شُجيراتُ السَّلامِ النَّابتةُ على أرضٍ عَانَقَ ثَقافيُّها اجتماعيَّها .. (13)

 


 

 

د. حسن محمد دوكه

طوكيو - اليابان

dokahassan@yahoo.com

 

( إنَّها شُجيراتٌ مُحايدةُ الوُرَيقَاتِ " الطَّرَق " ، مُتجذِّرٌ فيها نبضُ البوحِ .

أو خِنجرُ الأسفلتِ " عولميُّ المنبتِ " على صَدْرِ الرَّواكِيبِ " الغَلَط " ! ).

 

" هَب أنَّك الحاج عثمان سنين، وأنتَ في الطريقِ إلى المدرسةِ الشرقيةِ لزيارةِ اِبنك، وذلك بعدَ أن هبطَّتَ – قبلَ قليلٍ – من لوري حاج عمر القادم لتوِّه من أُم شقايق!. أصلحتَ عُمامتكَ الوحيدةَ. تحسَّستَ جُزلانكَ، وحسبتَ الجنيهات التي فيه. أخرجتَ الجنيه " أبوشنّه ورنّه " إياهُ! ثم أضفتَ إليه الخمسين قرشاً التي أوصتكَ بها زوجتك ( بت النور ) لدعمِ مصروفِ ابنها الشهري، الذي – أنتَ تعرف أنَّه – سوف ينتهي في صباح الغدِ موزَّعاً بينَ الرِّفاقِ! ولكنَّك لم تنزعج. قلتَ لنفسك : " الأولادُ يصيرون رجالاً هكذا ... " .

( د. أبكر آدم إسماعيل. رواية : " الطريق إلى المدن المستحيلة " . ص: 3 ، الطبعة الثانية ، دار المفتاح للطباعة والنشر والتّوزيع ، 2006 ، القاهرة ).

هكذا، كان دخولنا الرنك " البريق "، من بوابة المدرسة المتوسطة أواسط سبعينات القرن الماضي . وقد سجَّلَ الصديق الروائي الوصّاف ( د. أبكر إسماعيل ) في روايته الرائدةِ الموسومة بـــ ( الطريق إلى المدن المستحيلة ) زبدةَ ما يجمع الأزوالَ في مسيرتهم التنويرية- التعليمية ، أوان سبعينات القرن المنصرم.

فمدرسة الرنك المتوسطة كانت " بجانب وصفنا لهاسابقاً " تجمع في فصولها الدراسية – في السبعينات - طيفاً من الطلاب المنحدرين من فسيفساء قبائل شمال أعالي النيل وأقواس قزحها. حيث انتظم في فصول دراستها أبناء دينكا أبيلانق ( كاك "رجب " لانك كاك، وكور داو، وحسن يوسف نغور، وأروب شولي ... إلخ)، وسليلو مراتع قبيلة البني هلبه ( البشاري بحاري، وصديق أحمد عربي ، وعصمت ... إلخ) ، و مستنيرو أهلنا الملكية ( محمد يوسف عثمان، خضر، محمد سعيد قرنق، نصر الدين حسن إسحاق، علي سقراط، أنس محمد نور ...إلخ )، وحفدة المك نمر المنحدرون من ديار جعل نواحي المتمة والعلياب ( عبد الكريم خلف الله " طرمبه " ، أسامه إبراهيم سعيد، أمين عز الدين، عماد سعيد ... إلخ ) ، وأولاد المك، أهل مملكة الشلك ( النور " نغور" الجاك بيل، بيتر أودونق، باشاي جيمس، بيتر أيويل .... إلخ )، وسادة حرَّاس حدود الرنك الشرقية قبالة ( جِريوه، وبُوط ) حتى تخوم المابان، رماة الطرامبيش ( السفاريك ) من أهلنا البرون ( إنَّا إيتا، وعنتر، ومُومَّا ، ... إلخ ). إضافةً إلى طلاب علم يتتلمذون على نولها ( الرنك المتوسطة ) متدفقين من بلداتٍ تتجسد فيها الروح السودانوية ، وتتوهط  – متحكرةً – في جميع مفاصلها  الاجتماعية، والثقافية، والروحية، والعقدية، المستشرفة لغدٍ أكثر تواؤماً وتوحداً تجاه وطنٍ هو السودان الذي نبتغيه جامعاً لأبنائه بمشاربهم المتنوعةِ فكرياً، ودينياً، وثقافياً،واجتماعياً، وتاريخياً، وقبلياً، وجهوياً، ونفسيا .دخلنا الرنك ( البريق ) من بواباتها المعرفية ، يحدونا الأمل في الإحاطة بما تسخو به من علومٍ ، وتجارب، ومعارف حياتية وما ورائية. فالرنك المتوسطة – آنذاك منتصف السبعينات – اُشتهرت بمبانيها الأنيقة المسايرة لنمط المدارس المتوسطة ( الجامعة ) لأهل السودان. حيث كانت هناك ثلاث داخليات للطلاب ، هي داخلية : (الدندر، والرهد، والسوباط ) . وهذه الداخليات – حتماً – تمت تسميتها على بعض أنهار الوطن ( السودان )، حيث إنَّ نهري الدندر والر هد ( نهرين موسميين ) رافدان من روافد نهر النيل الأزرق . أما نهر السوباط فهو رافد من روافد النيل الأبيض يتدفق من الشرق تجاه النيل الأبيض – غرباً -  قُبيل جنوبِ مدينة ملكال ( حاضرة أعالي النيل ).

 ونواصل .

 

آراء