د. غازي يدشن الحملة الانتخابية بواشنطن … بقلم: عاصم عطا صالح
24 June, 2009
الجالية السودانية بمنطقة واشنطن الكبرى تضم أغلبية معارضة لنظام الإنقاذ، ورغم وجود عدد من الإسلاميين أو أنصار النظام، ولكن الصوت العالي والمسموع كان هو صوت المعارضين. ربما كان ذلك بسبب تكوين وتشكيل الجالية، فالغالبية جاءت إلى أمريكا ضمن برامج الأمم المتحدة لإعادة التوطين إلى جانب الذين جاؤوا عن طريق اللوتري، وكان النشاط السياسي من ندوات وورش عمل ولقاءات يكاد يكون مقتصراً على التجمع الوطني الديموقراطي والأحزاب المعارضة خارج عضوية التجمع.
وبعد تدهور العلاقات بين السودان وأمريكا خاصةً بعد ضرب مصنع الشفاء والتطورات المعروفة، وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، لم يكن هنالك أي صوت لأنصار النظام، وظلت سفارة السودان بواشنطن والبعثة بنيويورك مسرحاً للتظاهرات المعادية للنظام. وكانت تلك التظاهرات تلقى اهتماماً وتغطية إعلامية، خاصة بعد أن بدأ بعض الناشطين السياسيين في منظمات أمريكية، بل وأعضاء في الكونغرس بالمشاركة فيها. وكانت واشنطن أيضاً أحد أهم الدول التي تستقبل قيادات المعارضة، وكان أي رئيس تنظيم معارض يزور واشنطن ينظم له حزبه أو التجمع لقاء جماهيري يخاطب فيه جموع السودانيين بالمنطقة، بل ويجد الفرصة لمخاطبة الأمريكيين المهتمين بالشأن السوداني من خلال مراكز المعلومات المعروفة، كمركز الدراسات الاستراتيجية الدولية ومركز وودرو ويلسون ومعهد بروكنز... إلخ من مراكز الدراسات الهامة بواشنطن، حيث استضافت د. قرنق ومولانا الميرغني والإمام الصادق المهدي والتجاني الطيب وباقان ومناوي وغيرهم من السياسيين المعارضين الذين كانوا يترددون على العاصمة الأمريكية.
ولكن الحزب الحاكم باسم الجبهة الإسلامية أو المؤتمر الوطني لم يحظَ بفرصة أو قبول السودانيين بالمنطقة، حيث لم يخاطب أياً من قادته تجمعاً عاماً للسودانيين. حتى بعد أن بدأت مرحلة الإفراج بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل، فظلت لقاءات المسؤولين الحكوميين تتم بمنزل السفير مع عدد محدود من الناشطين الذين يمثلون القوة السياسية المعارضة، والذين بدأوا قبول فكرة الإلتقاء بقيادات النظام بعد جهود ومثابرة من جانب الإخوة بالسفارة، وعلى رأسهم المستشار خالد موسى والسفير خضر هارون، وبعد كسر حاجز العزلة بالداخل بين قيادات الأحزاب المعارضة وقادة النظام.
ولكن أمسية السبت 21-6 شهدت أول لقاء عام بين جموع السودانيين ومسؤول من المؤتمر الوطني، وذلك هو اللقاء الذي خاطب فيه الدكتور غازي صلاح الدين الجالية السودانية بمنطقة واشنطن، وبنفس الفندق الذي سبق أن شهد لقاءات مماثلة مع الدكتور جون قرنق والسيد الصادق. ولقد كان الحضور معقولاً، وفي نفس القاعة التي سيخاطب فيها قادة الحركة الشعبية والسودانيين بواشنطن في اليوم التالي.
واستطاع الدكتور غازي، والذي كسر حاجز القطيعة والإلتقاء بجموع السودانيين في لقاء عام، استطاع أن يحظى بقبول الحاضرين في ندوة حضرها ممثلين لكل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، مع حضور مميز لعناصر الحركة الشعبية، حيث قام غازي بعرض أسباب الزيارة واللقاءات الثلاثية التي تمت ولا زالت تتواصل بين الحركة والحكومة والوسيط الأمريكي، والتي سيعقبها المؤتمر الدولي بحضور أكثر من ثلاثين دولة يوم الثلاثاء 23-6. وأشار غازي إلى الجانب الآخر الهام في الزيارة، وهو جانب العلاقات بين السودان وأمريكا، وفي رده على أحد الحضور، والذي انتقد اتجاه أمريكا لتحسين العلاقات، أجابه غازي بأن أمريكا ترغب في ذلك سواء رضيت أم أبيت. وجاء أيضاً في رده على أحد أعضاء الحركة الشعبية حول عدم شرعية الحكومة لأنها لم تأتِ برغبة الشعب، بل جاءت بانقلاب عسكري، أجابه غازي قائلاً بأننا والحركة الشعبية لم نأتِ بالإنتخابات.
ولم ينسَ غازي أن يستعرض في مقارنة ذكية الكيفية التي تعاملت بها كل من أمريكا والإنقاذ في الصراع بين الشمال والجنوب في البلدين. فأوضح بأنه بينما قمعت الحكومة الأمريكية مطالب الجنوب بالمواجهة المسلحة حتى قضت تماماً على مقاومة ولايات الجنوب، قامت الإنقاذ بمنح الجنوب السوداني حق تقرير المصير مكرراً بأنه هو الذي وقع على اتفاق مشاكوس الذي أعطاه هذا الحق، وأشار إلى أن مسؤولية العمل من أجل الوحدة الجذابة تقع على كلا الطرفين المؤتمر الوطني والحركة، مؤكداً رغبته ورغبة تنظيمه في أن يظل السودان موحداً، ولكن الجنوبيين يملكون حق الاختيار. وأشار غازي في حديثه إلى الإنتخابات الوشيكة طالباً من المعارضين تركيز جهودهم في الاستعداد لها.
فهل كانت مخاطبة غازي للجالية بواشنطن في أول لقاء مفتوح تدشيناً للحملة الإنتخابية للمؤتمر الوطني من جانب قيادي يتولى أهم الملفات، وهي قضية دارفور والعلاقات مع أمريكا، خاصة وأن عدد السودانيين بها سيكون من العوامل المؤثرة في الإنتخابات الرئاسية التي سمح لهم قانون الإنتخابات بالمشاركة فيها. وكان غازي قد ركز في حديثه أيضاً على إبراز إنجازات الإنقاذ، خاصة استخراج البترول بواسطة الصين والدور السوداني في دعم وتطوير العلاقات الصينية الافريقية بصفة عامة. ولعله في ذلك نبه أيضاً رصفائه الأمريكيين الذين يفاوضهم حول تأثير هذه العلاقة، وهو يعلم أهمية هذا الأمر بالنسبة لهم بعد أن جاء في التقرير الأخير لمعهد أبحاث السلام الدولي بالسويد بأن الصين قد أصبحت ولأول مرة في المركز الثاني بعد أمريكا مباشرةً بالنسبة لمستوى الإنفاق العسكري.
aasimsalih@yahoo.com