احذروا ردود الأفعال … بقلم: د. حسن بشير محمد نور

 


 

د. حسن بشير
28 February, 2009

 


لكل فعل رد فعل ... ذلك منطوق القانون العلمي المعروف و بما ان السودان يترقب فعل ما من محكمة الجنايات الدولية فقد اخذ كل يدلوا بدلوه في الموضوع من جهات رسمية و حزبية و عسكرية و امنية و اعلامية وصولا لبعض الحديث في المدارس. من تلك الاقوال و الافعال الاولية ما يمكن اثباته و هو ما يخص التصريحات الرسمية و الحزبية و أي اقوال منظمة يمكن التقاطها عبر اجهزة الاعلام و منها ما هو غير معلن و لا يمكن اثباته مثل ما يحدث في المدارس و الجامعات من شحن و شحن مضاد. الاخطر من كل ذلك ردة الفعل الاولية في الاسواق و التي بدأت تظهر في اسئلة الناس في كل مكان حتي عند الدخول الي السوبر ماركت او صالون الحلاقة. ظهرت ردة الفعل بشكل واضح في شراء العملات الاجنبية بشكل احدث ربكة في السوق و نقص في كميات النقد الاجنبي التي تراجعت كمياته امام الطلب المتزايد. ادي ذلك الي ارتفاع سعر الدولار في السوق الي 2.25 جنيه ثم الي 2.5 جنيه و مع التراجع الكبير في معروض العملة و تسارع الاكتناز من المتوقع ان يرتفع السعر اكثر فاكثر. كذلك الامر بالنسبة لليورو الذي وصل الي 3.5 جنيه و الريال السعودي الذي ارتفع في ايام من 58 جنيه الي 66 جنيه. لم يتوقف الامر عند ذلك الحد بل تجاوزه الي الشائعات حول موجة متوقعة من الغلاء فهجم الناس يشترون بعض المواد الغذائية الرئيسية و يقومون بتخزينها.
لن نتحدث في هذا المقام عن ردة فعل الاستثمار الاجنبي و المعاملات الخارجية في التجارة و الاستثمار و الاحتياطات و لن نذهب بعيدا حول سيناريوهات العقوبات الاقتصادية فلكل حدث حديث و لكن الاشارات الاولية في غاية السلبية و الخطورة. كل ذلك ناتج عن حملات التخويف و التهويل المحيطة بالقرار المتوقع من الجنائية الدولية رغم ان ذلك القرار و مهما كانت خطورته فانه سيمر بمراحل كثيرة و غير قابل للتنفيذ الفوري هذا اذا كان اصلا قابلا للتنفيذ. و كما يشير القانونيون و الدبلوماسيون فان القرار سيمر بمراحل متعددة و سيحتاج الي صدور قرار باجراءات محددة او ربما عقوبات من مجلس الامن مع رفض السودان المعلن و الحتمي و المؤكد للتعامل مع المحكمة و قد يصل الامر الي استخدام حق النقض من قبل دول كبري دائمة العضوية في مجلس الامن المؤيدة للسودان و بالتحديد الصين و روسيا.
  علي اية حال فان ردود الفعل في الاسواق و وسط فئات من المواطنين تعبر عن هشاشة الجبهة الداخلية في السودان و عدم توحدها حول فعل واحد و تناقض التصريحات و المواقف في الحكومة و المعارضة ، اذ ان حكومة الوحدة الوطنية نفسها ليست علي قلب رجل واحد و انما تتنازعها المواقف و المصالح و الانتماءات. ان ما يحدث يلحق الكثير من الضرر الاقتصادي و النفسي المباشر و غير المباشر مثل ما ظهر من تعامل في العملة و اعاقة التحويلات الخارجية للسودانيين او للعمال الاجانب و التسبب في خسائر للمصارف. من ناحية ثانية فان موجات الاندفاع غير المبرر  نحو شراء سلع معينة و تخزينها قد تؤدي الي ارتفاع الاسعار مما يسبب المزيد من الخسائر. في ظل هذا الوضع لا يمكن للأجهزة الرسمية و المدنية و الإعلامية ان تقف متفرجة علي الوضع دون اتخاذ أي تدابير و إجراءات و تقود حملة مسئولة تؤدي الي استقرار الوضع الاقتصادي علي الاقل علي ما هو عليه الان و اتخاذ اجراءات لضبط الاسواق و التعامل في النقد الاجنبي خاصة و ان حالة الهلع هذه جاءت بالتزامن مع اجراءات بنك السودان المركزي الخاصة بتسهيل تغذية حسابات النقد الاجنبي و ذلك من اجل ضمان عدم تأثر حياة الانسان العادي و من اجل سير الحياة بشكل طبيعي . ستكون تلك ابلغ رسالة للعالم و كسب اولي في اطار الحرب النفسية المصاحبة للقرار. نتمني ان نري حملة اعلامية ايجابية تشيع روح التماسك و تبث الطمأنية في نفوس المواطنين و تجنب البلاد أي ردات فعل رعناء تصب الزيت علي نار الجنائية و تؤدي الي نتائج مضرة لن يستفيد منها لا صليح للحكومة و لا عدو لها ما داموا يعيشون في هذا السودان بخيره و شره.
 mnhassanb@yahoo.com

 

آراء