الاقتصاد بين عالمين
د. حسن بشير
3 March, 2009
3 March, 2009
د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
mnhassanb@yahoo.com
لم تختفي الحدود بعد بين دول العالم ولكن دورها بدأ يتناقص في الفصل بين المصالح المتشابكة بين انسان اليوم في مختلف البلدان. تواجه الدول و الحكومات خاصة في الدول النامية تحديات كبيرة في الخيار بين الاقتراب من العالم الجديد و الاندماج فيه و بين التمترس عند حدود الدولة القومية و النماذج الاقتصادية التي تنتمي الي الماضي. لكل من تلك الخيارات ثمن و تكاليف و مستحقات سواء ان كانت تجاه الداخل او للعالم الخارجي. تمس الإثمان و التكاليف و المستحقات النظام السياسي و الاداري و التشريعات و مفاهيم السيادة و الوطنية و كلها تشكل بنية تحتية للنظام الاقتصادي بأبعاده و تأثيراته الحيوية. يقوم في عالم اليوم نظام اقتصادي جديد رغم الازمة الطاحنة التي يشهدها الاقتصاد العالمي و يرتكز ذلك النظام علي التقدم النكنولجي و تقنية المعلومات العالية و الانتر نت. هنا يبرز دور التعليم كعنصر اساسي للنجاح و التطور و اكتساب معارف و رؤى جديدة تمكن من بناء واقع جديد متكيف مع حركة التاريخ و متطلبات العصر.
استجابات الدول متفاوتة فمنها من يعمل بتفاعل مع مجريات الاقتصاد العالمي و منها من اختارت ان تسلك دروبا طويلة بدلا عن اختصار الطريق مع العلم بان تحقيق النجاح لدولة منفردة مستقلة عن العالم من حولها من مستحيلات هذا العصر . حتي الدول التي تحتفظ بنظام لامركزي لاتخاذ القرار مثل اليابان و اندونيسيا مثلا التي تتوفر لديها مركزية صارمة نجدها تسعي لايجاد مكونات تتوافق مع المنطق الاقتصادي العالمي و تستجيب لمتغيراته و تتعامل معها بايجابية. كما ان دولة مثل الصين استطاعت ان تتعامل بمرونة شديدة و ان توفق أوضعها مع متطلبات العولمة الاقتصادية رغم ان بعض الأوساط الاقتصادية الليبرالية تصف النظام الاقتصادي الصيني بانفصام الشخصية.
لمقارنة النفس و القياس و تقويم الوضع يجب النظر الي اربع مرتكزات اساسية تعتبر مفاتيح شفرة النجاح الاقتصادي و تقدم الاعمال في عالم اليوم خاصة مع ضرورة دعم و تشجيع القطاع الخاص لينهض و يرتقي ليلعب دوره الحيوي في العملية الاقتصادية. تلك المرتكزات - المفاتيح هي الاتصالات و رأس المال و الشركات و المستهلكين. حتي الان يمكن ان نقول ان لدينا اتصالات رغم عدم مقدرتنا علي توظيفها بشكل منتج لزيادة الكفاءة و الانتاجية و التنافسية. و لكن علينا ان نبحث عن العوامل الثلاث الاخري. لقد نجحت الاتصالات في السودان في تكسير مفاهيم الحدود و ازاحة العزلة عن السودان و لكن علينا توظيفها في الاستثمار و التجارة و العمل المصرفي و الخ. و يجب هنا ملاحظة ان الاتصالات قد قفزت من حيث التكلفة و الكفاءة لمراحل متقدمة بعد فك الاحتكار. اما رأس المال فلا يفي باحتياجات التنمية الاساسية ناهيك عن التدفقات الحرة او الانسياب عبر سوق الخرطوم للاوراق المالية و ما زال حجم الاموال المستثمرة في السودان محدودا قياسا بموارد السودان و قدراته. اما الشركات السودانية الخاصة فما زالت تعاني من مختلف المصاعب و الامراض و هي حتي الان ما عدا سوداتل حسب علمنا المتواضع لم تستطع ان تتخطي حواجز المحلية الي الاقليمية ناهيك عن العالمية. كما ان مغتنيات الشركات من الاصول الاجنبية لا زالت متواضعة . و اخيرا بالنسبة للمستهلك فانه بلا شك اضعف الحلقات و لا يحظي هذا العامل بالاهتمام سواء من حيث زيادة قواه الشرائية او تحسين مستوي معيشته او من حيث كفالة الحقوق الاولية له. لا زالت حوافز التسوق و خياراته محدودة في السودان كما لا يستطيع المستهلك عندنا التسوق عبر الانترنت. بما ان زمن الاشواق و التغني بالدولة القومية قد مضي فعلينا النظر جيدا لمؤشرات الاداء عندنا و العمل علي توفير المناخ الملائم للاداء و التوافق مع المستجدات الاقتصادية الحديثة و يمكننا بعد ذلك القول باننا قد عبرنا الجسر الذي يفصل بين الاقتصاد القديم و الجديد.