ما هكذا يا قاضي تورد الابل

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
تعقيب على مقال السيد/ أبوبكر القاضي، المعنون: في ذمة الله الناشطة الجمهورية والنسوية/ عواطف عبدالقادر حرم دعمر القراي، !والمنشور في سودانايل: 22 June, 2023.
وبداية نسال الله الرحمة والمغفرة للسيدة عواطف، والعزاء للدكتور القراي ونسال الله له ولابنته الشفاء العاجل، وان يلهمه وجميع معارفها واحبابها الصبر وحسن العزاء في مصابهم.
وحقيقة فإن المجال ليس مجال تعقيب ولا حوار ومناقشة واخذ ورد،ولكن القاضي-عفا الله عنا وعنه- شحن تعزيته بافكار وعبارات ملغومة وغير مناسبة في مثل هذه المواقف ،مما اضطرني الى التعليق عليها في النقاط التالية:
اولاً: حاول الكاتب ان يعدد محاسن المتوفاة وما قدمته من اعمال ،وهذا ما ينبغي ان يذكر في مثل هذه الاحوال،تبعا للمثل الساير : اذكروا محاسن موتاكم، تقربا الى الله وطلبا منه تعالى المغفرة للميت،ولكن آثر الكاتب ان يقرن ذلك ببعض العبارات المستفزة وغير اللايقة على الاقل -لكثير من الناس -في مثل هذه المواقف ،مثل قوله ان المتوفاة الجمهورية كانت متمردة ،( وقد كان الاستاذ محمود يتقبلها (بتمردها هذا) .. لكونها صاحبة قضية ، ولها غبن كبير ضد التراث الديني( يقصد بالطبع الاسلامي) ـالذي يملك المرأة للرجل ملك رقبة ، بحيث لا توجد فروق جوهرية بين الزوجة والجارية ، وما ذنبها الجارية تكون جارية أصلا ،ذلك التراث الديني الذي يسمح للرجل بتأديب زوجته نفسيًا (بالهجر) وبدنيًا (بالضرب ) !!!
فالمتوفاة- لها الرحمة- وفقا لعبارته: متمردة ولها غبن ضد التراث الديني ،الذي وصفه ،بأنه يملك المرأة للرجل ملك رقبة، الى اخر عباراته غير المقبولة وغير الصحيحة،ويدحضها موقف الإسلام من المرأة ،والمكانة التي وضعها الإسلام فيها ،والذي سبق ان بينته في مقالات عدة نشرت على صحيفة سودانايل الالكترونية،واذكر القاريء هنا ببعض ما اوردته ردا على مزاعم الجمهوريين،واقوالهم.
• فبداية عمل الإسلام على تحرير المرأة،وإنتشالها من ذلك الواقع الذي كانت تعاني منه.فرد لها إنسانيتها،وحفظ لها كرامتها،وأقر لها حقوقها،وقد تمثل تكريم الإسلام للمرأة فيما يلي:
-بداية حارب الإسلام تلك المشاعر العدائية التي كان يكنها العربي للمرأة ودفعته للتشاؤم منها ،فأكد الإسلام على الأصل الواحد الذي ينتمي إليه الرجل والمرأة.
• كماحارب الإسلام وأد البنات، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) التكوير:8-9 ،ونهى عن قتل الأبناء بسبب الفقر،أو بسبب الخشية منه."
• دفع الإسلام عن المرأة اللعنة التي ألصقها بها رجالات الديانات السابقة للإسلام ،وزعمهم أنَّها سبب خطيئة آدم وخروجه من الجنَّة،فأكد القرآن أنَّ الوسوسة كانت من الشيطان،وأنَّ آدم وحواء أكلا من الشجرة معاً،ومن ثم يتحملان الخطيئة معاً،وأنهما تابا إلى الله فتاب الله عليهما، وانتهى الأمر بهبوط الجميع إلى الأرض آدم وحواء وإبليس.
• توجه خطاب الإسلام للناس جميعاً رجالاً ونساءً . واهتم - في تعامله- بالرجل والمرأة على السواء،. ولم تميز تعاليم الإسلام بين الرجال والنساء، اللَّهم إلا في بعض التكاليف التي استثنيت المرأة منها ،كالجهاد، وعدم المسؤولية في الإنفاق على البيت أو بعض المسؤليات الأخرى التى خففها الإسلام على المرأة او اسقطها مراعاة لطبيعته التي جبلت عليها.
• أما فيما عدا ذلك فإنَّ المرأة أخذت مكانها في الإسلام إلى جانب الرجل ،مساوية له في الحقوق والواجبات،والتكاليف والمسؤليات ،فالمرأة مكلفة كالرجل ، ومطالبة بعبادة الله تعالى،واقامة دينه وأداء فرائضه،واجتناب محارمه،والوقوف عند حدوده ،والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• والمؤمنة كالمؤمن سواء في ضرورة الاستجابة لكل ما أمر الله به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم،بحيث لا يجوز لأي منهما أن يخالف هذا الأمر و لا أن يضيق به، وهكذا نجد أنَّ الإسلام أنقذ المرأة العربية من حالة الاضطهاد التي كانت تعيش فيها ،وكرمها ورفع من مكانتها في كافة المجالات:الإنسانية والاجتماعية والحقوقية.
• ففي المجال الإنساني أقر الإسلام بمكانة المرأة وجعلها مساوية تماما لمكانة الرجل ،ولم يجعل للرجل ميزة خاصة به من حيث الخلق أو الطبيعة،بل لكل منهما طبيعة ملائمة لمسؤلياته التي انيطت به.
• وفي المجال الاجتماعي أكرم الإسلام المرأة ،بل حض على مزيد من إكرامها والرفق بها سواء في طفولتها أوشبابها أو كهولتها،فهي معززة مكرمة في بيت أبيها،ثم هي سيدة محترمة في بيت زوجها،ثم هي سيدة جليلة القدر في بيت إبنها،يجد ريح الجنة تحت أقدامها.
ثانياً: اثار الجمهوريون -الذي يبدوا ان الكاتب ينتمي اليهم-، بعض القضايا التي اعتبروا احكام الشريعة الإسلامية فيها قاصرة عن مواجهة الوضع المتقدم للمرأة في هذا العصر .وهذا موقف يتسق مع رؤية استاذهم للاسلام ورسالته ،التي وضحها في كتابه:" الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين"".وتبعا لهذا اثار بعض القضايا المتعلقة بالمرأة كقضية: القوامة ،,والميراث ،والزواج وغيرها من المسائل التي اعتبر ما جاءت به الشريعة الاسلامية من احكام لا يتوافق مع وضع المرأة في هذا العصر . ولا اريد ان اتناول موقف الجمهوريين من هذه القضايا ،ورؤية الإسلام ،فقد سبق ان بينت موقف الإسلام عن المرأة وقضاياها في عدة مقالات نشر بعضها على سودانايل ،ويمكن للقاريء ان يرجع اليها على صفحات( سودانايل)، ومنها: قضايا المرأة في المنظور الإسلامي، 9 August, 2020، حقوق المرأة في الإسلام (1) ،9 March, 2023، حقوق المراة في الإسلام، (2) 13 March, 2023 .
ثالثاً: مما مدح به الكاتب المرحومة قوله: إن الراحلة عواطف عبدالقادر صنعت (التغيير) جنبًا الى جنب مع النسوية اليسارية، آمال جبر الله مع غيرها من الاسماء التي ذكرها،وأنها ناشطة نسوية في جمعية (لا لقهر النساء) حتي أخر لحظة في حياتها ،ولم يذكر الكاتب معالم التغيير الذي صنعته الحركة النسوية المذكورة، عدا المظاهرات التي سيرتها والوقفات التي قامت بها، ورفعت خلالها شعارات مثل " حركة قوية ضد الابوية "،وغيرها من الشعارات، التي أساءت الى الحركات النسوية السودانية، وشوهت صورة المناضلات في سبيل النهوض بالمرأة السودانية.وكان الأجدر بالمرحومة والحركة النسوية التي شاركت فيها ان تبدأ بدراسة التراث الإسلامي، وتستصحب التقاليد السودانية الحميدة ،وما فيها من قيم وانصاف للمرأة ،وحفظا لحقوقها ،ولتتبين ان اهمال القيم الإسلامية والتخلي عن التقاليد السودانية الحميدة كان السبب الرئيس في واقع المرأة السودانية المتردي ،ولكن للاسف شأنها شأن كثير من الحركات النسوية في العالم العربي ،اتخذت ( لا لقهر النساء)، من الهجوم على التراث الإسلامي منطلقاً لحركاتهم ،مما افقدها تعاطف كثير من المؤمنين بحقوق المرأة ،وجلب عليها عداء بعض المتمسكين بالتقاليد الجامدة، وخسرت بذلك معركتها في المجتمع السوداني وعجزت عن تقديم اي رؤية يمكن من خلالها تطوير واقع المرأة في المجتمع السوداني .
رابعاً : في عنوان جانبي : تناول الكاتب ما اسماه عنف الإخوان المسلمين حين يفقدون السلطة ؟،، واراد بذلك التجربة الإسلامية للانقاذ قائلا :" لقد حكم الاخوان المسلمون السودان مدة ٣٠ سنة ،ولازالوا يفكرون (بعقلية اتحاد طلاب جامعة الخرطوم)، والمجلس الاربعيني" . وللاسف ليس هذا السلوك-ان صح- في التعاطي مع الفعل السياسي قاصراً على الاخوان المسلمين ، ويمكن القول بأن هذا السلوك اصبح ظاهرة تنطبق على كثير من ممارسات الساسة في الفترة الانتقالية، وما تجربتهم الفاشلة التي تعد الحرب الدائرة الآن من نتائجها ،الا خير دليل على ذلك .وما ذكره الكاتب من اصطفاف المعارضة ابان فترة الديمقراطية الثالثة، ضد ترشيح الترابي في دائرة الصحافة ،قد يدخل ضمن هذا السلوك المشين ،والذي كان له اثار سلبية على الفترة الديمقراطية.ولم يقف الكاتب عند ذم الاخوان وسلوكهم السياسي، بل وصف الاخوان المسلمون بأنهم لا يعرفون ثقافة (التبادل السلمي للسلطة) .. والانتقال للمعارضة.. وممارسة النقد الذاتي والإعداد الجيد للدورة الانتخابية المقبلة،ورد ذلك- لا لتقصير منهم في الإلتزام بقيم الإسلام وتعاليمه الذي قد يكون صحيحا ، بل نسب عدم التزامهم، بما يمكن ان يوصف بالقيم الديمقراطية ،بانهم لم يجدوا هذه الثقافة في التراث الإسلامي. وهذا ايضا مما يدل على توجه الكاتب، ويكشف عن تحيزه ضد التراث الإسلامي . فالثقافة السياسة في التراث الإسلامي-،كما يذهب كثير من الدارسين- تقوم على قيم معينة تتمثل فيما ورد في القران الكريم والسنة النبوية، من مباديء وقيم يمكن ان يبنى عليها نظام سياسي يتنافس مع النظم السياسية المعاصرة لا سيما النظام الديمقراطي :كقيم الشورى ،والمساواة والعدالة ،وضرورة مراقبة الحكام .وغيرها من القيم. فالشورى سمة من السمات التي يتميز بها المجتمع المسلم في جميع شؤونه السياسية او الاقتصادية او التربوية،وصفة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلمون، سواء كانوا يشكلون جماعة لم تقم لها دولة ، أم كانوا يشكلون دولة قائمة. واَ ذا كانت الديمقراطية في جوهرها تعني أن يختار الناس من يحكمهم ويسوس أمورهم،وألا يفرض عليهم نظام أو حاكم يكرهونه،وأن يكون لهم الحق في محاسبة من يحكمهم إذا أخطأ ،وحق عزله إذا جار أو انحرف،وألا يساق الناس إلى اتجاهات أو مناهج اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية لا يعرفونها..واتخذت الديمقراطية صيغاً وأساليب عملية لتنفيذ تلك المبادىء والحفاظ عليها مثل: الانتخابات، والاستفتاء العام،وترجيح حكم الأكثرية، والتعددية الحزبية،وحق الأقلية في المعارضة وابداء رأيها،وحرية الصحافة واستقلال القضاء. إلى غير ذلك من الوسائل والآليات. فلا شك أنَّ هذه المباديء والأسس التي تقوم عليها الديمقراطية في جملتها،من صميم الإسلام ،ومتوافقة تماماً مع تعاليمه.
فكما قرر الإسلام مبدأ الشورى كقاعدة من قواعد الحياة الإسلامية،وأوجب على الحاكم أن يستشير الأمة،وأوجب على الأمة أن تنصح له،وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر. والحاكم في نظر الإسلام ما هو إلا وكيل عن الأمة أوأجير عندها،ومن حقها أن تحاسبه أو تسحب عنه الوكالة إذا أخل بموجباتها.
ولم يقيد الإسلام الشورى باطار معين ،شأنها في ذلك شأن العديد من المسائل في الاقتصاد والاجتماع التي وضع لها الإسلام المباديء والأسس وترك للناس أن يطورا من الوسائل والآليات، وفقا لظروفهم الاجتماعية والحضارية، التي تحقق تلك المباديء والأسس.ومن هنا تلتقي الشورى مع الديمقراطية المتمثلة في الحرية الفكرية واحترام حقوق الإنسان، والتعددية الثقافية الخ.. ولكن تختلف مع الديمقراطية في الجانب الفلسفي الذي يربط التشريع بالشعب فقط.بينما في الإسلام يعود التشريع الى الوحي الإلهي,ويجتهد البشر في مساحة واسعة تركها الإسلام للإنسان لكي يجتهد ويصل إلى الحكم الذي يحقق المصلحة ولا يتعارض مع نصوص الوحي.
وهكذا تتوافق تلك القيم والمباديء مع ما تتضمنه قيم الديمقراطية من مباديء سياسية أو اجتماعية مثل مباديء المساواة أمام القانون،وحرية الفكر والعقيدة ،وتحقق العدالة الاجتماعية وما إلى ذلك ،أو كفالة حقوق معينة كحق الحياة والحرية والعمل،وما أشبهه،فلا شك أيضاً في أنَّ كل تلك المباديء متحققة ،وهذه الحقوق مكفولة في الإسلام.
ويضاف الى مبدأ الشورى مبدأ العدل ،الذي يعتبر من المباديء التي تقوم عليها كل النظم الإسلامية،لا سيما النظام السياسي الإسلامي، كم يعد عاملاً مهماً من عوامل انتشار الإسلام في كثير من البلاد،كما يضاف ايضا مبدأ المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات،والذي ينطلق من النظرة الإسلامية للإنسان،وإنَّ الناس جميعاً خلقوا من أصل واحد، فالأب آدم ،والأم حواءُ.
وهكذا يمكن القول بان ما تتضمنه الديمقراطية من مباديء سياسية أو اجتماعية معينة مثل مباديء المساواة أمام القانون،وحرية الفكر والعقيدة ،وتحقيق العدالة الاجتماعية وما إلى ذلك ،أو كفالة حقوق معينة كحق الحياة والحرية والعمل،وما أشبهه،فلا شك أيضاً في أنَّ كل تلك المباديء متحققة ،وهذه الحقوق مكفولة في الإسلام. (انظر: دراسات في الثقافة الإسلامية " د. احمد محمد احمد الجلي" ،دار الكتاب الجامعي ( العين) ،الطبعة الثانية 2010م النظام السياسي، صفحات:327-356).
خامسا ً:واخيرا ورد ضمن مقالة الكاتب الشائهة قوله: "ويستفاد من الدرس اعلاه :- ما يفعله (الكيزان اليوم في ١٥ /ابريل ٢٠٢٣، هو نفسه الذي فعلوه عام ١٩٧٩ حين فقدوا سلطة الإتحاد.. العنف المميت !!! "
ويبدو ان الكاتب من بين المصابين بلوثة "عداء الكيزان" أو "اسلاموفوبيا الإسلاميين"،،كما اطلق عليهم الاستاذ عبد الله ابراهيم . والمصابون بهذا الداء، لا يرون أمامهم الا خطر الإسلاميين, ومن ثم ينسبون سبب الحرب الى الكيزان،كما توحي عبارة الكاتب .ويرفع بعضهم عبارة " لا للحرب" ،وهي عبارة حق أريد بها باطل ،فلا احد يرغب في الحرب او يدعو الى اشعالها.وهؤلاء على اختلاف فيما بينهم،يرددون هذا العبارة ،ويصورون الحرب على أحسن الفروض أنها حرب عبثية بين جنرالين حول السلطة،او حرب يديرها الكيزان ،وبذلك- وبغباء شديد- يعطوا الكيزان المُتَوهَمين شرفاً، لم يسعوا اليه، او يعملوا له. وبصرف النظر عن من اشعل هذه الحرب، فان كثيرا من الدلائل والمؤشرات تدل على أن حميدتي (زعيم المتمردين) او الجنجويد، هو من كان يعد العدة للحرب منذ بضعة اشهر، ويخطط لها منذ فترة، ويعمل على اشعالها ويتحين الفرصة للقيام بها،وما ذهابه بقواته الى مروي قبيل الحرب بثلاثة ايام ، في تحد واضح للقوات المسلحة،ومخالفة لأوامرها،اضافة الى ما كشف عن إعداد قوات الدعم السريع للآليات العسكرية،والمؤن والذخائر،في معسكراتهم التي تجاوزت العشر و المنتشرة في انحاء استراتيجية في العاصمة، فضلا عن تعديهم على القيادة العامة وسعيهم الى تصفية قيادة القوات المسلحة،في يوم الخامس عشر من ابريل ،الا بعض الدلائل على تخطيطهم للحرب وسعيهم اليها.
فالصراع العسكري الداير الآن، ليس صراعا بين جنرالين، بل،صراع بين الجيش ومن ورائه الشعب السوداني ،وبين مرتزقة اجانب جاؤوا مِن تشاد والنيجر والكاميرون وأفريقيا الوسطي وجنوب ليبيا وبوركينا فاسو ونيجيريا وموريتانيا وحتي السنغال في أقصي غرب أفريقيا، اضافة الى قليل من السودانيين ،وتسعي هذه الجماعات بقيادة الدعم السريع( الجنجويد)، وبزعامة حميدتي ،لاقامة دولة بديلة للدولة السودانية. وقد اخطأ رأس النظام البائد في تكوين هذه الجماعة وجعل منها قوة موازية للجيش السوداني، ومنح رئيسها رتبة عسكرية، وشرعية قانونية ،واستعان بهم في حروب دارفور ،وارتكب الجنجويد من الفظائع والجرائم في دارفور ،مما اثار المجتمع الدولي على نظام الخرطوم لفظاعتها ووحشيتها . وأدت في النهاية الى اتهام نظام البشير بالابادة الجماعية، والطلب بمحاكمته امام المحكمة الجنائية الدولية. ونتيجة لما مارسته جماعات الجنجويد من انتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم دارفور وأقاليم أخرى في البلاد، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات قبض ضد الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه ووزير داخليته ،مع قائد الجنجويد ووجهت اليهم تهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، لكن البشير وحكومته رفضوا المثول أمام تلك المحكمة ،اضافة الى انه اتخذ من قائد الجنجويد ،درعا يحميه من الجيش الذي لم يعد يطمئن له ،ومن الثورة الشعبية التي قامت ضد نظامه،ولكن اللجنة الامنية للجيش التي ائتمنها البشير على حمايته باعت البشير ،كما باعه ايضا حميدتي الذي كان يلقبه بحمايتي،واودع مكانا امنا في البداية ثم اصبح مقره سجن كوبر،هو وزمرته، وأعلن حميدتي الانحياز للثورة. وضمن الترتيبات التي أعقبت الثورة، حظي «حميدتي» بمنصب نائب رئيس مجلس السيادة، ضمن حكومة الشراكة بين المدنيين والعسكريين التي أقرتها الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس (آب) 2019. رغم ان الوثيقة لم تنص على منصب نائب لرئيس مجلس السيادة ،كما ان الساسة انذاك تغاضوا عن ما قامت به قوات الدعم السريع من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة،وقتلهم للثوار بطريقة اجرامية لاتقل عن ما قاموا به من جرائم في دارفور. واذا كان البشير قد اخطا بتكوين الجنجويد ومكن لهم على حساب القوات المسلحة،ومنحهم الشرعية كقوة عسكرية ،فقد أخطأ قادة الجيش خطأ بليغاً بأن سمحوا لهذه الفيئة بان تنمو وتتمدد،وتهيء المسرح لحرب قادمة لا محالىة،وتخطط للانقضاض على الدولة السودانية وتفكيكها ،واقامة "مملكة الجنجويد" او "مملكة آل دقلو" مكانها،; ،وللاسف سكتت على الاقل- بعد ثورة ديسمبر المجيدة- فيئة من الساسة السودانيين،وهي تشاهد نمو قوة هذه المليشيا،وغرتهم الشعارات التي رفعها حميدتي من انه حامي الديمقراطية،وان يسعى لاقامة حكم مدني،وسكت اولئك الساسة طمعا في تولي السلطة،او لكسب سياسي.مرتقب. ولكن خاب فألهم جميعا ،وخارت قوى المتمردين، منذ اللحظة الاولى التي خططوا فيها لاغتيال رأس الدولة وثلة من قادة الجيش، وادخال البلاد في فوضى,والحمد لله الان بعد ان خارت قواهم وطاشت احلامهم تحولوا لعصابات تنهب وتغتصب وتعتدي على المواطنين بالقتل ومصادرة اموالهم واحتلال مساكنهم،وتعطيل المستشفيات وتحويلها الى ثكنات عسكرية،وتدمير المنشآت الاقتصادية من مصانع وبنوك ،الى غير ذلك من الجرائم التي مارسوها من قبل في دارفور ويمارسونها الان في العاصمة السودانية. ،وقد صدق فيهم الوصف الذي ورد على قلم ،عبد العزيز جمعة ساكن في روايته "مسيح دارفور"، اذ قال عن عصابات الجنجويد :" يتمظهرون في المدينة على عربات لاندكروزر مكشوفة، عليها مدافع الدوشكا ،وتعلق على جوانبها الاربجي البغيض ،وهم عليها في ملابس متسخة مشربة بالعرق والاغبرة، يحيطون انفسهم بالتمائم الكبيرة والخوذات، لهم شعور كثة تفوح منها رائحة الصحراء والتشرد، على اكتافهم بنادق جيم ثلاثة صينية تطلق النار لاتفه الاسباب، وليست لديهم حرمة للروح الانسانية ، لا يفرقون مطلقا ما بين الانسان والمخلوقات الاخرى الكلاب الضالة مثلا....... وتعرفهم ايضا بلغتهم الغريبة "الضجر"، وهي عربي النيجر او الصحراء الغربية، ليس لديهم نساء ولا اطفال بنات، ليس من بينهم مدني ولا متدين ولا مثقف، ليس بينهم معلم او متعلم، مدير او حرفي، ليست لديهم قرية او مدينة او حتى دولة، ليست لديهم منازل يحنون للعودة اليها في نهاية اليوم "( مسيح دارفور ،عبد العزيز جمعة ساكن، ص:32).
فهذا هو واقع هذه الحرب اللعينة واهدافها، فهي ليست بحرب الكيزان كما يدعي البعض،بل هي حرب الأمة السودانية وجيشها ضد مشروع يهدف الى القضاء على الدولة السودانية، وعلى الجميع على اختلاف اتجاهاتهم وايديولوجياتهم ،أن يتركوا خلافاتهم جانبا،وان يؤجلوا مشاريعهم السياسية، وان يوحدوا صفوفهم ،ويعملوا يدا واحدة على منع الجنجويد من تحقيق اهدافهم ،لان في تحقيق تلك الاهداف نهاية للدولة السودانية،ووجود السودانيين كشعب له هوية وثقافة وذاكرة تاريخية. وليس من سبيل الى تفويت الفرصة على الجنجويد،وافشال مشروعهم وما خططوا له، الا بالاصطفاف مع القوات المسلحة،لانها هي الجهة الوحيدة الوطنية التي تتصدى لذلك المشروع ،ولا خيار للناس سوى الاصطفاف مع القوات المسلحة، ،لانه اذا انتصر حميدتي وجنجويده، لا قدر الله ، فسيصبح مستقبل السودان في مهب الريح.

Ahmed Mohmed Ahmed Elgali
ahmedm.algali@gmail.com
//////////////////////

 

آراء