السلطة والوطن ومستقبل البلاد (1) … بقلم: د. محمد الشريف سليمان / برلين
5 May, 2010
عشية الإنتخابات السودانية في الشهر المنصرم، أورد رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية في مقاله الإفتتاحي(صناديق السودان)، والمتعلق بمرارة واقع التحليل السياسي الذي يدفع الصحفي أحياناً للسقوط في أحلام مستحيلة بقوله: يبتسم الصحافي العربي حين يستـفيق ويدرك قدرة النائم على إرتكاب الأحلام والأوهام.لا أحد في هذه البقعة من العالم يقبل بإنتهاء ولايته أو دوره. لا أحد يريد مغادرة القصر إلا حين يستدعيه القبر. لا أحد يقبل الإفراج عن الأختام. لا أحد يقبل لقب الرئيس السابق...ليس هناك من شرطي يقبل التقاعد! شخصياً أخاف كلما أعلن عن إنتخابات في دولة عربية. أخاف أن يقترع الناس لطوائفهم ومذاهبهم. أن يغتنموا الفرصة للتعبير عن رغبتهم في الطلاق. والصدام. وأن تؤسس الإنتخابات لدورة جديدة من الحرب الأهلية. وأن يؤدي التشكيك بنتائجها إلى إطاحة ما تبقى من الدولة. وأن تكون صيغ التوافق بعد النتائج مجرد لعبة لتكريس الشـلل. أتمنى أن تكذب صناديق الإقتراع في السودان توقعاتي ومخاوفي. وأن تساهم في بلسمة دارفور. وأن تساعد أهل الجنوب بدراية في شجون الزواج وشئوون الطلاق. لكن التجارب علمتني أن أخاف.
تبدو هذه اللوحة القاتمة هي واقع الحدث الإقتراعي الذي جرى في البلاد، وهل كذبت صناديق الإنتخابات توقعات غسان شربل؟ هذا السؤال يبين العلاقة بين السلطة والوطن. يقول أحد المفكرين: السلطة كأشخاص ومؤسسات وعلاقات سلطوية بين الحاكمين والمحكومين، ليست الوطن، بل أداة تنفيذية لإستقلال الوطن إن كان محتلاً، ولبنائه إن كان مستقلاً، ولحمايته إن كان مهدداً. فهدف كل سلطة سياسية في أي مجتمع هو تأمين المجتمع من المخاطر الخارجية وتحقيق الوفاق والإنسجام الداخلي بين مكونات المجتمع، كما أن السلطة أحد مكونات الدولة بالإضافة إلى الشعب والإقليم. وفي جميع الحالات وبغض النظر عن مصادر شرعية السلطة السياسية القائمة يجب أن تكون العلاقة واضحة بين السلطة ذات السيادة والدولة والمجتمع، والإنسجام بين هذه المكونات الثلاثة ينتج ما يسمى الوطن كحاضنة مادية ومعنوية للمواطن وكإنتماء وشعور يحمله معه المواطن أينما حل وإرتحل.
نعم لقد إستحوذت السلطة على الوطن في البلاد، أي لقد حلت السـلطة محل الوطن! نعم لقد إصبح نضال الأحزاب ليس من أجل الوطن بل من أجل السـلطة والمحافظة عليها بأي ثمن. أن السلطة وحدها ليست وطناً والحال كذلك الدولة وحدها ليست وطناً، فالمواطن يخضع لهما قانونياً. وحتى المجتمع قد لا يشكل وطناً لأبنائه في بعض الحالات ، فكثير من الأفراد يشعرون بأنهم سكانة وليسوا مواطنيه، حيث ينتابهم إحساس بالإغتراب الإجتماعي والسياسي في مجتمعاتهم، والتطلع للهجرة للخارج .
في الديمقراطية الحقة، نجد من يتبوأ مراكز السلطة منتخبون من المجتمع، ويعبرون عن رغباته وتطالعاته، ويستطيع الشعب التحكم في ممارساتهم ومراقبتهم وتغييرهم بالإنتخابات وضغط الرأي العام، أي أن علاقة تصالحية توحد مابين السلطة والوطن، وبالتالي فإن الأحزاب والقوى التي تتنافس للوصول للسلطة لا تخرج عن إطار المصلحة الوطنية، حيث يبقى التنافس ضمن ثوابت الأمة ومرجعياتها.
تشهد البلاد منذ فجر إستقلالها صراعاً شرساً على السلطة، وغالبا ما كان صراعاً غير ديمقراطي عبر الإنقلابات العسكرية التي سمت نفسها بالثورية، أو إنتخابات شكلية، لاعلاقة لها بالممارسة الديمقراطية الحقيقية، وكل ذلك كان وما زال يتم باسم الوطن والمصلحة الوطنية أو باسم الدين . إن من يصل للسلطة ينسى كل شعارته الفضفاضة عن الوطن والوطنية، ويصبح هدفه الحفاظ على السلطة والتمتع بإمتيازاتها على حساب الوطن، ويواكب هذا إنهيار الوطن والوطنية.
ان الحديث عن السلطة السياسية في الديمقراطية الحقة يقصد به أجهزة ومؤسسات مدنية أو عسكرية ثابتة لا تتغير مع كل رئيس أو حزب جديد، وعن نخبة سياسية حاكمة تعمل بتكليف من الشعب لفترة زمنية ثم تتغير لتحل محلها نخبة جديدة. ان التداول في السلطة لا يسمح بترسيخ علاقات مصلحية دائمة، وهناك فصل ما بين السلطة والثروة، مما يجنب الوقوع في شرك الفساد والمحسوبية.
إن الذين يتمسكون بالسلطة يستقوون بالأجهزة الأمنية والجيش، والمليشيات الحزبية المشهورة بالعنف السياسي. نعم يصبح هدف هذه السلطة والنخب التابعة، ليس مصلحة الوطن، بل الحفاظ على ما بيدهم من سلطة، لأن السلطة تضمن الحفاظ على إستمرارية مصالحهم. هذه الأطراف مستعدة للدخول في حرب أهلية لضمان وجودهم، بل دفاعا عن وطن تضع السلطة مواصفاته ومرتكزاته، حيث يتماهى معها ، وبالتالي يصبح المساس بالسلطة مساساً وتهديدا لهذا الوطن، وطن السلطة، وليس وطن الشعب.
Mohamed Adam [abu_suli@hotmail.com]