ضمان نجاح الفترة الانتقالية من دروس أكتوبر الأخضر
تاج السر عثمان بابو
10 October, 2022
10 October, 2022
1
أشرنا سابقا الي أن أكتوبر الأخضر يمرهذا العام والبلاد تشهد صراعا من أجل إسقاط انقلاب 25 أكتوبر وضمان نجاح الفترة الانتقالية وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018 ، بعد التدهور المريع في الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، والقمع الوحشي للمواكب السلمية، والابادة الجماعية في دارفور وبقية المناطق بهدف نهب الأراضي والمعادن، والتفريط في السيادة الوطنية، وعوة التمكين والأموال المنهوة للفاسدين ، ونهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج، في حين يعيش شعبنا معيشة ضنكا،وتسارع خطوات التسوية التى تعيد إنتاج الشراكة مع العسكر، واتفاق جوبا الفاشل، ودمج الجنجويد في الجيش، مما يعيد مسرحية الانقلابات العسكرية والأزمة من جديد.
بالتالي من المهم الاستفادة من تجربة انتكاسة أكتوبر ، وضمان نجاح الفترة الانتقالية ، حتى لا يتكرر الفشل كما حدث في تجارب الديمقراطية الأولي والثانية والثالثة، وتجربة فشل الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر: ابريل 2019 – أكتوبر 2021، التي لم يتحقق فيها ترسيخ الديمقراطية، الدستور الدائم، السلام ، تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، السيادة الوطنية، والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان ، مما أدي للدخول في الحلقة الجهنمية ( ديمقراطية- انقلاب – ديمقراطية. الخ)، وانفصال الجنوب ، وانفجار الوضع في المناطق المهمشة، مما يتطلب وجود الميثاق الموحد و القيادة الثورية التى تقود الثورة حتى النصر، وتنفيذ أهداف الثورة وانجاز مهام الفترة الانتقالية.
لقد طرحت ثورة أكتوبر آمال وتطلعات شعب السودان في الانعتاق من أسر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي منذ نهوض الحركة الوطنية الحديثة الواسع بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تحقيق الاستقلال في يناير 1956.
2
بعد الاستقلال كان من المفترض استكماله بالاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، بانجاز مهام النهضة الوطنية الديمقراطية وبناء المجتمع الصناعي الزراعي المتقدم، لكن ذلك لم يحدث، ونشأت الأزمة الوطنية العامة التي بدأت بنقض العهود والمواثيق بعدم اعطاء الحكم الفدرالي للجنوبيين والقسمة الضيزي في وظائف السودنة مما أدي لانفجار التمرد في عام 1955، واشتدت ضغوط حزب الأمة الذي لم يقبل بهزيمته أمام الحزب الوطني الاتحادي بزعامة اسماعيل الأزهري في انتخابات 1954 علي الحكومة الوطنية الأولي التي بدأت بأحداث مارس 1954 يوم افتتاح البرلمان بحضور الرئيس المصري اللواء / محمد نجيب التي راح ضحيتها عدد من المواطنين، كما حدثت مجزرة عنبر جودة ، التي راح ضحيتها عدد من المزارعين في ظروف حبس غير انساني، وواصل حزب الأمة ضغوطه علي الحكومة ، وتم لقاء السيدين بهدف اقصاء حكومة الأزهري الذي بدأ ت تأخذ مواقف مستقلة عن الطائفتين ، وبهدف حماية مصالح الطائفتين الاقتصادية ، وتحت الضغوط تمت ازاحة الأزهري بعد انقسام الحزب الوطني الاتحادي بخروج حزب الشعب الديمقراطي منه، وتكونت حكومة السيدين الائتلافية والتي فشلت في تحقيق الاستقرار ، والدستور الدائم، ووقف الحرب ، وحل الأزمة الاقتصادية والمعيشية ، اضافة لحريق العملة لأن فيها توقيع الأزهري !!، ولم يتم الاعتراف باتحاد العمال واشتدت المحاولات لشق الحركة النقابية من الحكومة التي فشلت.
أدي كل ذلك لتكوين جبهة عريضة ضمت الحزب الشيوعي ، اتحاد نقابات عمال السودان، اتحاد المزارعين، اتحادات الطلاب، الحزب الفدرالي الجنوبي الذي دعا ميثاقها الي : الغاء القوانين المقيدة للحريات ، رفض المعونة الأمريكية التي باركها حزب الأمة، السيادة الوطنية وتأكيد التزام السودان بالحياد الايجابي، صياغة دستور قومي ديمقراطي. الخ.، كما حدث الاضراب العام لاتحاد العمال في 21 أكتوبر 1958 من أجل : تحسين الأجور والاوضاع المعيشية التي تدهورت، والاعتراف باتحاد العمال.
مع اشتداد المقاومة والرفض الواسع لحكومة عبد خليل التي كان من المتوقع سحب الثقة عنها في جلسة البرلمان في 17 نوفمبر 1958، وفي هذه اللحظة سلم عبد الله خليل رئيس الوزراء الحكم للفريق إبراهيم عبود، وتمت مقاومة الانقلاب كما اشرنا سابقا في تراكم نضالي حنى نضوج الأزمة الثورية وانفجارثورة أكتوبر 1964 التى اسقطت الانقلاب العسكري بأداة الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات.
3
* جاءت ثورة أكتوبر نتاجا لتراكم نضال الشعب السوداني طيلة الست سنوات من الحكم العسكري شارك فيه : العمال ، المزارعون، المرأة السودانية، الطلاب، المثقفون ، الشعب النوبي ضد التهجير، القوات المسلحة الوطنية، وجبهة أحزاب المعارضة، إضافة لصمود المعتقلين في السجون وأمام المحاكم. استمر هذة التراكم والزخم النضالي حتى لحظة الانفجار التي كانت ندوة جامعة الخرطوم شرارتها التي استشهد فيها الطالب احمد القرشي، وبعدها اشتعلت الثورة، وتم الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات حتي تمت الاطاحة بحكم الفريق عبود ( للمزيد من التفاصيل : راجع كتاب ثورة شعب، ست سنوات من النضال ضد الحكم العسكري، اصدار الحزب الشيوعي 1965).
* كان من أهم دروس تجربة أكتوبر تجربة الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي أصبح سلاحا في يد الجماهير لاسقاط النظم الديكتاتورية، كما حدث في انتفاضة مارس – ابريل 1985 ، وثورة ديسمبر 2018 التي كان اوسع بتجربتها في الاعتصام ، وموكب 30 يونيو 2019 بعد مجزرة القيادة العامة التي ما زالت اسر الشهداء تنتظر نتيجة التقصي فيها وتقديم المجرمين للعدالة ومتابعة المفقودين.
* أكدت ثورة أكتوبر أن ساعة التغيير لأي نظام ديكتاتوري لا تحددها رغبة هذا الحزب أو ذاك ، بل تتحدد بتوفر الظروف الموضوعية والذاتية ( أو نضج الأزمة الثورية) التي تحددها:
- عجز النظام عن الحكم وتفككه وعمق الصراعات داخله، بحيث يصبح من العسير قمع الثورة، ووصول الجماهير لحالة من الضيق بحيث تصبح الحياة لا تُطاق تحت ظل النظام الحاكم.
- وجود القيادة الثورية التي تطرح البديل لنظام الحكم.
- وجود الجيش الثوري الذي علي استعداد لمواصلة الثورة حتى النصر.
وتلك هي نظرية الثورة السودانية التي أكدتها ثورة أكتوبر 1964 وتجارب الثورة المهدية 1881 ، وانتفاضة مارس – أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2018.
4
* أحدثت ثورة أكتوبر تحولات كبيرة في المجتمع السوداني وهزت ساكن الحياة في القطاعين الحديث والتقليدي، وفتحت الطريق للتحول الديمقراطي رغم الانتكاسة، وشاركت المرأة بشكل أوسع في البرلمان و الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والرياضية، وشقت جماهير القطاع التقليدي أو الريف السوداني للمطالبة بالتنمية والاصلاح الزراعي الديمقراطي، والتعليم والصحة والخدمات البيطرية والمياه والكهرباء ، والاصلاح الاداري والقبلي، وقامت تنظيماتها لذلك الهدف مثل: جبهة نهضة دارفور، اتحاد أبناء جبال النوبا، اتحاد شمال وجنوب الفونج،وقبل ذلك تاسس مؤتمر البجا في أكتوبر 1958 ، كما قام مؤتمر المائدة المستديرة 1965 الذي لم يصل لحل لمشكلة الجنوب ، ولكنه كان فرصة للتعرف علي وجهات نظر الجنوبيين وطريقة تفكيرهم. وانتشرت الأندية القبلية في المدن لتطوير مناطقها ومساعدة إبنائها وبناتها في المدن.
كما أكدت أن الحقوق والحريات الديمقراطية عامل مهم لجذب الجماهير للنشاط السياسي والتغيير الاجتماعي ، وأن الحقوق الديمقراطية لا تنفصل عن التغيير الاجتماعي.
* من نواقص ثورة أكتوبر ، لم يكن للجماهير افق للتغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بعد الثورة، ولكنها اكتفت بانهاء الحكم العسكري والعودة للديمقراطية البرلمانية التي أجهضتها الأحزاب التقليدية. وكانت القوي المضادة للثورة اسرع من قوي الثورة، لأن الحكم العسكري أبقي علي مصالحها الطبقية ، وقام الحكم العسكري اصلا لحماية مصالح قوي اليمين الطبقية، كما كان من عناصر الضعف عدم تمكن الجماهير من حماية الثورة ، عندما شهرت القوي المضادة للثورة بمليشياتها السلاح في وجهها.
* رغم انتكاسة ثورة اكتوبر ، الا أن جذوتها ما زالت متقدة، ومن المهم عدم التقليل من أهميتها، فهي تجربة وذخيرة ورصيد شعب مفيد لشعب السودان، وكان لها انجازاتها في استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية التي كرّسها دستور 1956 المعدل 1964 ، وإلغاء قانون النقابات 1960 ، إجازة قانون النقابات 1966 الذي اعترف باتحاد العمال، دعم حركات التحرر الوطني في العالم وموقف شعب السودان الرافض لهزيمة يونيو 1967 ، وقيام مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في أغسطس 1967 الذي خرج بلاءاته الثلاثة : لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف باسرائيل ، إلغاء قانون الجامعة لعام 1960 ، اطلاق سراح المعتقلين وعودة الضباط المفصولين في ظل الحكم العسكري، صدر قانون الانتخابات 1965 الذي أعطي النساء حق الترشيح.الخ.
5
* واجهت ثورة أكتوبر، كما واجهت ثورة ديسمبر ، المؤامرات التالية : الضغوط علي حكومة سرالختم الخليفة رئيس الوزراء ومحاصرته بالمليشيات المسلحة حتى تمّ اجباره علي الاستقالة ، وفرض الانتخابات المبكرة قبل انجاز مهام الفترة الانتقالية، وعدم مشاركة أغلب جماهير المديريات الجنوبية بسبب الحرب، أحداث الأحد الدامي التي راح ضحيتها عدد من الأشخاص ، المحاولة الانقلابية في 9 /11/ 1964 ( التي تمت مقاومتها في ليلة المتاريس) وتم اقالة المجلس العسكري واجبار الفريق عبود علي التنحي.
بعد الانتخابات المبكرة في عام 1965 وقيام الجمعية التأسيسية ضاقت الأحزاب التقليدية بالديمقراطية ( الأمة ، الوطني الاتحادي ، الإخوان المسلمون) بالديمقراطية ، وتمت مؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، مما خلق أزمة سياسية ودستورية وأخلاقية بالفبركة ومحاكمة حزب بأقوال طالب لا علاقة له بالحزب الشيوعي ، وانتهاك استقلال القضاء برفض حكم المحكمة العليا بعدم دستورية قرارحل الحزب الشيوعي.
كما استمرت الصراعات الحزبية غير المنتجة مثل: انقسام حزب الأمة لجناحي الصادق والهادي المهدي ، والدعوة للجمهورية الرئاسية والدستور الإسلامي ، مما أدي لاشتداد حرب الجنوب والتوتر السياسي في البلاد، والأزمة الدستورية الثانية التي نشأت بعد حل الجمعية التأسيسية في فبرايرعام 1968، وقيام محكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968، والهجوم الإرهابي الذي قام به الإخوان المسلمون علي معرض الفنون الشعبية الذي أقامته جمعية الثقافة الوطنية والفكر التقدمي بقاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم والذي أدي لمقتل طالب وجرحي، والذي وجد استنكارا واسعا، كما تدهورت الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، وتم الاضراب العام الذي قام به اتحاد العمال عام 1968 لتحسين الأجور والأوضاع المعيشية، وتم الفشل في التوافق علي الدستور الداتم واشتد الانقسام في المجتمع والأحزاب وموجة الاضرابات والاحتجاجات.في هذه اللحظة وقع انقلاب 25 مايو 1969.
6
* أخيرا ، من المهم الاستفادة من تجربة أكتوبر لضمان نجاح الفترة الانتقالية وتحقيق أهدافها في التغيير الجذري الذي يضع حدا للانقلابات العسكرية ويتم فيه تنفيذ برنامج الحد الأدني المتفق عليه في مهام الفترة الانتقالية دون التراجع عنه كما حدث في الثورات والانتفاضات السابقة ، ترسيخ الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، واجازة قانون النقابات للفئة الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية ووحدة الحركة النقابية السودانية ، وعودة المفصولين العسكريين والمدنيين ، وحل المليشيات وقيام الجيش القومي والمهنى الموحد ، وعودة شركات الجيش والأمن والجنجويد لولاية وزارة المالية، والقصاص للشهداء في مجازر فض الاعتصام ومابعد انقلاب 25 أكتوبر، والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية في دارفور وبقية المناطق، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، والحل الشامل والعادل في السلام بعد الغاء اتفاق جوبا الذى زاد الحرب والكراهية اشتعالا ، وتحقيق التنمية المستقلة والمتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة ، وتحسين الاوضاع المعيشية وتركيز الأسعار، ودعم الدولة للوقود والدواء، ومجانية التعليم والصحة ، وتوفير خدمات المياه والكهرباء، و حماية السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على كيف يُحكم السودان؟، ودستور ديمقراطي ، وقانون انتخابات ديمقراطي ، يضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////
أشرنا سابقا الي أن أكتوبر الأخضر يمرهذا العام والبلاد تشهد صراعا من أجل إسقاط انقلاب 25 أكتوبر وضمان نجاح الفترة الانتقالية وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018 ، بعد التدهور المريع في الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، والقمع الوحشي للمواكب السلمية، والابادة الجماعية في دارفور وبقية المناطق بهدف نهب الأراضي والمعادن، والتفريط في السيادة الوطنية، وعوة التمكين والأموال المنهوة للفاسدين ، ونهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج، في حين يعيش شعبنا معيشة ضنكا،وتسارع خطوات التسوية التى تعيد إنتاج الشراكة مع العسكر، واتفاق جوبا الفاشل، ودمج الجنجويد في الجيش، مما يعيد مسرحية الانقلابات العسكرية والأزمة من جديد.
بالتالي من المهم الاستفادة من تجربة انتكاسة أكتوبر ، وضمان نجاح الفترة الانتقالية ، حتى لا يتكرر الفشل كما حدث في تجارب الديمقراطية الأولي والثانية والثالثة، وتجربة فشل الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر: ابريل 2019 – أكتوبر 2021، التي لم يتحقق فيها ترسيخ الديمقراطية، الدستور الدائم، السلام ، تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، السيادة الوطنية، والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان ، مما أدي للدخول في الحلقة الجهنمية ( ديمقراطية- انقلاب – ديمقراطية. الخ)، وانفصال الجنوب ، وانفجار الوضع في المناطق المهمشة، مما يتطلب وجود الميثاق الموحد و القيادة الثورية التى تقود الثورة حتى النصر، وتنفيذ أهداف الثورة وانجاز مهام الفترة الانتقالية.
لقد طرحت ثورة أكتوبر آمال وتطلعات شعب السودان في الانعتاق من أسر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي منذ نهوض الحركة الوطنية الحديثة الواسع بعد الحرب العالمية الثانية وحتى تحقيق الاستقلال في يناير 1956.
2
بعد الاستقلال كان من المفترض استكماله بالاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، بانجاز مهام النهضة الوطنية الديمقراطية وبناء المجتمع الصناعي الزراعي المتقدم، لكن ذلك لم يحدث، ونشأت الأزمة الوطنية العامة التي بدأت بنقض العهود والمواثيق بعدم اعطاء الحكم الفدرالي للجنوبيين والقسمة الضيزي في وظائف السودنة مما أدي لانفجار التمرد في عام 1955، واشتدت ضغوط حزب الأمة الذي لم يقبل بهزيمته أمام الحزب الوطني الاتحادي بزعامة اسماعيل الأزهري في انتخابات 1954 علي الحكومة الوطنية الأولي التي بدأت بأحداث مارس 1954 يوم افتتاح البرلمان بحضور الرئيس المصري اللواء / محمد نجيب التي راح ضحيتها عدد من المواطنين، كما حدثت مجزرة عنبر جودة ، التي راح ضحيتها عدد من المزارعين في ظروف حبس غير انساني، وواصل حزب الأمة ضغوطه علي الحكومة ، وتم لقاء السيدين بهدف اقصاء حكومة الأزهري الذي بدأ ت تأخذ مواقف مستقلة عن الطائفتين ، وبهدف حماية مصالح الطائفتين الاقتصادية ، وتحت الضغوط تمت ازاحة الأزهري بعد انقسام الحزب الوطني الاتحادي بخروج حزب الشعب الديمقراطي منه، وتكونت حكومة السيدين الائتلافية والتي فشلت في تحقيق الاستقرار ، والدستور الدائم، ووقف الحرب ، وحل الأزمة الاقتصادية والمعيشية ، اضافة لحريق العملة لأن فيها توقيع الأزهري !!، ولم يتم الاعتراف باتحاد العمال واشتدت المحاولات لشق الحركة النقابية من الحكومة التي فشلت.
أدي كل ذلك لتكوين جبهة عريضة ضمت الحزب الشيوعي ، اتحاد نقابات عمال السودان، اتحاد المزارعين، اتحادات الطلاب، الحزب الفدرالي الجنوبي الذي دعا ميثاقها الي : الغاء القوانين المقيدة للحريات ، رفض المعونة الأمريكية التي باركها حزب الأمة، السيادة الوطنية وتأكيد التزام السودان بالحياد الايجابي، صياغة دستور قومي ديمقراطي. الخ.، كما حدث الاضراب العام لاتحاد العمال في 21 أكتوبر 1958 من أجل : تحسين الأجور والاوضاع المعيشية التي تدهورت، والاعتراف باتحاد العمال.
مع اشتداد المقاومة والرفض الواسع لحكومة عبد خليل التي كان من المتوقع سحب الثقة عنها في جلسة البرلمان في 17 نوفمبر 1958، وفي هذه اللحظة سلم عبد الله خليل رئيس الوزراء الحكم للفريق إبراهيم عبود، وتمت مقاومة الانقلاب كما اشرنا سابقا في تراكم نضالي حنى نضوج الأزمة الثورية وانفجارثورة أكتوبر 1964 التى اسقطت الانقلاب العسكري بأداة الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات.
3
* جاءت ثورة أكتوبر نتاجا لتراكم نضال الشعب السوداني طيلة الست سنوات من الحكم العسكري شارك فيه : العمال ، المزارعون، المرأة السودانية، الطلاب، المثقفون ، الشعب النوبي ضد التهجير، القوات المسلحة الوطنية، وجبهة أحزاب المعارضة، إضافة لصمود المعتقلين في السجون وأمام المحاكم. استمر هذة التراكم والزخم النضالي حتى لحظة الانفجار التي كانت ندوة جامعة الخرطوم شرارتها التي استشهد فيها الطالب احمد القرشي، وبعدها اشتعلت الثورة، وتم الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات حتي تمت الاطاحة بحكم الفريق عبود ( للمزيد من التفاصيل : راجع كتاب ثورة شعب، ست سنوات من النضال ضد الحكم العسكري، اصدار الحزب الشيوعي 1965).
* كان من أهم دروس تجربة أكتوبر تجربة الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي أصبح سلاحا في يد الجماهير لاسقاط النظم الديكتاتورية، كما حدث في انتفاضة مارس – ابريل 1985 ، وثورة ديسمبر 2018 التي كان اوسع بتجربتها في الاعتصام ، وموكب 30 يونيو 2019 بعد مجزرة القيادة العامة التي ما زالت اسر الشهداء تنتظر نتيجة التقصي فيها وتقديم المجرمين للعدالة ومتابعة المفقودين.
* أكدت ثورة أكتوبر أن ساعة التغيير لأي نظام ديكتاتوري لا تحددها رغبة هذا الحزب أو ذاك ، بل تتحدد بتوفر الظروف الموضوعية والذاتية ( أو نضج الأزمة الثورية) التي تحددها:
- عجز النظام عن الحكم وتفككه وعمق الصراعات داخله، بحيث يصبح من العسير قمع الثورة، ووصول الجماهير لحالة من الضيق بحيث تصبح الحياة لا تُطاق تحت ظل النظام الحاكم.
- وجود القيادة الثورية التي تطرح البديل لنظام الحكم.
- وجود الجيش الثوري الذي علي استعداد لمواصلة الثورة حتى النصر.
وتلك هي نظرية الثورة السودانية التي أكدتها ثورة أكتوبر 1964 وتجارب الثورة المهدية 1881 ، وانتفاضة مارس – أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2018.
4
* أحدثت ثورة أكتوبر تحولات كبيرة في المجتمع السوداني وهزت ساكن الحياة في القطاعين الحديث والتقليدي، وفتحت الطريق للتحول الديمقراطي رغم الانتكاسة، وشاركت المرأة بشكل أوسع في البرلمان و الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والرياضية، وشقت جماهير القطاع التقليدي أو الريف السوداني للمطالبة بالتنمية والاصلاح الزراعي الديمقراطي، والتعليم والصحة والخدمات البيطرية والمياه والكهرباء ، والاصلاح الاداري والقبلي، وقامت تنظيماتها لذلك الهدف مثل: جبهة نهضة دارفور، اتحاد أبناء جبال النوبا، اتحاد شمال وجنوب الفونج،وقبل ذلك تاسس مؤتمر البجا في أكتوبر 1958 ، كما قام مؤتمر المائدة المستديرة 1965 الذي لم يصل لحل لمشكلة الجنوب ، ولكنه كان فرصة للتعرف علي وجهات نظر الجنوبيين وطريقة تفكيرهم. وانتشرت الأندية القبلية في المدن لتطوير مناطقها ومساعدة إبنائها وبناتها في المدن.
كما أكدت أن الحقوق والحريات الديمقراطية عامل مهم لجذب الجماهير للنشاط السياسي والتغيير الاجتماعي ، وأن الحقوق الديمقراطية لا تنفصل عن التغيير الاجتماعي.
* من نواقص ثورة أكتوبر ، لم يكن للجماهير افق للتغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بعد الثورة، ولكنها اكتفت بانهاء الحكم العسكري والعودة للديمقراطية البرلمانية التي أجهضتها الأحزاب التقليدية. وكانت القوي المضادة للثورة اسرع من قوي الثورة، لأن الحكم العسكري أبقي علي مصالحها الطبقية ، وقام الحكم العسكري اصلا لحماية مصالح قوي اليمين الطبقية، كما كان من عناصر الضعف عدم تمكن الجماهير من حماية الثورة ، عندما شهرت القوي المضادة للثورة بمليشياتها السلاح في وجهها.
* رغم انتكاسة ثورة اكتوبر ، الا أن جذوتها ما زالت متقدة، ومن المهم عدم التقليل من أهميتها، فهي تجربة وذخيرة ورصيد شعب مفيد لشعب السودان، وكان لها انجازاتها في استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية التي كرّسها دستور 1956 المعدل 1964 ، وإلغاء قانون النقابات 1960 ، إجازة قانون النقابات 1966 الذي اعترف باتحاد العمال، دعم حركات التحرر الوطني في العالم وموقف شعب السودان الرافض لهزيمة يونيو 1967 ، وقيام مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في أغسطس 1967 الذي خرج بلاءاته الثلاثة : لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف باسرائيل ، إلغاء قانون الجامعة لعام 1960 ، اطلاق سراح المعتقلين وعودة الضباط المفصولين في ظل الحكم العسكري، صدر قانون الانتخابات 1965 الذي أعطي النساء حق الترشيح.الخ.
5
* واجهت ثورة أكتوبر، كما واجهت ثورة ديسمبر ، المؤامرات التالية : الضغوط علي حكومة سرالختم الخليفة رئيس الوزراء ومحاصرته بالمليشيات المسلحة حتى تمّ اجباره علي الاستقالة ، وفرض الانتخابات المبكرة قبل انجاز مهام الفترة الانتقالية، وعدم مشاركة أغلب جماهير المديريات الجنوبية بسبب الحرب، أحداث الأحد الدامي التي راح ضحيتها عدد من الأشخاص ، المحاولة الانقلابية في 9 /11/ 1964 ( التي تمت مقاومتها في ليلة المتاريس) وتم اقالة المجلس العسكري واجبار الفريق عبود علي التنحي.
بعد الانتخابات المبكرة في عام 1965 وقيام الجمعية التأسيسية ضاقت الأحزاب التقليدية بالديمقراطية ( الأمة ، الوطني الاتحادي ، الإخوان المسلمون) بالديمقراطية ، وتمت مؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، مما خلق أزمة سياسية ودستورية وأخلاقية بالفبركة ومحاكمة حزب بأقوال طالب لا علاقة له بالحزب الشيوعي ، وانتهاك استقلال القضاء برفض حكم المحكمة العليا بعدم دستورية قرارحل الحزب الشيوعي.
كما استمرت الصراعات الحزبية غير المنتجة مثل: انقسام حزب الأمة لجناحي الصادق والهادي المهدي ، والدعوة للجمهورية الرئاسية والدستور الإسلامي ، مما أدي لاشتداد حرب الجنوب والتوتر السياسي في البلاد، والأزمة الدستورية الثانية التي نشأت بعد حل الجمعية التأسيسية في فبرايرعام 1968، وقيام محكمة الردة للاستاذ محمود محمد طه عام 1968، والهجوم الإرهابي الذي قام به الإخوان المسلمون علي معرض الفنون الشعبية الذي أقامته جمعية الثقافة الوطنية والفكر التقدمي بقاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم والذي أدي لمقتل طالب وجرحي، والذي وجد استنكارا واسعا، كما تدهورت الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، وتم الاضراب العام الذي قام به اتحاد العمال عام 1968 لتحسين الأجور والأوضاع المعيشية، وتم الفشل في التوافق علي الدستور الداتم واشتد الانقسام في المجتمع والأحزاب وموجة الاضرابات والاحتجاجات.في هذه اللحظة وقع انقلاب 25 مايو 1969.
6
* أخيرا ، من المهم الاستفادة من تجربة أكتوبر لضمان نجاح الفترة الانتقالية وتحقيق أهدافها في التغيير الجذري الذي يضع حدا للانقلابات العسكرية ويتم فيه تنفيذ برنامج الحد الأدني المتفق عليه في مهام الفترة الانتقالية دون التراجع عنه كما حدث في الثورات والانتفاضات السابقة ، ترسيخ الديمقراطية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، واجازة قانون النقابات للفئة الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية ووحدة الحركة النقابية السودانية ، وعودة المفصولين العسكريين والمدنيين ، وحل المليشيات وقيام الجيش القومي والمهنى الموحد ، وعودة شركات الجيش والأمن والجنجويد لولاية وزارة المالية، والقصاص للشهداء في مجازر فض الاعتصام ومابعد انقلاب 25 أكتوبر، والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية في دارفور وبقية المناطق، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، والحل الشامل والعادل في السلام بعد الغاء اتفاق جوبا الذى زاد الحرب والكراهية اشتعالا ، وتحقيق التنمية المستقلة والمتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة ، وتحسين الاوضاع المعيشية وتركيز الأسعار، ودعم الدولة للوقود والدواء، ومجانية التعليم والصحة ، وتوفير خدمات المياه والكهرباء، و حماية السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على كيف يُحكم السودان؟، ودستور ديمقراطي ، وقانون انتخابات ديمقراطي ، يضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////