الترابي والجنوب وأولاد الغرب
18 September, 2009
زيارة الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي إلي مدينة جوبا الأخيرة، جعلتني استرجع أياماً خلت مضي عليها أكثر من ربع قرن من الزمان. وهي ذكريات وتداعيات وملابسات الزيارة الأولي للدكتور الترابي لحاضرة الجنوب جوبا في مارس عام 1983م والتي كنت صاحب فكرتها ومرتبها، وهي زيارة لم يسمع بها كثيرون.
ففي بداية الثمانينات أسند إلي عمل المناشط الطلابية في الحركة الإسلامية. وكان الغرض من اختياري محاولة لنقل تجربة الطلاب السودانيين في مصر للسودان، وكنت من جيل السبعينات الذي نهض بتلك التجربة المميزة. فقدمت رؤية للنشاط الطلابي الإسلامي مغايرة للذي كان سائداً قبل ذلك، واعتمدت العمل المفتوح الموصول بالجماهير كلهم بلا استثناء باعتبار أن الحركة الإسلامية قد تغير واقعها بعد أن صارت جزءاً من الحكم وهي تتهيا لآن يكون لها النصيب الأكبر في حكم السودان. ولم أعاني في تمرير هذه الرؤية إذ أن أمين أمانة الطلاب علي ذاك العهد الدكتور إبراهيم أحمد عمر كان علي قناعة بهذ الرؤية، ولم يكن أعضاء الأمانة علي خلاف ذلك، وكانوا هم الأخوة إبراهيم عبدالحفيظ، محمد حامد البلة، الشهيد موسي سيدأحمد، صلاح قوش، أحمد تاجر، عطا المنان بخيت وعبدالقادر محمد زين.
وفي عام 1982م فاز طلابنا الإسلاميون بإتحاد طلاب جامعة جوبا برئاسة الأخ عبدالقادر محمد حسن الذي هو الآن مدير المكتب التنفيذي لوزارة التعليم العالي. فاقترحت إقامة إسبوع للوحدة الوطنية بجامعة جوبا تحت مظلة هذا الإتحاد، ورشحت للمشاركة في محاضرات وندوات هذا الإسبوع الفريق جوزيف لاقو نائب رئيس الجمهورية، الدكتور حسن الترابي،النائب العام، اللواء جيمس طمبرة رئيس مجلس الجنوب، البروفيسور محمد عمر بشير، والدكتور علي الحاج محمد. ولقد أجازت أمانة الطلاب المشروع بالإجماع، أما الأمانة العامة للتنظيم فقد أقرت الفكرة إلا أن الأجهزة الخاصة للتنظيم رفضت مشاركة الدكتور الترابي رفضاً قاطعاً للمحاذير الأمنية التي كانت تراها.
طلبني دكتور الترابي فذهبت إليه فأخبرني أنه رغم تحفظ المتحفظين سوف يشارك لأنه يري التواصل المباشر مع الجنوب فوق كل المحاذير. وأضاف أن الجنوب لوتركناه هكذا سوف لانجده، ولن يحس الجنوبيون بأنهم متساوون مع أهل الشمال ما لم يكن هناك تواصل مباشر وانفعال حقيقي بكل قضاياهم ومشكلاتهم. ثم سألني عن الذي يقوم علي تنفيذ البرنامج من الإتحاد الطلابي، فأخبرته أنه أحد أخواننا من أبناء دارفور، وكان السكرتير الثقافي لإتحاد جامعة جوبا في ذاك الوقت هو الأح حسين أركو مناوي الشقيق الأكبر لكبير مساعدي رئيس الجمهورية السيد مني أركو مناوي. وأذكر في بطاقة الدعوة كتب اسمه (حسين أركو ضاري) فقال لي الدكتور الترابي أنه يثق في نجاح أي عمل يوكل لأحد من أبناء الغرب، وقال إن تجربته أكدت جديتة أهل الغرب ومصداقيتهم، وهو دائماً ما يسند إليهم الأعمال الجليلة، وكان هذا سبباً ثانياً لقطعه بالمشاركة رغم تحفظ المتحفظين.
وعندما وصل الوفد المشارك لمدينة جوبا قام بعض الطلاب الجنوبيين الذين كان أكثرهم من الدينكا باحتلال الجامعة ورفضوا دخول المشاركين، وإقامة الندوات في الجامعة. وكان رفضهم الأساسي لمشاركة الفريق جوزيف لاقو الذين يرون أن مقدمه مدخلاً لتقسيم الجنوب، وكذلك الدكتور الترابي الذي يرون فيه تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان. وكانت ندوة جوزيف لاقو عن الجنوب بين الإقليم الواحد والأقاليم الثلاثة، بينما ندوة الدكتور الترابي عن حقوق غير المسلمين في الدولة الإسلامية. فاضطر الإتحاد إلي إخراج الندوات من الجامعة حتي لايقع صدام بين المؤيدين والمعارضين. وأقيمت في المركز الثقافي بمدينة جوبا. وبعد شهرين من ذاك التاريخ أعلن الرئيس نميري تقسيم الجنوب. وفي شهر سبتمبر من ذات العام أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية بين البلاد. وبين هذا وذاك انطلق التمرد واستمرت الحرب لأكثر من عشرين عام لم تخمد نارها إلا بعد أن تم التوقيع علي اتفاق السلام الشامل في العاصمة الكينية نيروبي في التاسع من يناير 2005م.
وهاهو الدكتور الترابي يزور حاضرة الجنوب بعد أكثر من ربع قرن من زيارته الأولي والساحة حبلي بالأحداث والإرهاصات. والجنوب الذي كان يفاضل أهله بين الإقليم الواحد، والأقاليم الثلاثة، يفاضلون الآن بين الوحدة أو الإنفصال. والحرب التي خمدت نارها بعد السلام، صارت تدق لها بعض الطبول الآن. فيا تري ماذا يعقب زيارة الترابي الأخيرة لحاضرة الجنوب جوبا؟
gamal mohamed [ gamalangara1@yahoo.com ]