diaabilal@hotmail.com اختار الفريق أول صلاح عبد الله «قوش» مدير جهاز الأمن والمخابرات، أقصى عبارات التحذير، وربما التهديد، لكل من يمد يده لمعاونة المحكمة الجنائية. وقال في الاحتفال الذي أقيم على شرف ترقيته المهنية بالنادي الدبلوماسي من قبل أبناء الجنوب بالخرطوم قال: «سنقطع يده ورأسه وأوصاله، لأنها قضية لا مساومة فيها»..! تحذيرات «قوش» يبدو انها متجاوزة للجغرافيا، ومراد لها ان تصل الآذان البعيدة قبل القريبة.. وربما انها راغبة في توصيل التحذيرات في وقت متزامن للقريب والبعيد معاً..! ومن خلال الرصد والمتابعة لما قيل من قبل المسؤولين الحكوميين، منذ المؤتمر الصحفي الذي عقده مدعي لاهاي لويس مورينو أكامبو في 14 يوليو الماضي، وأعلن عبره عن مسعى توقيف الرئيس البشير، تعتبر هذه التصريحات الأكثر سخونةً، والأوضح في تحديد الخطوط النهائية، التي يمكن ان تصل اليها الحكومة في التعامل مع القرار. قد تكون رسائل «قوش» التحذيرية مبنية على معلومات غير متوافرة للرأي العام السوداني.. فالأجهزة الأمنية لا تؤسس لأفعالها وأقوالها على ما هو متاح من معلومات للعامة.. ولكنها تبني على ما توثق لديها، من معلومات قد يكون العام جزءاً منها..! نعم.. تعبيرات مدير جهاز الامن والمخابرات واللغة الفصالية التي تحدث بها، قد يكون مصدرها غير مرئي. ولكن من الضرورة الإشارة الى معطيات مهمة في الواقع السياسي لا نملك إلا أن نبني عليها إلى حين إشعار آخر. أهم هذه المعطيات ان الرفض والتحفظات التي قوبلت بها مذكرة لويس أوكامبو في الاوساط السياسية والشعبية داخل السودان مثلت حالة توافق نادرة في المسار السياسي السوداني ولم تشذ عن هذا الموقف إلا بعض الأصوات ذات الوزن الخفيف! من المغالاة القول ان كل المواقف الرافضة والمتحفظة على لاهاي في موقفها ذلك تقدم فرمان تأييد سياسي للانقاذ.. بل كثير من هذه القوى لا تزال مستمسكة بموقفها المعارض للحكومة وتتمنى زوالها وتسعى لذلك ولكن عبر العملية الديمقراطية لا على طريقة أوكامبو المشبوهة. الجميع يعلمون ان تداعيات صدور مذكرة التوقيف ستحدث حالة احتقان حاد في مسار التحول الديمقراطي، وستوتر أوضاع تنفيذ اتفاقيات السلام.. والمهم كذلك ان القوى السياسية المنافسة للمؤتمر الوطني تدرك وبحسابات عديدة ان سيناريو لاهاي قد يضيف للمؤتمر الوطني مساندة جماهيرية تصعب من منافسته انتخابياً، وهذا ما عبر عنه مبروك مبارك سليم (جبهة الشرق) أمس في الزميلة «الرائد» حينما قال ان الجنائية زادت من شعبية البشير..! من مصلحة الحكومة في الحد الأدنى أن تحافظ على هذا الموقف التوافقي - بالحسابات المختلفة - بل في مصلحتها ان تسعى لتطويره.. وألا ترسل من الاشارات ما قد يشي بأن الحالة التوافقية السائدة الآن تعبّر عن رهبة من أجهزة الدولة لا عن رغبة في الحفاظ على استقرار البلاد، وانجاح مساري السلام والتحول الديمقراطي.. من العبارات ما قد يستفز البعض للسير - حماقةً - في الاتجاه المناقض لقناعاتهم. من النصائح السياسية الماكرة التي يقدمها الامريكان في أوضاع مماثلة: (تحدث حديثاً ناعماً وأنت تحمل عصا غليظة)..بمعنى ان تظهر قوتك -كردع استباقي- مع الحديث الدبلوماسي.. ذلك سيكفيك شر استخدامها!