لماذا: “دون إبداء الأسباب”؟!

 


 

عـادل عطيـة
22 January, 2023

 

في كثير من صحفنا ومجلاتنا، نقرأ هذه الكلمات، التي صارت نصاً مقدساً، نتلوه من خاتمة كل ترويسة: "لهيئة التحرير الإعتذار عن عدم النشر دون إبداء الأسباب"!
كلمات تستفزك، وتتحداك، وتواجه قلمك، وتجرفه، وعلى الأدنى، تبقيه مزدهراً في الحفرة، فلا يترك أثراً سوى ما تتركه الفراشة من أثر!
وللأمانة، هناك بعض الدوّريات، تداركت هذا النص، ونسخته، ولم يعد موجوداً، ولكنه مازال مُفعّلاً، ومعمولاً به، على طريقة: "ما نُسخ نصه وبقي حكمه"!
أنا لا أعرف من أبتكر هذا النص الذميم، ولكني أعرف أن أحدهم وضعه لغاية في رأسه، وصار ذا أهمية خاصة بالنسبة لغيره، بحيث باتوا متمسكين به، وكأنه جزء من شخصيتهم الذاتية!
انني لا أضخم هذه الكلمات، ولا أسعى إلى أسطرتها، ولكني أحاول إزالة الطلاء عنها؛ لنرى في حناياها، الكثير من الجرائم الأدبية: فهي تقصف أقلاماً صاعدة، وتُدمّر مواهباً واعدة، وتُطارد عقولاً غنية سخيّة، فتصبح "درجة الكتابة صفر"، بتعبير رولان بارت!
هذه هي ثمارها..
ولكن، لماذا: "دون إبداء الأسباب؟!..
يمكننا الإجابة عن ذلك، من خلال هذه الشعائر...
فالبعض، مثل لصوص الروائع، يتلاعبون بهذا النص، للحصول على أغراض وأمتيازات شخصية. يحضرني في ذلك، موقفاً لأحد رؤساء التحرير من كتابات صحفي شاب موهوب، حيث أخفى مقالاته في درج مكتبه، ليغرس في عقله الشعور الدائم بأنه لا شيء!
والبعض، يستخدم هذا المكر، ليرتاح من مسئولية تقييم النصوص والكتابات الباكرة، والأخذ بيد الموهبين دون تشويه ولا صلابة، فيكتفي بنشر ما تنتجه الأسماء المرموقة. وهذا ما كشفه أحد الأدباء المشهورين، عندما أرسل بقصة من نتاجه إلى احدى الصحف، باسم مستعار، ليختبر ردة فعلهم، فاعتذروا عن نشرها. ولكن عندما أعاد ارسالها باسمه، نُشرت بحفاوة بالغة!
والبعض، يخشى من فضائحية أهوائه، وفكره المرتعش. مثل هؤلاء الذين رفضوا مقترحاً من أحد الكتّاب، أراد أن يُعدّ باباً، تحت شعار: "إلى أولادنا على مقاعد الدراسة، وفي الجيرة. حيث ملتقى االإيمان والمحبة، وحيث تلتقي القلوب بأسرها في قلب واحد". الغرض منه نشر القيم الروحية، والمباديء الإنسانية الراقية والسامية، كالطاعة، والتسامح، والتعاطف، والإيمان بإله واحد، وغيرها. مدعمة بآيات من القرآن، والإنجيل، والتوراة، ليتعلّم أولادنا أن ما يجمعنا، هو أكثر مما يفرقنا!
والبعض، يخبيء تعصبه الديني تجاه الآخر. أذكر انني التقيت برئيس تحرير مجلة للفتيان والفتيات، وفي حديثه، تكلم عن شخص، اسمه يكشف عن هويته الدينية بحروف ساطعة. قال عنه، بشيء من السخرية، أنه يكاد يرسل له كل يوم قصة ـ وكأنه لم يجد في هذا الكم من الرسائل، عمل واحد يستحق النشر ـ. الشيء الذي لم يكن يعرفه هذا المسئول، أن هذا الشخص، المنكوب، من أصدقائي. وأنه كان ينشر بصفة منتظمة في هذه المجلة، في فترة رئيس تحريرها السابق له!
أما الشيء المقزز حقاً، هو أن يعتبر بعض القائمين على رأس العمل الصحفي، أن الصحف والمجلات ـ التي هي ملكاً للشعب ـ، صارت لهم ملكية خالصة من دونهم ـ. وهذا ما أتى به أحدهم: فعندما تم تعيينه، رئيساً للتحرير بإحدى الصحف، إذا به يستبعد كتّاب الرأي ـ إلا ممن رحم ربي ـ، وكأنه ـ بلغة السياسة ـ ينقلب على الحرس القديم. وكالعادة: "بدون إبداء الأسباب". حتى انني سمعت أحدهم، يتوجّع، قائلاً: "أحببت الكلمة لأبحث عن الخلود، والآن أحببت الموت لكي أجده"!
ان خطايا هؤلاء لم تنته بعد، انها ما تزال مستمرة. وعلى المبدع أن يكون صامداً لخدش هذه الكلمات المُعثرة، والتعارك معها، والتحرر من أسوارها، وحواجزها الفاصلة، بينه وبين منصته، لينتصر ـ في النهاية ـ، على ذلك الذي تحوّل مع الزمن إلى حذاء صيني نلبسه بأرجلنا وأفكارنا، ولا يُسمح لنا بإنتزاعه حتى الموت!

adelattiaeg@yahoo.com

 

آراء