مولانا أبو سبيحة مرة أخرى بعد فساد التمكين
علي عجب المحامي
24 September, 2022
24 September, 2022
اطلعت على قرار دائرة المراجعة بالمحكمة العليا حول الطلب المقدم من محامي المدانين المقدم نيابة عن أعضاء جهاز الأمن الذين أدانتهم محكمة الموضوع وأيدتها محكمتي الاستئناف والعليا بقتل الشهيد المعلم أحمد الخير. وما يهم في هذا الطعن أن الدائرة رفضت الطلب بترجيح رأي الأغلبية، ولكن الأمر المؤسف أن مولانا القاضي محمد علي محمد بابكر أبو سبيحة، الذي أشتهر بإصداره لقرارات مثيرة للجدل حول إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين، هو من كتب الرأي المخالف حيث رأى أن قتل الشهيد لم يكن قتل عمد بل تجاوز في أداء الواجب.
عندما وجدت اسمه بين قضاة الدائرة التي رفضت طلب المراجعة انتابني إحساس بأنه عدل على الرغم من أنه فقد الحياد والموضوعية في نقض قرارات لجنة إزالة التمكين بلا أساس من القانون، حيث تجاوز في تلك القرارات كل أسس العمل القضائي الشكلية والموضوعية، بدءً من تجاوز التراتبية العادية في عمل المحاكم إلى خطل التسبيب، الذي لم يخلو من عبارات التهكم على شعارات الثورة التي أوردها في أحكامه مؤكدأً انه لم يستطع حتى أن يخفي عداءه للجنة إزالة التمكين وهو سلوك لا يليق بقاضي، فهو ملزم بأن لا يتخلى عن وقاره.
لكنه قد خيب ظني حينما وجدت أنه هو من كتب الرأي الأول في القرار وأجتهد في إقناع بقية أعضاء الدائرة بتأييد رأيه في إلغاء قرار محكمة الموضوع لتعديل الإدانة من القتل العمد الى إلى القتل شبه العمد. وتمنيت أيضا من باب تفسير الشك لصالحه، أن يكون قد استند في هذا الرأي على تسبيب موضوعي، وحتى أترك الحكم لمعيار الشخص العادي ويعنى في القانون معيار الشخص غير القانوني Layman حيث قال أبوسبيحة: " أخلص إلى أن موت المرحوم كان نتيجة لفعل المتهمين الجنائي بقصد تسبيب الأذى الجسيم الذي أفضى إلى الموت، لانتزاع معلومات منه ترشدهم وتساعدهم على إلقاء القبض على الأشخاص الذين يقودون المظاهرات، ولم يكن موت المرحوم نتيجة راجحة لفعلهم، وإنما كانت نتيجة راجحة محتملة. لذلك أرى إن وافقني الزملاء وللأخطاء في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله أن يكون قرارنا بقبول طلبات المراجعة وتعديل الإدانة ... وتعديل عقوبة الإعدام لعقوبة السجن لمدة ستة سنوات في حق المدان الأول فاروق عثمان إبراهيم محمد، تبدأ من تاريخ القبض على المدان والسجن لمدة 5 سنوات لكل من المدانين الثاني والثالث تبدأ من تاريخ القبض لكل واحد منهما والسجن لمدة أربع سنوات لكل واحد من بقية المدانين تبدأ من تاريخ القبض عليهم، وإلزام جميع المتهمين وعاقلتهم بالتضامن بأداء الدية المغلظة لأولياء دم المرحوم وقدرها (337500) جنيه (للمفارقة تعادل تقريبا 550 دولار) وتحصل بالطريق المدني"، لم يؤيده من قضاة الدائرة الاربعة سوى القاضي عماد الدين عثمان الحاج شمعون. وخالفه بقية القضاة وهم القاضي التجاني العبيد محمد موسى والقاضي محمد الفاتح احمد الياس و القاضي فتح الرحمن أحمد شعبان .
وانا هنا لست بصدد تقديم مرافعة قانونية حول الحكم وإنما قراءة رأي مولانا أبو سبيحة ومولانا عماد شمعون مقابل رأي من خالفهم من زملاءهم. وفي البدء لابد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة يدركها المحامون أنه في الغالب عندما يكتب صاحب الرأي الأول رأياً مطولاً يجتهد فيه فإنه غالباً ما يؤثر على بقية القضاة فيكتفون بتأييده، وهو منحى بشري طبيعي رغم المآخذ عليه بالطبع، ولكن ربما كان قدره أن كتب بعده القاضي المجتهد محمد الفاتح أحمد الياس رأيا سديداً منباً إلى جزئية جوهرية وهي أنهم كدائرة مراجعة يجب أن ينحصر عملهم في أضيق نطاق لأنها سلطة استثنائية، ولا يجب أن يتعدى اختصاصهم النظر في "وجود مخالفة لحكم شرعي قطعي الدلالة والإسناد أو القانون" وخلص الى أنه لا يجد في الحكم أي من ذلك، واكتفى بمناقشة القصد الجنائي من خلال الوقائع الثابتة و رأي الطبيب، وهو أن ما تعرض له المرحوم من ضرب نتجت عنه صدمة عصبية أدت لتوقف القلب الذى أدى لوفاته.
عودة إلى رأي مولانا أبو سبيحة وهو جدير بالنقاش لأنه يعكس أزمة قانونية ومهنية تسببت كثيراً في الحكم ببراءة مرتكبي جرائم القتل من منسوبي الأجهزة الأمنية بحجة أن رجل الأمن يستفيد من الدفع بانعدام قصد تعمد تسبيب الموت، إما بحجة أن الآلة المستخدمة بطبيعتها لا تسبب الموت، أو أنه كان يقوم بواجبه، فحينما يرتكب التعذيب ويسبب القتل يطلق سراحه بحجة أنه كان يحاول الوصول الى الحقيقة بانتزاع اعتراف عن طريق التعذيب وهو أسلوب يقر القضاة الفاسدين بلا أدنى حياء أنه جريمة، لكنهم يواصلون بالقول على الرغم من أنه خطأ إلا أنه يفيد المتهم في أنه اخطأ أثناء تأدية الواجب. ويجب أن نعلم أن هذا لا يحدث بسبب قصور في فهم القضاة للقانون، وفي مقدمتهم ابو سبيحة، ولكنه فساد مهني، استخدم لحماية القوات النظامية وخاصة جهاز الأمن من المساءلة وتمكينهم من الافلات من العقاب. وهذه الجزئية بالذات تفسر سبب فشل نظام العدالة الجنائية في السودان في ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة طيلة حكم الإنقاذ وما يزال.
ومن المهم ايضاً الإشارة إلى أن القضاة الفاسدين يناقشون القصد الجنائي بمسلمة ان الضرب المبرح بالسياط والعصي والأيدي والركل بالأرجل لا يمثل ضرب باداة مميتة لأن الموت لا يكون في نظر الشخص العادي نتيجة راجحة بهذه الادوات. والحقيقة العلمية التي يعلمونها جيداً أن خراطيم المياه والسياط هي أدوات قاتلة وقد بح صوت الأطباء الشرعيين في تأكيد ذلك في المحاكم بأن الضرب المبرح بهذه الأدوات يؤدي إلى الموت، ونكتفي هنا بإيراد ما قاله الطب الشرعي في هذه القضية نفسها حيث ذكر الطبيب" أن الكدمات بمنطقة الظهر والإليتين والفخذين وحتى الساقين، وهذه الكدمات نتج عنها تمزق بالشعيرات الدموية والشرايين وبعض الأوردة ونتج عنها انسكاب دموي وهذا الانسكاب الدموي كلما كان واسعاً احتمال حدوث الصدمة النزفية والدخول في الصدمة يؤدي للغيبوبة والوفاة مباشرة اذا لم تتم معالجته وفي حالة المرحوم فان الكدمات الواسعة نتج عنها شرود كميات كبيرة من الدماء تحت الجلد وفوق النسيج الشحمي وتحت العضلات ما أدى إلى الغيبوبة ثم الوفاة" فالقول بأن السياط وخراطيم المياه لا يكون الموت نتيجة حتمية لمن يضرب بها، عكس ما في الطلق الناري أو السكين. قول مردود من خلال إفادات الأطباء الشرعيين وفق الإفادة أعلاه. ولأن الأمر أمر فساد مهني فقد تفنن القضاة في محاولة إيجاد براءة للقاتل من الاجهزة الامنية حتى عند حدوث الموت بأدوات مميتة بطبيعتها مثل الطلق الناري، بالقول بأن المتهم كان يعتقد أن ذلك ضروري لأداء واجبه وأن ذلك يشكل شبهة يستفيد منها المتهم لانعدام القصد وبالتالي فهو قتل شبه عمد.
ربما من المفيد لكل السودانيين الاطلاع على قرار محكمة الموضوع والمحاكم الأخرى المؤيدة لهذا القرار، لأنه يوضح مستوى بشاعة الأذى الذي تعرض له الشهيد، وهي قسوة تقشعر لها الأبدان ، وأستغرب أن يطلع قاضي على كل تلك الفظاعات ليقول بأن الفاعل لم يكن يتعمد تسبيب الموت، ولأكون منصفاً هنا أورد بعض الوقائع الواردة في هذا الحكم بحسب سرد القاضي عماد شمعون رغم أنه القاضي الوحيد الذي اتفق مع رأي أبو سبيحة في إلغاء الإدانة وتعديلها من القتل العمد إلى شبه العمد فقال في سرد الوقائع الثابتة " ذكر شاهد الاتهام الأول أمجد بابكر أن المتهم السمؤل قال للمرحوم شكلك لوطي، والمتهم عبد الله هاشم بدأ بالضرب والمتهم السمؤل دق المرحوم وقال ده خلوه لي ده صلبه كبير...وقال شاهد الاتهام الثالث ان المتهم الثالث عبد الله هاشم قال الليلة نعمل حفلة يا صعاليك، وان السمؤل ضرب المرحوم بالشلوت والخرطوش وعبد الله هاشم كان بضرب بي يده وشاهدت المرحوم بنطلونه نازل وكان معاه المتهم الثاني وأربعة عساكر بضربوا فيه والمتهم العاشر طلع بالبوت على صدر المرحوم ودايس علي صدره برجله والأخرى على الأرض.. وقال شاهد الاتهام ان صفوت قال للمرحوم أنا ملك الموت وكان في العربية لابس بوت وبشلت ويعفص في المرحوم والمتهم نصر الدين كان بقول لي في العربية الليلة ننيكم". وللدهشة ماذا توصل مولانا عماد شمعون بعد كل هذا حيث قال في رأيه "أنه نتيجة للتعذيب المتكرر والضرب في أجزاء جسم المرحوم حدثت الوفاة وهي كانت نتيجة غير متوقعة ولكن كان عليهم نتيجة للضرب العنيف وبالشلوت وبالبوت في أماكن حساسة في جسم المرحوم أن يتوقعوا الوفاة على أقل تقدير" هذا فهم هذا القاضي للقصد الجنائي رغم أنهم رفعوا الشهيد في العربة حيث لم يقوى هو على ذلك وفي الطريق كان أحدهم يقف بكلتا رجليه على صدره على أرضية البوكس ومات قبل أن يصل الى كسلا. لكن هذا هو فهم القضاة للواجب الذي تقوم به الأجهزة الأمنية ولهذه الأسباب نكرر إن إصلاح نظام العدالة الجنائية لا يتم دون إصلاح هذه العقلية التي تسعى من منصة القضاء إلى مناصرة السلطان وسيواصلون في إجهاض العدالة لأن ضميرهم المهني مع الطغاة ضد العدالة.
أخيرا التحية للقضاة الذين ساندوا الحق في هذه القضية ولمولانا أبوسبيحة أن يخلد اسمه في سجل المشرفين على تصفية حلم الشعب السوداني بالعدالة. وخاتمة القول إن العدالة قد تتأخر وقد تتعثر لكنها في نهاية المطاف دائماً تتحقق.
عندما وجدت اسمه بين قضاة الدائرة التي رفضت طلب المراجعة انتابني إحساس بأنه عدل على الرغم من أنه فقد الحياد والموضوعية في نقض قرارات لجنة إزالة التمكين بلا أساس من القانون، حيث تجاوز في تلك القرارات كل أسس العمل القضائي الشكلية والموضوعية، بدءً من تجاوز التراتبية العادية في عمل المحاكم إلى خطل التسبيب، الذي لم يخلو من عبارات التهكم على شعارات الثورة التي أوردها في أحكامه مؤكدأً انه لم يستطع حتى أن يخفي عداءه للجنة إزالة التمكين وهو سلوك لا يليق بقاضي، فهو ملزم بأن لا يتخلى عن وقاره.
لكنه قد خيب ظني حينما وجدت أنه هو من كتب الرأي الأول في القرار وأجتهد في إقناع بقية أعضاء الدائرة بتأييد رأيه في إلغاء قرار محكمة الموضوع لتعديل الإدانة من القتل العمد الى إلى القتل شبه العمد. وتمنيت أيضا من باب تفسير الشك لصالحه، أن يكون قد استند في هذا الرأي على تسبيب موضوعي، وحتى أترك الحكم لمعيار الشخص العادي ويعنى في القانون معيار الشخص غير القانوني Layman حيث قال أبوسبيحة: " أخلص إلى أن موت المرحوم كان نتيجة لفعل المتهمين الجنائي بقصد تسبيب الأذى الجسيم الذي أفضى إلى الموت، لانتزاع معلومات منه ترشدهم وتساعدهم على إلقاء القبض على الأشخاص الذين يقودون المظاهرات، ولم يكن موت المرحوم نتيجة راجحة لفعلهم، وإنما كانت نتيجة راجحة محتملة. لذلك أرى إن وافقني الزملاء وللأخطاء في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله أن يكون قرارنا بقبول طلبات المراجعة وتعديل الإدانة ... وتعديل عقوبة الإعدام لعقوبة السجن لمدة ستة سنوات في حق المدان الأول فاروق عثمان إبراهيم محمد، تبدأ من تاريخ القبض على المدان والسجن لمدة 5 سنوات لكل من المدانين الثاني والثالث تبدأ من تاريخ القبض لكل واحد منهما والسجن لمدة أربع سنوات لكل واحد من بقية المدانين تبدأ من تاريخ القبض عليهم، وإلزام جميع المتهمين وعاقلتهم بالتضامن بأداء الدية المغلظة لأولياء دم المرحوم وقدرها (337500) جنيه (للمفارقة تعادل تقريبا 550 دولار) وتحصل بالطريق المدني"، لم يؤيده من قضاة الدائرة الاربعة سوى القاضي عماد الدين عثمان الحاج شمعون. وخالفه بقية القضاة وهم القاضي التجاني العبيد محمد موسى والقاضي محمد الفاتح احمد الياس و القاضي فتح الرحمن أحمد شعبان .
وانا هنا لست بصدد تقديم مرافعة قانونية حول الحكم وإنما قراءة رأي مولانا أبو سبيحة ومولانا عماد شمعون مقابل رأي من خالفهم من زملاءهم. وفي البدء لابد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة يدركها المحامون أنه في الغالب عندما يكتب صاحب الرأي الأول رأياً مطولاً يجتهد فيه فإنه غالباً ما يؤثر على بقية القضاة فيكتفون بتأييده، وهو منحى بشري طبيعي رغم المآخذ عليه بالطبع، ولكن ربما كان قدره أن كتب بعده القاضي المجتهد محمد الفاتح أحمد الياس رأيا سديداً منباً إلى جزئية جوهرية وهي أنهم كدائرة مراجعة يجب أن ينحصر عملهم في أضيق نطاق لأنها سلطة استثنائية، ولا يجب أن يتعدى اختصاصهم النظر في "وجود مخالفة لحكم شرعي قطعي الدلالة والإسناد أو القانون" وخلص الى أنه لا يجد في الحكم أي من ذلك، واكتفى بمناقشة القصد الجنائي من خلال الوقائع الثابتة و رأي الطبيب، وهو أن ما تعرض له المرحوم من ضرب نتجت عنه صدمة عصبية أدت لتوقف القلب الذى أدى لوفاته.
عودة إلى رأي مولانا أبو سبيحة وهو جدير بالنقاش لأنه يعكس أزمة قانونية ومهنية تسببت كثيراً في الحكم ببراءة مرتكبي جرائم القتل من منسوبي الأجهزة الأمنية بحجة أن رجل الأمن يستفيد من الدفع بانعدام قصد تعمد تسبيب الموت، إما بحجة أن الآلة المستخدمة بطبيعتها لا تسبب الموت، أو أنه كان يقوم بواجبه، فحينما يرتكب التعذيب ويسبب القتل يطلق سراحه بحجة أنه كان يحاول الوصول الى الحقيقة بانتزاع اعتراف عن طريق التعذيب وهو أسلوب يقر القضاة الفاسدين بلا أدنى حياء أنه جريمة، لكنهم يواصلون بالقول على الرغم من أنه خطأ إلا أنه يفيد المتهم في أنه اخطأ أثناء تأدية الواجب. ويجب أن نعلم أن هذا لا يحدث بسبب قصور في فهم القضاة للقانون، وفي مقدمتهم ابو سبيحة، ولكنه فساد مهني، استخدم لحماية القوات النظامية وخاصة جهاز الأمن من المساءلة وتمكينهم من الافلات من العقاب. وهذه الجزئية بالذات تفسر سبب فشل نظام العدالة الجنائية في السودان في ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة طيلة حكم الإنقاذ وما يزال.
ومن المهم ايضاً الإشارة إلى أن القضاة الفاسدين يناقشون القصد الجنائي بمسلمة ان الضرب المبرح بالسياط والعصي والأيدي والركل بالأرجل لا يمثل ضرب باداة مميتة لأن الموت لا يكون في نظر الشخص العادي نتيجة راجحة بهذه الادوات. والحقيقة العلمية التي يعلمونها جيداً أن خراطيم المياه والسياط هي أدوات قاتلة وقد بح صوت الأطباء الشرعيين في تأكيد ذلك في المحاكم بأن الضرب المبرح بهذه الأدوات يؤدي إلى الموت، ونكتفي هنا بإيراد ما قاله الطب الشرعي في هذه القضية نفسها حيث ذكر الطبيب" أن الكدمات بمنطقة الظهر والإليتين والفخذين وحتى الساقين، وهذه الكدمات نتج عنها تمزق بالشعيرات الدموية والشرايين وبعض الأوردة ونتج عنها انسكاب دموي وهذا الانسكاب الدموي كلما كان واسعاً احتمال حدوث الصدمة النزفية والدخول في الصدمة يؤدي للغيبوبة والوفاة مباشرة اذا لم تتم معالجته وفي حالة المرحوم فان الكدمات الواسعة نتج عنها شرود كميات كبيرة من الدماء تحت الجلد وفوق النسيج الشحمي وتحت العضلات ما أدى إلى الغيبوبة ثم الوفاة" فالقول بأن السياط وخراطيم المياه لا يكون الموت نتيجة حتمية لمن يضرب بها، عكس ما في الطلق الناري أو السكين. قول مردود من خلال إفادات الأطباء الشرعيين وفق الإفادة أعلاه. ولأن الأمر أمر فساد مهني فقد تفنن القضاة في محاولة إيجاد براءة للقاتل من الاجهزة الامنية حتى عند حدوث الموت بأدوات مميتة بطبيعتها مثل الطلق الناري، بالقول بأن المتهم كان يعتقد أن ذلك ضروري لأداء واجبه وأن ذلك يشكل شبهة يستفيد منها المتهم لانعدام القصد وبالتالي فهو قتل شبه عمد.
ربما من المفيد لكل السودانيين الاطلاع على قرار محكمة الموضوع والمحاكم الأخرى المؤيدة لهذا القرار، لأنه يوضح مستوى بشاعة الأذى الذي تعرض له الشهيد، وهي قسوة تقشعر لها الأبدان ، وأستغرب أن يطلع قاضي على كل تلك الفظاعات ليقول بأن الفاعل لم يكن يتعمد تسبيب الموت، ولأكون منصفاً هنا أورد بعض الوقائع الواردة في هذا الحكم بحسب سرد القاضي عماد شمعون رغم أنه القاضي الوحيد الذي اتفق مع رأي أبو سبيحة في إلغاء الإدانة وتعديلها من القتل العمد إلى شبه العمد فقال في سرد الوقائع الثابتة " ذكر شاهد الاتهام الأول أمجد بابكر أن المتهم السمؤل قال للمرحوم شكلك لوطي، والمتهم عبد الله هاشم بدأ بالضرب والمتهم السمؤل دق المرحوم وقال ده خلوه لي ده صلبه كبير...وقال شاهد الاتهام الثالث ان المتهم الثالث عبد الله هاشم قال الليلة نعمل حفلة يا صعاليك، وان السمؤل ضرب المرحوم بالشلوت والخرطوش وعبد الله هاشم كان بضرب بي يده وشاهدت المرحوم بنطلونه نازل وكان معاه المتهم الثاني وأربعة عساكر بضربوا فيه والمتهم العاشر طلع بالبوت على صدر المرحوم ودايس علي صدره برجله والأخرى على الأرض.. وقال شاهد الاتهام ان صفوت قال للمرحوم أنا ملك الموت وكان في العربية لابس بوت وبشلت ويعفص في المرحوم والمتهم نصر الدين كان بقول لي في العربية الليلة ننيكم". وللدهشة ماذا توصل مولانا عماد شمعون بعد كل هذا حيث قال في رأيه "أنه نتيجة للتعذيب المتكرر والضرب في أجزاء جسم المرحوم حدثت الوفاة وهي كانت نتيجة غير متوقعة ولكن كان عليهم نتيجة للضرب العنيف وبالشلوت وبالبوت في أماكن حساسة في جسم المرحوم أن يتوقعوا الوفاة على أقل تقدير" هذا فهم هذا القاضي للقصد الجنائي رغم أنهم رفعوا الشهيد في العربة حيث لم يقوى هو على ذلك وفي الطريق كان أحدهم يقف بكلتا رجليه على صدره على أرضية البوكس ومات قبل أن يصل الى كسلا. لكن هذا هو فهم القضاة للواجب الذي تقوم به الأجهزة الأمنية ولهذه الأسباب نكرر إن إصلاح نظام العدالة الجنائية لا يتم دون إصلاح هذه العقلية التي تسعى من منصة القضاء إلى مناصرة السلطان وسيواصلون في إجهاض العدالة لأن ضميرهم المهني مع الطغاة ضد العدالة.
أخيرا التحية للقضاة الذين ساندوا الحق في هذه القضية ولمولانا أبوسبيحة أن يخلد اسمه في سجل المشرفين على تصفية حلم الشعب السوداني بالعدالة. وخاتمة القول إن العدالة قد تتأخر وقد تتعثر لكنها في نهاية المطاف دائماً تتحقق.