يوم المرأة العالمي: وزارة أمور نسوان
د. أسامة عثمان
18 March, 2009
18 March, 2009
د. اسامه عثمان
Ussama.osman@yahoo.com
ليس القصد من العنوان أعلاه، استفزاز كائن من كان، ولكن رأيت أن أضعه عنواناً لهذه التحيّة للمرأة السودانية والمرأة في كل مكان بمناسبة يوم المرأة العالمي في 8 مارس. ولقد جاء المقال متأخراً عن موعد المناسبة لأن حدث "الجنائية الدولية" قد طغى على ما سواه. "وزارت أمور نسوان" هو المسمى الرسمي في أفغانستان للوزارة التي تسمى في كثير من البلدان "وزارة شؤون المرأة". والملاحظ أن المسميات الإدارية في اللغة الفارسية، على الأقل، في لهجتها المستخدمة في أفغانستان المسماة "الداري" متأثرة كثيراً باللغة العربية على الرغم أن العرب قد نقلوا نظام ترتيب الديوان وشؤون الدولة من الفرس لعدم معرفتهم بطرق تنظيم الدولة من قبل لبداوتهم. وربما كانت الدولة الأموية التي أسسها معاوية بن أبي سفيان هي التجربة الوحيدة لدولة عربية غير متأثرة بشكل كبير بحضارة أجنبية على الرغم من أخذها من الروم بعض الشيء. عوداً إلى وزارة أمور النسوان، نجد أن كلمة "وزارة" تكتب في الفارسية كما تنطق أي بالتاء المفتوحة "وزارت"، وكلمة "أمور" هي التي كانت شائعة في العربية القديمة وفي الفارسية وفي لغة الدواوين العثمانية. فأمام البوابة المتبقية من المدرسة الحربية على العهد العثماني في اسطنبول نقرأ "مدرسة أمور عسكري" ووزارة الداخلية تسمى في أفغانستان "وزارت أمور داخلة" وتسمى وزارة الخارجية "وزارت أمور خارجة" ومن ذلك أيضاً قولهم "وزارات شهداء ومعلولين" وهي الوزارة المختصة برعاية شؤون أسر الشهداء والمعوقين من جراء الحروب والألغام وهي من أهم الوزارات في أفغانستان لكثرة من يحتاجون لرعايتها بسبب الحروب. وكانت مصلحة الرياضة تسمى في عهد الطالبان "إدارت عبثيات" ويتوسط مدينة كابل مبنى كبير مكتوب عليه بالخط العريض "مخابرات مركزي"، قبل أن ينصرف ذهنك ياعزيزي إلى السي آي أيه وما شابهها نذكرك بأن المبنى المعني هو مبنى "دار الهاتف" أو البدالة المركزية فالمخابرات في الفارسية هي المكالمات التلفونية ولم ينتقل المعنى الآخر المعروف في العربية، فالامن عندهم يسمونه "إدارة أمنيات" ومكتوب على مدخل البوابة الرئيسية الآية " يأ أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إلى آخر الآية" كما أن كلمة "نسوان" تستخدم في الفارسية استخداماً عادياً محايداً للدلالة على جنس النساء نقلاً عن العربية دون ظلال وتلميحات، فكثيراً ما تقرأ لافتة تقول مثلاً «ثانوي عالي نسوان» أي «مدرسة ثانوية عليا للبنات» ويكتبون الثاء ولا ينطقونها أبداً، إلا في قراءة القرآن، فتصير عندهم نطقاً «سانوي عالي نسوان» وينطقون العين همزة لعجمتهم في كل شيء إلا في التلاوة. وما من مدينة في أفغانستان إلا وبها مدرسة بنات تسمى «مدرسة رابعة بلخي» وهنالك مستشفى لأمراض النساء والتوليد في كابل يسمى «مستشفى رابعة بلخي»، كما أن هنالك إذاعة إف إم خاصة بقضايا المرأة تسمى «راديو رابعة بلخي» فما هي قصة رابعة بلخي هذه؟ هي رابعة بنت كعب القذداري شاعرة «فحلة» من شاعرات مدينة بلخ القديمة أو مزار الشريف الحديثة في شمالي أفغانستان، عاشت في القرن العاشر الميلادي، وربما كانت أول شاعرة تكتب بالفارسية الحديثة أو «الداري» وذلك في عهد أعظم شعراء الفارسية مثل رودكي والفردوسي صاحب الشهانامة. كان والدها كعب القذادري حاكماً على المدينة وعندما توفي تولي ابنه «فارس» الحكم، وكان له غلام تركي بهي الطلعة ربما كان "مهند" عصره، وكان بينه وبين رابعة قصة حب مستتر. وذات يوم في إحدى حفلات البلاط اكتشف فارس الأمر من ملاحظة نظراتها ونظرات باخش لها، فأمر بحبس «باخش» في بئر، وقطع وريد رابعة وحبسها في حمام في القصر فكتبت بقطرات الدماء السائلة من الرسغ على حيطان الحمام قصيدة خالدة لحبيبها قبل أن تسلم الروح. فبلغ باخشا النبأ وهو في غيابت الجب فاستعان بمن يخرجه منها وهرع إلى «فارس» وعاجله بضربة قاتلة من سيفه لتكتمل فصول الدراما، وتشيع القصة وتنقل القصيدة إلى الورق وتكتبها الفتيات بالحرير ويحتفظن بها في حرز متين. هكذا صارت رابعة البلخية رمزاً للظلم التاريخي المتواصل على المرأة في أفغانستان ولها قبر يزار في وسط حديقة غناء في مدينة بلخ منحوتة على جداره بالفارسية قصيدتها الشهيرة وتزور الفتيات ضريحها ليشكون لها معاناتهن في الحب والغرام ويطلبن منها مساعدتهن وقبل أن ينصرفن يربطن خيطاً من حرير على قضبان الضريح حتى يذكِّرنها بطلبهن الخاص تماماً كما تفعل الكثير من النساء عند زيارة أي ضريح للأولياء والصالحين أو من يحسبون أنهم كذلك وهذا تقليد تجده في مختلف أنحاء العالم الإسلامي الذي لم تصبه عدوى الوهابية بعد.
ولقد مضت رابعة بلخي شهيدة للظلم الواقع على المرأة، ليس في أفغانستان وحدها ولكن في جميع أرجاء العالم العربي والإسلامي. بالأمس قرأت قصة لطفلة يمنية زوجوها وهي بنت عشر وحصلت على الطلاق بعد بضعة أشهر بمساعدة بعض الأفراد الخيرين وبعض المنظمات النسائية وعادت للدراسة وانتظمت في الصف الثالث ابتدائي مع رفيقاتها. وقتل صبي ابن ستة عشر عاماً في الأردن قبل أسبوعين اخته المطلقة ذات الثلاثين عاماً لأنه شاهدها تخاطب شاباً غريباً على الأسرة فغضب وغرز خنجرا في صدرها وبرر الوالد فعلة ابنه أمام الصحافيين، وسينال الابن حكماً مخففاً استناداً على ما يعرف ب "قانون العيب" الذي تسعى المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان لإلغائه وهو قانون معيب يمنح القاتل المتعمد الظروف المخففة إذا تبين أنه ارتكب جريمته دفاعاً عن شرف العائلة أو العشيرة. ولو أردنا أن نعدد مثل هذه القصص من صحف البلدان العربية والإسلامية وغيرها لسودنا مجلدات ولكن ها هي واحدة أخيرة لا أعتقد أن الكثيرين قد سمعوا بها وهي أن شاباً وشابة التقيا وقررا الزواج على سنة الله ورسوله فذهب الشاب لخطبة البنت من أبيها حسب الأصول فرفض الأب دونما سبب وأصر على رأيه على الرغم من تدخلات الكثير من أهل الخير مما اضطر البنت للجوء للمحكمة الشرعية في بلدها، فأيدت المحكمة حكم الأب كولي في الرفض لأنه تعلل بأن الشاب يدخن السجائر وأتى بفتوى من كبير الفقهاء في ذلك البلد تفيد بحرمة التدخين لإهلاكه للمال والصحة، وهذا هو الرأي السائد في المذهب الفقهي السائد في ذلك البلد العربي. فاستأنف الحكم فأيدت محكمة الاستئناف رأي المحكمة الأولى وزادت عليه أن التدخين مضر ليس بحسب رأي كبير الفقهاء وإنما استناداً على دراسة حديثة صدرت في المانيا عن ضرر التدخين ونسبة الوفيات بسببه وأثر التدخين السلبي على الآخرين وبالتالي إن في تدخين هذا الرجل مهلكة لزوجته ولجنينها وطفلها في المستقبل وبحسب شهادة الزوجة فإن الزوج حاول الإقلاع عن التدخين وانخفض ما يدخنه من عشر إلى ثلات سجارات في اليوم فاعتبر المحكمة ذلك دليلا على ضعف إرادته ورقة دينه، مما يجعل الأب محقاً في رفضه لأنه يريد أن يزوجها لمن يرضى دينه. وقد بلغت الملهاة قمتها عندما أيدت المحكمة الشرعية العليا قرار محكمة الاستئناف وبالتالي لم يبق أمامه إلى عفو الحاكم أو اللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان فتأمل! والوضع في السودان ليس أحسن من غيره من البلدان، فبالأمس القريب امتدت أيادي إلى سحب المادة التي تحرم الخفاض من قانون الطفل بعد جهد استمر لعشر سنوات من نساء ورجال من مختلف المشارب والتخصصات من الرسميين وغير الرسميين في إعداد الخطة القومية للقضاء على ختان الإناث بجهد ومثابرة استصحبت رأي العلم والدين والدراسات الاجتماعية وقامت بعملية توعية وتعبئة كبيرة، ولكن كيف أغفلت هذه الحملة عن قدرة «لوبي الظلام» في الوصول إلى منضدة مجلس الوزراء بليلِ والإحلال والإبدال في مواد القانون، ولقد قرأت إحصائية في إحدى الصحف عن أن نسبة 48% من الفتيات في السودان يتزوجن بين سن 16 و30 سنة، وتدعو الإحصائية إلى إعادة النظر في سن الزواج قانوناً ورفعها إلى 18 عاماً ولقد ولى العهد الذي كان يغني فيه المغني «خلاص كبرت وليك 19 سنة». وللتاريخ ذكر الدكتور عبد الواحد عبد الله، مدير الإذاعة وقتها، أنه هو الذي غير الرقم في قصيدة إسماعيل حسن التي كانت في نسختها الأصلية «خلاص كبرت وليك 17 سنة» ولو طاوعه الوزن لزاد السنين سنة أخرى على الأقل! كيف ينظر هؤلاء الرجال المستقبليون اليوم إلى حالة الارتداد التي تصيب وضع المرأة.
ولقد شبع الناس من حديث المسيار والإيثار، ولن أخوض فيه، ولكن ربما ينبغي الوقوف عند اختيار لفظة «الإيثار» في النسخة السودانية لزواج المسيار ربما تحبيباً فيه باستخدام لفظ يدل على قيمة فاضلة. واستخدام اللغة بالطبع ليس محايداً ويعكس طريقة التفكير والمراد، فالحديث عن الخفاض بقولنا «فلانة حسنت بنتها» أو فلانة «طهرت بناتها» انظر إلى الدلالة الايجابية للفظين لفعل لا صلة له بالحسن أو الطهر فاللغة هنا مضللة. ومن قبيل هذا أيضاً وصف هذا الفعل في كثير من اللغات الأجنبية بجملة تشرح العملية كما يرونها «تقطيع أو تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة» أو كما يقولون في الانكليزية مثلاً (Female Genital Mutilation ). هكذا يرونها لا حسن فيها ولا طهر وهو استخدام غير محايد بالطبع، ولقد سبب ذلك إشكالاً لمن يصممون حملات التوعية لأن النساء المتضررات والرجال من حولهن قد يقع عليهم اللفظ وقعاً ثقيلاً يحولهم لخانة الدفاع عن الأمر انطلاقاً من خلفيات ثقافية. ولقد شهدت اشتباكات من هذا النوع وقعت في غرب أفريقيا الناطق بالفرنسية بسبب اللفظ الممعن في الإيحاء السالب. وربما لهذا السبب صارت اللغة الإنكليزية تستخدم المختصر (FGM)، ولقد شاع في أوساط العاملات والعاملين في حقل التوعية وقضايا محاربة الخفاض حتى أن لفظاً عربياً قد اشتق منه فصارت تسمع عبارة من نوع «التفقيم» أو «عدد النساء المفقمات» أي من تعرضن لعملية (FGM)، وربما كانت الدكتورة سميرة أمين هي من نحت هذا الاشتقاق. وآمل أن تكون قد اختفت من مستشفياتنا تلك اللوحة التي كانت تواجهك في مدخل العنابر: «باطنية حريمات» أو «جراحة حريم» ولقد شاهدت في بعض المستشفيات أنها قد استبدلت بـ«نساء» أو «سيدات» وفي استخدام لفظ «الحريم» إشارة سالبة وأكثر منها لفظ «حريمات». ولقد صار الناس يستخدمون كلمة "حرمة" ربما تأثرا ببلدان الخليج بدلا عن لفظة "مرأة" ولفظة مرأة أو في نطقها العامي "مرة" كانت من استخدامات أهل الريف وأهل المدن يقولون "السيدة" وفي بعض الأوساط إذا خاطبت سيدة بقولك يا "مرة" أو يا "حرمة" يعتبر ذلك نوعا من الجلافة وقلة الذوق. ولقد قال لى أحد الزملاء ذات يوم ونحن أمام القاعة 102 في كلية الآداب في جامعة الخرطوم في انتظار المحاضرة "بالله ناديني لمن المرة دي تجي" فألتفت ليجد أمامه "المرة" المعنية فقالت له غاضبة " أنا الدكتورة فلانة الفلانية وموش مرة" ثم انصرفت غاضبة وأضاع علينا صاحبنا القادم لتوه من الأقاليم محاضرة ذلك اليوم. وهنالك أيضا فرق بين لفظي "نساء" و"نسوة" فالأول لفظ محايد أم اللفظ الثاني "نسوة" فإن لمعناه ظلال سالبة وبعض اختلاف في المعنى. فالنسوة هن مجموعة صغيرة من النساء يجتمعن لتدبير أمر ما غالبا ما يقع تحت راية "أمور نسوان". وربما كان هو سر استخدام السيد محمد الحسن الأمين، نائب رئيس البرلمان، لهذا اللفظ في إشارة مهينة للمرأة أيا كانت عندما قال «لا يمكن لثلاث نسوة أن يقررن مصير السودان» في إشارة إلى قاضيات الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية اللآتي وافقن على طلب المدعي العام بتوقيف رئيس جمهورية السودان. وربما كان أقذع ما قيل في حق هؤلاء القاضيات هو وصف عبد الرحمن الزومة، في احدى الصحف اليومية، لهن بقوله «ساقطات لاهاي». وأذكر أن أحد قادة الاتجاه الإسلامي على أيامنا في الجامعة ممن هو في عداد الأموات حالياً، عليه الرحمة، كان قد وصف قيادية في الجبهة الديمقراطية بقوله "تلك الشيوعية الساقطة" في إحدى خطبه، فما كان منها إلا أن فتحت بلاغ قذف نظرت فيه المحكمة بجدية ولقد كان القضاء الوطني مما يعتد به في ذلك الزمان، ولكن محامي المتهم قدّم حجة لصالح موكله بأنه قد تلفظ باللفظ فعلا ولكنه كان يعني أنها ساقطة في الانتخابات، وبالفعل كانت القيادية المعنية قد سقطت في انتخابات اتحاد الطلاب التي كانت قد أجريت قبل فترة ليست طويلة. لم تأخذ المحكمة بهذه الحجة الذكية وحكمت لصالح الشاكية، لا شك أن هذا المحامي الفطن لو مثل أمام المحكمة الجنائية الدولية لن تعجزه الحجج دفاعاً عن موكله المرموق شريطة أن لا يصحب معه عبد الرحمن الزومة إلى هناك للتغطية الإعلامية، حتى لا يجر إلى محكمة لاهاي المحلية من الدرجة الثالثة بتهمة القذف. بقى أن نذكر أن ذلك المحامي الحاذق كان اسمه علي عثمان محمد طه!
نقلا عن جريدة الصحافة ليوم الثلاثاء 17 مارس 2009
لقراءة مقالات أخرى للكاتب اضغط هنا