حالة طرد جديدة: الخرطوم والمنظمات الإنسانية…جدل متواصل .. تقرير: خالد البلولة إزيرق
من جديد عادت أول امس العلاقة بين الحكومة السودانية ومنظمات العون الانساني الدولي بدارفور الى التوتر مجدداً بعد أن اقدمت الخرطوم على طرد «6» من كبار موظفي الأمم المتحدة والصليب الأحمر العاملين في دارفور مغادرة البلاد بعد ان بررت لذلك بانهم ارتكبوا جرائم شخصية، اذاً حالة طرد جديدة تسجلها الحكومة ضد المنظمات الأجنبية العاملة في دارفور منذ حادثة الطرد الشهيرة لـ«13» منظمة أجنبية بعيد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير في الرابع من مارس 2009م، لتفتح حالة الطرد التي تمت أول أمس الجدل مجدداً حول عمل المنظمات الأجنبية بدارفور وعلاقاتها بالحكومة.
وتواجه المنظمات الانسانية العاملة في دارفور منذ فترة طويله في الاقليم بعمليات اختطاف متواصله لمنسوبيها الأجانب على يد مسلحين مجهولين في انحاء متفرقة من دارفور، في وقت تعيب فيه الخرطوم على تلك المنظمات عدم تنسيقها مع الجهات الحكومية المختصة لتأمين حركة موظفي تلك المنظمات، مشيرة الى ان حركة موظفي المنظمات الاجنبية في دارفور دون تنسيق مع السلطات الأمنية المختصة كثيرا ما يعرضها لحالات الاختطاف والنهب والسرقة من مجموعات مسلحة كثيرة تنتشر في الاقليم. ورغم صعوبة البيئة التي تعمل فيها المنظمات الانسانية في دارفور، إلا أن تلك البيئة التي تتباعد فيها المسافات وتقل فيها أحياناً الرقابة الحكومية مع نشاط المجموعات المسلحة ربما دفعت بعض موظفي تلك المنظمات الى ممارسات قد تتجاوز القانون المسموح لهم التعاون تحت ظله، الامر الذي كثيرا ما يحدث حالة اصطدام بين تلك المنظمات والسلطات السودانية، ويشير مراقبون الى ان بعض موظفي المنظمات الإنسانية في دارفور كثيراً ما يستثمرون الظروف الطبيعية القاسية في دارفور الى تحقيق اجندة أخرى بعيدة عما هو مسموح لهم به ممارسته.
وغدا جدل الإلتزام بالعمل الانساني وتجاوزه بين الحكومة والمنظمات الإنسانية الاجنبية في دارفور يأخذ اشكالاً مختلفه كثيرا ما يؤدي الى توترات بين الطرفين تؤثر بشكل أكبر على النازحين واللاجئين المستفيدين من عمل المنظمات الانسانية، وتراوحت درجات تعامل الحكومة معه من الانزار الى طرد موظفين ومنظمات، كان آخره ما حدث أول أمس عندما أعلن مفوض العون الانساني بولاية غرب دارفور محمد حسن عواض، عن قرار بإبعاد ستة موظفين، ثلاثة منهم يتبعون للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وموظف يتبع لمنظمة الفاو، واثنين يتبعان للجنة الدولية للصليب الأحمر، واضاف «ان كل واحد من المبعدين الستة تختلف جريمته عن الآخر، ورأى أن جرائمهم شخصية أكثر من أنها تتعلق بمنظماتهم» وكشف ان موظفي الصليب الاحمر طلبوا تقديم معينات لدعم المحتاجين في محلية نيرتتي في منطقتي (قونتي وجلدو) دون اذن مسبق بالدخول الى تلك ما يعد تجاوزا للتفويض المسموح به، واثناء عودتهما تعرضا لحادث نهب مسلح نتج عنه سلب العربة واختطاف سائقها -موظف يتبع لوزارة الصحة الولائية-، دون اخطار السلطات الا بعد مرور اكثر 24 ساعة، ما عدته الحكومة خللا وخاطبت به مسؤول المنظمة بزالنجي الذي حرر بدوره اعتذارا للسلطات التي دونت بلاغا جنائيا في مواجهة موظفي الصليب الاحمر وقررت ابعادهما من الولاية. وبشأن موظفي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الثلاثة في غرب دارفور كشف ان الموظفين طلبوا من منظمتي (nta و imt ) العاملتين في زالنجي ونيرتتي حصر حالات الاغتصاب عبر مد المنظمتين بأدوات لكشف اثار جرائم الاغتصاب، بجانب ارسال باحثين اجتماعيين الى المنطقة دون اخطار السلطات. وقال المفوض ان موظف «الفاو» تم ابعاده لان المنظمة عملت على اعداد استمارة لجمع توقيعات الفي شخص بغرض ممارسة ضغوط على السياسيين بحدوث مجاعة وفقر في المنطقة واستغلال ذلك لجمع التبرعات للمنظمة.
ومنذ بروز أزمة دارفور تنامى الحديث عن مخالفات المنظمات الأجنبية العاملة في دارفور وعن حقيقة اهدافها غير الإنسانية في دارفور، وفي بداية الأزمة ظهر اتجاه حكومي وقتها لاستبعاد المنظمات الاجنبية الموجودة في دارفور بحجة افتقارها للامكانيات الحقيقية التي تساهم بها في حل أزمة الأوضاع الإنسانية، ومن ثم خبا هذا الإتجاه، لتلوح في الأفق العام 2005م أزمة منظمتي الطفولة البريطانية وأوكسفام مع الحكومة والتي وصلت الي حد التهديد بالطرد قبل ان يتم استبدال القرار بوضعه تحت خانة التجميد، لتشهر بعدها الحكومة السودانية أكثر من بطاقة طرد في وجه موظفي المنظمات الانسانية الدولية بالسودان بحجة تجاوز السلطات والصلاحيات الممنوحة لهم، مما خلق هاجساً للحكومة دفعها لإتخاذ عدد من القرارات الاضافية لضبط عمل المنظمات الدولية الانسانية العاملة في دارفور. في وقت يصف فيه مراقبون الاجراءات الحكومية اتجاه المنظمات الانسانية الدولية احياناً بالتعسفي، ويشيرون الى ان كثيراً من قرارات الطرد التي تواجه بها الحكومة المنظمات ومنسوبيها بأنه لايخلو احياناً من الكيد السياسي الممارس بين الحكومة والمجتمع الدولي. ولكن الاستاذ عبد الله آدم خاطر، الكاتب الصحافي قال لـ»الصحافة» ان ظاهرة طرد الموظفين او المنظمات يعبر عن أزمة متنامية ولها جذور ممتدة بين المجتمع الدولي والحكومة، مشيراً الى ان العلاقة منذ يومها الأول لم تبنَ على الثقة وانما على التحايل وكسب الوقت وتفويت الفرص لذلك كل طرف يحاول ان يرد الصاع صاعين، وذلك على حساب المواطنين، واضاف خاطر «كلما تم طرد موظف او منظمة يكون ذلك على حساب المواطنين المدنيين» وقال ان اسباب الطرد التي تسوقها الحكومة للموظفين الأجانب والمنظمات هي مظهر من مظاهر عدم الثقة بين الطرفين، وقال بطرد موظف او منظمة تكون قد فقدت ليس الفرد او المنظمة وانما شبكات تعاون بشكل تلقائي كل الشبكات هذه تعمل ضدك».
وشهدت العلاقة بين المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور والحكومة السودانية حالة من التوتر منذ فترة ليست بالقصيرة أدت في كثير من الاحيان الى قيام الحكومة بطرد عدد من المنظمات والموظفين العاملين فيها من دارفور، بمبررات تجاوزهم التفويض المسموح لهم به، وتدخلهم في الشئون الداخلية مما يؤثر على الأمن القومي السوداني، وسبق لمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق الفريق صلاح قوش، أن سمي في ورشة الوجود الأجنبي واثره علي الأمن القومي التي نظمتها لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان في ابريل 2008م، منظمات بعينها قال إنها ضبطت في نشاط تخريبي وهي منظمات «كير، اطباء بلا حدود الهولندية، لجنة الانقاذ الدولية» واضاف أنها «ارتكبت تجاوزات وفبركت معلومات عن دارفور». ولكن الدكتور كيمو ابان الاستاذ بجامعة جوبا، قال لـ»الصحافة» ان هناك قرارات تتخذها الولايات تاثيراتها تكون على الدولة كلها بمثل ما حدث في قرار طرد الموظفين السته أول أمس، لذا يجب الرجوع للمركز قبل اتخاذ مثل هذه القرارات، التي بحسب رأيه أنها يمكن ان تؤدي الى ردة فعل مضادة من المنظمات الاجنبية التي قد تشترط ارجاع المطرودين او تقلل انشطتها الانسانية في دارفور، وقال كيمو «أننا نضيق الخناق على انفسنا بمثل هذه القرارات، والظرف الحالي يفرض علينا ان لانتعامل باسلوب المواجهات هذه لأنها لا تؤدي الي حل» واشار الى ان المتضرر من مثل هذه القرارات هم المواطنون المستفدون من هذه المنظمات، واضاف «بدلاً من طرد الموظف أو المنظمة يجب النظر للفوائد التي يجنيها المواطنون من هذه المنظمة» وقال ان التجاوزات التي تقع من قبل موظفي المنظمات الانسانية يجب ان تخضع لتحقيق ومن ثم احكام القانون الذي ينظم عمل هذه المنظمات، مشيرا الى ان مثل هذه القضايا يمكن ان تمضي أكثر من ذلك وتؤلب علينا المجتمع الدولي، لأن بعض المنظمات تجد دعماً من دول كبرى ومثل هذه القرارات قد تؤثر على علاقات السودان مع هذه الدول».
وكانت اكبر عملية طرد للمنظمات الانسانية العاملة في دارفور حدثت عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس عمر البشير في الرابع من مارس 2009م حينما اقدمت الحكومة على طرد «13» منظمة عاملة في دارفور من البلاد، وكانت الحيثيات الحكومية التى استندت عليها ان هذه المنظمات هرّبت شهودا و كتبت تقارير ولفقت ادلة لصالح المحكمة الجنائية الدولية، وهي ذات التهم التي كثيرا ما تساق ضد المنظمات الاجنبية في دارفور وعلاقتها بالصراع الدائر هناك، واتهام بعضها احياناً بدعم الحركات الدارفورية المسلحة. فيما يشير مراقبون الى تخوف الحكومة من الإمكانيات والقدرات التي تتمتع بها المنظمات الأجنبية في دارفور، حيث سبق للحكومة ان كشفت في العام 2009م ان ميزانية هذه المنظمات تبلغ مليار و880 مليون دولار في العام، وأنها تمتلك «5» آلاف و «805» جهاز اتصال منها «1850» جهاز HF للاتصال بعيد المدى، و «1352HF» متوسط المدى يستخدم للاتصال بين الاقاليم و 63 جهاز V.sat لنقل الصورة والصوت و 12 جهاز ربيتر لتقوية الاتصال كما تمتلك «794» جهاز ثريا ، وكان مفوض العون الانساني السابق حسبو محمد عبد الرحمن، قد كشف عن طرد الحكومة لـ«360» عاملاً أجنبياً ثبت تورطهم في أعمال منافية للعمل الإنساني، وأشار إلى أن السودان به أكثر من 150 منظمة أجنبية و2600 منظمة وطنية، وقال إن وزارته رصدت تجاوزات عدد من هذه المنظمات منذ فترة بعيدة، وأضاف: «لقد أنذرنا المنظمات بعدم تجاوز أهداف العمل الذي جاءت من أجله».
khalid balola [dolib33@hotmail.com]