موقف ومصير الحرب الأهلية السودانية: مراجعة ل 14 من العوامل المؤثرة

 


 

 

د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

على مشارف الذكرى الأولى للحرب السودانية سنعمل في هذا المقال على دراسة العوامل المحفزة والمثبطة لوقفها ونرصد خلال ذلك الموقف الحالي لها والاثار المترتبة عليها. وسنتبع ما أمكن نتائج الدراسات العلمية والاحصائيات المدققة والدروس المستفادة من الحروب الأهلية السابقة شامل الحروب الاهلية السودانية.

وفقا للباحثة الجامعية المتخصصة في نشوء وانتهاء الحروب الأهلية باربارا والتر، وباحثين آخرين كثر فهناك عوامل عديدة قد تؤثر بدرجات متفاوتة في احتمالات وقف الحروب الأهلية. هذه العوامل هي:

1. تكلفة الحرب:
كل ما ارتفعت تكلفة الحرب الأهلية كلما زادت فرص وقفها. تشمل التكلفة البشرية والمادية للحرب على أطرافها وعلى مجمل الدولة والشعب كما تشمل الاثار غير المباشرة للحرب.

في غالب تجارب الشعوب كانت الحروب الاهلية أعلى تكلفة من الحروب الخارجية (انظر الرسم البياني لاحصائيات تفوق عدد القتلى العسكريين في الحرب الاهلية الامريكية مقارنة مع عددهم في الحروب الاخرى التي شاركت فيها الولايات المتحدة الامريكية).

تشير تقديرات الأمم المتحدة في يناير 2024 الى ما بين 13 الى 15 الف حالة وفاة و33 الف حالة اصابة كنتيجة مباشرة للحرب. لا توجد احصائيات شاملة عن عدد الوفيات والامراض الناجمة عن ضعف الخدمات الصحية وعن ضعف الأمن الغذائي نتيجة للحرب. وقد ارتكبت مجازر في حق المدنيين في كل من الجنينة واردمتا ومسيتراي وسربة وكتم وجسر طيبة بنيالا.

يقدر عدد النازحين داخليا واللاجئين خارجيا بسبب الحرب الحالية ب 6,5 و 2 مليون، على التوالي. ويقدر عدد ضحايا العنف الجنسي شامل الاغتصاب والرق الجنسي في يوليو 2023 ب 4400.

أما حجم السرقات والنهب المسلح فقدر في يوليو 2023 ب 40 مليار دولار.

تجدر الاشارة هنا الى ان أغلب المجازر البشرية والعنف الجنسي والسرقات والنهب المسلح قامت بها قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها كالكسابة وام باقة.

تجدر ايضا هنا مقارنة عدد الوفيات والنازحين في الحربين الاهليتين في جنوب السودان والمقدر ب 1,5 مليون و 4 مليون، على التوالي وفي حرب دارفور والمقدر ب 200 الف و2 مليون، على التوالي. ونلحظ هنا ان عدد الوفيات في الحرب الجارية أقل كثيرا من عددهم في الحروب السودانية السابقة بينما يفوق عدد النازحين وعدد اللاجئين
في الحرب الحالية بكثير عددهم في الحروب السودانية الماضية
.
2. فوائد الحرب.
كلما انخفضت فوائد الحرب الأهلية كلما زادت فرص وقفها. تشمل فوائد الحرب الفوائد المادية والسياسية.

يبدو ان حجم السرقات والنهب المسلح للممتلكات العامة والخاصة قد وصل ذروته واستنفذ مصادره ولم يتبقى الكثير للاستيلاء عنوة عليه.

اما الاطراف المستفيدة سياسيا من الحرب فهي أساسا الاطراف المعارضة للحكم المدني الديمقراطي وعلى رأسها الجيش وقوات الدعم السريع وحزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية. وستعمل هذه الأطراف على وقف الحرب فقط إذا دعمت التسوية التالية لها مصالحها.

لا توجد مؤشرات حتى الان لانخفاض فوائد الحرب السياسية على الاطراف المستفيدة منها.

3. توازن القوى:
كلما تعادلت قوى الأطراف المتحاربة أو اختلت موازين القوى بصورة حاسمة لصالح أحد طرفيها الرئيسيين كلما زادت فرص وقف الحرب. يشمل توازن القوى الجوانب العسكرية والسياسية. عسكريا يعتبر حجم السيطرة على الأراضي وعلى المواقع ذات القيمة العسكرية والسياسية العالية أمر هام.

تسيطر قوات الدعم السريع على معظم اراضي ولاية الخرطوم وولايات دارفور وولاية الجزيرة وتتقاسم السيطرة مع الجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الجنرال عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة الجنرال عبد الواحد النور على اراضي ولايات كردفان. ويسيطر الجيش على اراضي ولايات شمال وشرق السودان والجزء الجنوبي لوسط السودان (أنظر لخريطة السيطرة لاطراف الحرب الصادرة من مرصد حرب السودان في فبراير 2024).

اما توازن القوى السياسية فيتفوق الجيش على الدعم السريع في الوزن السياسي في شمال وشرق ووسط السودان وفي دول الجوار العربية بينما يتفوق الدعم السريع على الجيش في الوزن السياسي في دارفور وكردفان وفي دول الجوار الأفريقية.

4. قوة الهوية العرقية:
كلما قل دور القبيلة والعرق في الحرب الأهلية كلما زادت فرص وقفها.

الاستقطاب والتجنيد والاعتقال والقتل على أسس قبلية وعرقية في حالة تنامي ومن قبل الطرفين الرئيسيين المتحاربين
.
5. قابلية المصالح المتحارب عليها للقسمة:
كلما زاد حجم المصالح ووجود صيغ مقبولة لاقتسامها بين أطراف الحرب والقوى العسكرية والمدنية المتحالفة معها كلما زادت فرص وقف الحرب.

من خلال التسريبات عن مفاوضات المنامة بين الجيش والدعم السريع فإنه يمكن قسمة المصالح بين الطرفين العسكريين ولكن يوجد شك كبير في وجود صيغة مقبولة لقسمة المصالح مع القوى المدنية
.
6. مقبولية الاصلاح العسكري والامني لأطراف الحرب:
كلما زادت مقبولية خطة الإصلاح العسكري والامني لدي أطراف الحرب كلما زادت فرص وقف الحرب. يشمل ذلك مقبولية مبدأ التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج ومقبولية الخطط المطروحة حوله. كما يشمل مقبولية خطط تكوين الجيش الموحد لأطراف الحرب ولحركات التمرد المسلحة.

وفقاً للتسريبات عن مفاوضات المنامة فإن هناك توافق حول المدة الزمنية الخاصة بالاصلاح العسكري والامني وتكوين الجيش الموحد، تحديدا عشرة سنوات. لكن يوجد شك حول التوافق على القيادة والسيطرة خلال هذه العملية المعقدة والعالية الحساسية.

7. قوة الوسطاء:
كلما زادت قوة الوسطاء كلما زادت فرص وقف الحرب. تشمل قوة الوسطاء مقبوليتهم وقدرتهم على الضغط والتحفيز والتأثير على اطراف الحرب والقوى العسكرية والمدنية المتحالفة معهم.

حاليا الوسطاء ضعيفي التأثير. ولكن الاتجاه المتنامي لتنسيق وتوحيد جهود الوسطاء في منظمة الايغاد والاتحاد الأفريقي عبر منبر جدة للوساطة الذي تقوده السعودية والولايات المتحدة الأمريكية مع العمل على ضم مصر والإمارات لهذا المنبر قد يقود لتقوية الوسطاء

8. قوة الضغط الشعبي نحو السلام:
كلما زادت الضغوط الشعبية لوقف الحرب كلما زادت فرص وقفها. لم نرصد حتى الان ضغوطات للمجتمعات وقادتها داخل مناطق الحرب.

ويعتبر تحالف القوى المدنية الديمقراطية "تقدم" هو اقوى الأطراف التي تمارس ضغوطا خارج السودان لوقف الحرب الأهلية.

9. قوة التدخلات الدولية والاقليمية الداعمة للحرب:
كلما قلت التدخلات الدولية والاقليمية الداعمة للحرب كلما زادت فرص وقفها. تشير تصريحات للجيش والدعم السريع وتقارير صحفية الى دعم عسكري من قبل اطراف اقليمية لاحد طرفي الحرب الرئيسيين. تشمل هذه التصريحات والتقارير قصف الطيران العسكري المصري لقوات الدعم السريع في بورتسودان في الايام الاولى للحرب، امداد الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر لقوات الدعم السريع بأسلحة ، امداد مجموعة فاغنر الروسية لقوات الدعم السريع بصواريخ أرض-جو واسلحة ومقاتلين مرتزقة من عدة دول أفريقية، امداد الامارات لقوات الدعم السريع بمسيرات وأسلحة عبر تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى مرورا بيوغندا والمساهمة في معالجة جرحى قوات الدعم السريع، امداد ايران للجيش السوداني بمسيرات من طراز مهاجر-6، ومشاركة قوات خاصة من اوكرانيا في تنفيذ عمليات ضد محموعة فاغنر الروسية في السودان وفي تدريب الجيش السوداني على استعمال المسيرات ومهاجمة امدادات قوات الدعم السريع.

10. قوة الانهيار الاقتصادي:
كلما زاد الانهيار الاقتصادي كلما زادت فرص وقف الحرب. وفقاً لوزير المالية السوداني فقد انكمش الاقتصاد السوداني كنتيجة للحرب الاهلية بنسبة 40% في العام 2023 ويتوقع انكماش اضافي بنسبة 28% في العام 2024 واشار الى انخفاض ايرادات الدولة بنسبة 80%.

واعلنت هيئة المواني السودانية انخفاض حجم التجارة الدولية العابرة لها بنسبة 23%. ولم تصدر وزارة المالية السودانية ميزاينة للدولة ولا تقارير ربع سنوية لا في العام 2023 ولا في العام 2024.

وتشير التقديرات الى تلقص المساحات المزروعة بنسبة 60% وانخفاض صادر الذهب من 18 في السنة السابقة للحرب الى 2 طن سنويا بعد نشوبها وارتفاع السعر الرسمي للدولار في البنوك السودانية من 625 في سبتمبر 2023 الى 1250 في فبراير 2024.

11. :قوة المجاعة
كلما زاد انتشار المجاعة كلما زادت فرص وقف الحرب. تشير تقديرات الامم المتحدة الى معاناة حوالي 18 مليون داخل السودان من انعدام الأمن الغذائي وحوجة 14 مليون طفل لمساعدات انسانية عاجلة ووصول حوالي 5 مليون شخص لمرحلة الطوارئ السابقة لمرحلة المجاعة وتوقع وصول سكان الجنينة وامدرمان الى مرحلة المجاعة بين مايو واكتوبر القادمين.

12. قوة الضغوط الدولية والاقليمية:
كلما زادت الضغوط الدولية والاقليمية على اطراف الحرب كلما زادت فرص وقف الحرب. تشمل هذه الضغوط العقوبات على الأفراد والمؤسسات والدولة وحظر الاسلحة والطيران والعزل الدبلوماسي .

قامت الولايات المتحدة الامريكية بفرض عقوبات على شركات تمول او تساعد على استيراد الاسلحة للجيش والدعم السريع كما قامت بفرض عقوبات على افراد من قيادات الطرفين ومن قادة نظام المؤتمر الوطني المحلول الداعمين لاستمرار الحرب. وقامت المملكة المتحدة بفرض عقوبات على شركات تمول او تساعد على استيراد الاسلحة للجيش والدعم السريع.

وتجدر الاشارة هنا الى استمرار حظر الاسلحة الخاص باقليم دارفور والصادر من الامم المتحدة قبل الحرب الحالية وان ظل تنفيذ هذا القرار غير فاعلاً.
.
13. تغيير القيادة لمعتدلة:
تغيير قيادة الأطراف المتحاربة بقيادات معتدلة يزيد من فرص وقف الحرب. يشمل تغيير القيادة أطراف الحرب والقوى العسكرية والمدنية المتحالفة معه.

لا توجد حاليا مؤشرات لتغيير قيادة الأطراف المتحاربة.

14. تغيير السياسات لمعتدلة:
تغيير سياسات الأطراف المتحاربة بسياسات معتدلة يزيد فرص وقف الحرب. يشمل تغيير السياسات
أطراف الحرب والقوى العسكرية والمدنية المتحالفة معه.

لا توجد حاليا مؤشرات لتغيير سياسات الأطراف المتحاربة.

moniem.mukhtar@googlemail.com

 

آراء