إتهام النوايا وفضح الخفايا !!

 


 

هيثم الفضل
13 December, 2022

 

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
مُجمل ما يمكن إستنباطهُ من بيان الحزب الشيوعي الصادر عقب إجتماع اللجنة المركزية للحزب بخصوص رأي الحزب في الإتفاق الإطاري ، أن الحزب الشيوعي لن يرضى بأيي مبادرة لإخراج البلاد من أزمتها الحالية إلا (بإذعان) الجميع على إعلان (دولة السودان الشيوعية الإشتراكية العُظمى) ، وكما ذكرنا أكثر من مرة في هذا المقام أن الحزب الشيوعي ظل على الدوام (يُقحم) قناعاته الآيدلوجية في تصوُّراته للحلول المُتاحة والتي هي في الواقع مُغرقة في المستحيل وسابحة في بحرٍ من الأماني الوهمية ، بيان الحزب يبني كل إنتقاداته وتخوُّفاته من مبادي الإتفاق الإطاري التي هي ليست سوى مطالب الثورة والثوار ، على منطق (إتهام النوايا) وما يجيشُ في الصدور ، وهذا المنطق طبعاً لا يمكن أن يُعتمد في الحُكم على المباديء والمواثيق الوضعية ، بل وحتى على الأشخاص ، فالبيان ظل في أكثر إنتقاداته يتحدث عن ضرورة (الإعتداد) بمبدأ عدم الثقة في نوايا أطراف الإتفاق وصدق إلتزاماتهم تجاه الثورة والثوار ، وأن ما كُتب وما تم تحريرهُ في الوثيقة المُوقَّع عليها مُجرد (خدعة) ، وكأن الحزب الشيوعي سيظل يعتبِر أن كل وثيقة لا (يبصم) عليها قبل الآخرين هي محض مكيدة ومؤامرة ، وهل يفوت على عرَّابي الحزب العتيق أن المواثيق الدستورية بما فيها مسودة الإتفاق الإطاري لا يمكن أن تخلو متونها وموادها من غايات تستهدف (حماية) الحقوق والإجبار على أداء الواجبات ، هذا فضلاً عن حماية الإتفاق نفسه من التغوُّل والنكوص والإستغلال من قِبل الموقِّعين عليه ، وكذلك من قِبل الذين يعملون على عرقلته ، فقط لأنهم يعشقون الإصطياد في الماء العكر ويستمرءون الجلوس على سطوة (كُرسي) إتهام وتخوين الآخرين ، وبغض النظر عن ما جرى وما كان بعد ثورة ديسمبر المجيدة لن يستطيع الحزب الشيوعي ولا غيرهُ من الأحزاب والكيانات التي تغلبها صرعة مصالحها الخاصة أن تزايِّد على نضال ونزاهة وتضحيات المكونات السياسية لقوى الحرية والتغيير المركزي بما إحتوت من أحزاب وأجسام مطلبية ومهنية ، فسجِل التاريخ زاخر بمساهماتهم الفاعلة في إقتلاع وتصفية نظام الثلاثين من يونيو منذ صبيحة اليوم الأول لإنقلاب 89 المشئوم .
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي على ما يبدو (فضلَّت) أن تستمر في إنتهاز السانحة أو الفرصة التي لم تحدث قبل الآن ولا أظنها ستتكرَّر في المستقبل ، والمُتمثلة في مثول شباب الشارع الثوري بين أيديها بلا قيادة ولا موجِّهات ولا تجارب ، لتصطاد بشراهة (المحروم) في دائرة الإستقطاب السياسي والتجنيد التنظيمي للحزب ، على أن تكون المصلحة الوطنية العامة هي (السُفلى) ، فلا مصلحة للحزب العتيق في الإستقرار السياسي وعودة الثوارإلى (ثكناتهم) ولو إلى حين ، لأن حدوث ذلك يعني بكل بساطة إنتهاء (مولد) الإستقطاب السياسي والتجنيد التنظيمي.
من جهةٍ أخرى ما زال الحزب الشيوعي وحسب ما جاء في بيان لجنته المركزية الأخير ، يستنكر وينتقد التوجُّه الرأسمالي اللبرالي لحركة التنمية الإقتصادية في البلاد عبر ما ورد في الإتفاق الإطاري ، مما يدفعنا للتساؤل وهل يتوقَّع الحزب الشيوعي أن تُطبق الفلسفة الإقتصادية الإشتراكية البلشفية في السودان ؟ ، هل يريد الحزب العجوز أن (يُلزمنا) بما لم تلتزم به أساطين الدول الإشتراكية والشيوعية وفي مقدمتها روسيا والصين ، واللتان تأكَّد لديهما بعد عقود من الإشتراكية المحضة أنها لا تستطيع أن (تنجو) بإقتصادياتها من الإنهيار دون (الولوج) و(التوغُّل) في أضابير النظام الرأسمالي اللبرالي ، لتصبح الإشتراكية في أركان إقتصادياتها مُجرَّد شعارات وهتافات فضفاضة لا يعي عنها النظام الحاكم شيئاً ولا الكادحين ولا حتى البرجوازية الصغيرة والمتوسطة ، الإشتراكية عندهم الآن مجرَّد ملف مُهتريْ يكسوهُ الغبار ومٌغلقُ عليه (بإحكام) في أدراج مكاتب الحزبين الشيوعيين في كلاً من الصين وروسيا.

haythamalfadl@gmail.com

 

آراء