ست حجج ترجح كفة الديمقراطية كنظام سياسي

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالي ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (111) سورة يوسف

الحمد الله الذي جعل في السجال والحراك السياسي عبر وعظات وجعل في سيرة الحكام والانظمة في السودان والعالم من حولنا حكم ودروس مستفادة وعلوم ومعارف ننظر فيها وتقتبس ما يصلح به نظامنا السياسي المعطوب ودولتنا التي مازالت تتنكب الطريق الي الرشد والصلاح. ولعل الناظر الفاحص للنظام الديمقراطي عالي الشأن في عالمنا اليوم سيتفق مع تلخيص لست حجج ترجح كفة هذا النظام علي غيره من الانظمة الي سادت في الماضي ويجعل حديث بعض العسكريين وتجار الحرب من حملة السلاح وبعض الحزبيين ذوي الافق الضيق والمنتفعين بلا قيمة مضافة من السياسيين المدنيين والصحفيين عن ان الديمقراطية لاتنفع في بلادنا حجة واهية وحيلة خبيثة. الحجج الست كالاتي :

1) النظام الديمقراطي يسهم في قطع الطريق علي التدخلات الاجنبية التي تهدف الي تطويع الرؤساء وابتزازهم وضمان تحقيق مبدأ السيادة الوطنية للشعب وتحقيق الرؤية الوطنية. كثير من الناس والشباب تحديدا يتحدثون عن التدخلات الاجنبية ودورها في تعقيد الاوضاع الداخلية وتدهورها بل تجد بعضهم يشتكي من تدخل الدول الكبري ودول الجوار والاستكبار في شئونهم الداخلية. ولكن الاغرب حديث الرؤساء المعزولين مثل الحديث المنقول عن الرئيس المعزول عمر البشير الذي يتحدث فيه عن مؤامرة ضده من الدولة العظمي قائلا ان رسالتهم ( Game over) دليل علي دورهم في اسقاط نظامه . وربما يشير سعادته للمؤمرات ضد حكمه . حسنا اظن ان سعادة الرئيس قد نسي ان الملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء. كما نسي ان ثورة ديسمبر كانت استفتاء شعبي صادق ضد حكمه وليس صناعة اجنبية. واستغرب جدا ان سعادته كان بيده كان بيده (وليته فعل ) ان يعلن زهده في الحكم بعد ثمانية سنوات او عشر سنوات او اثناعشر عاما من تجربته ليفسح المجال لانتخابات ليقول الشعب كلمته وينتخب قادة جدد ولكنها النفس الامارة بالسوء والبطانة الفاسدة زينت له انه الأمن والامان والتقدم لدولة السودان وما سواه الخراب. انظر سعادة الرئيس الي عينة فقط من غرسك الان . انظر الي (الدعم السريع ) وغيرها الكثير من المشكلات التي نعاني منها اليوم انبتتها ورعتها يداك وبطانتك التي اصطفيتها من دون اهل السودان حولك (هذا غرسك سيدي الرئيس المعزول). حديثي هذا ليس من باب الشماته كلا بل هو شفقة وربما حزن علي (الغفلة ) التي حجبت وقيدت (النفس اللوامة) ومحاولة مني لاستخلاص العظة والعبرة من سيرة السابقين .الحكمة اذا اردت ان تفسد تخطيط الاعداء الاقوياء كن انت القدوة الصالحة وارعي انتخاب قادة جدد من الشعب وارعي فترات حكمهم وساعدهم بالنصح وضع وطنك في المسار والتراك الصحيح وغادر الحكم رضيا وانت قرير العين بغرسك وجهدك وتضحياتك لوجه الله وثق ان الله لن يخذلك بل سيرفع لك ذكرك وسيصنع الله لك مجدا تتناقله الاجيال. اتعب وارهق استخبارات هذه الدول بافساد مخططاتهم بالتغيير المستمر الذي يفرضه الشعب من قيادات اصيلة وطنية من قلب وعمق هذا الشعب . ساهم وارعي قيام انتخابات نزيهة لبرلمان وطني يمثل التنوع السوداني ودعه يتخذ القرارات المصيرية مثل التطبيع او عدمه وكن انت كرئيس منتخب في حل وامان من المسئولية التي تترتب علي خطأ التقدير. دع الشعب يتحمل مسؤوليته ( واعطي الشعب ضهرك ولا تعطيه لعدوك).

لا حل في نظري لافشال مؤامرات دول الجوار والاستكبار الا بانتخابات دورية لقيادات وطاقم اداري جديد وبرلمانات كل اربعة او خمسة اعوام وربما دورتين علي الاكثر استراتيجيا وعلي المدي المتوسط والبعيد هذه القيادات حتما ستكون خارج (الرادار) المعادي للشعب والرؤية الوطنية المستقلة .

(٢) الديمقراطية توفر افضل السبل والوسائل للتعامل مع الخلافات في الاراء. الاختلاف سنة الحياة وتنوع الآراء والتدافع في أي مجتمع امر طبيعي
خاصة في بلد شاسع مثل السودان به تنوع اجتماعي كبير وللناس فيه تفضيلات متنوعة لأنهم ينتمون إلى مناطق وطوائف وقبائل مختلفة ولديهم ممارسات ثقافية متنوعة. من الطبيعي لذلك ان نتوقع ونجد الخلافات في الرأي ووجهات النظر. مايميز الديمقراطية علي الانظمة الشمولية انه لا أحد فيها خاسر دائمًا ولا أحد فائزًا دائمًا ، وبالتالي في بلد متنوع كلما نشأت صراعات وخلافات فإن العملية الديمقراطية قادرة علي امتصاصها واستيعابها في القنوات الايجابية التي توفر وتطرح حلولا سلمية بعكس النظم الديكتاتورية التي تضيق ذرعا بالنقد والاختلاف مما يؤدي الي مصادرة الحريات وينتهي بالصراع المسلح لحسم قضايا مكانها الصحيح قاعات الشوري والمداولة حيث البرلمان وممثلي ونواب الشعب.

(٣) الديمقراطية نظام يحتوي علي عمليات توصف بانها اكثر قدرة وكفاءة في اتخاذ القرارات بشأن السياسات. تستند القرارات المتخذة في النظام الديمقراطي إلى المناقشات والمداولات والمشاورات التي تشمل مختلف أصحاب المصلحة.
و قد يستغرق الأمر كثيرا من الوقت ولكن الحسنة الكبرى هي أنه عندما يشارك عدة أشخاص وجهات في صنع القرار ، سيتم تجنب احتمالات اتخاذ قرارات متهورة وغير مسؤولة و خاطئة.

(٤)كذلك الديمقراطية تعزز كرامة المواطنين ففيها الحريات العامة ومبدأ المساواة السياسية واخوة المواطنة وهما أساس الديمقراطية. فمثلا المتعلمين والاميين يتمتعون بنفس المنزلة.
وكذلك الفقراء والأغنياء ولا مجال لاستعلاء او تمييز طبقة او جماعة او فئة . الجميع علي مسافة واحدة من الخدمات والثروات والمنافع التي توفرها الدولة.

(٥) الديمقراطية نظام سياسي وعمليات تسمح بمزيد من مساءلة ومحاسبة الحكومة الديمقراطية. في المقابل الحكومات الدكتاتورية هدفها تنفيذ رغبات الحاكم وبطانته وحزبه فأولي الواجبات والمهام فيها تحقيق رغبات الحاكم وبطانته و اتخاذ قرارات وصنع سياسات لايجاد حلول لمشكلات يحددها الحاكم وحزبه الذي يجمع غالبا الانتهازيين والمنتفعين بينما الشعب وحقوقه واحتياجاته واماله واحلامه في ادني سلم الاولويات. بالمقابل في الديمقراطية ، واجب الحكومة أن تحفظ الحقوق اولا وتحرص علي ان تملأ الارض عدلا بعد ان ملئت جورا وان تصنع سياسات جيدة تستجيب لاحتياجات الناس اليومية وتيسر معايشهم وان تولي اهتماما خاصا بالفئات والجماعات المهمشة والضعيفة في المجتمع ، لان الحكومة الديمقراطية مساءلة ومحاسبة أمام الشعب هذا يمنحها دافعية وحافز من اجل العمل علي مصلحته.

(٦)ايضا الديمقراطية أفضل من أشكال الحكم الأخرى لأنها الاكثر كفاءة في تهيئة بيئة ومجال لتصحيح أخطائها.فمثلا ليس هناك ما يضمن أن الحكومات والادارات المختلفة لن ترتكب أخطاء ولكن بما ان الديمقراطية توفر الحق الدستوري في التعبير والتنظيم و الشفافية ومعرفة مايدور في المؤسسات العامة فهذا يعقد ويجعل من اخفاء الأخطاء المرتكبة لفترة طويلة امرا شبه مستحيل كما ان الديمقراطية تفسح المجال للمناقشات العامة المتحضرة والنقاشات حول الأخطاء في البرلمان والصحافة ووسائل الاعلام وينتج عن ذلك مجالا وبيئة خصبة لتصحيح الأخطاء.

كذلك المحاسبية والمساءلة السياسية ( عادة تنعكس في صندوق الانتخاب) تؤثر علي الحكومات فتعيد النظر وربما تغير من قراراتها الخاطئة والا ستكون هذه الاخطاء سببا في تغيير الحكومة عبر الانتخابات.
الامثلة المذكورة أعلاه لاتنطبق بصورة مثلي في بيئة الحكومات الدكتاتورية .

هذه ست حجج تجعل الديمقراطية خيارا شعبيا راجحا ليصبح امر جعلها واقعا معاشا رسالة نبيلة وهدفا ساميا متاح للجميع وفي مقدمتهم القيادات في المؤسسات العسكرية والمدنية والاحزاب والتنظيمات والصحافة والشارع ان تسعي وتبذل وسعها لتنال شرف تحقيقه.

شريف محمد شريف علي
٢٠/٢/٢٠٢٣

sshereef2014@gmail.com
//////////////////////

 

آراء