها هم الوقود اليومي لهذا الحراك وهذه المقاومة وظلوا يقدمون الشهيد تلو الشهيد ولكن من جهة أخرى يجب االإعتراف بأن بعض قيادات هذه الإحزاب كانت أقل ثورية من شبابها بل وأن بعض مقارباتها تقاطعت مع رؤي هؤلاء الشباب وربما كانت أقرب لطروحات العسكر.
ما ينبغي أن نفهمه جميعاً أن تجربة لجان المقاومة فريدة ومبتكرة وأن السودن كله وبجميع مكوناته ممدد فى شرايين هذه اللجان، وكما يستحيل لتنظيم ما إحتكار السودان كذا يستحيل لأى جهة إختطاف اللجان التى هى ملك للجميع بإستثناء المؤتمر الوطني وأخواته.
من جهة أخري يتعين علي لجان المقاومة ألا تقع في فخ خطأ التقديرات الذاتية وتظن أنها الممثل الشرعى الوحيد للثورة فتقصي الآخرين أو تهيمن بمفرده علي الثورة بل عليها العمل سوياً مع شرائح ومكونات القوى الأخرى وإلا ستجد هى نفسها من يقصيها عند أول منحى من منحيات الثورة.
بعيد مليونية 30 يونيو الماضى بات من المؤكد أن رحيل البرهان أقرب من حبل الوريد لذا إرتفعت الأصوات فى أوساط لجان المقاومة والقوى المدنية الأخرى منادية بضرورة إيجاد صيغة ما لتوحيد قوى الثورة والإتفاق علي مركز موحد لإتخاذ القرارات الكبري والمصيرية.
فكرة المركز الموحد فكرة غير جديدة إذ سبق وأن طرحت عدة مرات من جهات عدة وإن كانت بصيغ مختلفة. الجديد في هذه المرة أن هناك خطوات عملية أتخذت في إتجاه تكوين المركز، إذ بادرت بعض الجهات في يونيو الماضى بطرح مسودة "آلية وحدة قوى الثورة" وتتضمن هذه المسودة سبعة مواد ثم أعقب ذلك تكليف آلية مؤقتة من خمسة عشر عضوا للتواصل مع قوى الثورة للإتفاق على تفاصيل وآلية تكوين مجلس ثورى من مائة عضو بواقع 50 عضوا من لجان المقاومة، 20 عضوا من التنظيمات الحزبية، 20 عضواً من مكون المهنيين و 10 عضوا من أسر الشهداء، على أن يتولي هذا المجلس الثورى قيادة العمل الثورى وتبنى ميثاق سياسي موحد مبنى على مواثيق لجان المقاومة ومبادرات قوى الثورة الأخري.
لا أود التطرق لتفاصيل هذه المبادرة التي ما زالت في مرحلة التبلور ولكن ما يهمني هى فكرة المركز الموحد لأنها في تقديرى فكرة من دونها لا نستطيع توحيد الكتلة االتاريخية كشرط موضوعي لهزيمة الإنقلاب ومن ثم تحصين الثورة والمسار اليمقراطي حتى لايتكرر إنقلاب آخر.
وللتدليل علي أهمية المركز الموحد نستدعي أحداث فرنسا في عام 1968، إذ بعد سبعة أسابيع من الإحتجاجات والإعتصامات نجحت الثورة وأصبحت السلطة مطروحة في الشارع لمن يرغب فيها ولكن نظراً لغياب أى تنظيم أو مركز للثوار يكون مستعداً لأخذ السلطة أو يملك تصورأً عما يمكن أن يصنعه بهذه السلطة إجهضت الثورة.
مثال آخر من بريطانيا العظمي، ففى عام 1926 وهو العام المعروف بعام الإضراب الكبير، قام العمال بشل حركة الأنتاج فتوقفت الحياة فى عموم بريطانيا فى حالة اشبه بما نسعي إليه من عصيان مدني شامل. ما لم يدركه العمال وقتئذ أن الثورة تحتاج الي أكثر من قدرة العمال علي شل الأنتاج، أنها أى الثورة تحتاج الى جسم ثورى موحد يجعل من الممكن هزيمة الدولة وتنظيم مؤسساتها من جديد.
إذن وبغض النظر عن نجاح أو فشل هذه المبادرة، على قوى الثورة أن تشرع اليوم قبل الغد فى تكوين هذا الجسم المركزى الذى يهدف لتوحيد القرار، لأننا لا نملك رفاهية الإختلاف فى ظل تطورات داخلية وخارجية تطال وجود المجتمع والوطن فهذا واجبنا والواجب الوطني قانون لا يقبل أى مخالفة.
عبدالرحمن حسين دوسة
مستشار قانوني
hatemgader@yahoo.com
/////////////////////////////
طوال الأشهر الخمس الأولي لثورة ديسمبر إنتظمت القوى المؤيدة للثورة في تحالف عرف بقوى الحرية والتغيير (قحت) الذى قاد بنجاح الفعل الثورى بينما لعب مكون المهنيين من داخل قحت دوراً طليعياً فى تنظيم الحراك الميداني لفعاليات الثورة حتى سقوط الطاغية فى أبريل 2020.
مع الأسف لم يكن أداء قحت وهي علي رأس السلطة التنفيذية في مستوى مهامها التاريخية. إذ إنحسرت تطلعاتها الثورية فتلكأت فى تجديد صياغة نفسها وفق متطلبات المرحلة ومن ثم عجزت عن حماية نفسها في أول تحرك للعسكر فجر يوم 25 أكتوبر 2021 فخسرنا فى لمحة بصر كل المكاسب الثورية التي حققها شباب إعتصام القيادة لحساب ولصالح قوى إنتهازية لم تكن تؤمن في الأصل بمبادئ وشعارات الثورة.
رغم هذه الإنتكاسة ولأن الأرض تنبت ألف ثائر كما يقولون، لم يستسلم شباب المقاومة لأرادة العسكر ومحبى طعم الموز. لقد كان إيمانهم بإرادة الشعب قوياً وثقتهم عالية فى أن الشارع هو من يصنع التاريخ ولكن فى هذه المرة أدركوا أن الشارع المقصود هو الشارع الذى ينظمونه هم بإنفسهم ويحقنون فى أزقته دماءهم.
إنطلاقاَ من هذا الإيمان طفقوا فى بناء وتنظيم أنفسهم بهدوء وثبات وباسلوب مبتكر – قاعديا – بعيدا عن النخبوية الحزبية أو الصفوية المهنية التى وسمت تنظيمات قحت فإنبثقت لجان المقاومة التى إنتزعت من شريحة المهنيين الدور الطليعى فى قيادة وتوجيه الشارع وأعتقد أن هذا التحول ظاهرة طبيعية ترافق معظم التجارب الثورية والتحولات السياسية الكبرى.
هذا لا يعني بأى حال من الآحوال أن مكونات قحت خاصة الحزبية منها بعيدة عن الشارع، إذ أن شبابها هم الوقود اليومي لهذا الحراك وهذه المقاومة وظلوا يقدمون الشهيد تلو الشهيد ولكن من جهة أخرى يجب االإعتراف بأن بعض قيادات هذه الإحزاب كانت أقل ثورية من شبابها بل وأن بعض مقارباتها تقاطعت مع رؤي هؤلاء الشباب وربما كانت أقرب لطروحات العسكر.
ما ينبغي أن نفهمه جميعاً أن تجربة لجان المقاومة فريدة ومبتكرة وأن السودن كله وبجميع مكوناته ممدد فى شرايين هذه اللجان، وكما يستحيل لتنظيم ما إحتكار السودان كذا يستحيل لأى جهة إختطاف اللجان التى هى ملك للجميع بإستثناء المؤتمر الوطني وأخواته.
من جهة أخري يتعين علي لجان المقاومة ألا تقع في فخ خطأ التقديرات الذاتية وتظن أنها الممثل الشرعى الوحيد للثورة فتقصي الآخرين أو تهيمن بمفرده علي الثورة بل عليها العمل سوياً مع شرائح ومكونات القوى الأخرى وإلا ستجد هى نفسها من يقصيها عند أول منحى من منحيات الثورة.
بعيد مليونية 30 يونيو الماضى بات من المؤكد أن رحيل البرهان أقرب من حبل الوريد لذا إرتفعت الأصوات فى أوساط لجان المقاومة والقوى المدنية الأخرى منادية بضرورة إيجاد صيغة ما لتوحيد قوى الثورة والإتفاق علي مركز موحد لإتخاذ القرارات الكبري والمصيرية.
فكرة المركز الموحد فكرة غير جديدة إذ سبق وأن طرحت عدة مرات من جهات عدة وإن كانت بصيغ مختلفة. الجديد في هذه المرة أن هناك خطوات عملية أتخذت في إتجاه تكوين المركز، إذ بادرت بعض الجهات في يونيو الماضى بطرح مسودة "آلية وحدة قوى الثورة" وتتضمن هذه المسودة سبعة مواد ثم أعقب ذلك تكليف آلية مؤقتة من خمسة عشر عضوا للتواصل مع قوى الثورة للإتفاق على تفاصيل وآلية تكوين مجلس ثورى من مائة عضو بواقع 50 عضوا من لجان المقاومة، 20 عضوا من التنظيمات الحزبية، 20 عضواً من مكون المهنيين و 10 عضوا من أسر الشهداء، على أن يتولي هذا المجلس الثورى قيادة العمل الثورى وتبنى ميثاق سياسي موحد مبنى على مواثيق لجان المقاومة ومبادرات قوى الثورة الأخري.
لا أود التطرق لتفاصيل هذه المبادرة التي ما زالت في مرحلة التبلور ولكن ما يهمني هى فكرة المركز الموحد لأنها في تقديرى فكرة من دونها لا نستطيع توحيد الكتلة االتاريخية كشرط موضوعي لهزيمة الإنقلاب ومن ثم تحصين الثورة والمسار اليمقراطي حتى لايتكرر إنقلاب آخر.
وللتدليل علي أهمية المركز الموحد نستدعي أحداث فرنسا في عام 1968، إذ بعد سبعة أسابيع من الإحتجاجات والإعتصامات نجحت الثورة وأصبحت السلطة مطروحة في الشارع لمن يرغب فيها ولكن نظراً لغياب أى تنظيم أو مركز للثوار يكون مستعداً لأخذ السلطة أو يملك تصورأً عما يمكن أن يصنعه بهذه السلطة إجهضت الثورة.
مثال آخر من بريطانيا العظمي، ففى عام 1926 وهو العام المعروف بعام الإضراب الكبير، قام العمال بشل حركة الأنتاج فتوقفت الحياة فى عموم بريطانيا فى حالة اشبه بما نسعي إليه من عصيان مدني شامل. ما لم يدركه العمال وقتئذ أن الثورة تحتاج الي أكثر من قدرة العمال علي شل الأنتاج، أنها أى الثورة تحتاج الى جسم ثورى موحد يجعل من الممكن هزيمة الدولة وتنظيم مؤسساتها من جديد.
إذن وبغض النظر عن نجاح أو فشل هذه المبادرة، على قوى الثورة أن تشرع اليوم قبل الغد فى تكوين هذا الجسم المركزى الذى يهدف لتوحيد القرار، لأننا لا نملك رفاهية الإختلاف فى ظل تطورات داخلية وخارجية تطال وجود المجتمع والوطن فهذا واجبنا والواجب الوطني قانون لا يقبل أى مخالفة.
عبدالرحمن حسين دوسة
مستشار قانوني
hatemgader@yahoo.com
/////////////////////////////