حول الثورة! ونَسَة مع عصمت الدسيس
طه جعفر الخليفة
23 October, 2024
23 October, 2024
هل تعاملت القوي السياسية مع تجمع المهنيين و لجان المقاومة كما يجب؟
كان هذا السؤال موضوع حوار استمعت فيه لفكرة الصديق الغالي عصمت الدسيس. قال عصمت القوي الساسية حديثة أو تقليدية تعاملت مع تجمع المهنيين و لجان المقاومة بنفس أسلوب تعاملها مع جبهة الهيئات 1964م و التجمع الوطني الديمقراطي1985م و كان مجمل ذلك تخريب كامل لهذين الجسمين الجديدين ، خاصة من ناحية تعامل الأحزاب مع شعارات الثورة التي نادت بها لجان المقاومة و تجمع المهنيين، حيث كان المفروض أخذ شعار "تسقط بس" بما يعني و هو كنس جميع الركام الإداري المعطوب و الفاسد و الإجرامي الذي كان في خدمة الحركة الإسلامية و أهدافها مما يسمي بجهاز الدولة مدني أم عسكري. و شعار حرية، سلام و عدالة يشترط المحاسبة و إنهاء الحروب و إبعاد الجيش و غيره من أجهزة أمن عن الساسية و الإقتصاد بالكامل. خضعت لجان المقاومة و تجمع المهنيين للإستقطاب الحاد الذي أدي في النهاية لتشتتها و عدم قدرتها علي سوق مشروع ثورة ديسمبر نحو أفق التحقق.و السؤال هنا هل كان للقوي السياسية إسلوب محدد في التعامل مع تحالفات إتمام التغيير و إسقاط أنظمة الحكم الإنقلابي ؟
الشعار الأساسي في ثورة أكتوبر كان " إلي القصر حتي النصر " و كا أن تم تحقيق ذلك عن طريق جموع المتظاهرين تحت قيادة جبهة الهيئات الذين نحجوا في محاصرة القصر الجمهوري و أجبروا قائد الإنقلاب ابراهيم عبود علي التنحي.
جبهة الهيئات يرتبط إسمها باساتذة جامعة الخرطوم البرفسير علي محمد خير ، نقابة المحامين و اتحاد الطلاب. من المحامين الأساتذة عابدين إسماعيل و فاروق أبوعيسي و من الأطباء الدكتور عبد الحليم محمد . توسعت جبهة الهيئات بمشاركة البياطرة و اتحاد طلاب جامعة الخرطوم و اتحاد المزارعين و غيرهم و كانت إجتماعاتهم بدار أساتذة جامعة الخرطوم. كانت عضوية جبهة الهيئات رافضة لمشاركة الأحزاب فيها أو في قيادة الإحتجاجات. فقط جبهة الميثاق ( الترابي و عثمان خالد أصرأ علي ضم الأحزاب عدا الحزب الشيوعي السوداني) و في المقابل كانت أحزاب الأمة و الوطني الإتحادي و حزب الشعب الديمقراطي يطالبان بحل جبهة الهيئات و كان خوف الأحزاب و علي رأسهم جبهة الميثاق هو فتح الطريق أمام الحزب الشيوعي السوداني السوداني الذي يتراوح وضعه بين الحظر و السماح وقتها ليسيطر علي جبهة الهيئات و الفترة الإنتقالية. إستفادت الأحزاب الأخري و الحزب الشيوعي من هذا الجو و إعترفت جميع الأحزاب السودانية علي فك حظر الحزب الشيوعي و السماح له بالممارسة السياسية العلنية. تصدعت جبهة الهيئات عقب ليلة المتاريس و كانت تلك هي الإحتجاجات التي قادهه المهنيون و النقابات و الحزب الشيوعي لرفض قرارات عبود بفصل و إعتقال الضباط الذين إنحازوا لثورة أكتوبر. الخلافات في جبهة الهيئات حول هذه المواكب و مبدأ مششاركة الأحزاب أدت علي حسب ما تري دكتور فدوي عبد الرحمن علي طه إلي تصدع جبهة الهيئات. من المرجع أدناه تلاحظ رفض الأحزاب التقليدية و الأخوان المسلمين لجبهة الهيئات و محاربتها من البداية. للمزيد يمكنك مراجعة الرابط أدناه. إستصحاب أجواء الستينات في المنطقة مهم . يجب الإنتباه لحقيقة أن مشروعات القوميين العرب و اليسار العربي و الأفريقي ، كانت متقدمة و لم يكن هنالك مشروع وطني تحرري إسلامي. كان الإسلاميون في حالة صدمة و ردة ثقافية حولتهم إلي قوي مرذولة سياسيا و فكريا لأنه أعداء للمنجز الحضاري الإنساني العام .
راية اكتوبر فينا
محمد المكي إبراهيم
إنني أؤمن بالشعب
حبيبي وأبي
وبأبناء بلادي الشرفاء
الذين اقتحموا النار
وكانوا بيد الشعب مشاعل
وبأبناء بلادي البسطاء
الذين انتفضوا في ساحة المجد
فزدنا عددا
وبأبناء بلادي الشهداء
الذين احتقروا الموت
وعاشوا أبدا
ولأبناء بلدي سأغني
للمتاريس التي شيّدها الشعب نضالا وصمودا
ولأكتوبر مصنوعا من الدم
شهيدا فشهيدا ..
وله لما رفعناه أمام النار
درعا ونشيدا
وله وهو يهز الأرض من أعماقها
ذكرى وحيدا
ولتكن عالية خفاقة
راية أكتوبر فينا
ولتعش ذكراه في أعماقنا
حبا وشوقا وحنينا
وليكن منطلق الشعب
بإيمان جديد بالفدا
وبإيمان جديد بالوطن
(طه، 2019)
ثورة مارس أبريل
لن يحكمنا أمن الدولة
جيش واحد شعب واحد
لن يحكمنا البنك الدولي و لن تحكمنا بقايا مايو . انتصار الثورة عبر المواكب التي حررت المعتقلين السياسيين من سجن كوبر كان عنوان إنتصار الإنتفاضة. تكوّن التجمع الوطني الديمقراطي وأنجز إجتماعه الأول في يوم 6 ابريل 1985م . قاد الإنتفاضة ناشطون من المهنيين و الأحزاب و النقابات و الطلاب. عندما تكون التجمع الوطني الديمقراطي و أصدر ميثاقه كان يتكون من الأحزاب السياسية و المهنيين و النقابات و اتحاد المزارعين و أتحاد طلاب جامعة الخرطوم. هذه وجه إختلاف مهم بينه و بين جبهة الهيئات. حيث أن الحزب الشيوعي لم يكن موضوعا في قوائم الحظر و يعود ذلك لفضيحة الإسلاميين في إعدام الإستاذ محمود محمد طه و فضيحة قوانين سبتمبر و علاقتهم بالفساد و يعود أيضا لتمرغ حزب الأمة في تراب نظام مايو المنتن. لم تكن القوي السياسية وقتها مدركة لحجم التمكين الذي أنجزه الترابي لكوادره في الجيش و الشرطة و الخدمة المدنية.
كانت الحركة الإسلامية حاضرة في حالتي ثورة أكتوبر و إنتفاضة أبريل في الأولي كانت في صف المعارضة الحزبية الناعمة و التي لا مانع لها من اللحاق بركب إنقلاب عبود بعد إصلاحه، أما في أيام إنتفاضة أبريل كانت الحركة الإسلامية قد بدأت بالفعل عمليات التمكين و كانت ممثلة عبر قياداتها في الإتحاد الإشتراكي بعد أن صار النميري خليفة للمسلمين علي حسب بلادتهم السياسية و كذبهم و تلفيقهم. في الحالتين إنحاز قسم من الجيش لقوي التغيير.
مما سبق لا نلاحظ ما يمكن أن نسميه بخطة عمل مدروسة من الأحزاب الكبيرة لمجابهة جبهة الهيئات و لا التجمع الوطني الديمقراطي. في حالة أكتوبر كان العداء سافرا لجبهة الهيئات و كان دعم أحزاب الأمة و الإتحادي للإنقلاب واضح. أو حالة إنتفاضة أبريل فلقد كانت هنالك حالة من الوحدة الضعيفة بين القوي غير الإنقلابية و التجمع الوطني أساسها الوقوف ضد الحركة الإسلامية. محجوب شريف يقول
بلا وانجلى
بلا وانجلى
حمد الله الف على السلامه
إنهدّ كتف المقصله
والسجن..ترباسه انخلع
تحت انفجار الزلزله
والشعب..بى أسرو اندلع
حرر مساجينه ة طلع
قرّر ختام المهزله
يا شارعاً..سوّا البِدَع
أذهلت أسماع الملا
كالبحر..دواى الجلجه
فتحت شبابيكا المدن
للشمسِ
واتشابا الخلا
في حالة ثورة ديسمبر كانت الحركة الجماهيرية أكثر تنظيما حيث بدأت لجان المقاومة كفكرة في الظهور بعد القمع الوحشي لهبو سبتمبر 2013م و في 2016 بدأت نواة تجمع المهنيين. أما في مربع المعارضة فكان قسم كبير من قوي المعارضة قد إقتنعوا بمشروع الهبوط الناعم الذي سيوفر لهم نوع من الشراكة أو إقتسام السلطة مع الحركة الإسلامية التي تمكنت تمام من تحويل الجيش و الشرطة و جهاز الأمن لمليشيات تابعة لها. بقية القصة المأساوية معروفة و لا داعي لنكأ الجراح.
بالعودة للحوار مع الصديق عصمت الدسيس. يلوم عصمت القوي السياسية و المدنية علي عدم السماع لقول الجماهير في الشارع فهو يري أن شعار تسقط بس يعني كنس جميع عناصر الحركة و الإسلامية من جهاز الدولة ، مدني و أمني عسكري بجميع توابعه م من مليشيات متفقة مع النظام ( حركات دارفور و حركة شعبية ) أو أجيرة له كحالة حميدتي و الجنجويد. تسقط بس شعار يعني طرد الإسلاميين من جهاز الدولة و محاسبتهم علي جميع الإنتهاكات في الجنوب و دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق و نزع ممتلكاتهم التي حازوها عبر آليات الفساد و نهب موارد الدولة. شعارات الثورة العسكر للثكنات و الجنجويد ينحل واضحة و محددة. هذه هي المطالب و ليس الشراكة و إقتسام السلطة معهم.
و يعتقد عصمت أن ما ورثناه عن نطام حكم الإسلاميين هو ركام إداري و ليس دولة أو نظام . ركام إداري مهمته الأساسية هي الجريمة علي شاكلة نهب الموارد، تفتيت النسيج الإجتماعي و صناعة الحروب لتحقيق مكاسب مادية من بيع الموارد و مقدرات الوطن لا بل بيع الجندي السوداني في ظاهرة نخاسة عسكرية أدارتها الحركة الإسلامية. نسيت القوي المدنية هذه الحقيقة و لم تتبني مشروع إعادة تأسيس الدولة كجهاز إداري يخدم المواطن و يعكف علي صون حياته و حماية مصالحه و حراسة مكتسباته
لا عصمت و لا أنا نسينا الظرف المعقد الذي أحاط بالقوي السياسية جراء وجود الدولة العميقة للحركة الإسلامية في القطاع الأمني و العسكري و الخدمة المدنية و الجهات العدلية. لكننا نري أن القوي السياسية كان لزاما عليها الإعتماد علي لجان المقاومة و تجمع المهنيين و الحفاظ علي إستقلاليتهما في تنفيذ شعارات الثورة. كان الأوجب أن تسمع القوي السياسية لهم و تفكر معهم في كيف يتم ذلك. هذا ما لم يحدث بل وقع العكس تماما كما يري عصمت الدسيس و هو أن القوي المدنية حفزت بعلم او دون علم عمليات التقسيم و التشظي التي ضربت تجمع المهنيين و لجان المقاومة.
سيكون لهذا الحوار بقية إذا ربنا مدّ في العمر
طه جعفر الخليفة
اونتاريو – كندا
10 اكتوبر 2024
كان هذا السؤال موضوع حوار استمعت فيه لفكرة الصديق الغالي عصمت الدسيس. قال عصمت القوي الساسية حديثة أو تقليدية تعاملت مع تجمع المهنيين و لجان المقاومة بنفس أسلوب تعاملها مع جبهة الهيئات 1964م و التجمع الوطني الديمقراطي1985م و كان مجمل ذلك تخريب كامل لهذين الجسمين الجديدين ، خاصة من ناحية تعامل الأحزاب مع شعارات الثورة التي نادت بها لجان المقاومة و تجمع المهنيين، حيث كان المفروض أخذ شعار "تسقط بس" بما يعني و هو كنس جميع الركام الإداري المعطوب و الفاسد و الإجرامي الذي كان في خدمة الحركة الإسلامية و أهدافها مما يسمي بجهاز الدولة مدني أم عسكري. و شعار حرية، سلام و عدالة يشترط المحاسبة و إنهاء الحروب و إبعاد الجيش و غيره من أجهزة أمن عن الساسية و الإقتصاد بالكامل. خضعت لجان المقاومة و تجمع المهنيين للإستقطاب الحاد الذي أدي في النهاية لتشتتها و عدم قدرتها علي سوق مشروع ثورة ديسمبر نحو أفق التحقق.و السؤال هنا هل كان للقوي السياسية إسلوب محدد في التعامل مع تحالفات إتمام التغيير و إسقاط أنظمة الحكم الإنقلابي ؟
الشعار الأساسي في ثورة أكتوبر كان " إلي القصر حتي النصر " و كا أن تم تحقيق ذلك عن طريق جموع المتظاهرين تحت قيادة جبهة الهيئات الذين نحجوا في محاصرة القصر الجمهوري و أجبروا قائد الإنقلاب ابراهيم عبود علي التنحي.
جبهة الهيئات يرتبط إسمها باساتذة جامعة الخرطوم البرفسير علي محمد خير ، نقابة المحامين و اتحاد الطلاب. من المحامين الأساتذة عابدين إسماعيل و فاروق أبوعيسي و من الأطباء الدكتور عبد الحليم محمد . توسعت جبهة الهيئات بمشاركة البياطرة و اتحاد طلاب جامعة الخرطوم و اتحاد المزارعين و غيرهم و كانت إجتماعاتهم بدار أساتذة جامعة الخرطوم. كانت عضوية جبهة الهيئات رافضة لمشاركة الأحزاب فيها أو في قيادة الإحتجاجات. فقط جبهة الميثاق ( الترابي و عثمان خالد أصرأ علي ضم الأحزاب عدا الحزب الشيوعي السوداني) و في المقابل كانت أحزاب الأمة و الوطني الإتحادي و حزب الشعب الديمقراطي يطالبان بحل جبهة الهيئات و كان خوف الأحزاب و علي رأسهم جبهة الميثاق هو فتح الطريق أمام الحزب الشيوعي السوداني السوداني الذي يتراوح وضعه بين الحظر و السماح وقتها ليسيطر علي جبهة الهيئات و الفترة الإنتقالية. إستفادت الأحزاب الأخري و الحزب الشيوعي من هذا الجو و إعترفت جميع الأحزاب السودانية علي فك حظر الحزب الشيوعي و السماح له بالممارسة السياسية العلنية. تصدعت جبهة الهيئات عقب ليلة المتاريس و كانت تلك هي الإحتجاجات التي قادهه المهنيون و النقابات و الحزب الشيوعي لرفض قرارات عبود بفصل و إعتقال الضباط الذين إنحازوا لثورة أكتوبر. الخلافات في جبهة الهيئات حول هذه المواكب و مبدأ مششاركة الأحزاب أدت علي حسب ما تري دكتور فدوي عبد الرحمن علي طه إلي تصدع جبهة الهيئات. من المرجع أدناه تلاحظ رفض الأحزاب التقليدية و الأخوان المسلمين لجبهة الهيئات و محاربتها من البداية. للمزيد يمكنك مراجعة الرابط أدناه. إستصحاب أجواء الستينات في المنطقة مهم . يجب الإنتباه لحقيقة أن مشروعات القوميين العرب و اليسار العربي و الأفريقي ، كانت متقدمة و لم يكن هنالك مشروع وطني تحرري إسلامي. كان الإسلاميون في حالة صدمة و ردة ثقافية حولتهم إلي قوي مرذولة سياسيا و فكريا لأنه أعداء للمنجز الحضاري الإنساني العام .
راية اكتوبر فينا
محمد المكي إبراهيم
إنني أؤمن بالشعب
حبيبي وأبي
وبأبناء بلادي الشرفاء
الذين اقتحموا النار
وكانوا بيد الشعب مشاعل
وبأبناء بلادي البسطاء
الذين انتفضوا في ساحة المجد
فزدنا عددا
وبأبناء بلادي الشهداء
الذين احتقروا الموت
وعاشوا أبدا
ولأبناء بلدي سأغني
للمتاريس التي شيّدها الشعب نضالا وصمودا
ولأكتوبر مصنوعا من الدم
شهيدا فشهيدا ..
وله لما رفعناه أمام النار
درعا ونشيدا
وله وهو يهز الأرض من أعماقها
ذكرى وحيدا
ولتكن عالية خفاقة
راية أكتوبر فينا
ولتعش ذكراه في أعماقنا
حبا وشوقا وحنينا
وليكن منطلق الشعب
بإيمان جديد بالفدا
وبإيمان جديد بالوطن
(طه، 2019)
ثورة مارس أبريل
لن يحكمنا أمن الدولة
جيش واحد شعب واحد
لن يحكمنا البنك الدولي و لن تحكمنا بقايا مايو . انتصار الثورة عبر المواكب التي حررت المعتقلين السياسيين من سجن كوبر كان عنوان إنتصار الإنتفاضة. تكوّن التجمع الوطني الديمقراطي وأنجز إجتماعه الأول في يوم 6 ابريل 1985م . قاد الإنتفاضة ناشطون من المهنيين و الأحزاب و النقابات و الطلاب. عندما تكون التجمع الوطني الديمقراطي و أصدر ميثاقه كان يتكون من الأحزاب السياسية و المهنيين و النقابات و اتحاد المزارعين و أتحاد طلاب جامعة الخرطوم. هذه وجه إختلاف مهم بينه و بين جبهة الهيئات. حيث أن الحزب الشيوعي لم يكن موضوعا في قوائم الحظر و يعود ذلك لفضيحة الإسلاميين في إعدام الإستاذ محمود محمد طه و فضيحة قوانين سبتمبر و علاقتهم بالفساد و يعود أيضا لتمرغ حزب الأمة في تراب نظام مايو المنتن. لم تكن القوي السياسية وقتها مدركة لحجم التمكين الذي أنجزه الترابي لكوادره في الجيش و الشرطة و الخدمة المدنية.
كانت الحركة الإسلامية حاضرة في حالتي ثورة أكتوبر و إنتفاضة أبريل في الأولي كانت في صف المعارضة الحزبية الناعمة و التي لا مانع لها من اللحاق بركب إنقلاب عبود بعد إصلاحه، أما في أيام إنتفاضة أبريل كانت الحركة الإسلامية قد بدأت بالفعل عمليات التمكين و كانت ممثلة عبر قياداتها في الإتحاد الإشتراكي بعد أن صار النميري خليفة للمسلمين علي حسب بلادتهم السياسية و كذبهم و تلفيقهم. في الحالتين إنحاز قسم من الجيش لقوي التغيير.
مما سبق لا نلاحظ ما يمكن أن نسميه بخطة عمل مدروسة من الأحزاب الكبيرة لمجابهة جبهة الهيئات و لا التجمع الوطني الديمقراطي. في حالة أكتوبر كان العداء سافرا لجبهة الهيئات و كان دعم أحزاب الأمة و الإتحادي للإنقلاب واضح. أو حالة إنتفاضة أبريل فلقد كانت هنالك حالة من الوحدة الضعيفة بين القوي غير الإنقلابية و التجمع الوطني أساسها الوقوف ضد الحركة الإسلامية. محجوب شريف يقول
بلا وانجلى
بلا وانجلى
حمد الله الف على السلامه
إنهدّ كتف المقصله
والسجن..ترباسه انخلع
تحت انفجار الزلزله
والشعب..بى أسرو اندلع
حرر مساجينه ة طلع
قرّر ختام المهزله
يا شارعاً..سوّا البِدَع
أذهلت أسماع الملا
كالبحر..دواى الجلجه
فتحت شبابيكا المدن
للشمسِ
واتشابا الخلا
في حالة ثورة ديسمبر كانت الحركة الجماهيرية أكثر تنظيما حيث بدأت لجان المقاومة كفكرة في الظهور بعد القمع الوحشي لهبو سبتمبر 2013م و في 2016 بدأت نواة تجمع المهنيين. أما في مربع المعارضة فكان قسم كبير من قوي المعارضة قد إقتنعوا بمشروع الهبوط الناعم الذي سيوفر لهم نوع من الشراكة أو إقتسام السلطة مع الحركة الإسلامية التي تمكنت تمام من تحويل الجيش و الشرطة و جهاز الأمن لمليشيات تابعة لها. بقية القصة المأساوية معروفة و لا داعي لنكأ الجراح.
بالعودة للحوار مع الصديق عصمت الدسيس. يلوم عصمت القوي السياسية و المدنية علي عدم السماع لقول الجماهير في الشارع فهو يري أن شعار تسقط بس يعني كنس جميع عناصر الحركة و الإسلامية من جهاز الدولة ، مدني و أمني عسكري بجميع توابعه م من مليشيات متفقة مع النظام ( حركات دارفور و حركة شعبية ) أو أجيرة له كحالة حميدتي و الجنجويد. تسقط بس شعار يعني طرد الإسلاميين من جهاز الدولة و محاسبتهم علي جميع الإنتهاكات في الجنوب و دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق و نزع ممتلكاتهم التي حازوها عبر آليات الفساد و نهب موارد الدولة. شعارات الثورة العسكر للثكنات و الجنجويد ينحل واضحة و محددة. هذه هي المطالب و ليس الشراكة و إقتسام السلطة معهم.
و يعتقد عصمت أن ما ورثناه عن نطام حكم الإسلاميين هو ركام إداري و ليس دولة أو نظام . ركام إداري مهمته الأساسية هي الجريمة علي شاكلة نهب الموارد، تفتيت النسيج الإجتماعي و صناعة الحروب لتحقيق مكاسب مادية من بيع الموارد و مقدرات الوطن لا بل بيع الجندي السوداني في ظاهرة نخاسة عسكرية أدارتها الحركة الإسلامية. نسيت القوي المدنية هذه الحقيقة و لم تتبني مشروع إعادة تأسيس الدولة كجهاز إداري يخدم المواطن و يعكف علي صون حياته و حماية مصالحه و حراسة مكتسباته
لا عصمت و لا أنا نسينا الظرف المعقد الذي أحاط بالقوي السياسية جراء وجود الدولة العميقة للحركة الإسلامية في القطاع الأمني و العسكري و الخدمة المدنية و الجهات العدلية. لكننا نري أن القوي السياسية كان لزاما عليها الإعتماد علي لجان المقاومة و تجمع المهنيين و الحفاظ علي إستقلاليتهما في تنفيذ شعارات الثورة. كان الأوجب أن تسمع القوي السياسية لهم و تفكر معهم في كيف يتم ذلك. هذا ما لم يحدث بل وقع العكس تماما كما يري عصمت الدسيس و هو أن القوي المدنية حفزت بعلم او دون علم عمليات التقسيم و التشظي التي ضربت تجمع المهنيين و لجان المقاومة.
سيكون لهذا الحوار بقية إذا ربنا مدّ في العمر
طه جعفر الخليفة
اونتاريو – كندا
10 اكتوبر 2024