الموقف من حرب 15 أبريل: جربنا الخلافات بأنواعها .. فلنجرب هذه المرة الوحدة في الوطن
أحمد كمال الدين
9 May, 2023
9 May, 2023
9 مايو 2023م
أخطر أزمة - بعد موت وقتل المدنيين العزل الأبرياء - هو أزمة التفكير واضطراب الرؤى حول ما يجري في بلادنا هذه الأيام .. وهو اضطراب سببه التمزق والتشتت في التوجهات السياسية والفكرية والعرقية والجهوية في السودان .. على الرغم من وحدة الوطن ووحدة الهوية الجامعة تحت إسم (السودان).
ليس غريباً أن تتعدد التوجهات، وأن يحدث الاختلاف، لكن الغريب حقاً هو الاستماتة والتعصب لدرجة إزهاق الأرواح في مجرد اجتهادات و مفاهيم فرعية في السياسة أو الفكر، أو الانتماء بسبب المولد أو العرق .. هذه في حقيقتها فرص لاثراء المجتمع بالتنوع، أو هكذا يفترض فيها، ولا يجب أن تكون سبباً للتمزق والاحتراب وذهاب الريح.
ولا سبيل لحل هذه المشاكل المتوالية منذ تاريخ بعيد إلا بمعالجة (إدارة الاختلاف)، أو (أدب الاختلاف) كما يسميها البعض، حتى يعيش الناس في توافق رغم التعدد في كثير من الأوجه.
أما بالنسبة للحرب الراهنة، فالتقرير بشأنها يعتمد على حقائق الأشياء .. إذ تعرضت مؤسسة وطنية اسمها (القوات المسلحة السودانية) لتمرد فئة منها المفروض فيها التلاحم مع الجيش، سواء كانت مدمجة فيه أم لم تكن. وهنا صارت المعركة بين هذه المؤسسة الوطنية و جزء مفارق منها. هذا هو محور ما حدث .. وكل الأخبار الأخرى مجرد فروع، وتحليل يصدق أو لا يصدق.
وحيال هذا الوضع فلا حاجة لاقرار ما هو بدهي وطبيعي: أن يدعم الجميع هذه المؤسسة الوطنية، مهما كانت عيوبها وضرورات الإصلاح فيها، فالتوقيت لا يسمح بدمج الهدفين معاَ – الإصلاح والدعم في الحرب، ولا مجال إلا الدعم المطلق في مثل هذا الوقت، على أن يتم الإصلاح في وقت السلم، ووقت الشرعية، وتحت قبة البرلمان المنتخب.
أما عن الأولويات فهي واضحة أيضاً: فقد نتج عن هذه المواجهة المسلحة الكثير من المآسي التي أصابت المواطنين المدنيين في أرواحهم وأجسادهم ومعاشهم واستقرارهم وطمأنينيتهم .. نزح منهم داخلياً من نزح، وهاجر خارج الديار من هاجر، لجوءا أو نفيا اختيارياً أو قهرياً .. وفقد المئات أو الآلاف أرواحهم وتركوا وراءهم الأيتام والثكالى وفاقدي العائل والمعين .. وظل من بقي في مسكنه يخشى طائلات النهب والهجوم والضرب بالرصاص والقنابل وكل ما يمكن أن يخطر على البال من مخاطرعلى الحياة والسلامة. هذا ما يجب أن يتوقف، وأن يكون على رأس الأولويات.
لابد من اتخاذ القرارات اللازمة لحماية المدنيين، ولتمكينهم من الوصول إلى أسباب الحياة والأمان، و تضميد الجراحات و ستر الجثث و علاج المرضى و إغاثة الضعفاء والشيوخ والنساء والأطفال و الأكثر فقراَ ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاَ .. ولماذا تنشأ المجتمعات السياسية أصلا أو تقوم الدول؟ أليس للاهتمام بالمواطن؟ و أليس الأضعف منهم هو الأولى بالرعاية والاهتمام؟ أما عن كيف يتم ذلك فليس هذا بمستحيل .. سواء توقفت الحرب أو لم تتوقف، فثمة تدابير معلومة لتأمين الضعفاء والمعوزين وحمايتهم .. كل ذلك مكتوب في المعاهدات والقوانين ومعروف لخبراء قواعد الحروب.
لقد نشط الكثير من المواطنين، والشباب منهم خاصة، رغم الحرب، في إغاثة الملهوفين وتقديم العون للمعوزين .. مستعينين بأسباب التواصل المتاحة رغم الصعوبات ورغم التوقف المتقطع لبعضها أو التوقف التام للبعض الآخر. ونشطت لجان مساع حميدة في بعض المدن والمناطق للقيام بدور مؤسسات الدفاع المدني، بل حتى لتقليل وطأة الحرب (تجربة مدينة الفاشر مثالاً) .. وعدد من الجهود الطوعية الإنسانية النبيلة .. غير أن هذا لا يكفي قطعاً .. إلا بدعم هذه النوايا والجهود الطيبة دعماً على مستويات أكبر، من الداخل والخارج، لتقليل المعاناة وحقن الدماء و تحجيم المخاطر المحدقة بمن بقي سليماً من الموطنين.
أما عن الحل السياسي المستدام فلا مكان بعد اليوم لأي قوات عسكرية غير القوات المسلحة السودانية المعروفة عبر العقود، ومن أراد ممارسة دورها فعليه أن يدين بقانونها كاملاً، ويستجيب لمواصفات تدريبها، مثل غيره من منسوبي هذه القوات. و أي اتفاق يخلو من هذا الشرط فهو اتفاق بائس معلوم المصير.
على أهلنا في السودان الارتفاع بمستوى الوعي الوطني ونشره بين الناس، والعمل على (التعاون) والتناصر السلمي المدني لإغاثة الضعفاء و الأكثر ضعفاً أولاً، و الانتباه لمصلحة الوطن لتكون فوق أي مصلحة حزبية أو طائفية أو جهوية أو سياسية أو شخصية، مهما كانت، لأن الوطن هو الوعاء الجامع للعيش المشترك ولن تقوم للوطن قائمة بغير (التعاون) و بغير (التوافق) حول الأسس الوطنية الرئيسة .. فقد فعلنا كل ما يخالف ذلك عبر السنين، ولنجرب وحدة الوطن ولو مرة واحدة.
________________
kingobeidah@gmail.com
أخطر أزمة - بعد موت وقتل المدنيين العزل الأبرياء - هو أزمة التفكير واضطراب الرؤى حول ما يجري في بلادنا هذه الأيام .. وهو اضطراب سببه التمزق والتشتت في التوجهات السياسية والفكرية والعرقية والجهوية في السودان .. على الرغم من وحدة الوطن ووحدة الهوية الجامعة تحت إسم (السودان).
ليس غريباً أن تتعدد التوجهات، وأن يحدث الاختلاف، لكن الغريب حقاً هو الاستماتة والتعصب لدرجة إزهاق الأرواح في مجرد اجتهادات و مفاهيم فرعية في السياسة أو الفكر، أو الانتماء بسبب المولد أو العرق .. هذه في حقيقتها فرص لاثراء المجتمع بالتنوع، أو هكذا يفترض فيها، ولا يجب أن تكون سبباً للتمزق والاحتراب وذهاب الريح.
ولا سبيل لحل هذه المشاكل المتوالية منذ تاريخ بعيد إلا بمعالجة (إدارة الاختلاف)، أو (أدب الاختلاف) كما يسميها البعض، حتى يعيش الناس في توافق رغم التعدد في كثير من الأوجه.
أما بالنسبة للحرب الراهنة، فالتقرير بشأنها يعتمد على حقائق الأشياء .. إذ تعرضت مؤسسة وطنية اسمها (القوات المسلحة السودانية) لتمرد فئة منها المفروض فيها التلاحم مع الجيش، سواء كانت مدمجة فيه أم لم تكن. وهنا صارت المعركة بين هذه المؤسسة الوطنية و جزء مفارق منها. هذا هو محور ما حدث .. وكل الأخبار الأخرى مجرد فروع، وتحليل يصدق أو لا يصدق.
وحيال هذا الوضع فلا حاجة لاقرار ما هو بدهي وطبيعي: أن يدعم الجميع هذه المؤسسة الوطنية، مهما كانت عيوبها وضرورات الإصلاح فيها، فالتوقيت لا يسمح بدمج الهدفين معاَ – الإصلاح والدعم في الحرب، ولا مجال إلا الدعم المطلق في مثل هذا الوقت، على أن يتم الإصلاح في وقت السلم، ووقت الشرعية، وتحت قبة البرلمان المنتخب.
أما عن الأولويات فهي واضحة أيضاً: فقد نتج عن هذه المواجهة المسلحة الكثير من المآسي التي أصابت المواطنين المدنيين في أرواحهم وأجسادهم ومعاشهم واستقرارهم وطمأنينيتهم .. نزح منهم داخلياً من نزح، وهاجر خارج الديار من هاجر، لجوءا أو نفيا اختيارياً أو قهرياً .. وفقد المئات أو الآلاف أرواحهم وتركوا وراءهم الأيتام والثكالى وفاقدي العائل والمعين .. وظل من بقي في مسكنه يخشى طائلات النهب والهجوم والضرب بالرصاص والقنابل وكل ما يمكن أن يخطر على البال من مخاطرعلى الحياة والسلامة. هذا ما يجب أن يتوقف، وأن يكون على رأس الأولويات.
لابد من اتخاذ القرارات اللازمة لحماية المدنيين، ولتمكينهم من الوصول إلى أسباب الحياة والأمان، و تضميد الجراحات و ستر الجثث و علاج المرضى و إغاثة الضعفاء والشيوخ والنساء والأطفال و الأكثر فقراَ ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاَ .. ولماذا تنشأ المجتمعات السياسية أصلا أو تقوم الدول؟ أليس للاهتمام بالمواطن؟ و أليس الأضعف منهم هو الأولى بالرعاية والاهتمام؟ أما عن كيف يتم ذلك فليس هذا بمستحيل .. سواء توقفت الحرب أو لم تتوقف، فثمة تدابير معلومة لتأمين الضعفاء والمعوزين وحمايتهم .. كل ذلك مكتوب في المعاهدات والقوانين ومعروف لخبراء قواعد الحروب.
لقد نشط الكثير من المواطنين، والشباب منهم خاصة، رغم الحرب، في إغاثة الملهوفين وتقديم العون للمعوزين .. مستعينين بأسباب التواصل المتاحة رغم الصعوبات ورغم التوقف المتقطع لبعضها أو التوقف التام للبعض الآخر. ونشطت لجان مساع حميدة في بعض المدن والمناطق للقيام بدور مؤسسات الدفاع المدني، بل حتى لتقليل وطأة الحرب (تجربة مدينة الفاشر مثالاً) .. وعدد من الجهود الطوعية الإنسانية النبيلة .. غير أن هذا لا يكفي قطعاً .. إلا بدعم هذه النوايا والجهود الطيبة دعماً على مستويات أكبر، من الداخل والخارج، لتقليل المعاناة وحقن الدماء و تحجيم المخاطر المحدقة بمن بقي سليماً من الموطنين.
أما عن الحل السياسي المستدام فلا مكان بعد اليوم لأي قوات عسكرية غير القوات المسلحة السودانية المعروفة عبر العقود، ومن أراد ممارسة دورها فعليه أن يدين بقانونها كاملاً، ويستجيب لمواصفات تدريبها، مثل غيره من منسوبي هذه القوات. و أي اتفاق يخلو من هذا الشرط فهو اتفاق بائس معلوم المصير.
على أهلنا في السودان الارتفاع بمستوى الوعي الوطني ونشره بين الناس، والعمل على (التعاون) والتناصر السلمي المدني لإغاثة الضعفاء و الأكثر ضعفاً أولاً، و الانتباه لمصلحة الوطن لتكون فوق أي مصلحة حزبية أو طائفية أو جهوية أو سياسية أو شخصية، مهما كانت، لأن الوطن هو الوعاء الجامع للعيش المشترك ولن تقوم للوطن قائمة بغير (التعاون) و بغير (التوافق) حول الأسس الوطنية الرئيسة .. فقد فعلنا كل ما يخالف ذلك عبر السنين، ولنجرب وحدة الوطن ولو مرة واحدة.
________________
kingobeidah@gmail.com