العلاقات السودانية – المصرية الواقع والطموح !؟ …. بقلم: آدم خاطر

 


 

أدم خاطر
21 June, 2010

 

الذي يتابع مسيرة العلاقات السودانية المصرية فى العقد الأخير يجد أنها عبرت مرحلة المطبات والتوترات التى اعترتها فى السابق وما أدت اليه من قطيعة وتباعد فى المواقف لا تقبله الطبيعة الأزلية والجوار والمصير المشترك الذى يربط البلدين !.سواءً كانت لجهة العلاقة الثنائية أو تداعيات عمل المعارضة السودانية بكل تشكيلاته وانطلاقتها من مصر اعلاميا ودبلوماسيا وربما عسكريا فى بعض الأحيان ومرد ذلك على شعبى البلدين وحركة التواصل والتجارة والاقتصاد والثقافة وغيرها من الوشائج التى تجمع بين شعبى وادى النيل!. ولسنا هنا بصدد المزايدة أو التنويه بالدور الذى ظلت تضطلع به و تلعبه مصر فى محيطنا العربى الاسلامى أو الافريقى الاقليمى أو العالمى بحكم التاريخ والريادة التى اكتسبتها مصر عبر عقود متطاولة أهلتها لهذه المكانة ، وخصوصية العلاقة التى تربطها بالسودان على اختلاف الأراء حول ماهية ونفع هذا الدور بالنسبة لبلادنا !. ولا نريد أن نسترجع لغة العاطفة والمجاملات والنظرة الدونية التى ظلت تحكم المعيار فى النظرة الى مصر كشقيق أكبر وجوار مهم تلزمها حيالنا قواسم موضوعية  للتعاطى والانخراط فى الشأن السودانى يؤسس لهذه المكانة فى قلوب أبناء شعبنا على هدى الهموم التى جعلت من القدر أن لا يستقيم الأمن القومى المصرى دون السودان ، وتصلح المقولة على الأمن القومى السودانى دون مصر بدافع استراتيجى لا تكتيكى مرحلى ، ولكن يبقى فى النفس شىء من حتى لاختلال الموازين الضابطة لكنه هذه العلاقة رغم اللجان العليا والوزارية التى أصبحت السقف العالى لعلاقات البلدين بقيادة نائب رئيس الجمهورية فى السودان ورئيس الوزراء المصرى ، واللقاءات التشاورية الرئاسية ، وجولات اللجان التى تغطى كافة جوانب العلاقة وتستدعى الهموم والقضايا محل الاهتمام المشترك للبلدين فى لقاءاتهما السنوية الراتبة ، ولكن شواهد ما يترجم عمليا وما تنجزه هذه اللجان على الأرض لا يلبى طموحات شعوب البلدين ولا يجسد القيمة الحقيقية للخصوصية التى يرومها البعض فى العلاقة مع مصر لجملة أسباب وتقديرات بعضها غير معلوم أو مفهوم لدى الكثيرين وبعضها ما يزال قيد البحث والتدارس ،  وبعض الملفات لم يبسط للبحث والتفاوض أصلا لتقديرات واعتبارات سياسية حتى لا يعكر صفو ما وصلت اليه العلاقات من تقدم وتطور !. وبين هذه وتلك تكمن العديد من المكدرات  والمشاغل والاشارات العالقة التى توجب الروح الأخوية والجوار والخصوصية أن تمنح هذه العلاقة مساحة أكبر فى الفهم المشترك والتدوال المريح والشفيف دون تحفظ أو حرج يرتكز الى حجم كل بلد  وقدراته وحاجة بعضنا لبعض ، وتستدعى خلاله كل القضايا السهل منها والمحرج  الصعب ، مرورا بالعابر والاقليمى والدولى ومن باب أولى ما يلزم صيانة هذه الخصوصية ورفع الوعى لدى المواطن المصرى والسودانى حتى يبقى كلانا على لفظة (أشقاء) على نحو حقيقى واحترام جوهرى وندية نرومها لتعزيز قوتنا المشتركة تحمى ظهر بعضنا البعض حتى تضحى الخرطوم والقاهرة نموذجا للأخوة العربية الافريقية والجوار الآمن فى سلم ، ورافدا لتسويق الحضارة والرؤى الاسلامية والتنوع الثقافى بوسطية واعتدال يقبلها العالم ، وتشيكل أنظمة للحكم والممارسة تعضد استقرار البلدين وتحمى أمنها وتنجز مصالحها ، وكل ذلك لا يتم ولا يتأتى فى ظل انسداد أفق الحوار الصريح وتعليق الملفات والتلاوم الصامت ، والواقع الذى تنطوى عليه علاقات البلدين فى جوانبها المختلفة يظل دون الطموح فى كل شى اذا ما استدعينا احتياجات مصر الاقتصادية وازمات السودان السياسية ، ومكنوز كل بلد وقدراته الكامنة وغير المستغلة والتى توجب التبادل والمنفعة المشتركة ، وأن تعيد منظومة التكامل الاقتصادى بين السودان ومصر الى واقع جديد وهذا ما لا نراه فيما هو متاح الآن  من شواهد نعيشها  !.

ما يدفعنا للقول بذلك هو رؤية ماثلة ومنفتحة ترى اشكالات جمة وصعاب تحدق بالسودان ومصر لا تنفصل عن بعضها البعض رغم خصوصية كل بلد ، بعضها داخلى فى ظاهره ، ودوافعها ومحركاتها خارجية تآمرية تستبطن حملات ومخططات لاضعاف دور مصر التاريخى وتقزيم السودان فى محيطه على قدراته من واقع التحديات التى تواجه البلدين . والذى يقرأ التصريح الذى ورد على لسان وزير خارجية السودان الستاذ/ على أحمد كرتى فى ندوة مآلات الوحدة والانفصال فى يوم 16 يونيو 2010 م  حيث (  اعتبر وزير الخارجية السوداني علي أحمد كرتي في أول تصريحات له بعد توليه منصبه «أن الوقت قد مضى للحديث حول البحث عن معجزات لجعل الوحدة جاذبة»، وحذر من تجدد الحرب الأهلية بسبب عدم الرضاء بقبول نتيجة الاستفتاء في وقت أشار فيه إلى «ضعف الدور العربي والمصري في السودان». واتهامه أوغندا بالتخطيط لفصل الجنوب والولايات المتحدة بالحيرة ) . فانتقاء الوزيرواشارته  الى مصر تحديدا فى التعبيرعن كامل الدور العربى بالسودان تحمل دلالات وايحاءات كبيرة لا تفوت على الذهنية المصرية ، وهى تؤكد على قناعة القيادة السودانية بأهمية دور مصر والترحيب به ، وما يمكن أن تحدثه جهودها ان انطلقت ووظفت من نقلة مطلوبة فى العقل الجمعى العربى للقضايا التى تحيط بالواقع السودانى خاصة قضية السلام بمساراتها المتعددة والمياه والحدود ، ومصر ليست ببعيده عن ملفات السلام وتشعباتها وآثارها المستقبلية عليها واسقاطات الآنية ، وأن القاسم المشترك فى هذه القضايا يبقى ( جنوب السودان ودارفور ) التى تربطها بمصر هموم لاتنفك او يمكن فرزها عن الهموم الأخرى ، والتقاء مصر فيهما عبر أكثر من مصلحة وهدف هى لب ما ترمى اليه أى استراتيجية مشتركة يمكن أن تقوم بين السودان ومصر لتثوير أمنهما وطرد المحدقات التى تحوم حوله توجب أن تلتقى ارادة البلدين وعزيمتهما فى مقابلة العدو المشترك الذى يتربص بأمن مصر عبر السودان والعكس يصح !. ويبقى البعد غير المرئى فى تصريح الوزير كرتى أن علاقات السودان بمصر هى فى صدارة الأولويات الخارجية والحكومة الجديدة تبدأ فى برامجها وما يجابهها لهذه المرحلة من مخاطر ، والتنويه للأشقاء فى مصر باعادة النظر فى حجم العلاقة ومنقصاتها أكبر من أن تكون ملفا يتنقل بين الوزارات المصرية كانت الرى أو الخارجية ، أو أن يشتجر حوله بين الخارجية المصرية وجهاز المخابرات المصرية وهمومنا التى هى سياج علاقتنا تحمل مئات الملفات التى توجد آلية لائقة تقدر المستقبل لسودان يتمدد وينطلق ، و اشتراك الجهتين وان صدق حول الملف السودانى بسيادة فى النظرة الأمنية وان بقيت مهمة وحازت على الأولوية !, فالبلد الذى تحكمه أواصر قربى ووشائح بهذه الحميمية فى التداخل والانصهار لا يمكنه أن يقبل بتعاطى أمنى أو نظرة فى السياسة ترجح البعد الأمنى وتهزم الخيارات السياسية التى هى الأساس فى التعاطى وعلى بعدها يتم ترتيب الآليات الاقتصادية لانجازات المشروعات الكبرى التى توفر الأمن الغذائى والكفاية لمصر والسودان على حد سواء لتتكسر عندها صخرة الضغوط التى ظلت تمليها ارادة بعض الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة التى لن تسعد بأى تقارب مصرى سودانى يخاطب القضايا الأساسية للمواطن المصرى والسودانى وبلادنا تملك الماشية والأراضى الزراعية والسدود التى ستجعل القمح والأرز الأمريكى المتدفق بقدر صوب السويس سلاحا فاشلا فى لى الذراع المصرية ، أو فرض الارادة الأمريكية فى الدفع بأجندة الانفصال وتسويقه عبر الهالة التى تمنحها لدعاته كما فى استضافتها لباقان وما يحمل من أجندة تستهدف أمن مصر والسودان !.

عشرات الاتفاقيات السياسية والتجارية والثقافية وغيرها وقعت بين البلدين لتحقيق رغبة شعوبهما ولكن قليل منها جدا رأى النور وتجسد واقعيا ، وبقيت العديد منها عالقة أو مجمدة على الأوراق والأضابير لا يعرف لها سبب !. كم وافر من الدول من آسيا وأفريقيا وعالمنا العربى وأمريكا اللاتينية سارعت للاستثمار فى السودان وأخذ موقع متقدم لها فى خارطتنا لاستعادة مفهوم ظل حلم أهلنا أن يكون (السودان سلة غذاء العالم العربى ) الا مصر الشقيقة ما تزال تقف على البعد لا تعرف السودان كانت الحكومة أو النخب السياسية الا فى أوقات الأزمات والكوارث  مثلها تماما مثل الدول الكبرى التى تنظر الى واقعنا السياسى بمفاهيم المستعمر وأساليب الهيمنة ونربأ ان تبقى هذه الرؤى فى العقلية المصرية !. عندما يقول البعض فى السودان بأن القيادة المصرية لا ترى بالتطورات السياسية التى حدثت بالبلاد والخلخلة التى طالت تركيبتنا الحزبية والتنظيمية ، فانها تشير الى أن تحولا كبيرا قد حدث فى هذه البنية يستوجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ، لكن المظان المعرفية لدى مصر ما تزال قابعة عند المتوافر لديها من عقود وكأنها لا تعترف بهذا الذى جرى !. أو عندما تناور مصر بالتقارب مع حكومة جنوب السودان التى ظلت تتحرك بروح ونفس الدولة المستقلة وتجد من بعض البلدان الأوربية وأمريكا قبولا  وانفتاحا واستقبالا لقادتها هذا أغرى بعض دول الجوار الاقليمى أن تعاملها على ذات النسق وانطلى ذلك على مصر فركبت هذه الموجة وتوجهت باتجاه الجنوب ليس من قبيل تعزيز وحدة البلاد وصيانة سيادتها ولكن الممارسة المصرية تشىء بنكاية طالما ضمنت القيادات الجنوبية أن تجد اعترافا من مصر حال اعلان الانفصال عبر الاستفتاء ، هذا ما صرح به باقان أموم ويردده رموز الانفصال فى الحركة الشعبية !. مصر التى يتطلع لها أهل السودان أن تصطف باكرا الى الرأى الغالب لأهل السودان فى التعبير بالانجياز للوحدة والعمل لأجلها على نحو ما تمضى تدابير الدولة التى أبرمت الاتفاق بتنسيق مبدئى مع مصر ، لكنه لم ولن يصرفها عن التزاماتها الوطنية تجاه هذا الهدف ، لكن أن تبقى مصر بعيدة عنه أو تعبر عنه بالمناسبات العابرة وتتماهى بدعمها لوحدة السودان ، فان هذا الزعم لا يقوم على رجلين ولا توجد آليات مصرية داعمة وقوة اسناد عملية لخط الدولة الا من بعض اشارات هى بعض ملامح الاستراتيجية المصرية  فى تعاطيها مع السودان !. وعلى هذا النهج بقيت قضية دارفور وسلامها الذى جرى التشويش عليه وتعرض للعديد من محاولات الاختطاف والتبارى بين القوى العظمى باستخدام بعض دول الجوار للضغط على الحكومة لتقوية مواقف الحركات المسلحة والمساومة لأجلها تارة بالاستضافة والرعاية  ، وأخرى بايجاد المنابر التفاوضية الموازية لارباك المفاوضات الرئيسة بالدوحة ، أو الدعوة لمؤتمر دولى باسم دارفور دون تنسيق وتشاور مسبق مع حكومة السودان !. امتطت مصر هذا المركب وسارت فى هذا الطريق فاستقبلت خليل ابراهيم فى توقيت مفصلى كيفما كانت نواياها وسلامة مقصدها فاكسبته بذلك عمرا جديدا ومنحت حركته الحياة والخروج للعلن بما يعيد أيام التجمع الديمقراطى الحالكة من القاهرة قبل أعوام !. هكذا تتدحرج مصر الى هاوية سحيقة فى تعاملها فى الشأن السودان لا أدرى ان كان ذلك بموافقة أهل الحكم أم بعض اجتهادات أبوالغيط أو عمر سليمان أم كلاهما لأن المعيار الذى ينظر به هؤلاء يكاد يعجز عنه كل تفسير !. بينما ترسل الخارجية المصرية رسلها لاستجلاء تصريح فى ندوة عامة تتحدث عن الواجب والمستحق فى الوحدة والانفصال قيل أن ما ورد فيه أصاب القيادة المصرية بالانزعاج ، وما درينا أن عكس الحقيقة أو الجهر بها سيكون مصدر قلق ، وباطن القول يدعو مصر للعب الدور المنوط بها وتصدر قيادة التيار الداعم للوحدة بثقلها ومصالحها التى تؤمن بالوحدة ولا شىء سواها !. لاشك أن أهل السودان يدركون الاستحقاق الذى يواجهونه لهذه الناحية  ويتهياون لأسوأ السيناريوهات فيه ، ولا يملكون الخوارق والمعجزات لأجل اقناع أبناء الجنوب أواستجدائهم بالتصويت للوحدة ان كانوا لا  يرغبون فيها ، وهو ما يتضح فى الحملة الدعائية التى تقودها قيادات بارزة فى الحركة الشعبية تسعى لاقناع الدول الكبرى والاقليم برهانهم ، ومصر أضحت تساير هذا التوجه والعهدة على باقان !. فان كان ذلك بخيارهم وارادتهم فلن يكون هنالك من هو أحرص منهم على أنفسهم فى تحديد مسارهم والسعى لأجل تحقيقه !. أما مصر التى هى مخيلة أهل السودان أرادت أن تباعد بفعالها ما هو مأمول فيها ومطلوب منها لاحداث التقارب وتوجيه السياسات وقيادة المبادرات التى لا تغيب عنها وهى حاضرة فى المحافل والميادين الاقليمية والدولية الا فى محفلنا الذى يملى عليها رؤية مغايرة ووضوحا يتجاوز الطبطبة الى الطرق المباشر والقرار الجرىء حتى نبقى على أخوة لا تقف عند المدافعة باللسان، وأهل السودان فدوا مصر ولا يضيرهم أن يستعيدوا مكانهم فى الدفاع عنها كفاحا متى ما طلب اليهم من أشقائهم ، لكن الى أى قدر تستعد مصر لفداء السودان فى ملحمة قادمة تنتظره هى الأخطر فى تاريخه ستؤثر ان وقع خيار الانفصال على مستقبله وسيطال التأثير المباشر مصر واستراتيجية أمنها القومى بنحو كبير ، وهنالك فرصة لتدارك كل ذلك ووضع اليد فى اليد كى يبقى السودان موحدا ومصر مؤمنة كما فى رائعة الشيخ البرعى عليه رحمة الله ، نريد أن نرى ما يتجاوز طموحاتنا لواقع هذه العلاقة الخاصة التى تتراجع كل يوم رغم مايشير الى تعافيها ولكنها مسخنة بالشكوك والهواجس ، لا ندرى من وراءها ولماذا وكيف !؟  ويومها لن ينفع الندم ، اللهم هل بلغت فأشهد !!؟.               

adam abakar [adamo56@hotmail.com]

 

آراء