الشريكين …اتفاق المصير وخلاف التأويل .. تقرير: خالد البلوله ازيرق
18 October, 2009
طي جدل النسبة
khalid balola [dolib33@hotmail.com]
انتهت التكهنات، وبدأ الولوج الفعلي في مرحلة الحسم في الشوط النهائي لمسيرة الوطن الواحد، هكذا قطعت تصريحات الدكتور رياك مشار رئيس اللجنة السياسية المشتركة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الجدل حول قانون الاستفتاء ونسبة التصويت علي الانفصال التي كانت مثار جدل في الساحة السياسية، بالاتفاق الذي توصل له الشريكان بإعتماد نسبة الاغلبية البسيطة للانفصال "50+1".
الإتفاق الذي بدأ مفاجئاً للساحة السياسية في توقيت سرعة إنجازه، علي ضوء تباعد المواقف الذي ساد بين الطرفين، وكانت تفاصيله التي أوردها رياك مشار أكثر مفاجأة بالنسبة للمتابعين من خلال الجدل الذي دار بين الطرفين في اعتماد النسبة البسيطة والأغلبية في قانون الاستفتاء، فالنسبة البسيطة التي أشير لإعتمادها في القانون بدأت في ظاهرها وكأن الاتفاق قد لبي ما طرحته الحركة الشعبية التي كانت تنادي به في القانون من عدد الناخبين، ولكن اشتراط مشاركة ثلثي الناخبين من جملة المسجلين من الجنوبيين الذين يحق لهم الاستفتاء جعلت نسبة الـ"50%" عند حسابها عملياً من خلال التصويت قد تتجاوز نسبة الـ"70%" التي كان يطرحها المؤتمر الوطني.
تعقيدات مشروع قانون الاستفتاء المقترح، والذي يجري التوافق حوله بين الشريكين يبدو أنها ستثير كثيراً من الجدل في وسط القوي السياسية وبين الشريكين الذين توافقا عليه كذلك، فالحركة الشعبية بدأت من خلال تصريحات نائب رئيسها رياك مشار منتشية بما تراه أنه انتصاراً لطرحها في الاتفاق الأخير، ولكن مراقبون يرون ان ثمة أمر خافياً عليها ولم تدركه بعد فيما اتفق عليه، وذلك من واقع استقراء المواقف بين الطرفين، لأن تحقيق نصر سياسي بهذه السهولة وانتزاع ما تريده الحركة الشعبية من فكي المؤتمر الوطني ليس بالامر السهل علي ضوء تجارب الخلافات السابقة بينهما حسبما تشير تصريحات الدكتور رياك مشار، خاصة وأن الاتفاق لم ينشر بعد للمهتمين ومازال قيد الدراسة في دهاليز الطرفين، ويعضض من ذلك ما ذهب إليه قيادي بالمؤتمر الوطني في تصريحات صحافيه أمس بقوله إن "الاتفاق ليس بالكيفية التي أعلنها مشار" وأضاف "أن حزبه درج على ألا يعلن مثل هذه الأشياء إلا بعد عرضها للقيادة العليا" وكشف أن تفاصيل كثيرة مضمنة في الاتفاق. ولكن الدكتور مندور المهدي الأمين السياسي للمؤتمر الوطني، قال لـ"الصحافة" أمس "ان اللجنة السياسية المشتركة حسمت الاتفاق حول هذه القضية بعد أن قدم المؤتمر الوطني تنازلات وكذلك الحركة الشعبية، وقال ان الاتفاق يبدأ من مرحلة التسجيل، ونص فيه علي ان تسجيل الذين يحق لهم التصويت لابد أن يشمل "75%" من الذين يحق لهم التصويت، وفي مرحلة الاستفتاء ان يشارك ثلثين من الذين تم تسجيلهم وأن تكون من بعد النسبة المؤهلة للانفصال "50+1%" علي ان يشارك في الاستفتاء كل ابناء الجنوب بمن فيهم المقيمين في الشمال ودول المهجر، وأضاف من الذين يحق لهم التصويت ينبغي تسجيل "75%" ولابد ان يشارك في الاستفتاء علي اقل تقدير "66%" وأي مشاركة أقل من ذلك يعتبر الاستفتاء لم يتم".
ومهما يكن من أمر اختلاف التفاسير حول مخرجات ما اتفق عليه، فإن إتفاق أول امس الذي بدأ منذ يومه الأول أنه سيقود لإختلاف في تأويل وتفسير مضامنيه بين الشريكين المختلفين، فإن الاتفاق ربما ينجح في طي الخلاف الممتد لعدة أشهر بين الشريكين حول قانون الاستفتاء، الذي إنقسمت الرؤي حوله بينهما حول نسبة التصويت للانفصال، فبينما كان يتمسك المؤتمر الوطني بنسبة الأغلبية الكبيرة لحسم الاستفتاء وإقترح نسبة "70%" للانفصال لإعتبار أن القضية استراتيجية وتمس مصير البلاد، كانت النقطة الثانية التي عض عليها بنواجزه هى تمسكة بمشاركة كل الجنوبيين في عملية الاستفتاء خاصة المقيمين في الشمال ومغتربي دول المهجر، فيما تمترست الحركة الشعبية حول حسم الاستفتاء بالاغلبية البسيطة واقترحت نسبة "50+1%" من جملة اصوات الناخبين، في وقت تمسكت فيه بمشاركة الجنوبيين الذين يقيمون في الجنوب فقط في الاستفتاء ومن غير مشاركة جنوبي الشمال والمغتربين.
وكان د.رياك مشار، قد كشف من وجهة نظره في تصريحات صحافية بمطار جوبا أول امس مضامين الاتفاق الذي توصلت له اللجنة السياسية المشتركة حول قانون الاستفتاء بقوله "تغلبنا على الخلافات والقضايا العالقة وهناك اتفاق، وإنه تم الاتفاق على ضرورة مشاركة ثلثي أبناء جنوب السودان المسجلين في الاستفتاء كي يكون الاقتراع سليما، وأضاف أنه يكفي تصويت أكثر من "50+1" في المائة من المشاركين في الاستفتاء على استقلال الجنوب كي يتحقق الانفصال"، وكانت الحركة الشعبية قد وافقت في مضامين الاتفاق علي القبول بمشاركة جنوبي الشمال والمهجر في عملية الاستفتاء المتوقع اجراءها في مطلع العام "2011م" بموجب اتفاقية السلام الشامل الموقعة في العام "2005م".
ويشير مراقبون الي ان النسبة الجديدة التي توصل لها اتفاق الشريكين حول الاستفتاء، أنها إختزلت فقط الجدل الذي ساد في الساحة السياسية حول قانون الاستفتاء في تأطيره بذات الرؤي وفقاً لسيناريو احصائي يختلف فقط عما كانت تطرحه الحركة الشعبية، حيث عمد الاتفاق علي إرضاء الحركة الشعبية بنسبة الـ"50%" التي تطالب بها، وفي نفس الوقت حفظ تقريباً نسبة الـ"70%" التي كان ينادي بها المؤتمر الوطني في القانون، وذلك بإشتراط مشاركة ثلثي المسجلين في الاستفتاء، وأن نسبة "50%" تحسم من جملة المشاركين، وان أي اختلال في نسبة مشاركة الثلثين يبطل عملية الاستفتاء. فيما مضي آخرون الي التكهن بوجود مساومات في قضايا اخري دفعت المؤتمر الوطني لإعتماد نسبة الـ"50%" التي تطالب بها الحركة الشعبية، ولم يستبعدوا ان يكون موافقة المؤتمر الوطني علي رؤية الحركة في قانون الاستفتاء جاءت بناءاً علي قبولها تفاهمات في مسألتي الانتخابات والتحالفات السياسية المقبلة ودعم مشروع الوحدة سياسياً. وهو ما ذهب إليه بروفيسر صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بالجامعة الاسلامية في حديثه لـ"الصحافة" بأن هناك اتفاق متوقع قد تم بين الشريكين حول قانون الاستفتاء، ووصف الخلافات التي كانت تجري بينهما حول القانون بانها مناورات سياسية، وقال ان هناك مقايضة تمت بين الشريكين بأن يقدم المؤتمر الوطني تنازلات للحركة الشعبية في قانون الاستفتاء مقابل تنازلات للحركة الشعبية للمؤتمر الوطني في الانتخابات، وأضاف أن المؤتمر الوطني قلبه ليس علي الوحدة وإنما علي الانتخابات التي يريد أن يكتسب منها الشرعية، كما ان الحركة الشعبية ليست حريصة علي أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وانما همها قانون استفتاء مرن يسهل لها الانفصال للانفراد بحكم الجنوب".
فالمؤتمر الوطني الذي يدعو في رؤيته للقانون بالإهتداء بتجارب تقرير المصير الدولية التي جرت في بلدان مختلفه، كان نائب رئيسه الدكتور نافع علي ناقع قد قال في مؤتمره الصحفي الأخير بالمؤتمر الوطني في ختام اعمال المؤتمر العام الثالث، انهم لا يقبلون بأقل من نسبة "75%" للانفصال في القانون، ويدافع المؤتمر الوطني عن رؤيته بقوله أنه لتعديل مادة في الدستور اصرت الحركة الشعبية في ان تستوفي موافقة ثلثي اعضاء البرلمان، فكيف لقانون يتوقف عليه مصير السودان ان يكون بالنسبة البسيطة. والحركة الشعبية من جهتها تري أنه حق ويجب أن يؤخذ بالنسبة البسيطه وأن الوحدة لا تفرض بالقانون وإنما بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأن المؤتمر الوطني لم يقدم للوحدة شيئاً يذكر حتى يجعلها جازبة كما اشار لذلك نائب الامين العام ياسر عرمان في تصريحاته للصحافيين بالبرلمان عقب الجلسة الافتتاحية لإعمال دورته الأخيرة التي هدد فيها رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر، بطرح القانون علي البرلمان اذا لم تتفق القوي السياسية علي توافق حوله. وكانت القوي السياسية قد اصطفت في مواقفها حول رؤيتي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لقانون الاستفتاء، فالوطني وقفت الي جانبه احزاب حكومة الوحدة الوطنية المتحالفة معه، بينما اصطفت القوي المعارضة واحزاب ملتقي جوبا الي جانب الحركة الشعبية الداعية الي خيار النسبة البسيطه في القانون الانفصال.