فتاوي وضلالات الترابي
24 November, 2009
abass_a2002@yahoo.com
يقول الذي يُجادل بالباطل ليدحض به الحق, في محاضرة "قضايا أصولة وفكرية" بالديوم الشرقية: "الضوابط العملوها لتصحيح السنة إيش؟ جابوها من فين الضوابط العملها البخاري؟ من هو البخاري؟ بشر يخطيء ويصيب, وضوابطه قد تكون مقبولة أو غير مقبولة. فقد نجد معايير عملها البخاري ما صحيحة لا تؤدي إلي الحقيقة, وقد نجد معايير أضيق من اللزوم. وصل الناس أنه في خمسين حديثاً في البخاري ضعيف. إيه الفتنة الدينية اللي بتحصل لنا؟"
من المعلوم, أنه ليس لدي المسلمين إعتقاد بأن البخاري من الملائكة, ويعلمون أنه من فصيلة البشر, ولكنه توخَّي الدِّقة في توثيق أحاديث الرسول. ثانياً: حتي الأحاديث الضعيفة, لا يُوجد فيها حديث واحد يتعارض مع مبادئ الإسلام, كالدعوة إلي الإنحلال, أو التجسس أو مصادرة أموال المسلمين, أو قتل النفس, أو تحليل الخمر, أو إباحة اللواط, أو تعذيب البشر, أو نفي البعث بحيث يشكِّل فتنة دينية. ثالثاً: هو لا يأخذ بالحديث إن لم يقبله عقله, حتي ولو كان بسند صحيح, حسب تصريحه, للشيخ محمد سرور زين العابدين, الذي أوردناه في الحلقة الخامسة. والتشكيك في رواية البخاري للحديث هي محاولة خبيثة للتشكيك في كل السُنة, ومن ثمَّ تخطيها كمصدر للتشريع, لأن من يشك في البعض يشك في الكل.
جاء في البحث الذي أعدَّه الشيخ سليمان بن صالح الخراشي "نظرات شرعية في فكر الترابي", أن حسن قد تطاول علي الأنبياء قائلاً عن النبي إبراهيم: "كان شاكاً في ربه عابداً للكواكب", وقال عن يونس أنه: "شرد", وموسي "إعترف بجريمته." ويوجد هنا تخطي للأدب في الحديث عن الأنبياء وتجريح لسيرتهم, ومن بينهم أُولي عزم. ولا تُوجد ضرورة تستدعي الخوض في سيرة الأنبياء بمثل هذا اللغو والهراء. ويعمد, الذي إتبع هواه وكان أمره فُرُطا, إلي نزع كلمات من سياق الاّيات وبقية القراّن, محاولاً أن ينتقص من قدر الأنبياء. فإبراهيم مثلاً, إن الله تعالي قد إصطفاه قائلاً: "وَلَقَدِ اصطَفَينَاهُ وإنَّهُ فِي الاّخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِين." (130) البقرة. وابراهيم إتخذه الله خليلاً قائلاً: "وَمَن أحسَنُ دِيناً مّمّن أسلَمَ وَجهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتّبَعَ مِلّة إبرَهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إبرَاهِيمَ خَلِيلاً." (135) النساء. وموسي كان كليم الله وإصطنعه الله لنفسه وخاطبه قائلاً: "وَاصطَنَعتُكَ لِنَفسِي." (41) طه, وقال تعالي عنه: "وَكَلّمَ اللهُ مُوسَي تَكلِيماً." (164) المائدة.
وحتي لو عاتب الله تعالي الرسل, كالاّية "عَبَسَ وتَوَلّي", فإنه أعلي مرتبة منهم, ولكن لا يحق للبشر عتابهم لأنهم أقل درجةً منهم. وهذا حديث روبيضة لا يعدو كونه طول لسان, ومن كان ذو لسان طويل فتصنيفه معروف عند السودانيين. والأنبياء صفوة البشرية لنقلها من الظلمات إلي النور, ومن البربرية إلي الرُقي, لذا إصطفاهم الله وكلّفهم بتبليغ رسالاته "إنَ اللهَ اصطَفَي ادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إبرَاهِيمَ وَءَالَ عِمرَانَ عَلَي العَالَمِينَ (33) ذُرّيّةَ بَعضُهَا مِن بَعضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) ال عمران.
وجاء في محاضرة دكتور جعفر شيخ إدريس "العلمانية في ثياب إسلامية", عن حسن أنه: "أساّء للأنبياء في ألفاظ قبيحة قائلاً: (يونس شرد) وابراهيم (كان يبحث عن ربه), وأن ابن عباس رضي الله عنهما (زرّوه), وأنكر عصمة الأنبياء." وإستعمال هذه المفردات الهابطة في وصف الرُسل (شرد) والصحابة (زروّه), من شخص مُلم إلماماً جيداً باللغة ينبئ عن مرضٍ في القلب. وفي رأينا, أن مثل هذه الألفاظ التي لم يتفوّه بها مسلماً خلافه, هي دعوة مبطَّنة تتضمن أن الأنبياء بشر عاديين, بل أقل من عاديين لأنهم "يشردون", وبالتالي, التشكيك فيما أتوا به من رسالات. قال تعالي: "وَلَقَدِ اُستُهزِئ بِرُسُلٍ مِن قَبلِكَ فَحَاقَ بِالّذينَ سَخِرُوا مِنهُم مّا كَانُوا بِهِ يَستَهزِءُونَ." (10) الأنعام.
يقول شيخ الإسلام, إبن تيمية: "الأنبياء - صلوات الله عليهم - معصومون فيما يخبرون به عن الله تعالي, وفيما يبِّلغون بإتفاق الجماعة والأمة. والقول الذي عليه جمهور الناس – وهو المنقول عن السلف – إثبات العصمة من الإقرار علي الخطأ والذنوب مطلقاً." والله تعالي أمرنا بعدم الخوض بسؤ نية في أمر الرسل, والسؤال بما لا يفيد في شأنهم قائلاً: "تِلكَ اُمَةٌ قَد خَلَت لَهَا مَا كَسَبَت وَلَكُم مّا كَسَبتُم وَلَا تُسئلوُنَ عَمّا كَانُوا يَعمَلوُنَ." (134) البقرة. وكرّر نفس الحديث عنهم مرة أخري في الاّية (141) في نفس السورة, لكأنما تنبأ ربك بأنه سيأتي من يخوض في الرسل ويستهزئ بهم, كتكرار اّية الحور العين, حينما قال أنهنّ طالبات جامعة الخرطوم (الحلقة الثالثة).
ولا بدّ من نُبذة عن الحِبر الأعظم, وترجمان القراّن, ابن عباس الذي قال عنه: "زرَّوه." وللقاريء غير السوداني, فإنّ هذه المفردة يستعملها الأُمّي ورجل الشارع في السودان, وتعني: ضبطوه في فعلٍ مُخجل أو معيب. ولم يوضِّح لمستمعيه الفعل المُخجل الذي ضُبط فيه ابن عباس. وسيرة بني هاشم وأخلاقهم قد سبقت التنزيل, لأنهم إتصفوا بالمروءة والشهامة ونصرة الضعيف, كحِلف الفضُول, وكانوا يقومون بسقاية الحجيج وعمارة البيت في الجاهلية. لما وُلِدَ ابن عباس مسح الرسول وجهه ورأسه ودعا له: "اللهم أملأ جوفه فهماً وعلما, وأجعله من عبادك الصالحين." ثم قال الرسول لعمه العباس: "يا عم: هذا عن قليل حبر أمتي وفقيهها والمؤدي لتأويل التنزيل." ودعا النبي الكريم له قائلاً: "اللهم فقهّه في الدين وعلمه التأويل." ويُعتبر عبدالله بن عباس أعلي مراتب التفسير, والطعن فيه يكاد أن يترك المسلمون بلا تفسير للقراّن. قال مجاهد, الذي تواتر منه تفسير ابن عباس: "كنت إذا رأيت ابن عباس يفسِّر القراّن أبصرت علي وجهه نورا." وكان الخلفاء أبابكر وعمر وعثمان يضعونه في مرتبة واحدة مع أهل بدر. (أنساب الأشراف للبلاذري). وقال ابن عمر: "ابن عباس أعلم الناس بما نزل علي محمد (ص)." قال الحافظ بن عساكر في كتابه "تبيين كذب المفتري", عن الذي يلغو ويطعن في أهل العلم: "ووالله إن لحومهم مسمومة, وعادة الله في منتهكي أستارهم معلومة, وإن من تعرّض للعُلماء بالثلب إبتلاه الله بموت القلب."
وقد وصل الإفتراء بالذي يلبس الحق بالباطل أن قال عن الرسول, الذي يقرن المسلمون إسمه في الشهادة بالله: "دة شخص راق لكن ما تقولوا معصوم ما بعمل حاجة غلط." (سليمان الخراشي). وقال: "هسع كلمة العصمة دي الصحابة كانوا بعرفوها؟ هسع لو جابوا الصحابة كلهم قعدوهم بيعرفوا عصمة النبي؟ يقولوا لهم النبي كذاب, يقولوا معصوم لكن ما بعرفوا كلمة العصمة, دي كلمة عملوها المتكلمين." والتشكيك في عصمة النبي الكريم أسلوب خبيث, نستنتج منه تشكيك في الرسالة التي أتي بها. ومن الذي تقدَّم, في هذه الحلقة, يتضح التدرج في حملته وخُطته لهدم اُسُس الدين, بدأت بالتشكيك في البخاري والحديث, وبالتالي, في السنة. ثًم تدرجت إلي الطعن في سيرة ابن عباس, ومن ثمَّ التشكيك في أهم مصدر التفسير. ثُمَّ تطورت إلي التشكيك في عصمة الأنبياء بمن فيهم النبي الكريم. قال تعالي: "وَمَا يَأتِيهِم مِن نَّبِيٍّ إلَّا كِانُوا بِهِ يَستَهزِءُونَ." (7) الزُخرُف.
ولقد تخطي - الذي أصبح يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف - كل حدود الأدب والأعراف حين أساّء للمسلمين, بإساءته للرسول, في لقائه الأخير مع قناة الشروق الجزائرية حينما قال عنه: "نحن ليس لدينا حصانة قضائية لا للنبي ولا للخلفاء." (سودانايل 19\11\2009). أولاً: حين يقول "نحن" فهو يضع نفسه في مكان من يحق له محاسبة الرسول, أو جِهة مرجعية, تُستشار لمنح الرسول حصانة من محاكمة, فتوافِق أو ترفض. ثانياً: بهذا اللغو, فهو يضع النبي الكريم في مستوي المجرمين الذين ينبغي عليهم مواجهة القضاء. ثالثاً: إنّ الرسول لا يحتاج إلي شهادة حُسن سير وسلوك - منه أو من بقية البشر - عن سيرته وأخلاقه التي أشاد بها - لمن يؤمن بالقراّن - حين قال: "وَإنَكَ لَعَلَي خُلق عَظِيم", و "لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ اُسوَةٌ حَسَنةٌ لِمن كَانَ يَرجُوا اللهَ وَاليَومَ الأخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرا." (31) الأحزاب.
ومثل هذا السخف - في هذا الشهر الحرام - وعدم الحياء في الحديث عن الرسول أفضل منه الذين وصفوه بشاعر ومجنون, لأن الجنون والشعر أفضل من الإجرام. وأفضل منه الذين كانوا يضعون له الشوك والزجاج في طريقه, لأن جرح جسده أفضل من جرح روحه الطاهرة, وهي عند باريها, بوضعه في مكان المجرمين. ومثل هذا العبث أفضل منه الذين كانت أصواتهم تعلو فوق صوت النبي, أو ينادونه من وراء الحُجرات, لأن إزعاج أذنه أخفّ من إزعاج روحه الطاهرة. ومثل هذا التجريح للمصطفي لم يتفوّه به ابن أبي سلول أو عبدالله بن سبأ أو محمد المصلوب أو الصهاينة. قال تعالي: "وَلَقدِ استُهِزئ بِرُسُلٍ مِن قَبلِكَ فَأملَيتُ لِلّذِينَ كَفَرُوا ثُمّ أخَذتُهُم فَكَيفَ كَانَ عِقَابِ." (32) الرعد.
وهو يلج في طغيانه, لقد وضع الرسول في مرتبة المجرمين, بعد أن كان قاضي تحكيم ووصف الله الذين لا يعملون بحكمه بعدم الإيمان قائلاً: "فَلَا وَربك لا يُؤمِنون حَتّي يحكموك فيما شَجَرَ بينهم ثُمّ لا يجدوا حَرجاً مّما قضيتَ ويسلّموا تسليما." ومثل هذا السخف والبذاءة والإنحطاط في الحديث عن الرسول, تؤكد حرصه علي تجريح مشاعر المسلمين, وإصراره علي أن يلاقي ربه بأوزاره, وهو في اّخر عمره. ومثل هذا الهُراء, يشبه قول هيرسي علي الصومالية وتسنيما البنغلاديشية في الرسول. ومثل هذا السخف أفضل منه رأي أحمد غُلام (الحلقة الرابعة), لأنه لم يسيء إلي الرسول ويضعه مكان المجرمين. قال تعالي: "وَلَقَدِ استُهزِئ بِرُسُلٍ مَن قَبلِكَ فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم مّا كَانُوا بِهِ يَستَهزِءونَ." (41) الأنبياء.
وهذه الإساءة هي أكثر مما كانت تتوقعه منه الحركة الماسونية, التي شهد شاهدٌ من أهلها بالإنتماء إليها هو تلميذه عمر البشير. (لقاء جماهيري بمنطقة قري 25\9\2005). ونعترف أنه بهذه الإساءة, قد أفلح في إثارة غضبنا ورفع ضغط دمنا, حتي ليكاد يخرجنا عن طورنا. لذا, فمن الأفضل ختام هذه الحلقة هنا, بدلاً عن الخوض في "إجتهاد فقهي" اّخر: "روح طاهرة في جسد خبيث" كان قد تسبّبَ في جعل عالي أحدي القري سافلها وأمطرها ربكَ بحجارة من سجيل.
(يتبع)