في حضرة وزير الثقافة الجديد … بقلم: محمد الشيخ حسين
abusamira85@hotmail.com
تعود معرفتي بالأستاذ السموأل خلف الله وزير الثقافة الجديد، إلى مطلع الثمانينيات الميلادية في مصر الأزهر، حيث كنا طلابا نتلمس طريقا عذبا لا يخلو من مشقة في ظل طقس متقلب بين خرطوم الرئيس الراحل جعفر محمد نميري وقاهرة الرئيس الراحل أيضا محمد أنور السادات، بفعل تداعيات ما بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
وتوطدت صلتي به في خلايا تنظيم سياسي اسمه الاتجاه الإسلامي، قطع السموأل في الدرب خطوات طويلة وخنت أنا القضية منذ الأيام الأولى. على أن حبل الود المتصل بيننا ازداد متانة على مر السنوات.
ومنذ تلك البدايات التي تختلط فيها أحلام الشباب بأوهامهم، كان السموأل متميزا ومختلفا عن جميع أبناء الدفعة في تغليب الجوانب الثقافية والفنية على جميع الأنشطة التي كانت تملأ حياتنا آنذاك.
ولعل السموأل اكتسب هذه (البصارة) من دراسته في بخت الرضا، وهي ثمار تبدو واضحة عند كل الذين درسوا في بخت الرضا قبل أن تلحقها يد الإصلاح المدمر وتحولها إلى جامعة.
يشكل السموأل في برامجه الثقافية عالما قل نظيره عند الآخرين، فهو لا يدعي أنه ينتمي أو يمثل مدرسة ما، لكنه ينفتح على عالم متنام متسع الأطراف يمتد فيه البصر فتتعدد وتتنوع خياراته، فكل عالم السموأل زوايا مشعة جاذبة إلى التأمل فيها. وينطلق في تلك الزوايا بفرضية أن الثقافة والفن من أهم المصادر التي يمكن أن تساعدنا في التعرف على أنفسنا تاريخا أو ربما حاضرا، ثم أملا في مستقبل واعد.
وفي ثنايا هذه الرؤى الوثابة، سار السموأل عبر قيادته للمجلس القومي للآداب والفنون في طريق مختلف لاستثمار الثراء والتنوع الثقافي الذي يملأ حياة أهل السودان، فتراه مرة يحتفل بهدف إبراز وجه ثقافي متجذر للراحل صلاح أحمد إبراهيم كاد أن يتوه في غيوم السياسة التي ظللت حياة صلاح. ثم يقيم في سانحة مختلفة حفلا بهيجا لتكريم عبد الباسط سبدرات. وليس لائقا أن نتساءل لماذا تكريم سبدرات، لأن تقديري أن عناية الرحمن قد أدركت الفقراء المنتمين لقبائل الفن والثقافة في بلادنا، بتعيين سبدرات وزيرا ذا نفوذ في حكومات الإنقاذ المختلفة. فهو وما زال نعم المعين والنصير في الهينة والقاسية، بل أن بعضهم يرجعون إليه (رجوع القمرة لوطن القماري).
على أن أهم ما قدمه السموأل من نجاح حتى الآن هو تبنيه لمهرجان الأغنية الجديدة، والفكرة ببساطة جمع 600 فنان من مراكز الشباب المختلفة، ومثلهم من الشعراء والملحنين لكي يتنافسوا على تقديم أغنية جديدة شعرا ولحنا وأداء. وهذه الجوقة من الفنانين استغرقت ستة أشهر لكي تتم تصفيتها إلى تسعين متنافسا، ثم تمت تصفيتهم إلى خمسة عشر فنانا تباروا في الليلة الختامية على جوائز مالية ضخمة بمقياس ما يمنح للفنان من أجر في الأجهزة الرسمية وبمقياس (العداد) في غيرها. والجوائز نفسها تبرعت بها جهات عدة تبدأ برئيس الجمهورية ونائبيه الأول والثاني وسائر الجهات الرسمية حتى الشرطة قدمت جائزتها، مؤكدة أن الفن يهذب السلوك ويحفظ الأمن.
ومن بركات السموأل أن منافسة المهرجان أديرت بشفافية عالية جعلت شاعرا في قامة إسحاق الحلنقي يفوز بالجائزة الثالثة في النص الشعري. وهذه ظاهرة صحية للتنافس في مناخ موات خال من الانحياز والأحكام المسبقة و(النقنقة).
ويبقى أن نقول إن توالي الأجيال في مسيرة الفن السوداني، يستدعي أن تعود الإذاعة السودانية إلى سيرتها القديمة في إعطاء الفنان جواز المرور إلى أذان المستمعين. وهذه مهمة ليست شاقة على الأستاذ معتصم فضل دارس الإعلام والمتمرس فيه وأكثر الناس معرفة بأن الناس على دين إذاعاتهم، والدليل أن الناس ظلت تردد على نحو قرن من الزمان (جلسن شوف يا حلاتن).