غرائب وصلت حد العجائب !!
هيثم الفضل
23 January, 2023
23 January, 2023
صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
وكالة سونا للأنباء وعبر مُراسلها في مدينة كوستي أوردت الخبر الآتي نصه : ( وقَّعت أسرة شرطة محلية تندلتي وأسرة المرحوم فضل الله أحمد بدوي من قبيلة الخيصراب اليوم ، على وثيقة صُلح بينهما وطي الخلاف وفتح صفحة جديدة من التسامُح والتعايش السلمي) ، الخبر للذين ما زلوا يُغالطون في كون السودان يحتاج إلى عشرة سنوات على الأقل ليعود دولة مؤسسات وقانون ، يمكن إعتبارهُ بمثابة دليل على أن الشرطة السودانية تاهت في تحصيل مهنيتها ما بين (العُرف الإجتماعي) و(الضبط المؤسسي) ، ذلك أنها ومنذ وقتٍ بعيد لم تعُد تخدم المواطن كما تتزيَّن شعاراتها بقدر ما كانت في الحقيقة تخدم الدولة ، ولما كانت الدولة في عهد الإنقاذ البائدة (مُستلبة) لصالح التنظيم السياسي الحاكم عبر سياسة وقوانين التمكين ، أصبح من الطبيعي أن تكون الشرطة في غفلةٍ من الزمان (نِداً) وطرفاً موازياً للمجتمعات التي تعمل على خدمتها ، بالقدر الذي يجعلها خصماً لقبيلة أو عائلة أو أسرة ، وكذلك بالقدر الذي يدفعها ويدفع قياداتها إلى مُعالجة مشكلاتها مع المُستفيدين من الخدمة من عامة المجتمع عبر أداة (العُرف) الإجتماعي التي في أحيان كثيرة تتناقض مع روح القانون ونصوصه وكذلك مع المباديء المهنية والمؤسسية.
فجلسات وجهود الصلح أو ما يُعرف بـ (الأجاويد) في عُرفنا الإجتماعي ، هو مسعى مُتَّفقٌ عليه يقوم به رجالات ووُجهاء الإدارة الأهلية وشيوخ الطُرق الصوفية وأعيان القبائل ، للفصل في نزاع أو عداء أو ثأر أو مشكلة مصلحية أدت إلى خسائر مادية أو حتى معنوية لأحد طرفي النزاع ، فكيف للشرطة وهي شخصية إعتبارية كونها مؤسسة تابعة للدولة وفي ذات الوقت تقف على إحترام وتنفيذ القانون الذي هو مرحلة من مراحل تطوُّر العُرف الإنساني ، أن تكون نداً يستخدم في علاج مشكلاته مع المجتمع وعامة الناس آليات عُرفية كالمُصالحة بالأجاويد ، هذا فضلاً عن (توثيقها) رسمياً في إحتفال وفعالية ، وإيرادها كخبر رسمي في وكالة الأنباء الرسمية ؟ ، كيف للدولة ممثَّلة في الشرطة أن تكون طرفاً (أصيلاً) في نزاع مع مواطن يُعالج بالصُلح والأجاويد ؟ وهل عجزت القوانين والضوابط الرسميه عن المعالجة وإيفاء كل ذي حقٍ حقه ، أما السؤال الإستراتيجي في الموضوع : (ما هو موضوع النزاع الذي حدث بين شرطة تندلتي وهذه الأسرة أوالقبيلة التي تم توقيع الصلح معها ؟) ، فإذا عُرف السبب بطل العجب ، وربما إنكشف المُتسبَّب في ذلك (التجاوز) الذي وقع من الشرطة وأصدق دليل على حدوثه قبولها بمبدأ الصلح مع مواطن أو أسرة.
إعمال القانون وتأكيد مبدأ المؤسسية المهنية يستوجبان أن يعرف وزير الداخلية أو قائد عام الشرطة تفاصيل الإشكال الذي حدث بين أفراد شرطة تندلتي وتلك الأسرة ، ومن المُتسبِّب فيه وسلسلة الإجراءات المُتخَّذة بشأنه ، وإذا كان المُتسبِّب مخالفاً للقانون واللوائح والنُظم فالأوجب أن يُقدَّم للمحاكمة ويُعاقب على ما فعل ، أما إذا أثبت التحقيق أن التجاوُز كان من الطرف الآخر فالأوجب أيضاً أن تًتَّخذ تجاههُ الإجراءات الرسمية التي يُحدَّدها القانون ، من وجهة نظري لا سبيل في وجود القانون وسريان مبدأ إحترام المهنية في العمل الشُرطي أن تٌعالج مشكلات الشرطة مع المستفيدين من خدماتها بمجرَّد الصلح ، لأن ذلك يحرم المُجتمع ومسوَّدة السوابق الإدارية والقانونية من تحصيل (الحق العام) للدولة والمجتمع ، والحق العام تتجاوز فوائده وثمراته حدود مصالح طرفي النزاع ، لأنه يؤسِّس لقواعد تضمن سير الجميع في الإتجاهات الصحيحة التي يُحدِّدها الدستور وتترجمها القوانين قبل العُرف الإجتماعي المُسمى بالأجاويد فهو في كثير من الأحيان لا يحقق العدالة ولا يصلح أن يكون مرجعاُ يُعتد به في مشكلات وقضايا مُماثلة.
haythamalfadl@gmail.com
سفينة بَوْح -
وكالة سونا للأنباء وعبر مُراسلها في مدينة كوستي أوردت الخبر الآتي نصه : ( وقَّعت أسرة شرطة محلية تندلتي وأسرة المرحوم فضل الله أحمد بدوي من قبيلة الخيصراب اليوم ، على وثيقة صُلح بينهما وطي الخلاف وفتح صفحة جديدة من التسامُح والتعايش السلمي) ، الخبر للذين ما زلوا يُغالطون في كون السودان يحتاج إلى عشرة سنوات على الأقل ليعود دولة مؤسسات وقانون ، يمكن إعتبارهُ بمثابة دليل على أن الشرطة السودانية تاهت في تحصيل مهنيتها ما بين (العُرف الإجتماعي) و(الضبط المؤسسي) ، ذلك أنها ومنذ وقتٍ بعيد لم تعُد تخدم المواطن كما تتزيَّن شعاراتها بقدر ما كانت في الحقيقة تخدم الدولة ، ولما كانت الدولة في عهد الإنقاذ البائدة (مُستلبة) لصالح التنظيم السياسي الحاكم عبر سياسة وقوانين التمكين ، أصبح من الطبيعي أن تكون الشرطة في غفلةٍ من الزمان (نِداً) وطرفاً موازياً للمجتمعات التي تعمل على خدمتها ، بالقدر الذي يجعلها خصماً لقبيلة أو عائلة أو أسرة ، وكذلك بالقدر الذي يدفعها ويدفع قياداتها إلى مُعالجة مشكلاتها مع المُستفيدين من الخدمة من عامة المجتمع عبر أداة (العُرف) الإجتماعي التي في أحيان كثيرة تتناقض مع روح القانون ونصوصه وكذلك مع المباديء المهنية والمؤسسية.
فجلسات وجهود الصلح أو ما يُعرف بـ (الأجاويد) في عُرفنا الإجتماعي ، هو مسعى مُتَّفقٌ عليه يقوم به رجالات ووُجهاء الإدارة الأهلية وشيوخ الطُرق الصوفية وأعيان القبائل ، للفصل في نزاع أو عداء أو ثأر أو مشكلة مصلحية أدت إلى خسائر مادية أو حتى معنوية لأحد طرفي النزاع ، فكيف للشرطة وهي شخصية إعتبارية كونها مؤسسة تابعة للدولة وفي ذات الوقت تقف على إحترام وتنفيذ القانون الذي هو مرحلة من مراحل تطوُّر العُرف الإنساني ، أن تكون نداً يستخدم في علاج مشكلاته مع المجتمع وعامة الناس آليات عُرفية كالمُصالحة بالأجاويد ، هذا فضلاً عن (توثيقها) رسمياً في إحتفال وفعالية ، وإيرادها كخبر رسمي في وكالة الأنباء الرسمية ؟ ، كيف للدولة ممثَّلة في الشرطة أن تكون طرفاً (أصيلاً) في نزاع مع مواطن يُعالج بالصُلح والأجاويد ؟ وهل عجزت القوانين والضوابط الرسميه عن المعالجة وإيفاء كل ذي حقٍ حقه ، أما السؤال الإستراتيجي في الموضوع : (ما هو موضوع النزاع الذي حدث بين شرطة تندلتي وهذه الأسرة أوالقبيلة التي تم توقيع الصلح معها ؟) ، فإذا عُرف السبب بطل العجب ، وربما إنكشف المُتسبَّب في ذلك (التجاوز) الذي وقع من الشرطة وأصدق دليل على حدوثه قبولها بمبدأ الصلح مع مواطن أو أسرة.
إعمال القانون وتأكيد مبدأ المؤسسية المهنية يستوجبان أن يعرف وزير الداخلية أو قائد عام الشرطة تفاصيل الإشكال الذي حدث بين أفراد شرطة تندلتي وتلك الأسرة ، ومن المُتسبِّب فيه وسلسلة الإجراءات المُتخَّذة بشأنه ، وإذا كان المُتسبِّب مخالفاً للقانون واللوائح والنُظم فالأوجب أن يُقدَّم للمحاكمة ويُعاقب على ما فعل ، أما إذا أثبت التحقيق أن التجاوُز كان من الطرف الآخر فالأوجب أيضاً أن تًتَّخذ تجاههُ الإجراءات الرسمية التي يُحدَّدها القانون ، من وجهة نظري لا سبيل في وجود القانون وسريان مبدأ إحترام المهنية في العمل الشُرطي أن تٌعالج مشكلات الشرطة مع المستفيدين من خدماتها بمجرَّد الصلح ، لأن ذلك يحرم المُجتمع ومسوَّدة السوابق الإدارية والقانونية من تحصيل (الحق العام) للدولة والمجتمع ، والحق العام تتجاوز فوائده وثمراته حدود مصالح طرفي النزاع ، لأنه يؤسِّس لقواعد تضمن سير الجميع في الإتجاهات الصحيحة التي يُحدِّدها الدستور وتترجمها القوانين قبل العُرف الإجتماعي المُسمى بالأجاويد فهو في كثير من الأحيان لا يحقق العدالة ولا يصلح أن يكون مرجعاُ يُعتد به في مشكلات وقضايا مُماثلة.
haythamalfadl@gmail.com