فتاوي وضلالات الترابي (3) … بقلم: بابكر عباس الأمين

 


 

 

 

 

 

abass_a2002@yahoo.com

 

أشرنا في الحلقة الأولي إلي الأسباب التي تجعل من تُرابي شخصاً غير مؤهل شرعياً للفتوي. إضافة إلي ذلك, فتعوزه أيضاً صفات الوقار والهيبة والورع, التي إتصف بها الشهيد أحمد يس, الإمام علي خامئيني, الشيخ محمد حسين فضل الله, الشيخ حسن نصر الله, الذين ينحني لهم حتي غير المسلمين إجلالاً وإحتراما. ويتضح عدم وقاره من ضحكته وولعه بالأضواء واللقاءات الصحفية - التي شملت جريدة الكورة - وهي أشياء لا تناسب رجلاً في الثمانين ناهيك عن شخصاً يدّعي أنه مُجدد وعالِم إسلامي.

 

يواصل حسن سادراً في غيِّه قائلاً: "لا بُدّ من منهج جديد وكذلك الفقه وتطور المجتمعات تستوجب فقهاً جديدا, والدعوة سبقت إلي تجديد فروع الفقه فلا بد أن تتغير النظرة إلي الإصول. وإذا كانت الإصول الإغريقية في المنطق قد تغيرت كثيراً, وقد كملتها أصول في المنهج العلمي الطبيعي والمنهج الإجتماعي." (المجتمع الكويتية عدد 573).

 

يُوجد هُنا زج بالمنطق والمنهج الطبيعي والإجتماعي لا تقتضيه أي ضرورة أو وجه مقارنة وليس له علاقة بالفقه. وذلك لأنها مقارنة بين علوم دنيوية, وبين أصول الفقه - الذي هو علم ديني - وهي مقارنة لا تجوز لأن لكلِ منهما أدوات بحث وتأصيل مختلفة. والفرق بينهما أن أصول الفقه قد وضع الأساس لها عُلماء سخّروا حياتهم للعلم ونقلوها من الرسول والصحابة أو إستنبطوها من القراّن. ولا يُعقل أن يتخطّي "المُجددون" أصول الفقه نفسها, لأن "الخلف" لا يمكن أن يكونوا أفضل وأفقه من السلف حسب حديث النبي. جاء في الصحيح أن الرسول قال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم."

 

ولا يقف الأمر عند مقارنة الفقه بالعلوم الدنيوية - عند الذي إتخذ دينه لعِباً وهُزُوا - بل يتعداه إلي مقارنة الرسول بالكافر حين قال: "في الإمور العِلمية يمكن أن اّخذ برأي الكافر, وأترك رأي النبي ولا أجد في ذلك حرجاً ألبتّة." (محاضرة جامعة الخرطوم 22\10\1981). ويتكرر هنا عدم التهذيب - والطبع يغلب التطبُع - وعدم إحترام الرسول, لأن فيها مقارنة بين الرسول والكافر بصورة سافِرة لا تقتضيها ضرورة. والصِياغة المُهذبة كان يمكن أن تكون مقارنة بين رأي العِلم ورأي الرسول, لأن الرأي العلمي لا يقتصر علي الكافر, وقد يصدر من أهل الكتاب, بل أنه قد يصدر من المسلم أيضاً. ورغم ذلك, فإنّ النبي لم يقُل حديثاً أبطله العِلم إطلاقا.

 

ثانياً: لو كان الرسول قد قال مثلاً, بأنه مستحيل أن يسافر الإنسان بالطائرة, وقال الكافر أن ذلك ممكناً, لربما كان لمقارنته شيء من المنطق. ولكن الرسول لم يفتِ في مثل هذه المُحدثات. إذن, فإنّ كل ما قاله الرسول من أحاديث -  وكذلك ما فعل من سُنة عملية - تلزِّم المُسلم السّويّ بتصديقها, لأنه لا ينطق عن الهوي بنص القراّن. قال الشافعي: "متي عرفتُ لرسول الله حديثاً ولم اّخذ به فأنا أشهدكم أن عقلي قد ذهب."

 

وكان أحمد بن مالك قد أصدر - خلال الثمانينيات - كتابه "الصارم المسلول في الرد علي الترابي شاتم الرسول" ردّ فيه علي تخرصات حسن حين دعا للرقص والتطاول علي الرسول والصحابة. وقد قدّم لهذا الكتاب د. محمد عبدالله, أحد رموز الأخوان المسلمين, الذي كان أميناً حينما برَّأ ذِمته قائلاً: "من بعض ما أُصِيبَ به أهل السودان من الترابي سبه وشتمه وتجريحه للرسول (ص). كما سبَّ التابعين والأئمة الأعلام وجميع نظار أهل السنة والجماعة."

 

ولم يقف الأمر - لدي الذي يُحرف الكلم عن مواضِعه - عند الطعن في الصحابة, وأن الرسول لا يفهم هذا الزمن, وتجاوز أحاديثه, بل تعداه إلي اللغو في القراّن ليُضل بغير علم. أستمع إليه مخاطباً شُعبة لطالبات جامعة الخرطوم 18\8\1982: "تحدث المُفسِّرون في كتبهم عن الحور العِين, فهل تُصدقِن ما زعموه؟ والذي أعتقده بأنكنّ الحور العِين."

 

ولا أدري إن كان هذا التصريح فتوي أم مُراهقة كِبر وغزل لبنات في عُمر حفيداته. وقال: "الحور العِين في الجنة هنّ النساء الصالحات في الدنيا اللاّتي يدخلنّ الجنة." (الشرق الأوسط 11\3\1996). وهذه الفتوي البِدعة لا تبطل حديث المفسرين - كما زعم - بل تنسف كلام الله نسفاً واضحاً. ويكون قد كذبَ - إن إطَّلعَ - علي سورة الرحمن "فِيهنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرفِ لَم يَطمِثهُنّ إنسٌ قَبلَهُم وَلَا جَاّنٌ" (56) الرحمن. وذلك لأن بعض الطالبات اللائي خاطبهُنّ أو النساء الصالحات ربما تمّ طمثهُنّ في الحياة الدنيا.

 

وسُبحان العلي القدير الذي كرّر نفس الاّية وبنفس الحروف والتشكيل مرة ثانية في نفس السورة في الاّية (74). وهي اّية بيِّنة لا تُوجد فيها كلمة واحدة لها معنايان أو تفسيران أو تأويلان, بحيث يؤدي أحدهما لأن تصبح طالبات الجامعة حور عين. ورغم أن سورة الرحمن تتكرر فيها الاّية "فبأيّ الاّء ربكُما تُكذبان", إلا أن الاّية الوحيدة الأخري المكررة فيها هي هذه الاّية التي تؤكد عدم طمث الحور العين. كأنما تنبّأ ربك بأنه سيأتي اّخر الزمان من أهل الهوي من يفتي بغير ذلك, فشاّء أن يؤكدها بالتكرار. قال تعالي: "فَمَن أظلَمُ مِمَّنِ افتَري عَلي اللهِ كَذِباً لّيُضِلَّ بِغَيِر عِلمٍ إنَّ اللهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ." (144) الأنعام.

 

وقال حسن عن عذاب القبر: "هناك من يقول بمكنر ونكير وعذاب داخل القبر, وهذا غير صحيح فالإنسان حينما يموت تصعد روحه لله. أما الجسد فيتاّكل وينتهي ولا يُبعث مرة أخري, إنما يقوم الله بخلق جسد جديد من الطين." (الوطن السودانية أكتوبر 2006). وهنا يطلق ترابي أحكاماً ولكنه لم يوضح لنا سنداً يدعّم به هذه الحكم, لأن أمور الدين لا يمكن البت فيها وإطلاق العنان للفتاوي دون مرجعية. وإلاّ كان بإمكان كل من هبّ ودبّ أن يصدر أحكاماً, أو فتاوي تنسخ الحديث وبالتالي, البعد عن أصول الدين وتحويل أحاديث الرسول إلي تراث متحفي.

 

وهناك أحاديث عديدة عن عذاب القبر منها: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: "إنّ للقبر ضغطة لو كان أحدً ناجياً منها نجا منها سعد بن معاذ." (رواه أحمد). وعن أبي أيوب قال: إن صبياً دُفن فقال النبي (ص): "لو أفلت أحدٌ من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي." (رواه الطبري). وجاء في سُنن الترمذي, بإسناد صحيح, عن المقدام بن معدي كرب قال الرسول: "للشهيد عند الله ست خصال: يُجار من عذاب القبر, ....إلخ." قال الترمذي: "سبب هذا الضغط أنه ما من أحد إلا وقد ألمّ بذنب ما فتدركه هذه الضغطة جزاء لها, ثُمّ تُدركه الرحمة." (حاشية السيوطي علي سُنن النسائي 33\292). وترك أحاديث الرسول لا يجوز لأن الله تعالي قد قرنَ طاعته بطاعة النبي في اّياتٍ عديدة منها: "قُل أطِيعوا اللهَ والرَّسُولَ فأن تَولَّوا فَإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ" (32) اّلَ عِمران.

 

كما رفض حسن رجم الزاني المحصن وقال إنه من شريعة اليهود. إلا أن الرسول قد رجم ماعز والغامدية وهو ثابت في جميع كتب السنة. وردّ عليه مُفتي مصر الدكتور علي جمعة: "لقد ثبت هذا الحد في الحديث الصحيح. لذا فإن أي كلام غير ذلك للترابي أو لغيره هو حديث غير علمي, فالرسول حسمه ووضحه فعلاً وقولاً, وما عدا ذلك فهو كلام مرسل لا علاقة له بالدين ولا بالعلم." (الوطن السعودية 19\3\2007). وواصل دكتور جمعة: "هل حين طبق هذا الحد الرسول كان يطبق الشريعة اليهودية؟ إنه كلام غير معقول وغير مقبول."

 

وكان الدكتور صالح التوم - أستاذ الثقافة والعلوم الإسلامية بجامعة الخرطوم - قد قال للجزيرة نت عنه: "الرجل معروف بزندقته وهو من الرؤوس الجُهال الذين حذرنا الإسلام منهم." وأضاف دكتور التوم: "إنه يسعي إلي تضليل البُسطاء." ودعا إلي "إتخاذ موقف تجاه الإحاديث التي أنكر فيها نزول المسيح وظهور المسيخ الدجال." وذكر بأنه: "سبق أن سبّ الصحابة", وأعلن أنه: "ضال عن الطريق المستقيم لمخالفته نهج الأئمة وعلماء المسلمين مخالفة صريحة."

 

وذكر حسن للشرق الأوسط بأن: "الخمر ليست جريمة إلاّ إذا سبّبت عُدوان, وأن المرأة يمكن أن تصلي إلي جوار الرجل وأن تؤم الصلاة." (الشرق الأوسط 11\3\ 1996). لاحِظ حديثه عن الخمر, في أنه لم يشر إلي أنها حرام أو رأي الإسلام فيها, بل جريمة فقط حين ترتبط بالعدوان. وحتي من ناحية قانونية, فهو لم يجتهد أو يأتِ بجديد, لأن هذا قانون وضعي موجود في الدول غير المسلمة تحدِّد مقدار معيِّن من الخمر لا يتخطاه السائق. وتصريحه واضح في أنها حلال حينما لا تتسبب في عدوان.

 

وإن لم تكن الخمر جريمة لما وصفها تعالي ونهي عنها قائلاً: "رِجسٌ مِن عَمَلِ الشّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلّكُم تُفلِحُونَ." (90) المائدة, ولما سنّ عمر بن الخطاب حد جلد شاربها بنصيحة من علي بن أبي طالب, باب عِلم مدينة الرسول. وإذا كان الفن والرقص وسيلة لعبادة الله في إسلام القرن الحادي والعشرين - عند الذي إتخذ دينه لعِباً وهُزُوا - فمن الأفضل أن تصحبه الخمر لإتقان العبادة وبلوغ درجة النشوة فيها ومنها, بشرط ألا تصل مرحلة العدوان.   

 

وكانت دعوة حسن إلي الإختلاط بين الجنسين وقيام الليل قد سبقت, وتمّ تطبيّقها في تنظيمه الجبهة الأسلامية القومية منذ 1985, وبعد إستعادة دولة الخلافة الراشدة عام 1989. إلا أن هذا لم يرض طموحه فجاء بدعوته للإختلاط في الصلاة. وهذه بِدعة ما سبقه عليها أحد من العالمين, لأن المرأة تتعطّر وتتزين مما يؤثر علي التركيز والخشوع في الصلاة. قال الرسول: "خير صفوف النساء اّخرها وشرها أولها, وخير صفوف الرجال أولها وشرها اّخرها." ويعني الحديث أن الشر يكمن في الصف الأول للنساء والصف الأخير للرجال لقربهما من بعض, وإحتمال الفتنة ولو بالتفكير ورائحة العِطر.

 

والحقيقة إنّ المرء ليعجب من تظاهرات المسلمين ضد الرسوم الدنماركية, وعدم تسيير الإحتجاجات علي من مسّ الصحابة ونسخ الأحاديث والاّيات القراّنية. وذلك لأن راسم الكاركتير أساساً لا يعترف بأن النبي مُرسل من الله, وبالتالي, فإن الرسومات ليس لها أثرأ عملي  ملموس وضار كنسخ حديثاً أو اّيةً, أو تحليل حراماً, أو تعطيل حداً من الحدود. لذا كانت أمر عابر وإنتهي أو سينتهي أثره, ونسيه أو سينساه المسلمون. بيد أن فتاوي الذي يلبس الحق بالباطل ستظل موجودة وتشوِّش علي البسطاء, كمُسلمة القضارف التي تزوجت مسيحي اثيوبي بناءاً علي فتواه التي ما أنزل الله بها من سلطان. 

 

وأخيراً فإن خير الخِتام ما جاء قُراّنا: "وَذَرِ الّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُم لَعِبَاً وَلَهوَا وَغَرَّتهُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا." (70 الأنعام) صدقَ اللهُ العَظِيم 

                                  

                                      يتبع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آراء