طارق الطيب … بين (ألف ليلة وليلة) و (ليالي الأنس في فيينا) ..!!

 


 

 

توثيق - صديق السيد البشير*
siddigelbashir3@gmail.com
(1)
مرحباً
لا تعض روحك بأسنان الغير
ولا ترق دمك في أقداح السكارى
هذه ليست عظات
بل كلام مجرّب
لا يرغب في أن يقول لك
بعد فوات الأوان
وبكل برود: (نعم كنت أدري)..!
نوفي ساد ــ صربيا 30/8/2006م
٭ عندما سافر طارق الطيّب إلى النمسا في بداية الثمانينات، لم يحمل معه إلاَّ كتاب (ألف ليلة وليلة)، وأغنية (إسمهان) الشهيرة (ليالي الأنس في فيينا). وبعض الذكريات الأليمة، وصل إلى المدينة الأوروبية في شهر يناير، لم تكن ملابسه صالحة لبرد النمسا القارس. «ملابس قطنية لطيفة، لا تمنع تسرّب البرد حتى النخاع». كما يقول.. وجد نفسه منزوعاً عن الأهل والأصدقاء، وكانت الكتابة حيلة يستدعيهم بها، ويبحث فيها عن الدفء المفتقد... ويصف الصحافي والناقد المصري محمد شعير رواية طارق الطيّب الموسومة «مدن بلا نخيل» باكورته الروائية الصادرة عن دار الجمل 1992م بالكاتب المتعدد أو المتنوع والأخيرة تعني إضافات ايجابية، وطبقات راسخة تضاف إليها طبقات متجددة، ويتفاعل بعضها مع بعض بانسجام، فيم التعدد يحمل معاني التشفي.
(2)
وطارق الطيب هو أديب... يكتب الرواية والقصة القصيرة والقصيدة.. ويرسم... يتفاعل مع كافة الأجناس الأدبية، ويتعامل مع كل الأنماط الإبداعية... تفتّحت عيونه على أضواء (قاهرة المعز) في العام 1959م والتي عاش فيها حول (25) عاماً، غير أن أصول والده تعود إلى كورتي (شمال السودان) وعاش الوالد في مدينة كوستي بالنيل الأبيض... وترجع أصول والدته إلى بورسعيد جمهورية مصر العربية... أي هو خلطة سحرية بين شطري «وادي النيل».. وتنقل بين الوادي.. والخليج العربي إلى أن يمَّم وجهه شطر القارة الأوروبية ــ تحديداً ــ إلى النمسا وتزوج هناك باحدى نسائها.. ومتجوّلاً بأدبه بين كل دول القارة المذكورة.. وصدرت له مجموعة من الأعمال الروائية والشعرية... وينثر شعراً في إحدى قصائد ديوانه «ليس إثماً»:
ليس إثماً
أنّ أتمنى أن تكون لي إبنة
أكسِر بها هذا الغباء
الذي يندم لخِلفةِ البنات
ويحنقُ لذكاءِ بنت عن ولد
أو يتهمها بسرقة طوله
وليس إثماً
أن أدمع يوم تتزوجُ
وتغادر بيتي
دون أن أخفي دموعي
الإثمُ
أن أعتقد أن البنت في نظريات
الحساب والتفاضل تخسر
وأنَّها ناقصة رأس وروح وطين
(3)
ويؤكد الشاعر والروائي طارق الطيب أن ديوانه (ليس إثماً) الصادر عن دار آفاق للنشر والتوزيع هو عبارة عن (55) قصيدة معنونة بأرقام. تبدأ بالقصيدة صفر وتنتهي بالقصيدة (54) والغلاف من تصميمه... ويرى أن الديوان يمثل (إسترجاعاً) وإنعكاساً للديوان الأول (بعض الظن) الصادر في 2007م، وقد كتب قصائد الديوان في أربع دول هي أمريكا، مصر، تونس والنمسا، حيث كتب (42) قصيدة في مدينة أيوا بين عامي 2008م ــ 2009م، (7) قصائد في مدينة أسوان في مصر في عام 2009م و(3) قصائد في مدينة جرجيس في تونس في عام 2009م.. والثلاث قصائد الأخيرة في مدينة فيينا بالنمسا في 2007م ــ 2009م.
٭ وطارق كان قد أصدر مجموعته القصصية الأولى التي أسماها (الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء) التي أرسلها إلى المرحوم الطيب صالح ليقرأها ويكتب لها المقدمة، على الهاتف قال له الطيب بصوته الإفريقي: (من أنا لأكتب لك مقدمة لكتابك؟)... غير أنه بعد ذلك كتب له مقدمة جميلة بخط يده المميّز ومازال طارق يحتفظ بها.
٭ ونسبة لملامح الشبه بينه وفريدمان، شارك طارق البطولة لمهرجان فريدمان في فيلم يتناول قصة حياة هذا الممثل الأمريكي الشهير.
(4)
٭ أصبح طارق الطيب من المؤثرين في المشهد الثقافي الأوروبي عموماً، والنمساوي على وجه الخصوص... ويشارك بصفة دائمة في كافة الإحتفالات المحلية والإقليمية والدولية.. فهو الذي تمتزج فيه العاطفة المصرية السودانية، العربية والإفريقية. درس الطيب في كتَّاب الشيخ على بعين شمس قبل أن يذهب إلى المدرسة في القاهرة...
٭ إلى أن تخرّج في كلية التجارة جامعة عين شمس عام 1981م.. ثم حزم حقائبه مغادراً الى النمسا عام 1984م. والتي تشرف بها وتشرّفت به وفردت له ذراعيها بحب عميق.. وسرعان ما انخرط في الوسط الثقافي والإجتماعي والسياسي والأكاديمي... ومتزوجاً من إحدى نسائها.. وفي النمسا درس الإقتصاد والعلوم الإجتماعية... إلى أن نال درجتي الماجستير ثم الدكتوراة عام 1997م... وكانت رسالته الرفيعة تحمل إسم «نقل الأخلاق عن طريق التكنولوجيا... الصراع بين الهوية والربحية».
(5)
وأصدر طارق روايات مثل «مدن النخيل» و«بيت النخيل» والأخيرة صدرت في القاهرة عام 2006م وفي بيروت عام 2010م ودواوين.
٭ يقول طارق في حواره مع (أخبار الأدب) المصرية: (لماذا كانت «ألف ليلة وليلة» الكتاب الوحيد الذي حمله في سفره، تماماً كما فعل حمزة بطل روايته «بيت النخيل»... قال: «بطلي حمل معه كتاباً يثق فيه، فقد أحبطته جميع الكتب. أراد أن ينسج على منواله وبصوته حكاية عصرية تحقق له النجاة من سبق شهريار الشرق والغرب المتربص. الحكاية هي طريق النجاة، على الأقل نجاة تاريخه الشخصي من الضياع والإندثار)... يضيف: الحكاية لكي تعيش تحتاج إلى «روح» هذه الروح منحها له الصوت الآخر، صوت غنائي رائق قديم يجلجل في فضاءات بعيدة، لم يدخل اعتباطاً إلى النص، وإنما من قصة حب أقدم لشخصية أخرى هامة في الرواية، هذا الصوت الآخر لاسمهان كان يغني لمدينة اسمها فيينا، سيكون فيها بالفعل، في «بيت النخيل» وستكون، فيها ساندرا التي سيسافر إليها حمزة كل هذه المسافة لتسمع منه قصة لم يرغب أحد هناك في موطنه الأصلي أو في بلاد رحلته الطويلة «مصر والسودان» أن ينصت إليها.
وبطل روايته الموسومة «بيت النخيل»... هي أقرب للسيرة الذاتية.. وبطلها حمزة لم يتصالح مع ماء وجهه في الغربة، بل كسرها. المصالحة من وجهة نظره تعني التعايش، أو التنازل، أو الإجبار أو الخنوع.
(6)
ويعمل الأديب طارق الطيب كمدرس ومحاضر في جامعة جراتس وجامعة العلوم الإدارية بمدينة كريمس (ثمانين كيلو متر عن فيينا) ونشر أعماله بالعربية وأربعة أخرى مترجمة إلى الألمانية والفرنسية والمقدونية والإيطالية والإنجليزية والصربية والفرنسية والهولندية والأوكرانية والرومانية والروسية والإسبانية.
وحصل على عدة منح أدبية من النمسا... ونال الجائزة العالمية الكبرى في الشعر، رومانيا 2007م... وللقاص والروائي والشاعر طارق الطيب... أعمال منها «مدن بلا نخيل» التي أهداها لزوجته.. وأخرى مثل مسرحية «الأسانسير» والمكتوبة بالعامية المصرية... وثلاث مجموعات قصصية مثل «الجمل لا يقف خلف اشارة حمراء 1993م» و«أذكروا محاسن 1980م» والثالثة حملت إسم «حقيبة مملوءة بحمام وهديل 1999م». وتم تعيينه في عام 2008م كسفير للنمسا لعام الحوار الثقافي العالمي.
٭ وعاش طفولته ــ كما تقول سيرته الذاتية ــ في حي عين شمس محل سكن والديه حتى اليوم، متنقلاً في الصيف بين البيومي في حي الحسينية، حيث عاشت جدته لأمه، ومنطقة «أبي صقل» «أبو سجل» في شمال سيناء، حيث عمل والده في سلاح الحدود التابع للجيش المصري حتى المعاش والوفاة.. ضاع هذا البيت في حرب يونيو 1967م.
(7)
وحصل طارق الطيب على مجموعة من المنح في النمسا مثل.. المنحة التشجيعية الكبرى للدولة لعام 2001م، وعلى ذات المنحة في العام 2002م ــ 2003م... ومنحة أخرى.. هي جائزة الكتاب لعام 2003م.. وغيرها هي منحة ليترار ميكانا الأدبية لمدة عام كامل... ومنحة إلياس كانيتي الكبرى وأخرى من وزارة الثقافة للسفر إلى الخارج في الأعوام 2002م ـ 2003م ـ 2004م ـ 2007م ـ 2008م).. إلى أن نال منحة العمل الأدبي من ذات الوزارة في الأعوام (1996م ـ 1998م ـ 2001م).
هذا غير قراءاته المتعددة في النمسا ــ تحديداً ــ في دار الأدب وفي المكتبة الوطنية في فيينا، وفي الجمعية النمساوية للأدب.. وغيرها في المعهد الإفريقي الآسيوي.. بجامعة فيينا.. وفي فعاليات مختلفة.
٭ بمقاطعات ومؤسسات أكاديمية وثقافية.. هو ذاته طارق الذي نشر منتوجه الأدبي.. وأعاد انتاجه في أكثر من عشرين عاصمة أوروبية وعربية مثل فيينا وروما والقاهرة ورام الله وكولونيا وبيلجراد وأبي ظبي ومسقط والرياض ولندن وباريس ودمشق وكيلوبليانا والمنامة وبوخارست وبيروت والدار البيضاء ونوفي ساد وليمبيرج.
(8)
غير أن الناقد والدكتور مجدي يوسف يرى أن كتابات الروائي السوداني المصري طارق الطيب أصبحت ظاهرة ثقافية وأدبية ولها قراء شغوفون ووجدت اقبالاً منقطع النظير وأن روايته «مدن بلا نخيل» تروي رحلة عصيبة لبطلها «حمزة» في قرية «ود النار» في أقاصي شمال السودان، تاركاً وراءه أمه وأخته بحثاً عن عمل يسد رمقهم في المدينة، بعد أن صار حال القرية ينحدر للأسوأ، ويعود البطل في نهاية الرواية لقريته فلا يجد «قُطّيّة» القرية «عم علي» الذي يهدي إليه في أسف مُرٍ أن أُخته توفيت بداء الكوليرا، ولحقتها والدته. وفي النهاية يبحث البطل عن نخلته العزيزة فيجدها محتضرة على الأرض بلا روح فيها ولا حتى سعفة واحدة.. ورأى يوسف أن هذه الرواية لا يضاهيها في التلقائية والصدق الذي لا يعرف التجامل سوى رواية «الخبز الحافي» لمحمد شكري.
غير أن المؤلف طارق الطيب يقول: «كتبت هذا العمل عام 1988م في الفترة عشت صدمتين، صدمتي كطالب سوداني في كلية الالسن بمصر، وصدمة اللغة الألمانية التي كان على اتقانها، وتلتها صدمة الدراسة الأكاديمية بالخارج وفصلها الأول «من القرية» يقول «جالساً على حجر أمام باب دارنا المبنية من الطين، ماسكاً في يدي عوداً يابساً، إلى طرف منه تسري أفكاراً كثيرة متزاحمة، وفي طرفه الآخر تعبث يدي بخطوط وحروف غريبة، فأرسم على الأرض حروفاً وأشكالاً ربما تعني ما لا أعني فأنا غارق في أفكاري الحزينة، أحتفظ بالعود اليابس على الأرض المتشققة الجدباء، ويجسدها بطلها السُّوداني «حالة اغتراب في الوطن وخارجه ليدرك في النهاية أنه محتم عليه تغيير نفسه للاندماج في هذا العالم ــ وهي أقرب للسيرة الذاتية لمؤلف الرواية طارق الطيب».
(9)
وهو ذات طارق المشارك في مناسبات واحتفاليات ثقافية داخل وخارج النمسا. في المحيطات العربية والإفريقية والأوروبية والأمريكية وغيرها.
مثل مشاركته بدعوة من النمسا في معرض فرانكفورت عام 1995م ممثلاً عن الكُتّاب المقيمين في النمسا من أصل غير أوروبي.. ومره أخرى بدعوة من ألمانيا في ذات المعرض المذكور آنفاً عام 2004م، ومشاركة في ملتقى يوانيه، أو فيس دوليفر بفرنسا عام 1999م.. ومهرجان ستروجا ــ مقدونيا 2002م ــ2003م ــ 2004م ــ 2005م.. ومهرجان الربيع بفيينا 2005م، فرانكو آيريش ــ إيرلندا 2005م وما ستريشن ــ هولندا 2006م، نوفي ساد ــ صربيا 2006م ــ بأن سميرك سلوفاكيا 2006م ــ سميدن يريفو ــ صربيا 2006م ــ ملتقى الشارقة للرواية في دورته الثالثة 2008م مهرجان عربي ــ سويدي الشعر والموسيقى، مالمو، السويد 2008م، وربيع جوران ــ كرواتيا 2008م، سيدايا الدولي.. تريست.. إيطاليا 2007م.. الملاجة ــ سوريا 2007م.. مهرجان الشرق والغرب رومانيا 2007م.. مهرجان المتنبئ الشعري.. سويسرا 2007م وملتقى الشعر العالمي في سراييفو 2009م وملتقى الشعر العالمي في اسطنبول 2009م.
(10)
وطارق الطيب الذي يتولى مع الشاعرة دينا ميخائيل تدريس مجموعة من الطالبات والطلاب من الدول العربية في برنامج «بين السطور» بدعوة من جامعة «ايوا» لمدة أسبوعين.. هو ذاته الذي نشرت أعماله في كافة أرجاء العالم وهي «بعض الظن» ــ ديوان شعر 2000م، و«بيت النخيل» ــ رواية 2006م، و«مدن بلا نخيل» رواية.. و«سوق الله» ــ شعر، (عربي ــ صربي) بلجراد 2006م.
و«تخليصات «إرهاب العين البيضاء» و«أذكروا محاسن..» مجموعة قصصية «الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء» و«الأسانسير» مسرحية 1992م.

*صحافي سوداني

 

آراء