فتاوي وضلالات الترابي 5
14 November, 2009
abass_a2002@yahoo.com
بما أن اّراء الفقهاء تجر المرأة إلي "الوراء", شهدنا في الحلقة الماضية, حرص حسن علي تقدُم المرأة إلي "الأمام", وذلك بأن تتزوج النصراني واليهودي. وبما أنه "أفتي" بأن بإمكانها أن تصلي إلي جوار الرجل, فالاّن بمقدور الرجل روئة بعض مفاتنها, حسب تفسيره للحجاب.
يقول "المجتهد" عن الحجاب: "أما الحجاب المشهور فهو من الأوضاع التي إختصت بها نساء النبي, لأن حكمهنّ ليس كأحد من النساء." (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص 27). ويواصل: "أنا لا أسميه حجابا, أسميه خمارا, لأن القراّن سمَّاه لنا خمارا, وسمِّي لنا الستار في الغرفة حجاب." (دنيا الوطن 21\4\2006).
إلا أن الخِمَار في اللغة هو جمع أخمِرة وخُمُر وهو ما تغطي به المرأة رأسها (المنجد في اللغة والاعلام, دار المشرق\ بيروت). مما يعني نفس فكرة الحجاب وغرضه. ويواصل حسن: "الحجاب يعني الستار وهو الخمار لتغطية الصدر وجزء من محاسن المرأة." وإستخدام المفردة "جزء" إستخدام هلامي قصد منه أن بإمكان المرأة كشف شعرها.
قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهنِّ ثم يرجعنَ إلي بيوتهنَّ ما يعرفهنَّ أحد من الغلس." والتلفع قماش يستعمل لتغطية الرأس, كما قال عبيد بن الأبرص:
كيف ترجون سقوطي بعدما لفع الرأس بياض وصلع؟ أي بعد ما غطي الشيب والصلع رأسه. وهناك أوصاف للحجاب المعروف أفتي بها عدد من العلماء كالشيخ القرضاوي والشيخ عطية صقر ود. محمد عمارة وغيرهم.
وهناك اّيتان واضحتان تشرحان أن الحشمة لا تقتصر علي نساء النبي, بل تشمل بقية المؤمنات, هما "وَقًل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَر مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهنَّ عَلَي جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبدِيِنَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ ...." (31) النور. والاّية "يَاّ أيَّهَا النَّبِيُّ قُل لأِزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَالَيبِهنَّ ذَلِكَ أدنَي أن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ اللُه غَفُوراً رَّحِيماً." (59) الأحزاب. ولقد حرص حتي المسيحيون علي أن يغطي الحجاب الشعر في الصورة التي يعتقدون أنها لمريم العذراء.
بل أن الكثير من المسيحيات ما زلِنَ يحرصنَ علي تغطية شعرهن في الكنيسة عملاً بالاّية الإنجيلية "إن كانت لا تتغطي فليقص شعرها." وبدلاً عن الحملة ضد الحجاب, كان الأجدر به أن يحارب اللحية, التي لا تُوجد اّية تشير لها في القراّن. وهذا أفيد إقتصادياً لأنه يوفِّر موارد دافع الضرائب, في دولة تصرف بدل لحية للقوات النظامية, مع أن المنطق أن يُصرف البدل لغير الملتحي لأنه ينفق علي حلاقتها.
كما رفض, الذي أصابته الغِشاوة, نزول المسيح إلي الدنيا في اّخر الزمان, في كتابه ووصفها بالإسرائيليات قائلاً: "وقد إنتقلت هذه العقيدة بأثر من دفع الإسرائيليات إلي المسلمين. وما زال جمهور من عامة المسلمين يعولون عليها في تجديد دينهم." (قضايا التجديد نحو منهج أصولي). ونزول عيسي من حيث الأصل ثابت, وهو أيضاً في صحيح مسلم, عند الحديث عن علامات الساعة من حديث حذيفة بن أسيد, ومنه: "وقال أحدهما في العاشرة نزول عيسي بن مريم." وعن أبي هريرة قال: قال الرسول: "لا تقوم الساعة حتي ينزل عيسي بن مريم حكما مقسطا, وإماماً عادلاً, فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فيفيض المال حتي لا يقبله أحد." وعن الإمام أحمد, عن ابي هريرة قال: قال الرسول: "ينزل عيسي بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب فتُجمع له الصلاة ويُعطي المال حتي لا يُقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما."
وكان بيان الأخوان المسلمين - الذي أصدروه في 1988 - قد ذكر أن الخلاف بينهم والترابي "خلاف حول الاصول." وفهمنا منه أن الخلاف حول أصول الدين نفسها. ورغم إحترامنا للأستاذ صادق عبد الماجد ود. الحبر نور الدائم - لأنهما رفضا بيعة نميري وشريعة بدرية الإنقلابية عام 1983 - إلا أن ذلك البيان كان خجولاً, ولم يكن شجاعاً بما فيه الكفاية, ويوضح أن الخلاف كان حول تجاوزات حسن لإصول الإسلام.
يقول إخصائي فقه المصلحة والضرورة: "إذا نقل الصحابي حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ عليه, وإذا روي حديث ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر." (قضايا فكرية وأصولية\محاضرة دار تحفيظ القراّن 1398). لم يُعرف عن أي صحابي السعي لرواية حديث لمصلحة دنيوية, وذلك لأن طبيعة مجتمع الصحابة كانت بسيطة وبعيدة عن ربط الحديث بالمصالح الدنيوية كالبنوك التي شيَّدها هو, ومارست الحرام كالإحتكار. ولم يكن هناك ما يضطر الصحابة لرواية حديث للمصلحة لأنهم كانوا متساويين مع العامة في الحقوق والواجبات.
وكما شهدنا في الحلقتين الماضيتين, من إلغاءٍ للحديث كمصدر تشريع - كرفض حد الرِّدة ونُكران عذاب القبر - فإن "المجدد" لا يخفي إنكاره للحديث حتي وإن كان بسند صحيح. قال الشيخ محمد سرور زين العابدين في كتابه "دراسات في السيرة النبوية" طبعة 1986, أنه سأل حسن في مجلس ضمهما: "كيف تنكر حديثاً متواتراً؟" أجابه قائلاً: "أنا لا أناقش الحديث من حيث سنده وإنما أراه يتعارض مع العقل." و"هناك أحاديث قالها الرسول بصفته البشرية وهي ليست حجة رغم صحة أسانيدها." وهنا, يقول حسن - ليّاً بلسانه وطعناً في الدين - ما يحسبه هيناً عند الله "وَمَا يَأتِيهِم مِن نَّبِيٍّ إلَّا كِانُوا بِهِ يَستَهزِءُونَ" (7) الزُخرُف.
قال ابن القيِّم - رحمه الله - عن الذين يخالفون النصوص بحجة ترجيح كفة العقل, أو لأنهم يصفون أنفسهم بالعقلنة أو الإستنارة أو التحرر, أنهم لا يخرجون عن خمس طوائف:
1- الأولي: عارضت الوحي بعقولهم وقدَّمت عليه العقل فقالوا لأصحاب الوحي: لنا العقل ولكم النقل.
2- الثانية: عارضت باّرائهم وقياساتهم فقالوا لأهل الحديث: لكم الحديث ولنا الرأي والقياس.
3- الثالثة: عارضت بأذواقهم وحقائقهم وقالوا لأهل الشريعة: لكم الشريعة ولنا الذوق والحقيقة.
4- الرابعة: عارضت الوحي بسياساتهم وتدبيرهم فقالوا لأهل الوحي: أنتم أصحاب الشريعة ونحن أصحاب السياسة.
5- - الخامسة: عارضت بالتأويل الفاسد وأدَّعوا أنهم يفهمون أكثر مما يفهمه أهل الحديث والفقه.
بيد أن ابن القيِّم - رحمه الله - لم يعش في زمن كان فيه من له قصب السبق في جمع خصائص الطوائف الخمس بجدارة, كما ثبت من هذه الحلقات.
ويزعم بعض الضاّلين أن وظيفة الرسول هي مُبلِّغ فقط وليس مُشرِّع, ولكن هذا خطأ فادح يحيل النبي الكريم إلي مجرد ساعي بريد لتسليم القراّن للبشر. ومن المستحيل علي المسلم أن يلم بتفاصيل الدين بإلغاء السنة لأنها شارحة للقراّن كعلاقة القانون بالدستور. ولا يمكن للمسلم الإلمام بإمور أساسية في دينه دون السنة, كالصلاة التي لا تُوجد اّية من النبي وحديثه: "صلوا كما رأيتموني أصلي."
وطاعة الرسول واجبة, بنص القراّن, حيث بلغ عدد الاّيات التي تأمر بطاعته بصورة مباشرة ثلاثة عشر هي الاّيات: (52), (54), (56) من سورة النور. والاّيات (1) و(20), و(24) و(46), من سورة الأنفال, والاّية (12) من سورة التغابن. والاّية (33) سورة محمد, والاّية (71) من سورة الأحزاب, والاّية (32) من اّل عمران. ومن سورة النساء الاّيتين (14) و(80).
وزعم حسن أن خروج بعض الصحابيات - في بعض الغزوات - دليل علي تدريب الفتيات عسكرياً وإستيعابهن في الدفاع الشعبي. وقد فنَّد الشيخ العقاد - قاضي محكمة إستئناف كردفان - إنخراط الفتيات في الخدمة العسكرية, في رسالة طويلة, نختصر منها إشارته عن اللاّتي خرجن مع الرسول قائلاً: "خرجن في بوتقة أسرية وفي معية المحارم والأزواج, ولم يكن بينهن فتاة ناهد بكر غير ذات زوج علي الإطلاق." ونضيف, أن المرأة لها أيام في الشهر تكون خلالها مرهقة نفسياً وجسدياً, بحيث لا تقوي علي فعل شيء, بحيث أن الشرع أباح لها رخصة إلغاء فرض العين كالصلاة والصيام. وما هو مصيرها إن وقعت أسيرة لدي "العدو" الذي كان غير مسلم؟
يواصل حسن في مشروعه لتحلل المسلمين من ضوابط الشرع: "لكل مسلم أن يجد الرأي الذي ينشرح له صدره, ووجه العبادة الذي يناسبه, ويستطيع كل شعب, أو إقليم من المسلمين أن يجد نمط أو كيفية العبادة التي تناسبه." (تجديد الفكر الإسلامي ص 51). ويتضمَّن هذا الكلام السريالي أنه يجوز للمسلم العبادة بأي كيفية يراها هو, حتي ولو خالفت ضوابط العبادات وشملت الرقص والموسيقي, التي قال بأن فيها معاني سامية. كما أن بعض أقاليم المسلمين - خاصة غير العربية - تُوجد بها مفاهيم وأنماط تتعارض مع أسُس الإسلام. ومثال لذلك, فإن مسلمي الهند وباكستان ما زالوا يمارسون مفاهيم هندوسية كنظام الطبقات, بحيث لا يتزاوج المسلمون من خارج الطبقة, ودفع المرأة للمهر بدلاً عن الزوج.
ولم تكن لحسن أي علاقة بأي جماعة إسلامية حتي منتصف الستينيات من القرن المنصرم, رغم أن تنظيم الأخوان المسلمين قد بدأ في السودان في منتصف الخمسينيات. وإلتحق به عقب عودته من باريس في منتصف الستينيات. وبعد أن قرأ الساحة السياسية, أدرك أنه لا يمكن أن يكون الرقم الأول في حزب الأمة في المستقبل, لأن القيادة فيه تؤول بالتوارث في أسرة المهدي. كما أدرك أيضاً أنه لا يمكن أن يكون له شأن في الحزب الإتحادي, لأن قياداته العليا والوسطي لها تأريخ ناصع في حركة التحرر الوطني, وسيرة عطرة وكاريزما كالأب المؤسس ومبارك زروق والحسين الهندي.
وأدرك بطبيعته الذرائعية, أن أنسب تنظيم يشبع شهوته في القيادة, ويتمكَّن فيه من إقصاء قياداته والإنفراد بها, هو تنظيم الأخوان المسلمين, لأنه تنظيم ناشيء. ورغم أن تنظيم الأخوان المسلمين كان به من هم أكبر منه سناً, وأطول منه خبرة سياسية, وأفضل منه سيرة, إلا أن التنظيم قدّمه لأنه حمل شهادة دكتوراة من الغرب ولمقدرته علي الخطابة والجذب والمناورة. وإنضم إلي الأخوان المسلمين رغم عدم إيمانه بمبادئهم, كما إتضحً, من عمله علي محاربته للتربية والثقافة للكادر. كما إتضح أيضاً من إثارته لخلافات حول المباديء والاصول مع التنظيم العالمي للأخوان المسلمين, مما حدا بالتنظيم العالمي لفصل تنظيم السودان.
ومن يرفع راية راية إسلامية لا يكذب ولا يستهزي بالاّخرين, كما يفعل حسن. وهذه من الخصال التي يتفاداها حتي رجال الدين البوذيين والهندوس. أستمع إلي الكذب, عندما سأله الصحفي عن علاقته بالإنقلاب, قال مُعقِباً بعد النفي: "أنا رجل صادق لا يكذب." (سودان مونيتر فبرائر 1994). وبعد عدة سنوات, إعترف بهندسة الإنقلاب قائلاً بأنه :"قام به أبناؤنا." قال تعالي: "ومن أظلم ممن افتري علي الله الكذب وهو يدعي إلي الإسلام." (7) الصف.
أنظر إلي الإستهتار بالتربويين من الحركة الإسلامية, الذين إعتقدوا بالإهتمام بالكيف والتربية والثقافة للكادر بدلاً عن الكم, بعد إنقلابه في يونيو 1989. دعا الأوائل من شيوخ الحركة الإسلامية إلي مائدة عشاء في منزله بعد أسابيع من الإنقلاب. وبعد العشاء, أهدي مصحفاً لكل واحد منهم وقال: "لقد تعبتم كثيراً وكم هو جميل أن تتفرغوا الاّن لقراءة القراّن"!!!! ومن يستهزأ بالصحابة ويسخر من البخاري, لا يتواني عن السخرية عن شخص اّخر, ويمر علي الاّية "ولا يسخر قومٌ من قومٍ" - الموجودة ضمن مقرر الإبتدائي - مرور الكرام.
يتبع
(سنتناول في الحلقة القادمة العلمانية في فِكره وترك الحدود)