إدريس دبِّى … والحياد المفقود
د. حسين أدم الحاج
7 January, 2009
7 January, 2009
إدريس دبِّى ... والحياد المفقود
helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية
تمهيد:
أبسط ما يمكن أن يوصف به مواقف الرئيس التشادى إدريس دبِّى حيال تعامله مع قيادات الحركة المسلَّحة بدارفور, وقضية دارفور بصفة خاصة, هو أنَّه قد سمح للحكومة السودانية وأجهزتها الأمنية بإستخدامه كحصان طروادة لإختراق أى محاولات جادة لتحقيق حل عادل ومنصف لهذه القضية, وهو بذلك أثبت أنَّه ليس محايداً البتة فى وساطته المزعومة لتحقيق السلام فى هذا الإقليم المنكوب بل على العكس من ذلك تماماً أثبت بأنَّه منحاز لمواقف الحكومة السودانية وسياساتها تجاه التعامل الشفيف مع هذه القضية مما يستدعى حسم هذا الموقف المهزوز نهائياً وبصورة عاجلة.
ولعلَّ قادة الحركات المسلَّحة وأهل دارفور قد مدُّوا حبل الصبر طويلاً فى إنتظار تعامل منصف مع رجل يعرفونه جيداً, بل وربما كانوا السبب المباشر فى تسنُّمه لحكم دولة تشاد, الشيئ الذى يثير الإستغراب والدهشة فى الأهداف الحقيقية لمواقفه التى لا يمكن وصفها إلاَّ بالمعادية لمواقف الثوار ومن خلفهم مصالح أهل دارفور. من جانبها عملت الحكومة السودانية جهدها من أجل تعزيز ذلك بل وإستخدام الرئيس التشادى لتنفيذ رؤاها الخاصة وتنفيذ خططها السريَّة فى التعامل مع الحركات المسلَّحة, ومن هنا يمكننا فهم إصرارها المطلق لحصر القضية فى النطاق التشادى الأفريقى ورفض أى تدخل دولى قد يكون مدركاً لمراميها ومن ثمَّ عجزها عن مجابهة ذلك.
تاريخ العلاقة بين إدريس دبَّى ودارفور:
يمتد حدود منطقة قبيلة إدريس دبَّى, وهى "خشم بيت" فى قبيلة الزغاوة, فى داخل الأراضى السودانية التشادية وقد كان والده "تيمان دبَّى" ملكاً لقبيلته فى مقره ببلدة "باهاى" على الجانب التشادى, وقد درس إدريس فى صغره فى مدرسة كرنوى الإبتدائية قبل أن ينتقل لتشاد ويواصل تعليمه هناك. وتدرج بعد ذلك فى الجيش التشادى وإنحاز لجانب حسين هبرى فى صراعه على السلطة ضد جوكونى عويدى, وقد لعبت قبيلة الزغاوة دوراً حاسماً فى ذلك مما مكَّن إدريس دبَّى فى أن يترقى لمنصب القائد الأعلى للقوات المسلَّحة التشادية بعد إنتصار حليفه حسين هبرى وتسلمه إدارة البلاد, لكن يبدو أن هبرى, وهو من قبيلة القرعان, قد أصابه الشكوك فى ولاء إدريس وبقية كبار قادة الزغاوة فى الجيش التشادى لنظامه وخطط بالتالى الإيقاع بهم, لكنَّ إدريس دبِّى وحلفاؤه تمكنوا من الفرار من إنجمينا وبعد مطاردات عنيفة وصلوا إلى دار الزغاوة بالأراضى السودانية فى حالة يرثى لهم ولا يزيد عددهم على المائة, بعضهم حفاة ومجرحين ولا يملكون شيئاً, لكنَّ الأهالى أحسنوا عليهم وإحتضنوهم, وكان أول مكان نزلوا بها هى منطقة "بامشى" إرتحلوا منها إلى منطقة "عين سيرو" ثمَّ إلى منطقة "الجنيك". كان ذلك فى نهاية عام 1988م وبداية عام 1989م. ومنذ تلك الفترة بدأ إدريس يستجمع قواه وبدعم مقدر من الأهالى بالمنطقة لكنَّه تعرض لهجمات متكررة من قوات حسين هبرى التى كانت تراقبه جيداً والذين تمكنوا من الإغارة عليه ومطاردته ذات مرة حتى مدينة "كتم" حيث دخلوا المستشفى وإختطفوا الجرحى من قوات دبًّى وأعدموهم فى الحال, لكنَّ أهالى المنطقة أخفوه ودعموه بعد تلك الكارثة, ومع حلول شهر نوفمبر عام 1990م تمكنَّ دبِّى من إستجماع قواه وبذل أهله وأهالى شمال دارفورعامة الغالى والرخيص فى سبيل ذلك, ودعموه بالمال والرجال وتمكن بالفعل من إلحاق هزيمة كاسرة بقوات القيادة الشمالية لجيش حسين هبرى إنهار جيشه كلها على أثرها وفرَّ هبرى إلى دولة النيجر ليدخل إدريس دبِّى العاصمة إنجمينا ظافراً فى الثانى من ديسمبر عام 1991م, وبعد أربعة أيام فقط من تلك المعركة, ويتسلم بعدها رئاسة الدولة التشادية والتى لولا أهل دارفور لما تمكن منها. لقد لجأ إدريس دبَّى إلى أهل دارفور طريداً كسيراً جائعاً مبهدلاً فأخذوا بيده وأطعموه وحموه ودعموه ثمَّ نصروه على عدوه بتشاد ونصبوه حاكماً عليها واليوم ينسى الرجل كل ذلك ويعض على تلك الأيادى البيضاء التى أقلته بعد عثرته ورفعته إلى مستوى رئيس دولة (الله يخزى اللى كان السبب).
المشاكل الداخلية التى يتعرض لها النظام التشادى الحاكم:
مما تقدم أعلاه يتضح تشابه النظامين الحاكمين فى كل من تشاد والسودان فى أنَّ كلاهما قد أتى للحكم عن طريق البندقية, لكنَّ النظام التشادى لا يجد حرجاً فى ذلك كونه قد صعد للسلطة عن طريق شرعية الحرب والمقاومة المسلحة بخلاف نظام الجبهة الإسلامية القومية الذى إعتمد أسلوب الغدر بنظام ديمقراطى منتخب. غير أنَّ ذلك لا يعنى أنَّ النظام التشادى ليس له أعداء فذلك مفهوم تبعاً للظروف التى قادته أساساً للصعود إلى السلطة. وبالرجوع لطبيعة الصراع السياسى فى الدول الأفريقية المتخلِّفة نجد أنَّ القبيلة والجهوية ظلَّتا تمثلان مرتكزات أساسية للسلطة الحاكمة فى الدولة, وعلى هذه الخلفية لا تختلف الأمور فى تشاد عن هذا النحو فإدريس دبَّى القادم من بطن من بطون قبيلة الزغاوة إنتزع الحكم من حسين هبرى الذى ينتمى إلى قبيلة القرعان, الذين أصبحوا خارج دائرة السلطة, ولا بد أنَّهم يفكرون فى إعادة مجدهم الزائل, كما إنَّ هناك خلافات أخرى مستترة مع فئات أخرى من بطون لزغاوة, بجانب إحتكاكات سابقة مع قبيلة البرقو فى منطقة أبَّشى, وبالرغم من أنَّه لم يرشح شيئ من قبيلة السارا حول بحيرة تشاد إلاَّ أنَّ ما يحصلون عليه من نصيب من عائدات النفط المستخرج حديثاً من مناطقهم قد كفتهم عن أى مطالبات مقلقة بالنسبة للنظام الحاكم بالرغم من أنَّهم أكثر الفئات تعليماً وثقافة فى الدولة. إضافة إلى ذلك تظل تحركات الجماعات الإسلامية المتطرفة على الحدود الشمالية الغربية لتشاد تمثل شوكة فى خاصرتها خاصة بعد أن دخلت القوات الأمريكية فى حرب مع تلك الجماعات بدعم من الجيس التشادى بدعوى القضاء على الإرهاب, كما أنَّ توتر العلاقات بين تشاد وجارتها الجنوبية الشرقية, جمهورية أفريقيا الوسطى, والمعارك العسكرية التى دارت بين الجانبين فى منطقة الحدود بينهما بداية العام الماضى والذى أدَّى إلى هزيمة قوات الرئيس فيليب أنج باتاسي وفراره إلى الكاميرون نهاية شهر مارس من العام الماضى قد أثَّرت فى قوة تشاد العسكرية, وكانت الحكومتان السودانية والليبية قد دعمتا باتاسيه بينما دعمت تشاد المتمردين الأفريقيين. وأخيراً تبقى المجموعات العربية المتذبذبة فى ولائها بين مناطقها فى التشاد وإمتداد أهاليهم فى السودان, وهم على أية حال قد يمثلون قنابل موقوتة إن لم يتحسب الرئيس التشادى لهم خاصة وأنَّهم قد بنوا علاقات تحالفية حميمة مع نظام الإنقاذ خاصة حول الوعود التى بذلتها لهم بالحصول على الأرض.
كما لا يغيب علينا فى هذا المجال أن نشير إلى الإشاعات التى تقول بأنَّ الرئيس التشادى يعانى من مرض السرطان وأنَّه يحتاج للقيام بزيارات دورية لباريس لتلقى العلاج, ولا يفوت على المراقبين حيال ذلك إحتمال وجود صراع على السلطة بين خلفائه, خاصة مع بدء الدولة إنتاج وتصدير النفط, الشيئ الذى قد يفتح الباب لتدخلات أجنبية لدعم الأطراف المختلفة فى ذلك الصراع المحتمل.
على هذه الخلفية المعقدة يمكننا بسهولة قراءة هشاشة البناء السياسى التشادى وإمكانية تجيير بعض القبائل بها للعمل ضد نظامها الحاكم من أى جهات خارجية بقصد الإبتزاز والضغط لتنفيذ أهداف محددة لمصلحتها, وتبعاً لذلك يمكننا أيضاً تفسير الهجمات المتكررة لمليشيات الجنجويد عبر الحدود, فقد لا يكون الهدف منها هو قتل اللاجئين فقط, بعد أن فروا وتركوا قراهم وأراضيهم نهباً لتلك المليشيات, بل قد يمثل ذلك رسالة مبطنة للقيادة التشادية بمصير مأزوم إن لم ترضخ طائعة مختارة لما يطلب منها وذلك جرياً على المثل الشعبى الذى يقول "دقَّ القُراف.. خلى الجمل يخاف"!
إستغلال نظام الإنقاذ للرئيس التشادى:
أدرك نظام الإنقاذ أنَّ سياساتها المعادية لأهل دارفور قد أدت إلى نشوب ثورة فى الإقليم قوامها أكبر قبيلتين فيه, هما الفور والزغاوة, بجانب العديد من القبائل الأخرى ذات الأصول الأفريقية مساندة للثورة ومقاتلة بجانبها مثل المساليت, التاما, الداجو, الميدوب, البرقد, وبعض العناصر العربية لاحقاً, وغيرها من قبائل صغيرة, لكن تظل قبيلة الزغاوة ببطونها المتعددة هى القوة الضاربة الحقيقية فى الصراع. ويبدو أنَّ الحقيقة التى لم يفطن لها نظام الإنقاذ بداهة هى أنَّ العديد من قيادات الثوار قد سبق لهم أن شاركوا بقوة فى حروبات المنطقة المتداخلة ما بين السودان وتشاد وليبيا, بل مثلوا السبب المباشر فى إلحاق تلك الهزائم المنكرة بالقوات الليبية وإجلائها من هضبة التبستى وقطاع أوزو الغنى بعنصر اليورانيوم والتى سبق لليبيا أن ضمتها لحدودها من جانب واحد. هذه العناصر تدربت على حروب العصابات المرعبة والخاطفة التى تثير الهلع فى الجانب المناوئ وتخلف موتاً ودماراً هائلاً بين صفوفها فى فترة وجيزة من الهجوم, وتعتمد على الحركة السريعة فى عربات "اللاند كروزر", ذات الدفع الرباعى, وتجيد إستخدام المكامن والمنحنيات والمناطق المكشوفة على حد سواء, وهى طريقة فى الحروب لم يعتد عليها الجيش النظامى السودانى أبداً ولذلك كانت تلك الهزائم المتتالية التى تعرض لها بجانب الدمار الهائل فى قواتها وعتادها فى فترة أقَّل من عام واحد قد تطال خسائر الجيش السودانى طوال حربها فى جنوب السودان.
تبعاً لذلك لم تجد الحكومة بداً من الإعتماد على الرئيس التشادى فى لجم زمام هؤلاء الثوار مستفيدة من روابطه الإثنية معهم ونفوذه المشروع كرئيس لدولة قد لا تسقط كلمته على الأرض بين تلك القبائل التى خرج منها. وبالرغم من توفر عدداً من الفرص السانحة لنظام الإنقاذ فى التوصل لحل مبكر مع قيادات الثوار, خاصة عبر مؤتمر الفاشر التداولى, إلاَّ أن العقلية التآمرية لجهازه الأمنى, بجانب نظرته الدونية لأهل دارفور, حالت دون ذلك وأدَّت لتفاقم الأزمة بصورة مضطردة تمثلَّت قمتها فى الهجوم الصاعق على مدينة الفاشر وتدمير الطائرات الحربية الجاثمة على مطارها وأسر قائد السلاح الجوى وضرب القيادة الغربية, ومضت الأمور بعد ذلك إلى حرب شاملة فدخل الثوار عدة مدن من بينها مليط وكتم والطينة وتحولت معظم مناطق شمال ووسط وغرب دارفور إلى ساحات حرب لم تجد الحكومة وسيلة لمجابهتها سوى الإستخدام المكثف للطائرات الحربية من أنواع الأنتينوف ومدرعات الهليكوبتر وتجييش الجنجويد, بجانب أتباع سياسات متنوعة لإستقطاب الرئيس التشادى لجانبها بل ومحاولة جرَّه للإشتراك فى الحرب معها ضد الثوار إن أمكن, وفى سبيل ذلك فقد إتبعت الحكومة السودانية عدة محاور لتحقيق تلك الغايات تمثلت فى الآتى:
(1) محور سياسات ليِّنة ودودة بقصد الحصول على الولاء وتحقيق التجيير وأعتمدت هذه السياسة أساساً على الإغواء بالمال والرشوة.
(2) محور سياسات إقتصادية أعتمدت أتفاقيات بينية ووعود بالمساعدة فى إستثمار ثروة بلاده النفطية.
(2) محور سياسى ظلَّ ينشط بإستمرار تحت دعاوى تقوية العلاقات بين الحزبين الحاكمين فى كلا البلدين وهما المؤتمر الوطنى فى السودان والحركة الوطنية للإنقاذ التشادية الحاكمة فى تشاد, والموافقة لإجتماع دورى كل ستة أشهر.
(4) محور عسكرى أمنى, وهذا هو بيت القصيد, نشط فى إبرام الإتفاقات الأمنية والعسكرية إلى درجة الإتفاق على تكوين قوة مشتركة من ألفى جندى من كل جانب لمراقبة الشريط الحدودى ومكافحة التهريب والنهب المسلَّح, وإن كان فى ذهن الحكومة السودانية تطوير تلك القوة المقترحة وإستخدامها لسحق الثوار بمساعدة مليشيات الجنجويد والذين تمَّ جلب بعضهم من دول مثل مالى والنيجر والجزائر وتشاد نفسها.
(5) محور التهديدات المبطنة, وسياسة العين الحمراء إن حاول الرئيس التشادى النكوص عمَّا هو مطلوب منه أو محاولة دعم الثوار, ولعلَّ إنشاء معسكرات للجنجويد والمليشيات الوافدة بالقرب من الحدود التشادية, وإحتمال التلويح بدعم قبائل القرعان والجماعات الإسلاميةالمتطرفة, تمثل رسائل ضمنية تحمل تهديدات أمنية بضرورة الإذعان والتعاون.
(6) محور سياسة الإملاء المباشر عن طريق إصدار خطط محددة للجانب التشادى لتبنيها لصالح الحكومة السودانية ضد حركات الثوار, قد تتطور لاحقاً إلى توجيهات تستبطن أوامر واجبة للتنفيذ.
لقد ظلَّ الجنجويد يجتازون الحدود ويهاجمون اللاجئين فى معسكراتهم النائية لقتلهم ونهب حيوانات من إستطاع اللجوء بها فى تلك المناطق المقفرة, وقد أكدَّت منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية التى تعمل فى تلك المناطق بجانب العديد من بيانات منظمة العفو الدولية حدوث تلك التجاوزات, ويقال أنَّ جهاز الأمن التشادى قد ظلَّ يشتكى للرئيس دبِّى من ذلك لكنَّه ظلَّ متردداً فى إتخاذ أى رد حاسم مع تلك الهجمات مما دفع الجيش التشادى لإتخاذ قرار منفرد, بعد إبلاغ دبِّى بالإبتعاد عن ذلك, وقام بقتل عدد كبير من الجنجويد فى أحدى هجماتهم, وبالرغم من ذلك ظلَّ الجنجويد يواصلون الهجوم عبر الحدود حتى بعد توقيع إتفاقية إنجمينا الأخيرة, وقد ذكر بعض المشاركين فى تلك المفاوضات أنَّ الرئيس التشادى قد تمَّ إبلاغه قبل دقائق قليلة من قراءته لنص الإتفاق النهائى لتلك المفاوضات, فى إجتماع ضمَّ طرفى التفاوض, بخبر مصرع قائد عسكرى كبير من قواته فى أحدث هجوم للجنجويد على معسكرات اللاجئين.
ويبدو أنَّ الرئيس التشادى من ناحية, وأجهزته الأمنية من ناحية أخرى, قد أبدوا قلقاً متزايداً من تعاظم نفوذ الحكومة السودانية وأجهزتها الأمنية على القرار السيادى التشادى, وبدا لهم كما لو أنَّ النظام التشادى قد تحول إلى مخلب قط لتنفيذ سياسات الحكومة السودانية ضد الثوار الذين تربطهم بهم أواصر القربى والدم بل والنضال المشترك سابقاً من أجل تثبيت سلطتهم فى تشاد, ولذلك جاءت زيارة الرئيس دبِّى لفرنسا بدعوى إجراء فحوصات طبية فى نهاية شهر يناير الماضى على هذه الخلفية وتزايد قلقه من تأثير تطور الأوضاع فى دارفور على حكمه بتشاد طالباً العون والحماية من فرنسا, وكرد على ذلك قام وزير الخارجية الفرنسي السابق (والداخلية الحالى) دومينيك دوفيلبان بزيارة إنجمينا فى منتصف شهر فبراير كبادرة لطمئنة الرئيس التشادى, ثمًّ واصل رحلته إلى الخرطوم التى وصلها فى العشرين من ذلك الشهر حيث ركزت زيارته على الاوضاع المتدهورة في ولايات دارفور إضافة إلى مناقشة رغبة المجموعة النفطية الفرنسية توتال لإستئناف عمليات التنقيب عن النفط في منطقة دارفور, وقد حاولت حكومة الخرطوم إستخدام عقليتها الأمنية مرة أخرى لتجيير فرنسا لجانبها أملاً فى إمكانية إستخدامها لمواجهة النفوذ الأمريكى المتزايد فى المنطقة وللتأثير غير المباشر على سياسات الرئيس التشادى حيال الأوضاع فى دارفور.
تحركات الخرطوم على هذا النحو تشى بشكوكها المتزايد فى إلتزام الرئيس التشادى بدعم سياساتها الباطشة بالأهالى بدارفور, فحتى وإن أحنى الرئيس التشادى رأسه للضغوط السودانية إلاَّ أنَّه يظل مفرداً بحاله فى سلطته بموازاة نفوذ جهازه الأمنى القوى والمتعاطف مع موقف الثوار من جانب وقلق قيادة الجيش التشادى المتزايد من هجمات الجنجويد عبر الحدود وتدفق اللاجئين المستمر إلى داخل حدود الدولة مما يُؤثر بلا شك على مجمل الأوضاع الأمنية بالبلاد من جانب آخر, خاصة وأنَّ الجيش التشادى قد خرج لتوه من حروبات أفريقيا الوسطى ليجد نفسه يقود حرباً من نوع آخر ضد المليشيات الإسلامية على الحدود الشمالية الغربية بمساعدة من الجيش الأمريكى بدعوى محاربة الإرهاب. على هذا النحو, وعلى خلفية هذه الأوضاع, تنوعت سياسات نظام الإنقاذ فى التعامل مع الرئيس التشادى ونظامه حيث نلمس ذلك جلياً فى الفقرات التالية.
مسلسل محاولات الحكومة لإستقطاب الرئيس التشادى لجانبها:
سوف ندلل على تنوع سياسات الحكومة لتجيير الرئيس التشادى لجانبها من خلال الأخبار التى ظللنا نرصدها من خلال وسائل الإعلام فى الإنترنت مع بعض التعليقات من لدينا وضعناها بين قوسين كبيرين فى نهاية الخبر, وهى كلها صادرة أساساً من مسئولى النظام وأجهزته المختلفة فى التعامل مع الملف التشادى, فقد جاء فى تلك الأخبار ما يلى:
* أكدَّ الرئيس التشادي إدريس دبِّى فى لقاء القمة التى جمعته مع الرئيس البشير بالفاشر تصميمه لحسم التمرد بدارفور وقال (لا يمكن السماح لأحد باللعب بالنار في حدودنا) مؤكداً إلتزام بلاده بتقديم العون المطلوب للقضاء على ممارسات التمرد، وزاد بأن القوات المسلحة في البلدين ستعملان سوياً لإعادة الإستقرار للشريط الحدودي الواصل بين السودان وتشاد (الخرطوم 13/4/2003م). {تعليقنا على ذلك هو أنَّ هذا هو موقف الرئيس دبَّى المبدئى من الحركات المسلَّحة}.
* تسلمت الحكومة التشادية مبلغ مليون ومائتي ألف دولار منحة من الحكومة السودانية لانشاء طريق دائري داخل إنجمينا... وقد إلتقى الأستاذ حسن برقو رئيس دائرة وسط أفريقيا بالمؤتمر الوطني رئيس الوفد السوداني الزائر إلى إنجمينا السيد موسى الفكي محمد، رئيس الوزراء التشادي الذى أكد له إلتزام الحكومة التشادية بما تم الإتفاق عليه مع حكومة السودان في المجالات الأمنية والإقتصادية والسياسية كافة (الرأى العام 18/8/2003م). {تعليقنا على ذلك: أكدَّت بعض المصادر العليمة بتشاد بأنَّه لا توجد طرقاً مرصوفة بالمدينة, وليست هنالك أى خطة معلومة لذلك, ناهيك عن إنشاء طريق دائرى بالمرة! وهنا يبرز تساؤل مشروع وهو هل فرغت الحكومة السودانية من إنشاء طرق دائرية فى مدن السودان كافة, خاصة بالعاصمة القومية نفسها, حتى ترسل مبلغاً بذلك الحجم لإنشاء طريق دائرى وهمى فى عاصمة تشاد؟!}.
* تشاد تعرض مبادرة لحل أزمة التمرد بدارفور(الحياة 2/9/2003م). {نلاحظ أنَّ توقيت هذه المبادرة جاءت عقب إستلام المبلغ أعلاه!}.
* وفد رفيع من المؤتمر الوطني ينهى زيارة غير معلنة لتشاد جاءت فى إطار التعاون بين البلدين في الجوانب الأمنية وتأمين الحدود على خلفية الأحداث الاخيرة بدارفور. وأبدت مصادر مطلعة إستفسرتها «الرأي العام» حول نتائج الزيارة (تحفظاً شديداً) ولكنها أكدت أن نتائجها ستظهر قريبا بعد لقاء الوفد بالمسؤولين (الرأى العام 2/9/2003م). {تزامن هذه الزيارة السرية مع إطلاق تشاد لمبادرتها لتسوية الأزمة بدارفور مما يشى بأنَّها مملاَّة من الحكومة السودانية خلال تلك الزيارة}.
* من المنتظرأن يتوجه اليوم الرئيس السوداني عمر البشير بزيارةإالى جمهورية تشاد في زيارة قصيرة تستغرق عدة ساعات تتعلق بجهود الصلح بين الحكومة ومتمردي دارفور (أخبار السودان 3/9/2003م). {نلاحظ أنَّ توقيت زيارة البشير هذه جاءت بعد ساعات فقط من إطلاق المبادرة التشادية, ويبدو أنَّ هناك تنسيقاً كبيراً قد تمَّ فى ترتيب ذلك}.
* يتوجه الفريق الركن عمر البشير رئيس الجمهورية اليوم إلى إنجمينا في زيارة رسمية لمشاركة الشقيقة تشاد في إحتفالاتها بإنتاج النفط, وجاء فى الأنباء أنَّه سيبحث مع الرئيس التشادي إدريس دبي على هامش فعاليات الاحتفال إمكانية استكمال بعض الجوانب الخاصة باتفاقية آبشي التي وقعت في الثالث من شهر سبتمبر الماضي بين الحكومة وحركة تحرير السودان التي حملت السلاح في دارفور (ألوان 10/10/2003م). {هذه هى الزيارة الثانية للبشير لإنجمينا فى غضون خمس أسابيع فقط الشيئ الذى يمكن وصفها بزيادة الضغوط على الرئيس التشادى خاصة وأنَّ الهدف الأساسى من الزيارة هو مراجعة بعض الجوانب الخاصة باتفاقية آبشي كما يبدو فى الخبر}.
* قال الأمين العام بالوكالة للتجمع المعارض شريف حرير، إنَّ سلطات الأمن التشادية طردته مع ثلاثة من معاونيه وصلوا مطار انجمينا بالطائرة الفرنسية، وأمرته بالمغادرة فورا من حيث أتى، تنفيذا لقرارات عليا شددت على حاملي الجوازات السودانية المشتبه في إنتمائهم إلى المعارضة المسلحة في دارفور، عدم الدخول إلى أراضيها (الصحافة 11/10/2003م). {هل هناك رائحة إملاء لإتخاذ مثل هذا القرار؟}.
* أفادت مصادر تحصلت عليها صحيفة (أخبار اليوم) أنَّ وفد الحكومة إلى مفاوضات إنجمينا كان قد رفض حضور وفد من المجموعات المسلحة الأخري وسلم الحكومة التشادية قائمة تضم 35 إسماً كانوا بصدد الحضور من الولايات المتحدة الأمريكية, السعودية, الامارات, ألمانيا, وعدد من الدول الأخري, ولقد إستجابت السلطات التشادية للطلب!! (أخبار اليوم 8/11/2003م). {لاحظ صيغة "أنَّ وفد الحكومة قد رفض حضور وفد من المجموعات المسلحة الأخري وسلم الحكومة التشادية قائمة تضم 35 إسماً" مقروناً بعبارة "ولقد إستجابت السلطات التشادية للطلب"!! هل كان ذلك أمر واجب التنفيذ؟}.
* وزيرا الدفاع بالسودان وتشاد يوقعان بروتوكولاً أمنياً ويتفقان على تكوين قوات مشتركة لمنع عناصر المعارضة المسلحة في كلا البلدين من ممارسة أي نشاط عدائي ويتم قبضهم وتسليمهم للجهات المختصة في البلدين (أخبار اليوم 8/11/2003م). {مثال صارخ لمحاولة الحكومة جر الحكومة التشادية للمشاركة فى قتال الثوار}.
* يتوجه الدكتور نافع علي نافع الأمين العام المكلف بالمؤتمر الوطني مساء اليوم إلي إنجمينا على رأس وفد عالي المستوي حاملا رسالة خطية من الفريق الركن عمر البشير رئيس الجمهورية إلي الرئيس أدريس دبِّي تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وفي مقدمتها القوي الأمنية المشتركة بالمناطق الحدودية (الأنباء 13/11/2003م). {الضغوط وتوالى الضغوط بهدف محاصرة الرئيس التشادى بالوسائل السياسية أيضاً}.
* تعقد لجنة العمل المشترك بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الوطنية للإنقاذ التشادية في مدينة الجنينة في الفترة مابين العاشر إلي الخامس عشر من يناير القادم، لبحث القضايا السياسية والأمنية المشتركة في إطار العلاقات المتطورة والمتميزة بين الحزبين الحاكمين في البلدين ولمتابعة القرارات السابقة بشأن إنشاء القوة الأمنية المشتركة بين البلدين (الصحافة 19/11/2003م). {توالى الضغوط السياسية بشأن إنشاء القوة الأمنية المشتركة بين البلدين }.
* أجرى الرئيس عمر البشير أمس، محادثات مهمة مع نظيره التشادي إدريس دبَّي الذي يزور الخرطوم، ركزت على تطورات الأوضاع الأمنية في ولايات دارفور، وتعهد دبَّى خلالها بعقد مؤتمر لوضع حد نهائي للمشاكل الأمنية في دارفور (الصحافة 11/12/2003م).
* وصل وفد عسكري سوداني رفيع المستوى إلى العاصمة التشادية إنجمينا أمس الأول. وتأتى هذه الزيارة في إطار التعاون العسكري بين البلدين (الرأى العام 15/12/2003م). {نلاحظ أنَّ هذه الزيارة جاءت بعد أربعة أيام فقط من زيارة الرئيس التشادى للخرطوم}.
* حمَّل وزير الأمن التشادي متمردى دارفور مسؤولية إنهيار مفاوضات أبشي, وأشار إلى أنَّ المتمردين قد وضعوا ثلاثة شروط للمصالحة وهي: بقاء قواتهم في دارفور لفترة إنتقالية توزيع عائدات البترول بصورة عادلة بقاء دارفور تحت إدارتهم في ظل إستقلالية الإدارة والتسيير (أخبار اليوم 18/12/2003م). {أولاً: لم تتم المفاوضات أصلاً حتى يعرض الثوار مطالبهم, ثانياً: حضر وفد الثوار للمفاوضات ولكنَّ الوفد الحكومى هو الذى إنسحب ورفض المفاوضات, ثالثاً: قام النظام التشادى بتوجيه من الحكومة السودانية بإلقاء اللوم على الثوار فى عملية مكشوفة إستغرب لها كل من تابع تلك المفاوضات}.
* إتفقت الحكومتان السودانية والتشادية على منع نشاط المعارضين ومكافحة الإرهاب والتهريب عبرالحدود المشتركة ومحاربة النهب المسلح والأعمال التى تخل بالأمن عبرالحدود المشتركة. وأوضح مسؤولون من الحكومة السودانية إنَّ هذا الاتفاق يأتى فى إطار الإتفاقيات الأمنية الموقعة بين الخرطوم وإنجامينا التى تنص على تكوين قوات مشتركة على الحدود لمتابعة الأحداث الأمنية (سودانيز أون لاين 1/3/2004م). {الإتفاقات الأمنية والإصرار على توريط التشاديين للمشاركة فى الحرب ظلَّت تمثل محور إهتمامات الحكومة السودانية فى علاقاتها مع الرئيس دبِّى}.
* أوضح مسؤول بالحزب الحاكم، أنَّ الرئيس التشادي إدريس دبَّى أكدَّ أن بلاده لن تسمح بأي توتر على الحدود من شأنه أن يمس العلاقات الإستراتيجية بين بلاده والسودان (الصحافة 2/3/2004م). {بمعنى آخر أنَّ الرئيس التشادى قد يدعم الحكومة عسكرياً فى قتالها ضد الثوار}.
* يتوجه إلى العاصمة التشادية إنجمينا اليوم وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل لبحث الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس إدريس دبي في معالجة الأوضاع في دارفور(الصحافة 18/3/2004م).
* صرَّح د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية إلى أنَّ الرئيس التشادي سيقوم برعاية المؤتمر الجامع في دارفور - حسب طلب البشير- وتحديد موعده بناءً على الإتصالات التي سيجريها مع الأطراف المعنية (الرأى العام 20/3/2004م). {لاحظ عبارة "حسب طلب البشير"!, لماذا لا تكون العبارة مثلاً "حسب إلتماس" أو "حسب رجاء"}.
* وافقت الحكومة على مقترحات تشادية لتسوية النزاع في دارفور مع بعض التوضيحات، لكنْ متمردو دارفور رفضوها لإغفالها الرقابة الدولية, وأكد عضو وفد متمردي دارفور في مفاوضات إنجمينا نهار عثمان عثمان، رفض فصائل التمرد لهذه المقترحات لأنَّها أغفلت مبدأ الجانب الدولي، وإكتفي الوسيط التشادي بالإشارة إلي إنجمينا والإتحاد الأفريقي, وذكرت مصادر في حركة التمرد أنَّ المشروع التشادي تجاهل الرقابة الدولية سواء فيما يتعلق بإشراكها في المفاوضات أو مراقبة وقف أطلاق النار (الصحافة 6/4/2004م). {فى الحقيقة تبنى الرئيس التشادى طرح الحكومة السودانية برفض التدخل و الرقابة الدولية غلى المفاوضات والتى عرضها عليه وزير الخارجية السودانى خلال زياته التى سبقت بدء جولة التفاوض بأيام قليلة}.
* قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مفاجئة إلى العاصمة التشادية إنجامينا لإجراء مباحثات مع نظيره التشادي إدريس ديبي لدفع التفاوض السياسي بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور في إطار رعاية الأخير للمفاوضات. وتناولت الزيارة التي إستغرقت يوماً واحداً تعزيز العلاقات الثنائية بين الخرطوم وإنجامينا ويرافق البشير في الزيارة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية والدكتور الطيب ابراهيم محمد خير مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية (الشرق الأوسط 12/4/2004م). {توالى الضغوط, وقد رشح من هذه الزيارة أنَّ البشير قد طلب من الجانب التشادى بصورة قاطعة عدم السماح لأبناء دارفور بالخارج من دخول تشاد, وأن يقتصر التفاوض فقط مع أسماء محددة من طرفى الحركات المسلَّحة سلمتها الحكومة السودانية فى قائمة للجانب التشادى}.
* أبعد الرئيس التشادى إدريس دبى بعض قيادات حركتى تحرير السودان والعدل والمساوة فيما أصبح إتفاق وقف إطلاق النار فى غرب البلاد مهدداً بالإنهيار بعد مرور يويمن من سريانه. ونقل د. شريف حرير أنَّ السلطات التشادية أبلغته مع عدد من القياديين من حركتى تحرير السودان والعدل والمساوة وممثلى الحركتين فى آلية مراقبة الاتفاق بمغادرة إنجمينا ليلة أول من أمس فى خطوة لم يتم تفسيرها. وحذر حرير من إنعكاس ظلال الخطوة سلباً على إتفاق وقف إطلاق النار حيث كان من بين المبعدين (سودانايل 13/4/2004م). {وهكذا يواصل الرئيس لاتشادى تنفيذ أوامر الحكومة السودانية ومؤامراتها ضد وفود الثوار وأهل دارفور دون هوادة أو كلل بينما يدَّعى فى نفس الوقت أنَّه يرعى المفاوضات بحياد}.
تجاوزات الرئيس التشادى فى حق وفود الثوار للتفاوض:
لقد مضى الرئيس دبَّى فى تنفيذ خطط الحكومة بشأن قضية دارفور بالضغط على أطراف الحركة المسلَّحة مستخدماً فى ذلك مدخل "أبوى" ضاغط ووعود كاذبة بمساعدتهم لتليين موقف الحكومة السودانية تجاههم, لكن مسلسل تعامله معهم يكشف زيف إدعاءاته وهوان قادة الحركات المسلَّحة عنده خاصة إذا إكتشفنا الإهانات المباشرة التى تصدر منه بحقهم, وسندلل على ذلك عبر الأحداث التالية:
(1) قبيل بدء مفاوضات أبَّشى الأولى فى مطلع شهر سبتمبر من العام الماضى طلب الرئيس التشادى من حركة تحرير السودان إرسال وفد للتشاور حول كيفية إنهاء النزاع فى إقليم دارفور بطريقة سلمية لكنَّه لم يوضح لهم طبيعة ذلك الإجتماع المزمع, وعند وصول الوفد برئاسة القائد الشهيد عبدالله أبَّكر فوجئوا بوجود وفد حكومى من جنرالات الجيش السودانى بقيادة الطيب إبراهيم محمد خير مستشار الرئيس للشئون الأمنية, وهو شيئ لم يتوقعوه ولم يكونوا مستعدين له بما فيه الكفاية للدخول فى مفاوضات بذلك الحجم, لكن الرئيس التشادى إستخدم زعامته "الأبوية" وفرض ضغطاً عليهم بضرورة الدخول فى مفاوضات رسمية بل ووعدهم بأنَّه سيقف إلى جانبهم فى مواجهة الوفد الأمنى للحكومة السودانية, لكنه لم يفعل ذلك ولذلك خرجت بنود تلك الإتفاقية كما خطط لها وفد الحكومة وبدت وكأنَّه إستسلاماً من الثوار فى الوقت الذى كانوا فيه مسيطرين على الأوضاع العسكرية فى الإقليم فى ظل تراجع مستمر للقوات الحكومية. ومن المعروف أنّه كانت هنالك ترتيبات أمنية واسعة ومسبقة تمت بين النظامين السودانى والتشادى للخروج بنتائج تلك المفاوضات على ذلك النحو.
(2) فى مفاوضات إنجمينا الأولى فى منتصف شهر ديسمبر من العام الماضى وصل الوفد المفاوض لحركة تحرير السودان لإنجمينا يوم 14/12/2003م ونزلوا فى المكان المخصص لهم, وفى اليوم التالى زارههم وزير الأمن التشادى وسألهم عن المطالب التى يودون عرضها على الجانب الحكومى فردوا عليه بأنَّهم سوف لن يكشفوا عن أى شيئ إلاَّ فى طاولة المفاوضات المباشرة مع الوفد الحكومي مع رقابة دولية كضمان لما ستفصح عنه المفاوضات, لكنَّ الوزير أصرَّ على الحصول على تلك الملاحق بحجة ترجمتها إلى اللغة الفرنسية فردَّ عليه وفد الحركة بأنهم قد رتبوا ذلك وسيكشفوا عنه خلال المفاوضات, وهنا خرج الوزير ولم يطلعهم على أى برنامج للإجتماع أو التفاوض. وفى اليوم التالى إستدعاهم الرئيس دبِّى وإستفسرهم عن بعض الملاحظات ثمَّ خاطبهم بأنَّه بدأ يشعر بتعنت الجانبين (الحكومة والحركة) فى مطالبهم وإستحالة وصولهم لحل فى ظل الأوضاع القائمة, وأنَّه قد قرر سحب وساطته بينهم, ثمَّ أمر بطردهم من بلاده فى نفس تلك الليلة! فأخذوهم على متن طائرة عسكرية فى المساء وأوصلوهم إلى الحدود التشادية السودانية وتركوهم فى الخلاء بين بعض الخيران والكراكير بعد أن قالوا لهم سيروا فى هذا الإتجاه وستجدوا أهلكم هناك!! ثمَّ فوجئوا صباح اليوم التالى بحملة أكاذيب أطلقها الجانبان التشادى والسودانى يحملونهم سبب فشل التفاوض والذى لم يتم أصلاً, ولقد تساءل القائد منى أركو مناوي الأمين العام لحركة تحرير السودان ورئيس وفد التفاوض فى رده لجريدة الشرق الأوسط عن سؤال حول ما إذا وصل التفاوض إلى طريق مسدود حيث أجاب "أنَّ المفاوضات لم تبدأ أبداً ولم نلتق مع أي أحد من الطرف الآخر.. فكيف تكون وصلت إلى طريق مسدود"، وروى ما دار في إنجمينا قائلاً: "حضرت على رأس وفد الحركة وإلتقينا في البداية معاوني الرئيس التشادي، طلبنا في اللقاء مفاوضات مباشرة مع الوفد الحكومي، ورقابة دولية، ويبدو إنه تم تسريب ما دار في هذه الجلسة إلى جهات حكومية، بدليل أنه عند لقائنا بالرئيس دبِّى سألنا عن رؤيتنا لحل قضية دارفور، وبعد أن إستمع لوجهة نظرنا قال لنا عودوا إلى مناطقكم لأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، فإستغربنا لما جرى، ولم نأخذ حديث الرئيس مأخذ الجد بإعتبار أنهم لم يبدأوا أي مفاوضات أصلاً حتى تصل إلى طريق مسدود، ولكن بعد سماعنا بعد ذلك من إذاعة إنجمينا وأمدرمان أن المفاوضات قد إنهارت، عدنا أدراجنا" (الشرق الأوسط 18/12/2003م). ومن المعلوم أنَّ الرئيس التشادى قد زار الخرطوم وتحادث مع نظيره البشير حول الأوضاع الأمنية في ولايات دارفور قبل موعد تلك المفاوضات بخمس أيام فقط, لا بد فى أنَّهما تطرقا لتلك المفاوضات, وقد تعهد خلال تلك الزيارة بوضع حد نهائي للمشاكل الأمنية في دارفور, كما إنَّ وفداً عسكرياً سودانياً رفيع المستوى قد وصل إلى العاصمة التشادية إنجمينا قبل يوم واحد من الموعد المضروب لتلك المفاوضات.
(3) فى هذه الجولة الأخيرة فى إنجمينا بدت الحكومة التشادية أكثر لؤماً وسفوراً فى موقفها المعادى من وفدى الحركة المسلَّحة وخضوعها التام لرغبات الحكومة السودانية حيث تمثلت تجاوزاتها فى ذلك فى الآتى:
عند قدوم وفود الثوار لحضور المفاوضات قام بعض عناصر جهاز الأمن التشادى بالتفتيش الدقيق لحقائبهم وتجريدهم من تلفونات الثريا التى كانوا يحملونها, وبذلك إنقطعوا كلياً عن الإتصال بقواعدهم فى الخارج.
رفضت السلطات التشادية منح تأشيرات الدخول لأراضيها لتسعة من أفراد حركة العدل والمساواة السودانية كان من المقرر وصولهم من باريس, وكرد فعل لذلك أعلنت الحركة إنسحابها من المحادثات ولم تتراجع إلاَّ بعد تدخل الوسطاء.
تمَّ إنزال وفدى الحركات المسلَّحة للمفاوضات فى فندق يفتقر لأبسط أنواع الخدمات المطلوبة, إذ لم يكن يوجد تلفزيون أو هواتف فى الغرف, أو خدمات الفاكس, والهاتف الوحيد المتوفر مراقب, ولم يكن هنالك أيضاً كمبيوتر أو حتى آلة طباعة وقد تكرر إنقطاع الكهرباء عن الفندق طوال مدة إقامتهم بها.
ظلَّ أفراد من جهاز الأمن السودانى يراقبون الفندق على مدار الساعة ويرفضون زيارة أى فرد لأعضاء التفاوض, وبمعنى آخر وجد أفراد الوفد أنفسهم وكأنَّهم فى سجن حسب تعبير أحدهم.
مارس إدريس دبًّى ضغوطاً نفسية قاسية على أعضاء الوفد وحاول تجاهل حديثهم أثناء المفاوضات فى بعض الأحيان, وكان يتحدث باللغة الفرنسية مع بعض أفراد الوفد السودانى إذ لم يكن من بين أعضاء وفود الحركتين من يتحدث بذلك, وقد تلاحظ أنَّ بعض أعضاء وفد الحكومة يقتربون منه ويتحدثون إليه فى همس.
قامت قوات الأمن التشادية المراقبة لقاعة التفاوض بمنع أبوبكر حامد النور, القائد الميدانى لقوات حركة العدل والمساواة, من دخول قاعة التفاوض لمدة يوم كامل ولم يسمح له بالدخول والمشاركة فى التفاوض إلاَّ بعد تهديد وفد الثوار بالإنسحاب من التفاوض.
بعد تلاوة الرئيس التشادى لبيان المفاوضات وسريان خبر قدوم البشير فى زيارة مفاجئة لإنجمينا أمر الرئيس التشادى بطرد وفود الثوار من بلاده فوراً, بمن فيهم الأعضاء الممثلين فى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار, مما يدل على نقض أهم نص فى الإتفاقية قبل أن يجف مدادها.
لم تكتف أجهزة الأمن التشادية والسودانية بمضايقات وفود الثوار فى مدينة إنجمينا فحسب، بل قامت بمتابعة مجموعة من توجه منهم إلى مدينة الطينة فى طريقهم نحو قواعدهم بدارفور وإعتقلت أفراداً منهم بغرض تسليمهم للحكومة السودانية إلاَّ أنَّ تدخل بعض النافذين من أجهزة الأمن والعسكريين التشاديين حال دون ذلك فتركوهم لمواصلة رحلتهم.
لقد أكد أعضاء الحركتين أنَّ الرئيس دبِّى قد فرض نفسه وصياً على الحركات المسلَّحة وظلَّ يمارس ضغطاً "أبوياً" وتعسفاً مقصوداً فى تعامله مع أعضاء وفدى الحركتين, بل وتجاهل مطالبهم وبدا وكأنَّه يريد إجبارهم على كل ما يطرحه الجانب الحكومى وكأنَّ هناك تنسيقاً كاملاً بينهم فى ذلك.
أشار بيان أبناء دارفور بالمهجر بخصوص وساطة الرئيس التشادى (سودانيز أون لاين 15/4/2004م) أنَّ ضباط وأفراد جهاز الأمن التشادى كانوا فى غاية الأسى والإحباط طوال فترة التفاوض بسبب تدخل أجهزة الأمن السودانية فى صميم عملهم " السيادى ", والمؤسف بالنسبة لهم هى أنَّ التوجيهات فى ذلك ترد إليهم من أجهزة عليا فى الدولة وبالتالى لا تترك أى فرصة لأفراد الامن التشادى للتصرف التقديرى فى التعامل مع المواقف المختلفة, وقد جاء فى ذلك البيان أنَّ كل المعلومات الدقيقة التى وردت فيه عن سير المفاوضات وتداعيات سفر وفد الحركة لإنجمينا والطينة والمآسى التى تعرضوا لها قد تم الحصول عليها من أجهزة الامن التشادية الناقمة بعين السخط على ما ظلَّ يحدث.
وجوب رفض الرئيس التشادى كراعى للمفاوضات:
ما تقدم أعلاه يثبت عدم أهلية الرئيس التشادى إدريس دبَّى لرعاية أى مفاوضات سلام بين الحركات المسلَّحة فى دارفور والحكومة السودانية, وقد إتضح جلياً من السرد أعلاه أنَّ هذا الرجل الذى يدعى الوساطة ليس محايداً البتة وأنَّه على علاقة وثيقة مع نظام الخرطوم فى ضرب ثورة دارفور من خلال الأدوار المشبوهة التى يتبناها خاصة فيما يختص بالجوانب الأمنية, ونسبة لذلك فقد إستمرأت أجهزة الخرطوم الأمنية والسياسية الضغط عليه واللعب على المكشوف على علاقته الإثنية مع بعض أهل دارفور, ولذلك نعتقد أنَّه على قيادات الحركات المسلحة الإصرار على إستبعاده عن أى أدوار مستقبلية فى التفاوض, وألاَّ تتعامل معه إلاَّ فيما يختص بالجوانب الإنسانية وأن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة ورعاية المجتمع الدولى. تبعاً لذلك يجب على قيادات الحركة المسلَّحة وأبناء دارفور النظر فى الملاحظات والإقتراحات التالية:
(1) لقد قبل النظام الدخول فى هذه المفاوضات مكرهاً ومجبوراَ تحت سيف التهديد الدولى لكنه لن يتورع فى وضع المزالق والعطبات لتعطيل أى إتفاق لا يتماشى مع مصلحته, وما التردد الذى أبدوه فى الدخول فى المفاوضات السابقة ولعدة أيام إلاَّ دليلاً على ذلك.
(2) يجب ملاحظة التنسيق التام بين نظام الخرطوم والرئيس التشادى فى توجيه عملية التفاوض فى إتجاه يخدم أهداف حكومة الخرطوم بالدرجة الأولى, مما يلقى بالشك فى حيادية الرئيس التشادى.
(3) حصر كافة تجاوزات الرئيس التشادى منذ مفاوضات أبَّشى الأولى فى ملف واحد كدليل على عدم حياديته ونزاهته فى الوساطة.
(4) ضرورة الإصرار على نقل مكان المفاوضات من دولة تشاد, وتمثل حادثة طرد الرئيس التشادي لقيادات الحركات المفاوضة من بلاده, بما فيهم ممثليهم في آلية مراقبة وقف النار, تطوراً خطيراً يستدعى المطالبة فوراً بنقل التفاوض إلى دولة أخرى محايدة مثل جنيف مثلاً.
(5) إذا تعذر نقل المفاوضات من إنجمينا يجب مطالبة الوسطاء بتحديد دور الرئيس التشادى فى عملية التفاوض وحدود إختصاصه ومدى تدخله فى التوفيق بين الطرفين وضرورة إفهامه بذلك.
(6) طالما إنَّه لا يجب الركون على الحكومة السودانية فى الوفاء بأى من إلتزاماتها فى أى إتفاق إلاَّ أنَّها يجب أن تعلم بعدم قدرتها على فرض أى نوع من سياساتها الخاصة على أبناء دارفور من الآن فصاعداً, ولعلَّها بممارساتها البشعة خلال الفترة الماضية تكون قد أحرقت كل جسور الثقة بينها وبينهم, وأدى ذلك إلى بروز جيل جديد خرج من تحت أنقاض القنابل ونيران القرى المحروقة وهم مصممون على الوقوف بجانب أهاليهم, ولذلك يجب عليها أن تكون جادة فى حل المشكلة بالتفاوض المخلص والحوار البناء.
ختام:
نود أخيراً أن نشير إلى جملة من المطالبات يجب إستحقاقها قبل الشروع فى أى مفاوضات جادة, نجملها فى الآتى:
(1) وضع بروتوكول محكم لتوصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين, فما زالت حوادث القتل والحرق تترى من الإقليم آخرها الهجوم الذى شنته مليشيات الجنجويد مساء أمس الأول على قرية "دونكي دريسة" الواقعة جنوب مدينة نيالا نتج عنه حرق عدد من المنازل بالقرية ونهب أعداد من المواشي وسقوط تسعة من الضحايا بينهم رجل شرطة (الصحافة 18/4/2004م). وقد قالت وزارة الخارجية الأميركية أيضا أنَّها لا تزال تتلقى معلومات غير مؤكدة حول هجمات تنسب إلى ميليشيات تدعمها السلطة ضد مدنيين في دارفور, في ما يعتبر خرقا لإتفاق وقف إطلاق النار المبرم في الثامن من أبريل, وأعلن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر "إنَّنا قلقون من أنَّ الحكومة السودانية لم تتدخل لتطبيع الوضع في دارفور وتستمر في عدم تسهيل وصول الفرق الإنسانية". وأضاف "أنَّه أمر غير مقبول", وتابع باوتشر يقول "ندعو الحكومة السودانية إلى منح تأشيرات فورية لفريقين تابعين للأمم المتحدة يحققان في الوضع في دارفور وللعاملين في الحقللإلانساني في دارفور" (البيان 18/4/2004م).
(2) تشكيل هيئة لوقف ومراقبة وقف إطلاق النار من كل مكونات المجتمع الدولى, خاصة الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبى, وليس من بعض الأفراد من الإتحاد الأفريقى فقط كما تشتهى الحكومة.
(3) تشكيل آلية قانونية عسكرية دولية للتحقق من جرائم الحرب وتحديد المتورطين وتقديمهم للمحاسبة القانونية الدولية.
helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية
تمهيد:
أبسط ما يمكن أن يوصف به مواقف الرئيس التشادى إدريس دبِّى حيال تعامله مع قيادات الحركة المسلَّحة بدارفور, وقضية دارفور بصفة خاصة, هو أنَّه قد سمح للحكومة السودانية وأجهزتها الأمنية بإستخدامه كحصان طروادة لإختراق أى محاولات جادة لتحقيق حل عادل ومنصف لهذه القضية, وهو بذلك أثبت أنَّه ليس محايداً البتة فى وساطته المزعومة لتحقيق السلام فى هذا الإقليم المنكوب بل على العكس من ذلك تماماً أثبت بأنَّه منحاز لمواقف الحكومة السودانية وسياساتها تجاه التعامل الشفيف مع هذه القضية مما يستدعى حسم هذا الموقف المهزوز نهائياً وبصورة عاجلة.
ولعلَّ قادة الحركات المسلَّحة وأهل دارفور قد مدُّوا حبل الصبر طويلاً فى إنتظار تعامل منصف مع رجل يعرفونه جيداً, بل وربما كانوا السبب المباشر فى تسنُّمه لحكم دولة تشاد, الشيئ الذى يثير الإستغراب والدهشة فى الأهداف الحقيقية لمواقفه التى لا يمكن وصفها إلاَّ بالمعادية لمواقف الثوار ومن خلفهم مصالح أهل دارفور. من جانبها عملت الحكومة السودانية جهدها من أجل تعزيز ذلك بل وإستخدام الرئيس التشادى لتنفيذ رؤاها الخاصة وتنفيذ خططها السريَّة فى التعامل مع الحركات المسلَّحة, ومن هنا يمكننا فهم إصرارها المطلق لحصر القضية فى النطاق التشادى الأفريقى ورفض أى تدخل دولى قد يكون مدركاً لمراميها ومن ثمَّ عجزها عن مجابهة ذلك.
تاريخ العلاقة بين إدريس دبَّى ودارفور:
يمتد حدود منطقة قبيلة إدريس دبَّى, وهى "خشم بيت" فى قبيلة الزغاوة, فى داخل الأراضى السودانية التشادية وقد كان والده "تيمان دبَّى" ملكاً لقبيلته فى مقره ببلدة "باهاى" على الجانب التشادى, وقد درس إدريس فى صغره فى مدرسة كرنوى الإبتدائية قبل أن ينتقل لتشاد ويواصل تعليمه هناك. وتدرج بعد ذلك فى الجيش التشادى وإنحاز لجانب حسين هبرى فى صراعه على السلطة ضد جوكونى عويدى, وقد لعبت قبيلة الزغاوة دوراً حاسماً فى ذلك مما مكَّن إدريس دبَّى فى أن يترقى لمنصب القائد الأعلى للقوات المسلَّحة التشادية بعد إنتصار حليفه حسين هبرى وتسلمه إدارة البلاد, لكن يبدو أن هبرى, وهو من قبيلة القرعان, قد أصابه الشكوك فى ولاء إدريس وبقية كبار قادة الزغاوة فى الجيش التشادى لنظامه وخطط بالتالى الإيقاع بهم, لكنَّ إدريس دبِّى وحلفاؤه تمكنوا من الفرار من إنجمينا وبعد مطاردات عنيفة وصلوا إلى دار الزغاوة بالأراضى السودانية فى حالة يرثى لهم ولا يزيد عددهم على المائة, بعضهم حفاة ومجرحين ولا يملكون شيئاً, لكنَّ الأهالى أحسنوا عليهم وإحتضنوهم, وكان أول مكان نزلوا بها هى منطقة "بامشى" إرتحلوا منها إلى منطقة "عين سيرو" ثمَّ إلى منطقة "الجنيك". كان ذلك فى نهاية عام 1988م وبداية عام 1989م. ومنذ تلك الفترة بدأ إدريس يستجمع قواه وبدعم مقدر من الأهالى بالمنطقة لكنَّه تعرض لهجمات متكررة من قوات حسين هبرى التى كانت تراقبه جيداً والذين تمكنوا من الإغارة عليه ومطاردته ذات مرة حتى مدينة "كتم" حيث دخلوا المستشفى وإختطفوا الجرحى من قوات دبًّى وأعدموهم فى الحال, لكنَّ أهالى المنطقة أخفوه ودعموه بعد تلك الكارثة, ومع حلول شهر نوفمبر عام 1990م تمكنَّ دبِّى من إستجماع قواه وبذل أهله وأهالى شمال دارفورعامة الغالى والرخيص فى سبيل ذلك, ودعموه بالمال والرجال وتمكن بالفعل من إلحاق هزيمة كاسرة بقوات القيادة الشمالية لجيش حسين هبرى إنهار جيشه كلها على أثرها وفرَّ هبرى إلى دولة النيجر ليدخل إدريس دبِّى العاصمة إنجمينا ظافراً فى الثانى من ديسمبر عام 1991م, وبعد أربعة أيام فقط من تلك المعركة, ويتسلم بعدها رئاسة الدولة التشادية والتى لولا أهل دارفور لما تمكن منها. لقد لجأ إدريس دبَّى إلى أهل دارفور طريداً كسيراً جائعاً مبهدلاً فأخذوا بيده وأطعموه وحموه ودعموه ثمَّ نصروه على عدوه بتشاد ونصبوه حاكماً عليها واليوم ينسى الرجل كل ذلك ويعض على تلك الأيادى البيضاء التى أقلته بعد عثرته ورفعته إلى مستوى رئيس دولة (الله يخزى اللى كان السبب).
المشاكل الداخلية التى يتعرض لها النظام التشادى الحاكم:
مما تقدم أعلاه يتضح تشابه النظامين الحاكمين فى كل من تشاد والسودان فى أنَّ كلاهما قد أتى للحكم عن طريق البندقية, لكنَّ النظام التشادى لا يجد حرجاً فى ذلك كونه قد صعد للسلطة عن طريق شرعية الحرب والمقاومة المسلحة بخلاف نظام الجبهة الإسلامية القومية الذى إعتمد أسلوب الغدر بنظام ديمقراطى منتخب. غير أنَّ ذلك لا يعنى أنَّ النظام التشادى ليس له أعداء فذلك مفهوم تبعاً للظروف التى قادته أساساً للصعود إلى السلطة. وبالرجوع لطبيعة الصراع السياسى فى الدول الأفريقية المتخلِّفة نجد أنَّ القبيلة والجهوية ظلَّتا تمثلان مرتكزات أساسية للسلطة الحاكمة فى الدولة, وعلى هذه الخلفية لا تختلف الأمور فى تشاد عن هذا النحو فإدريس دبَّى القادم من بطن من بطون قبيلة الزغاوة إنتزع الحكم من حسين هبرى الذى ينتمى إلى قبيلة القرعان, الذين أصبحوا خارج دائرة السلطة, ولا بد أنَّهم يفكرون فى إعادة مجدهم الزائل, كما إنَّ هناك خلافات أخرى مستترة مع فئات أخرى من بطون لزغاوة, بجانب إحتكاكات سابقة مع قبيلة البرقو فى منطقة أبَّشى, وبالرغم من أنَّه لم يرشح شيئ من قبيلة السارا حول بحيرة تشاد إلاَّ أنَّ ما يحصلون عليه من نصيب من عائدات النفط المستخرج حديثاً من مناطقهم قد كفتهم عن أى مطالبات مقلقة بالنسبة للنظام الحاكم بالرغم من أنَّهم أكثر الفئات تعليماً وثقافة فى الدولة. إضافة إلى ذلك تظل تحركات الجماعات الإسلامية المتطرفة على الحدود الشمالية الغربية لتشاد تمثل شوكة فى خاصرتها خاصة بعد أن دخلت القوات الأمريكية فى حرب مع تلك الجماعات بدعم من الجيس التشادى بدعوى القضاء على الإرهاب, كما أنَّ توتر العلاقات بين تشاد وجارتها الجنوبية الشرقية, جمهورية أفريقيا الوسطى, والمعارك العسكرية التى دارت بين الجانبين فى منطقة الحدود بينهما بداية العام الماضى والذى أدَّى إلى هزيمة قوات الرئيس فيليب أنج باتاسي وفراره إلى الكاميرون نهاية شهر مارس من العام الماضى قد أثَّرت فى قوة تشاد العسكرية, وكانت الحكومتان السودانية والليبية قد دعمتا باتاسيه بينما دعمت تشاد المتمردين الأفريقيين. وأخيراً تبقى المجموعات العربية المتذبذبة فى ولائها بين مناطقها فى التشاد وإمتداد أهاليهم فى السودان, وهم على أية حال قد يمثلون قنابل موقوتة إن لم يتحسب الرئيس التشادى لهم خاصة وأنَّهم قد بنوا علاقات تحالفية حميمة مع نظام الإنقاذ خاصة حول الوعود التى بذلتها لهم بالحصول على الأرض.
كما لا يغيب علينا فى هذا المجال أن نشير إلى الإشاعات التى تقول بأنَّ الرئيس التشادى يعانى من مرض السرطان وأنَّه يحتاج للقيام بزيارات دورية لباريس لتلقى العلاج, ولا يفوت على المراقبين حيال ذلك إحتمال وجود صراع على السلطة بين خلفائه, خاصة مع بدء الدولة إنتاج وتصدير النفط, الشيئ الذى قد يفتح الباب لتدخلات أجنبية لدعم الأطراف المختلفة فى ذلك الصراع المحتمل.
على هذه الخلفية المعقدة يمكننا بسهولة قراءة هشاشة البناء السياسى التشادى وإمكانية تجيير بعض القبائل بها للعمل ضد نظامها الحاكم من أى جهات خارجية بقصد الإبتزاز والضغط لتنفيذ أهداف محددة لمصلحتها, وتبعاً لذلك يمكننا أيضاً تفسير الهجمات المتكررة لمليشيات الجنجويد عبر الحدود, فقد لا يكون الهدف منها هو قتل اللاجئين فقط, بعد أن فروا وتركوا قراهم وأراضيهم نهباً لتلك المليشيات, بل قد يمثل ذلك رسالة مبطنة للقيادة التشادية بمصير مأزوم إن لم ترضخ طائعة مختارة لما يطلب منها وذلك جرياً على المثل الشعبى الذى يقول "دقَّ القُراف.. خلى الجمل يخاف"!
إستغلال نظام الإنقاذ للرئيس التشادى:
أدرك نظام الإنقاذ أنَّ سياساتها المعادية لأهل دارفور قد أدت إلى نشوب ثورة فى الإقليم قوامها أكبر قبيلتين فيه, هما الفور والزغاوة, بجانب العديد من القبائل الأخرى ذات الأصول الأفريقية مساندة للثورة ومقاتلة بجانبها مثل المساليت, التاما, الداجو, الميدوب, البرقد, وبعض العناصر العربية لاحقاً, وغيرها من قبائل صغيرة, لكن تظل قبيلة الزغاوة ببطونها المتعددة هى القوة الضاربة الحقيقية فى الصراع. ويبدو أنَّ الحقيقة التى لم يفطن لها نظام الإنقاذ بداهة هى أنَّ العديد من قيادات الثوار قد سبق لهم أن شاركوا بقوة فى حروبات المنطقة المتداخلة ما بين السودان وتشاد وليبيا, بل مثلوا السبب المباشر فى إلحاق تلك الهزائم المنكرة بالقوات الليبية وإجلائها من هضبة التبستى وقطاع أوزو الغنى بعنصر اليورانيوم والتى سبق لليبيا أن ضمتها لحدودها من جانب واحد. هذه العناصر تدربت على حروب العصابات المرعبة والخاطفة التى تثير الهلع فى الجانب المناوئ وتخلف موتاً ودماراً هائلاً بين صفوفها فى فترة وجيزة من الهجوم, وتعتمد على الحركة السريعة فى عربات "اللاند كروزر", ذات الدفع الرباعى, وتجيد إستخدام المكامن والمنحنيات والمناطق المكشوفة على حد سواء, وهى طريقة فى الحروب لم يعتد عليها الجيش النظامى السودانى أبداً ولذلك كانت تلك الهزائم المتتالية التى تعرض لها بجانب الدمار الهائل فى قواتها وعتادها فى فترة أقَّل من عام واحد قد تطال خسائر الجيش السودانى طوال حربها فى جنوب السودان.
تبعاً لذلك لم تجد الحكومة بداً من الإعتماد على الرئيس التشادى فى لجم زمام هؤلاء الثوار مستفيدة من روابطه الإثنية معهم ونفوذه المشروع كرئيس لدولة قد لا تسقط كلمته على الأرض بين تلك القبائل التى خرج منها. وبالرغم من توفر عدداً من الفرص السانحة لنظام الإنقاذ فى التوصل لحل مبكر مع قيادات الثوار, خاصة عبر مؤتمر الفاشر التداولى, إلاَّ أن العقلية التآمرية لجهازه الأمنى, بجانب نظرته الدونية لأهل دارفور, حالت دون ذلك وأدَّت لتفاقم الأزمة بصورة مضطردة تمثلَّت قمتها فى الهجوم الصاعق على مدينة الفاشر وتدمير الطائرات الحربية الجاثمة على مطارها وأسر قائد السلاح الجوى وضرب القيادة الغربية, ومضت الأمور بعد ذلك إلى حرب شاملة فدخل الثوار عدة مدن من بينها مليط وكتم والطينة وتحولت معظم مناطق شمال ووسط وغرب دارفور إلى ساحات حرب لم تجد الحكومة وسيلة لمجابهتها سوى الإستخدام المكثف للطائرات الحربية من أنواع الأنتينوف ومدرعات الهليكوبتر وتجييش الجنجويد, بجانب أتباع سياسات متنوعة لإستقطاب الرئيس التشادى لجانبها بل ومحاولة جرَّه للإشتراك فى الحرب معها ضد الثوار إن أمكن, وفى سبيل ذلك فقد إتبعت الحكومة السودانية عدة محاور لتحقيق تلك الغايات تمثلت فى الآتى:
(1) محور سياسات ليِّنة ودودة بقصد الحصول على الولاء وتحقيق التجيير وأعتمدت هذه السياسة أساساً على الإغواء بالمال والرشوة.
(2) محور سياسات إقتصادية أعتمدت أتفاقيات بينية ووعود بالمساعدة فى إستثمار ثروة بلاده النفطية.
(2) محور سياسى ظلَّ ينشط بإستمرار تحت دعاوى تقوية العلاقات بين الحزبين الحاكمين فى كلا البلدين وهما المؤتمر الوطنى فى السودان والحركة الوطنية للإنقاذ التشادية الحاكمة فى تشاد, والموافقة لإجتماع دورى كل ستة أشهر.
(4) محور عسكرى أمنى, وهذا هو بيت القصيد, نشط فى إبرام الإتفاقات الأمنية والعسكرية إلى درجة الإتفاق على تكوين قوة مشتركة من ألفى جندى من كل جانب لمراقبة الشريط الحدودى ومكافحة التهريب والنهب المسلَّح, وإن كان فى ذهن الحكومة السودانية تطوير تلك القوة المقترحة وإستخدامها لسحق الثوار بمساعدة مليشيات الجنجويد والذين تمَّ جلب بعضهم من دول مثل مالى والنيجر والجزائر وتشاد نفسها.
(5) محور التهديدات المبطنة, وسياسة العين الحمراء إن حاول الرئيس التشادى النكوص عمَّا هو مطلوب منه أو محاولة دعم الثوار, ولعلَّ إنشاء معسكرات للجنجويد والمليشيات الوافدة بالقرب من الحدود التشادية, وإحتمال التلويح بدعم قبائل القرعان والجماعات الإسلاميةالمتطرفة, تمثل رسائل ضمنية تحمل تهديدات أمنية بضرورة الإذعان والتعاون.
(6) محور سياسة الإملاء المباشر عن طريق إصدار خطط محددة للجانب التشادى لتبنيها لصالح الحكومة السودانية ضد حركات الثوار, قد تتطور لاحقاً إلى توجيهات تستبطن أوامر واجبة للتنفيذ.
لقد ظلَّ الجنجويد يجتازون الحدود ويهاجمون اللاجئين فى معسكراتهم النائية لقتلهم ونهب حيوانات من إستطاع اللجوء بها فى تلك المناطق المقفرة, وقد أكدَّت منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية التى تعمل فى تلك المناطق بجانب العديد من بيانات منظمة العفو الدولية حدوث تلك التجاوزات, ويقال أنَّ جهاز الأمن التشادى قد ظلَّ يشتكى للرئيس دبِّى من ذلك لكنَّه ظلَّ متردداً فى إتخاذ أى رد حاسم مع تلك الهجمات مما دفع الجيش التشادى لإتخاذ قرار منفرد, بعد إبلاغ دبِّى بالإبتعاد عن ذلك, وقام بقتل عدد كبير من الجنجويد فى أحدى هجماتهم, وبالرغم من ذلك ظلَّ الجنجويد يواصلون الهجوم عبر الحدود حتى بعد توقيع إتفاقية إنجمينا الأخيرة, وقد ذكر بعض المشاركين فى تلك المفاوضات أنَّ الرئيس التشادى قد تمَّ إبلاغه قبل دقائق قليلة من قراءته لنص الإتفاق النهائى لتلك المفاوضات, فى إجتماع ضمَّ طرفى التفاوض, بخبر مصرع قائد عسكرى كبير من قواته فى أحدث هجوم للجنجويد على معسكرات اللاجئين.
ويبدو أنَّ الرئيس التشادى من ناحية, وأجهزته الأمنية من ناحية أخرى, قد أبدوا قلقاً متزايداً من تعاظم نفوذ الحكومة السودانية وأجهزتها الأمنية على القرار السيادى التشادى, وبدا لهم كما لو أنَّ النظام التشادى قد تحول إلى مخلب قط لتنفيذ سياسات الحكومة السودانية ضد الثوار الذين تربطهم بهم أواصر القربى والدم بل والنضال المشترك سابقاً من أجل تثبيت سلطتهم فى تشاد, ولذلك جاءت زيارة الرئيس دبِّى لفرنسا بدعوى إجراء فحوصات طبية فى نهاية شهر يناير الماضى على هذه الخلفية وتزايد قلقه من تأثير تطور الأوضاع فى دارفور على حكمه بتشاد طالباً العون والحماية من فرنسا, وكرد على ذلك قام وزير الخارجية الفرنسي السابق (والداخلية الحالى) دومينيك دوفيلبان بزيارة إنجمينا فى منتصف شهر فبراير كبادرة لطمئنة الرئيس التشادى, ثمًّ واصل رحلته إلى الخرطوم التى وصلها فى العشرين من ذلك الشهر حيث ركزت زيارته على الاوضاع المتدهورة في ولايات دارفور إضافة إلى مناقشة رغبة المجموعة النفطية الفرنسية توتال لإستئناف عمليات التنقيب عن النفط في منطقة دارفور, وقد حاولت حكومة الخرطوم إستخدام عقليتها الأمنية مرة أخرى لتجيير فرنسا لجانبها أملاً فى إمكانية إستخدامها لمواجهة النفوذ الأمريكى المتزايد فى المنطقة وللتأثير غير المباشر على سياسات الرئيس التشادى حيال الأوضاع فى دارفور.
تحركات الخرطوم على هذا النحو تشى بشكوكها المتزايد فى إلتزام الرئيس التشادى بدعم سياساتها الباطشة بالأهالى بدارفور, فحتى وإن أحنى الرئيس التشادى رأسه للضغوط السودانية إلاَّ أنَّه يظل مفرداً بحاله فى سلطته بموازاة نفوذ جهازه الأمنى القوى والمتعاطف مع موقف الثوار من جانب وقلق قيادة الجيش التشادى المتزايد من هجمات الجنجويد عبر الحدود وتدفق اللاجئين المستمر إلى داخل حدود الدولة مما يُؤثر بلا شك على مجمل الأوضاع الأمنية بالبلاد من جانب آخر, خاصة وأنَّ الجيش التشادى قد خرج لتوه من حروبات أفريقيا الوسطى ليجد نفسه يقود حرباً من نوع آخر ضد المليشيات الإسلامية على الحدود الشمالية الغربية بمساعدة من الجيش الأمريكى بدعوى محاربة الإرهاب. على هذا النحو, وعلى خلفية هذه الأوضاع, تنوعت سياسات نظام الإنقاذ فى التعامل مع الرئيس التشادى ونظامه حيث نلمس ذلك جلياً فى الفقرات التالية.
مسلسل محاولات الحكومة لإستقطاب الرئيس التشادى لجانبها:
سوف ندلل على تنوع سياسات الحكومة لتجيير الرئيس التشادى لجانبها من خلال الأخبار التى ظللنا نرصدها من خلال وسائل الإعلام فى الإنترنت مع بعض التعليقات من لدينا وضعناها بين قوسين كبيرين فى نهاية الخبر, وهى كلها صادرة أساساً من مسئولى النظام وأجهزته المختلفة فى التعامل مع الملف التشادى, فقد جاء فى تلك الأخبار ما يلى:
* أكدَّ الرئيس التشادي إدريس دبِّى فى لقاء القمة التى جمعته مع الرئيس البشير بالفاشر تصميمه لحسم التمرد بدارفور وقال (لا يمكن السماح لأحد باللعب بالنار في حدودنا) مؤكداً إلتزام بلاده بتقديم العون المطلوب للقضاء على ممارسات التمرد، وزاد بأن القوات المسلحة في البلدين ستعملان سوياً لإعادة الإستقرار للشريط الحدودي الواصل بين السودان وتشاد (الخرطوم 13/4/2003م). {تعليقنا على ذلك هو أنَّ هذا هو موقف الرئيس دبَّى المبدئى من الحركات المسلَّحة}.
* تسلمت الحكومة التشادية مبلغ مليون ومائتي ألف دولار منحة من الحكومة السودانية لانشاء طريق دائري داخل إنجمينا... وقد إلتقى الأستاذ حسن برقو رئيس دائرة وسط أفريقيا بالمؤتمر الوطني رئيس الوفد السوداني الزائر إلى إنجمينا السيد موسى الفكي محمد، رئيس الوزراء التشادي الذى أكد له إلتزام الحكومة التشادية بما تم الإتفاق عليه مع حكومة السودان في المجالات الأمنية والإقتصادية والسياسية كافة (الرأى العام 18/8/2003م). {تعليقنا على ذلك: أكدَّت بعض المصادر العليمة بتشاد بأنَّه لا توجد طرقاً مرصوفة بالمدينة, وليست هنالك أى خطة معلومة لذلك, ناهيك عن إنشاء طريق دائرى بالمرة! وهنا يبرز تساؤل مشروع وهو هل فرغت الحكومة السودانية من إنشاء طرق دائرية فى مدن السودان كافة, خاصة بالعاصمة القومية نفسها, حتى ترسل مبلغاً بذلك الحجم لإنشاء طريق دائرى وهمى فى عاصمة تشاد؟!}.
* تشاد تعرض مبادرة لحل أزمة التمرد بدارفور(الحياة 2/9/2003م). {نلاحظ أنَّ توقيت هذه المبادرة جاءت عقب إستلام المبلغ أعلاه!}.
* وفد رفيع من المؤتمر الوطني ينهى زيارة غير معلنة لتشاد جاءت فى إطار التعاون بين البلدين في الجوانب الأمنية وتأمين الحدود على خلفية الأحداث الاخيرة بدارفور. وأبدت مصادر مطلعة إستفسرتها «الرأي العام» حول نتائج الزيارة (تحفظاً شديداً) ولكنها أكدت أن نتائجها ستظهر قريبا بعد لقاء الوفد بالمسؤولين (الرأى العام 2/9/2003م). {تزامن هذه الزيارة السرية مع إطلاق تشاد لمبادرتها لتسوية الأزمة بدارفور مما يشى بأنَّها مملاَّة من الحكومة السودانية خلال تلك الزيارة}.
* من المنتظرأن يتوجه اليوم الرئيس السوداني عمر البشير بزيارةإالى جمهورية تشاد في زيارة قصيرة تستغرق عدة ساعات تتعلق بجهود الصلح بين الحكومة ومتمردي دارفور (أخبار السودان 3/9/2003م). {نلاحظ أنَّ توقيت زيارة البشير هذه جاءت بعد ساعات فقط من إطلاق المبادرة التشادية, ويبدو أنَّ هناك تنسيقاً كبيراً قد تمَّ فى ترتيب ذلك}.
* يتوجه الفريق الركن عمر البشير رئيس الجمهورية اليوم إلى إنجمينا في زيارة رسمية لمشاركة الشقيقة تشاد في إحتفالاتها بإنتاج النفط, وجاء فى الأنباء أنَّه سيبحث مع الرئيس التشادي إدريس دبي على هامش فعاليات الاحتفال إمكانية استكمال بعض الجوانب الخاصة باتفاقية آبشي التي وقعت في الثالث من شهر سبتمبر الماضي بين الحكومة وحركة تحرير السودان التي حملت السلاح في دارفور (ألوان 10/10/2003م). {هذه هى الزيارة الثانية للبشير لإنجمينا فى غضون خمس أسابيع فقط الشيئ الذى يمكن وصفها بزيادة الضغوط على الرئيس التشادى خاصة وأنَّ الهدف الأساسى من الزيارة هو مراجعة بعض الجوانب الخاصة باتفاقية آبشي كما يبدو فى الخبر}.
* قال الأمين العام بالوكالة للتجمع المعارض شريف حرير، إنَّ سلطات الأمن التشادية طردته مع ثلاثة من معاونيه وصلوا مطار انجمينا بالطائرة الفرنسية، وأمرته بالمغادرة فورا من حيث أتى، تنفيذا لقرارات عليا شددت على حاملي الجوازات السودانية المشتبه في إنتمائهم إلى المعارضة المسلحة في دارفور، عدم الدخول إلى أراضيها (الصحافة 11/10/2003م). {هل هناك رائحة إملاء لإتخاذ مثل هذا القرار؟}.
* أفادت مصادر تحصلت عليها صحيفة (أخبار اليوم) أنَّ وفد الحكومة إلى مفاوضات إنجمينا كان قد رفض حضور وفد من المجموعات المسلحة الأخري وسلم الحكومة التشادية قائمة تضم 35 إسماً كانوا بصدد الحضور من الولايات المتحدة الأمريكية, السعودية, الامارات, ألمانيا, وعدد من الدول الأخري, ولقد إستجابت السلطات التشادية للطلب!! (أخبار اليوم 8/11/2003م). {لاحظ صيغة "أنَّ وفد الحكومة قد رفض حضور وفد من المجموعات المسلحة الأخري وسلم الحكومة التشادية قائمة تضم 35 إسماً" مقروناً بعبارة "ولقد إستجابت السلطات التشادية للطلب"!! هل كان ذلك أمر واجب التنفيذ؟}.
* وزيرا الدفاع بالسودان وتشاد يوقعان بروتوكولاً أمنياً ويتفقان على تكوين قوات مشتركة لمنع عناصر المعارضة المسلحة في كلا البلدين من ممارسة أي نشاط عدائي ويتم قبضهم وتسليمهم للجهات المختصة في البلدين (أخبار اليوم 8/11/2003م). {مثال صارخ لمحاولة الحكومة جر الحكومة التشادية للمشاركة فى قتال الثوار}.
* يتوجه الدكتور نافع علي نافع الأمين العام المكلف بالمؤتمر الوطني مساء اليوم إلي إنجمينا على رأس وفد عالي المستوي حاملا رسالة خطية من الفريق الركن عمر البشير رئيس الجمهورية إلي الرئيس أدريس دبِّي تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وفي مقدمتها القوي الأمنية المشتركة بالمناطق الحدودية (الأنباء 13/11/2003م). {الضغوط وتوالى الضغوط بهدف محاصرة الرئيس التشادى بالوسائل السياسية أيضاً}.
* تعقد لجنة العمل المشترك بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الوطنية للإنقاذ التشادية في مدينة الجنينة في الفترة مابين العاشر إلي الخامس عشر من يناير القادم، لبحث القضايا السياسية والأمنية المشتركة في إطار العلاقات المتطورة والمتميزة بين الحزبين الحاكمين في البلدين ولمتابعة القرارات السابقة بشأن إنشاء القوة الأمنية المشتركة بين البلدين (الصحافة 19/11/2003م). {توالى الضغوط السياسية بشأن إنشاء القوة الأمنية المشتركة بين البلدين }.
* أجرى الرئيس عمر البشير أمس، محادثات مهمة مع نظيره التشادي إدريس دبَّي الذي يزور الخرطوم، ركزت على تطورات الأوضاع الأمنية في ولايات دارفور، وتعهد دبَّى خلالها بعقد مؤتمر لوضع حد نهائي للمشاكل الأمنية في دارفور (الصحافة 11/12/2003م).
* وصل وفد عسكري سوداني رفيع المستوى إلى العاصمة التشادية إنجمينا أمس الأول. وتأتى هذه الزيارة في إطار التعاون العسكري بين البلدين (الرأى العام 15/12/2003م). {نلاحظ أنَّ هذه الزيارة جاءت بعد أربعة أيام فقط من زيارة الرئيس التشادى للخرطوم}.
* حمَّل وزير الأمن التشادي متمردى دارفور مسؤولية إنهيار مفاوضات أبشي, وأشار إلى أنَّ المتمردين قد وضعوا ثلاثة شروط للمصالحة وهي: بقاء قواتهم في دارفور لفترة إنتقالية توزيع عائدات البترول بصورة عادلة بقاء دارفور تحت إدارتهم في ظل إستقلالية الإدارة والتسيير (أخبار اليوم 18/12/2003م). {أولاً: لم تتم المفاوضات أصلاً حتى يعرض الثوار مطالبهم, ثانياً: حضر وفد الثوار للمفاوضات ولكنَّ الوفد الحكومى هو الذى إنسحب ورفض المفاوضات, ثالثاً: قام النظام التشادى بتوجيه من الحكومة السودانية بإلقاء اللوم على الثوار فى عملية مكشوفة إستغرب لها كل من تابع تلك المفاوضات}.
* إتفقت الحكومتان السودانية والتشادية على منع نشاط المعارضين ومكافحة الإرهاب والتهريب عبرالحدود المشتركة ومحاربة النهب المسلح والأعمال التى تخل بالأمن عبرالحدود المشتركة. وأوضح مسؤولون من الحكومة السودانية إنَّ هذا الاتفاق يأتى فى إطار الإتفاقيات الأمنية الموقعة بين الخرطوم وإنجامينا التى تنص على تكوين قوات مشتركة على الحدود لمتابعة الأحداث الأمنية (سودانيز أون لاين 1/3/2004م). {الإتفاقات الأمنية والإصرار على توريط التشاديين للمشاركة فى الحرب ظلَّت تمثل محور إهتمامات الحكومة السودانية فى علاقاتها مع الرئيس دبِّى}.
* أوضح مسؤول بالحزب الحاكم، أنَّ الرئيس التشادي إدريس دبَّى أكدَّ أن بلاده لن تسمح بأي توتر على الحدود من شأنه أن يمس العلاقات الإستراتيجية بين بلاده والسودان (الصحافة 2/3/2004م). {بمعنى آخر أنَّ الرئيس التشادى قد يدعم الحكومة عسكرياً فى قتالها ضد الثوار}.
* يتوجه إلى العاصمة التشادية إنجمينا اليوم وزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل لبحث الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس إدريس دبي في معالجة الأوضاع في دارفور(الصحافة 18/3/2004م).
* صرَّح د. مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية إلى أنَّ الرئيس التشادي سيقوم برعاية المؤتمر الجامع في دارفور - حسب طلب البشير- وتحديد موعده بناءً على الإتصالات التي سيجريها مع الأطراف المعنية (الرأى العام 20/3/2004م). {لاحظ عبارة "حسب طلب البشير"!, لماذا لا تكون العبارة مثلاً "حسب إلتماس" أو "حسب رجاء"}.
* وافقت الحكومة على مقترحات تشادية لتسوية النزاع في دارفور مع بعض التوضيحات، لكنْ متمردو دارفور رفضوها لإغفالها الرقابة الدولية, وأكد عضو وفد متمردي دارفور في مفاوضات إنجمينا نهار عثمان عثمان، رفض فصائل التمرد لهذه المقترحات لأنَّها أغفلت مبدأ الجانب الدولي، وإكتفي الوسيط التشادي بالإشارة إلي إنجمينا والإتحاد الأفريقي, وذكرت مصادر في حركة التمرد أنَّ المشروع التشادي تجاهل الرقابة الدولية سواء فيما يتعلق بإشراكها في المفاوضات أو مراقبة وقف أطلاق النار (الصحافة 6/4/2004م). {فى الحقيقة تبنى الرئيس التشادى طرح الحكومة السودانية برفض التدخل و الرقابة الدولية غلى المفاوضات والتى عرضها عليه وزير الخارجية السودانى خلال زياته التى سبقت بدء جولة التفاوض بأيام قليلة}.
* قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مفاجئة إلى العاصمة التشادية إنجامينا لإجراء مباحثات مع نظيره التشادي إدريس ديبي لدفع التفاوض السياسي بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور في إطار رعاية الأخير للمفاوضات. وتناولت الزيارة التي إستغرقت يوماً واحداً تعزيز العلاقات الثنائية بين الخرطوم وإنجامينا ويرافق البشير في الزيارة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية والدكتور الطيب ابراهيم محمد خير مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية (الشرق الأوسط 12/4/2004م). {توالى الضغوط, وقد رشح من هذه الزيارة أنَّ البشير قد طلب من الجانب التشادى بصورة قاطعة عدم السماح لأبناء دارفور بالخارج من دخول تشاد, وأن يقتصر التفاوض فقط مع أسماء محددة من طرفى الحركات المسلَّحة سلمتها الحكومة السودانية فى قائمة للجانب التشادى}.
* أبعد الرئيس التشادى إدريس دبى بعض قيادات حركتى تحرير السودان والعدل والمساوة فيما أصبح إتفاق وقف إطلاق النار فى غرب البلاد مهدداً بالإنهيار بعد مرور يويمن من سريانه. ونقل د. شريف حرير أنَّ السلطات التشادية أبلغته مع عدد من القياديين من حركتى تحرير السودان والعدل والمساوة وممثلى الحركتين فى آلية مراقبة الاتفاق بمغادرة إنجمينا ليلة أول من أمس فى خطوة لم يتم تفسيرها. وحذر حرير من إنعكاس ظلال الخطوة سلباً على إتفاق وقف إطلاق النار حيث كان من بين المبعدين (سودانايل 13/4/2004م). {وهكذا يواصل الرئيس لاتشادى تنفيذ أوامر الحكومة السودانية ومؤامراتها ضد وفود الثوار وأهل دارفور دون هوادة أو كلل بينما يدَّعى فى نفس الوقت أنَّه يرعى المفاوضات بحياد}.
تجاوزات الرئيس التشادى فى حق وفود الثوار للتفاوض:
لقد مضى الرئيس دبَّى فى تنفيذ خطط الحكومة بشأن قضية دارفور بالضغط على أطراف الحركة المسلَّحة مستخدماً فى ذلك مدخل "أبوى" ضاغط ووعود كاذبة بمساعدتهم لتليين موقف الحكومة السودانية تجاههم, لكن مسلسل تعامله معهم يكشف زيف إدعاءاته وهوان قادة الحركات المسلَّحة عنده خاصة إذا إكتشفنا الإهانات المباشرة التى تصدر منه بحقهم, وسندلل على ذلك عبر الأحداث التالية:
(1) قبيل بدء مفاوضات أبَّشى الأولى فى مطلع شهر سبتمبر من العام الماضى طلب الرئيس التشادى من حركة تحرير السودان إرسال وفد للتشاور حول كيفية إنهاء النزاع فى إقليم دارفور بطريقة سلمية لكنَّه لم يوضح لهم طبيعة ذلك الإجتماع المزمع, وعند وصول الوفد برئاسة القائد الشهيد عبدالله أبَّكر فوجئوا بوجود وفد حكومى من جنرالات الجيش السودانى بقيادة الطيب إبراهيم محمد خير مستشار الرئيس للشئون الأمنية, وهو شيئ لم يتوقعوه ولم يكونوا مستعدين له بما فيه الكفاية للدخول فى مفاوضات بذلك الحجم, لكن الرئيس التشادى إستخدم زعامته "الأبوية" وفرض ضغطاً عليهم بضرورة الدخول فى مفاوضات رسمية بل ووعدهم بأنَّه سيقف إلى جانبهم فى مواجهة الوفد الأمنى للحكومة السودانية, لكنه لم يفعل ذلك ولذلك خرجت بنود تلك الإتفاقية كما خطط لها وفد الحكومة وبدت وكأنَّه إستسلاماً من الثوار فى الوقت الذى كانوا فيه مسيطرين على الأوضاع العسكرية فى الإقليم فى ظل تراجع مستمر للقوات الحكومية. ومن المعروف أنّه كانت هنالك ترتيبات أمنية واسعة ومسبقة تمت بين النظامين السودانى والتشادى للخروج بنتائج تلك المفاوضات على ذلك النحو.
(2) فى مفاوضات إنجمينا الأولى فى منتصف شهر ديسمبر من العام الماضى وصل الوفد المفاوض لحركة تحرير السودان لإنجمينا يوم 14/12/2003م ونزلوا فى المكان المخصص لهم, وفى اليوم التالى زارههم وزير الأمن التشادى وسألهم عن المطالب التى يودون عرضها على الجانب الحكومى فردوا عليه بأنَّهم سوف لن يكشفوا عن أى شيئ إلاَّ فى طاولة المفاوضات المباشرة مع الوفد الحكومي مع رقابة دولية كضمان لما ستفصح عنه المفاوضات, لكنَّ الوزير أصرَّ على الحصول على تلك الملاحق بحجة ترجمتها إلى اللغة الفرنسية فردَّ عليه وفد الحركة بأنهم قد رتبوا ذلك وسيكشفوا عنه خلال المفاوضات, وهنا خرج الوزير ولم يطلعهم على أى برنامج للإجتماع أو التفاوض. وفى اليوم التالى إستدعاهم الرئيس دبِّى وإستفسرهم عن بعض الملاحظات ثمَّ خاطبهم بأنَّه بدأ يشعر بتعنت الجانبين (الحكومة والحركة) فى مطالبهم وإستحالة وصولهم لحل فى ظل الأوضاع القائمة, وأنَّه قد قرر سحب وساطته بينهم, ثمَّ أمر بطردهم من بلاده فى نفس تلك الليلة! فأخذوهم على متن طائرة عسكرية فى المساء وأوصلوهم إلى الحدود التشادية السودانية وتركوهم فى الخلاء بين بعض الخيران والكراكير بعد أن قالوا لهم سيروا فى هذا الإتجاه وستجدوا أهلكم هناك!! ثمَّ فوجئوا صباح اليوم التالى بحملة أكاذيب أطلقها الجانبان التشادى والسودانى يحملونهم سبب فشل التفاوض والذى لم يتم أصلاً, ولقد تساءل القائد منى أركو مناوي الأمين العام لحركة تحرير السودان ورئيس وفد التفاوض فى رده لجريدة الشرق الأوسط عن سؤال حول ما إذا وصل التفاوض إلى طريق مسدود حيث أجاب "أنَّ المفاوضات لم تبدأ أبداً ولم نلتق مع أي أحد من الطرف الآخر.. فكيف تكون وصلت إلى طريق مسدود"، وروى ما دار في إنجمينا قائلاً: "حضرت على رأس وفد الحركة وإلتقينا في البداية معاوني الرئيس التشادي، طلبنا في اللقاء مفاوضات مباشرة مع الوفد الحكومي، ورقابة دولية، ويبدو إنه تم تسريب ما دار في هذه الجلسة إلى جهات حكومية، بدليل أنه عند لقائنا بالرئيس دبِّى سألنا عن رؤيتنا لحل قضية دارفور، وبعد أن إستمع لوجهة نظرنا قال لنا عودوا إلى مناطقكم لأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، فإستغربنا لما جرى، ولم نأخذ حديث الرئيس مأخذ الجد بإعتبار أنهم لم يبدأوا أي مفاوضات أصلاً حتى تصل إلى طريق مسدود، ولكن بعد سماعنا بعد ذلك من إذاعة إنجمينا وأمدرمان أن المفاوضات قد إنهارت، عدنا أدراجنا" (الشرق الأوسط 18/12/2003م). ومن المعلوم أنَّ الرئيس التشادى قد زار الخرطوم وتحادث مع نظيره البشير حول الأوضاع الأمنية في ولايات دارفور قبل موعد تلك المفاوضات بخمس أيام فقط, لا بد فى أنَّهما تطرقا لتلك المفاوضات, وقد تعهد خلال تلك الزيارة بوضع حد نهائي للمشاكل الأمنية في دارفور, كما إنَّ وفداً عسكرياً سودانياً رفيع المستوى قد وصل إلى العاصمة التشادية إنجمينا قبل يوم واحد من الموعد المضروب لتلك المفاوضات.
(3) فى هذه الجولة الأخيرة فى إنجمينا بدت الحكومة التشادية أكثر لؤماً وسفوراً فى موقفها المعادى من وفدى الحركة المسلَّحة وخضوعها التام لرغبات الحكومة السودانية حيث تمثلت تجاوزاتها فى ذلك فى الآتى:
عند قدوم وفود الثوار لحضور المفاوضات قام بعض عناصر جهاز الأمن التشادى بالتفتيش الدقيق لحقائبهم وتجريدهم من تلفونات الثريا التى كانوا يحملونها, وبذلك إنقطعوا كلياً عن الإتصال بقواعدهم فى الخارج.
رفضت السلطات التشادية منح تأشيرات الدخول لأراضيها لتسعة من أفراد حركة العدل والمساواة السودانية كان من المقرر وصولهم من باريس, وكرد فعل لذلك أعلنت الحركة إنسحابها من المحادثات ولم تتراجع إلاَّ بعد تدخل الوسطاء.
تمَّ إنزال وفدى الحركات المسلَّحة للمفاوضات فى فندق يفتقر لأبسط أنواع الخدمات المطلوبة, إذ لم يكن يوجد تلفزيون أو هواتف فى الغرف, أو خدمات الفاكس, والهاتف الوحيد المتوفر مراقب, ولم يكن هنالك أيضاً كمبيوتر أو حتى آلة طباعة وقد تكرر إنقطاع الكهرباء عن الفندق طوال مدة إقامتهم بها.
ظلَّ أفراد من جهاز الأمن السودانى يراقبون الفندق على مدار الساعة ويرفضون زيارة أى فرد لأعضاء التفاوض, وبمعنى آخر وجد أفراد الوفد أنفسهم وكأنَّهم فى سجن حسب تعبير أحدهم.
مارس إدريس دبًّى ضغوطاً نفسية قاسية على أعضاء الوفد وحاول تجاهل حديثهم أثناء المفاوضات فى بعض الأحيان, وكان يتحدث باللغة الفرنسية مع بعض أفراد الوفد السودانى إذ لم يكن من بين أعضاء وفود الحركتين من يتحدث بذلك, وقد تلاحظ أنَّ بعض أعضاء وفد الحكومة يقتربون منه ويتحدثون إليه فى همس.
قامت قوات الأمن التشادية المراقبة لقاعة التفاوض بمنع أبوبكر حامد النور, القائد الميدانى لقوات حركة العدل والمساواة, من دخول قاعة التفاوض لمدة يوم كامل ولم يسمح له بالدخول والمشاركة فى التفاوض إلاَّ بعد تهديد وفد الثوار بالإنسحاب من التفاوض.
بعد تلاوة الرئيس التشادى لبيان المفاوضات وسريان خبر قدوم البشير فى زيارة مفاجئة لإنجمينا أمر الرئيس التشادى بطرد وفود الثوار من بلاده فوراً, بمن فيهم الأعضاء الممثلين فى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار, مما يدل على نقض أهم نص فى الإتفاقية قبل أن يجف مدادها.
لم تكتف أجهزة الأمن التشادية والسودانية بمضايقات وفود الثوار فى مدينة إنجمينا فحسب، بل قامت بمتابعة مجموعة من توجه منهم إلى مدينة الطينة فى طريقهم نحو قواعدهم بدارفور وإعتقلت أفراداً منهم بغرض تسليمهم للحكومة السودانية إلاَّ أنَّ تدخل بعض النافذين من أجهزة الأمن والعسكريين التشاديين حال دون ذلك فتركوهم لمواصلة رحلتهم.
لقد أكد أعضاء الحركتين أنَّ الرئيس دبِّى قد فرض نفسه وصياً على الحركات المسلَّحة وظلَّ يمارس ضغطاً "أبوياً" وتعسفاً مقصوداً فى تعامله مع أعضاء وفدى الحركتين, بل وتجاهل مطالبهم وبدا وكأنَّه يريد إجبارهم على كل ما يطرحه الجانب الحكومى وكأنَّ هناك تنسيقاً كاملاً بينهم فى ذلك.
أشار بيان أبناء دارفور بالمهجر بخصوص وساطة الرئيس التشادى (سودانيز أون لاين 15/4/2004م) أنَّ ضباط وأفراد جهاز الأمن التشادى كانوا فى غاية الأسى والإحباط طوال فترة التفاوض بسبب تدخل أجهزة الأمن السودانية فى صميم عملهم " السيادى ", والمؤسف بالنسبة لهم هى أنَّ التوجيهات فى ذلك ترد إليهم من أجهزة عليا فى الدولة وبالتالى لا تترك أى فرصة لأفراد الامن التشادى للتصرف التقديرى فى التعامل مع المواقف المختلفة, وقد جاء فى ذلك البيان أنَّ كل المعلومات الدقيقة التى وردت فيه عن سير المفاوضات وتداعيات سفر وفد الحركة لإنجمينا والطينة والمآسى التى تعرضوا لها قد تم الحصول عليها من أجهزة الامن التشادية الناقمة بعين السخط على ما ظلَّ يحدث.
وجوب رفض الرئيس التشادى كراعى للمفاوضات:
ما تقدم أعلاه يثبت عدم أهلية الرئيس التشادى إدريس دبَّى لرعاية أى مفاوضات سلام بين الحركات المسلَّحة فى دارفور والحكومة السودانية, وقد إتضح جلياً من السرد أعلاه أنَّ هذا الرجل الذى يدعى الوساطة ليس محايداً البتة وأنَّه على علاقة وثيقة مع نظام الخرطوم فى ضرب ثورة دارفور من خلال الأدوار المشبوهة التى يتبناها خاصة فيما يختص بالجوانب الأمنية, ونسبة لذلك فقد إستمرأت أجهزة الخرطوم الأمنية والسياسية الضغط عليه واللعب على المكشوف على علاقته الإثنية مع بعض أهل دارفور, ولذلك نعتقد أنَّه على قيادات الحركات المسلحة الإصرار على إستبعاده عن أى أدوار مستقبلية فى التفاوض, وألاَّ تتعامل معه إلاَّ فيما يختص بالجوانب الإنسانية وأن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة ورعاية المجتمع الدولى. تبعاً لذلك يجب على قيادات الحركة المسلَّحة وأبناء دارفور النظر فى الملاحظات والإقتراحات التالية:
(1) لقد قبل النظام الدخول فى هذه المفاوضات مكرهاً ومجبوراَ تحت سيف التهديد الدولى لكنه لن يتورع فى وضع المزالق والعطبات لتعطيل أى إتفاق لا يتماشى مع مصلحته, وما التردد الذى أبدوه فى الدخول فى المفاوضات السابقة ولعدة أيام إلاَّ دليلاً على ذلك.
(2) يجب ملاحظة التنسيق التام بين نظام الخرطوم والرئيس التشادى فى توجيه عملية التفاوض فى إتجاه يخدم أهداف حكومة الخرطوم بالدرجة الأولى, مما يلقى بالشك فى حيادية الرئيس التشادى.
(3) حصر كافة تجاوزات الرئيس التشادى منذ مفاوضات أبَّشى الأولى فى ملف واحد كدليل على عدم حياديته ونزاهته فى الوساطة.
(4) ضرورة الإصرار على نقل مكان المفاوضات من دولة تشاد, وتمثل حادثة طرد الرئيس التشادي لقيادات الحركات المفاوضة من بلاده, بما فيهم ممثليهم في آلية مراقبة وقف النار, تطوراً خطيراً يستدعى المطالبة فوراً بنقل التفاوض إلى دولة أخرى محايدة مثل جنيف مثلاً.
(5) إذا تعذر نقل المفاوضات من إنجمينا يجب مطالبة الوسطاء بتحديد دور الرئيس التشادى فى عملية التفاوض وحدود إختصاصه ومدى تدخله فى التوفيق بين الطرفين وضرورة إفهامه بذلك.
(6) طالما إنَّه لا يجب الركون على الحكومة السودانية فى الوفاء بأى من إلتزاماتها فى أى إتفاق إلاَّ أنَّها يجب أن تعلم بعدم قدرتها على فرض أى نوع من سياساتها الخاصة على أبناء دارفور من الآن فصاعداً, ولعلَّها بممارساتها البشعة خلال الفترة الماضية تكون قد أحرقت كل جسور الثقة بينها وبينهم, وأدى ذلك إلى بروز جيل جديد خرج من تحت أنقاض القنابل ونيران القرى المحروقة وهم مصممون على الوقوف بجانب أهاليهم, ولذلك يجب عليها أن تكون جادة فى حل المشكلة بالتفاوض المخلص والحوار البناء.
ختام:
نود أخيراً أن نشير إلى جملة من المطالبات يجب إستحقاقها قبل الشروع فى أى مفاوضات جادة, نجملها فى الآتى:
(1) وضع بروتوكول محكم لتوصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين, فما زالت حوادث القتل والحرق تترى من الإقليم آخرها الهجوم الذى شنته مليشيات الجنجويد مساء أمس الأول على قرية "دونكي دريسة" الواقعة جنوب مدينة نيالا نتج عنه حرق عدد من المنازل بالقرية ونهب أعداد من المواشي وسقوط تسعة من الضحايا بينهم رجل شرطة (الصحافة 18/4/2004م). وقد قالت وزارة الخارجية الأميركية أيضا أنَّها لا تزال تتلقى معلومات غير مؤكدة حول هجمات تنسب إلى ميليشيات تدعمها السلطة ضد مدنيين في دارفور, في ما يعتبر خرقا لإتفاق وقف إطلاق النار المبرم في الثامن من أبريل, وأعلن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر "إنَّنا قلقون من أنَّ الحكومة السودانية لم تتدخل لتطبيع الوضع في دارفور وتستمر في عدم تسهيل وصول الفرق الإنسانية". وأضاف "أنَّه أمر غير مقبول", وتابع باوتشر يقول "ندعو الحكومة السودانية إلى منح تأشيرات فورية لفريقين تابعين للأمم المتحدة يحققان في الوضع في دارفور وللعاملين في الحقللإلانساني في دارفور" (البيان 18/4/2004م).
(2) تشكيل هيئة لوقف ومراقبة وقف إطلاق النار من كل مكونات المجتمع الدولى, خاصة الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبى, وليس من بعض الأفراد من الإتحاد الأفريقى فقط كما تشتهى الحكومة.
(3) تشكيل آلية قانونية عسكرية دولية للتحقق من جرائم الحرب وتحديد المتورطين وتقديمهم للمحاسبة القانونية الدولية.